لم تقدم العون لمواجهة كورونا.. لماذا اتهمت بكين واشنطن بإثارة الذعر؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"تنشر الخوف ولا تقدم العون".. بهذه العبارة علقت المتحدثة باسم الخارجية الصينية على الموقف الأمريكي تجاه أزمة فيروس كورونا الجديد الذي هاجم مدينة ووهان الصينية منذ مطلع يناير/كانون الثاني 2020.

المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشونينغ أضافت في تصريحها: "كانت الولايات المتحدة أول دولة تسحب طاقم عملها القنصلي من ووهان، وأول دولة تشير إلى سحب جزئي لطاقم السفارة، وأول دولة أعلنت حظر دخول المواطنين الصينيين، وأول دولة أوصت رعاياها بعدم السفر للصين، رغم إيضاح منظمة الصحة العالمية أنها لا توصي أو حتى تعارض السفر إلى الصين أو حتى ترى فرض قيود تجارية معها".

ونقلت صحيفة الديلي تلجراف البريطانية أن بكين اتهمت واشنطن بإثارة الذعر عبر العالم من تفشي الفيروس، مع عدم تقديمها الدعم أو المساندة.

ذلك الموقف الذي اعتبره متابعون انتهازيا وغير أخلاقي من قبل واشنطن، سرعان ما طفا على السطح، ليكشف عن نوايا واشنطن في الاستفادة من الأزمة التي تمر بها الصين.

صرح مسؤولون أمريكيون بأن فيروس كورونا يمكن أن يساعد في توفير فرص عمل بالولايات المتحدة، نظرا لأن الشركات ستنتقل بعيدا عن المناطق المتأثرة، وأدلى وزير التجارة الأمريكي ويلبر روس بتصريحات نقلتها صحيفة نيويورك تايمز قال فيها: "إن فيروس "كورونا سيكون مفيدا لنمو الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية".

مضيفا لقناة فوكس نيوز: "أعتقد أنه سيساعد على تسريع عودة الوظائف إلى أمريكا الشمالية بما فيها المكسيك، ما يعزز اقتصاد واشنطن، لا أريد التحدث عن انتصار على مرض مؤسف وخبيث جدا قبل مناقشة الفوائد الاقتصادية المحتملة للفيروس".

ورغم حديث مسؤولين أمريكيين بأن تصريحات روس من المرجح أن تغذي حالة الكراهية بين الأمريكيين والصينين إلا أن وسائل الإعلام الأمريكية مستمرة بتغطيتها الواسعة، في تصرف رأى متابعون أنه استغلال للأزمة الصحية في تحقيق أقصى فائدة في المعركة التجارية مع الصين.

حرب اقتصادية

يأتي ذلك الموقف الذي تنتهجه الولايات المتحدة تجاه الأزمة الصحية في الصين، في سياق حرب اقتصادية وتجارية معلنة تخوضها واشنطن مع بكين منذ 2008، أي مع تزايد نمو الصين الاقتصادي، في مقابل العجز التجاري الذي منيت به الولايات المتحدة، ويتجاوز 800 مليار دولار، أغلبه صبّ لصالح الصين.

اعتمدت تلك الحرب على العقوبات الاقتصادية ورفع الرسوم الجمركية على البضائع الصينية، بهدف تركيع بكين، وإبقائها أسفل معدل نمو أزمات العقود السابقة ( 6%)، الأمر الذي يبطئ من زحف الناتج المحلي الإجمالي لها بأكثر من 15 ترليون دولار. 

ترامب الذي صنف في 2016 بأنه أكثر مرشحي الرئاسة الأمريكية هجوما على الصين، توعد خلال حملته الانتخابية بفرض زيادات جمركية على المنتجات الصينية لتجاوز العجز التجاري الذي تعاني منه بلاده.

في مطلع أغسطس/آب 2019، أعلن ترامب فرض رسوم جمركية إضافية، بنسبة 10% على البضائع الصينية بقيمة 300 مليار دولار، وأشار إلى أن القرار لا يشمل الرسوم الحالية بنسبة 25% على بضائع بقيمة مليار دولار.

ورغم أن ترامب برر تلك الزيادات بتحقيق مبدأ التجارة العادلة، وتلافي العجز التجاري، وحماية الوظائف والملكية الفكرية، إلا أن ذلك مثل بالنسبة للصين، إعلان حرب تجارية واقتصادية، ومحاولة لتركيع نموها وتحجيمه، فردت عبر إجراءات مماثلة برفع رسوم جمركية على منتجات أمريكية بقيمة 50 مليار دولار.

وفي سبتمبر/أيلول 2019، أعلنت واشنطن للمرة الأولى فرض عقوبات على بكين لشرائها مقاتلات روسية من طراز سوخوي سو-35 ومعدات متصلة بمنظومة صواريخ إس-400 أرض جو.

وأعلنت واشنطن أن شراء بكين للأسلحة الروسية ينتهك العقوبات الأمريكية على روسيا. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية: إن الإجراء "يهدف إلى فرض كلفة على روسيا ردا على أنشطتها الخبيثة".

مبالغة مقصودة

استخدمت الولايات المتحدة إعلامها كوسيلة لما وصفته الخارجية الصينية" إثارة الرعب" للاستفادة من تلك الأزمة، وبرأي متابعين، فإن ذلك الفيروس ما كان له أن يحظى بتلك التغطية الواسعة من قبل وسائل إعلام أمريكية، لو كان حصل في دولة أخرى، أو حتى حصد ضحايا أكثر.

فيروس إيبولا الذي ظهر في إفريقيا قبل سنوات يعد مثالا واضحا على هذا الافتراض، حيث أصيب أكثر من 28 ألف شخص بالفيروس في الفترة من 2014 حتى 2015، توفى منهم 11 ألفا و310 أشخاص، وهو عدد يفوق ضحايا كورونا حتى الآن، ومع هذا لم يتم تناوله من قبل وسائل الإعلام الأمريكية بذلك القدر الذي حظي به فيروس كورونا.

ومنذ أعلنت الولايات المتحدة إصابة عدد من الصينيين بفيروس كورونا، بين سكان مدينة ووهان البالغ عددهم نحو 11 مليون نسمة، أصيبت المنظومة الاقتصادية بحالة من الذعر، جراء مخاوف من خروج الأمر عن السيطرة، وبالتالي تراجع الإنتاج والاستهلاك في أكبر دول العالم من حيث السكان، والمسؤولة عن سدس الإنتاج العالمي.

وأضحت الصين، أكبر مصدر للسلع في العالم، وثاني أكبر الاقتصادات الدولية، في عزلة شبه تامة عن العالم، بعد أن قررت عدد من شركات الطيران العالمية تعليق رحلاتها الجوية إلى هذا البلد، فيما سارعت دول إلى إجلاء رعاياها بعد تفشي الفيروس وارتفاع ضحاياه، وهو ما دفع بعض الشركات العالمية إلى إغلاق مصانعها في خطوة تنذر بتراجع الاقتصاد الصيني.

غبار الفيروس

إذا استمرت الولايات المتحدة في حربها الاقتصادية على الصين، فإن الأخيرة لن تتأثر وحدها، بل هناك اقتصادات عالمية كبرى ستتراجع هي الأخرى متأثرة بتراجع الصين.

دراسة أجرتها لجنة المخاطر العالمية، في عام 2016، أظهرت أن الأمراض الوبائية سوف تُكلف الاقتصاد العالمي أكثر من 6 تريليونات دولار خلال القرن الواحد والعشرين.

وفي أحدث تقرير عن خسائر الاقتصاد العالمي جراء تفشي فيروس كورونا الجديد، داخل الصين وخارجها، ذكرت وكالة "بلومبرج" الأمريكية، في تقرير  نشرته مطلع فبراير/شباط 2020، أن الاقتصاد العالمي أصبح مهددا بخسارة أكثر من 160 مليار دولار.

وأوضح التقرير أن التقديرات الأولية بهذا الشأن قد تفوق الخسائر التي تسبب بها فيروس سارس عام 2003، بمعدل يتراوح ما بين 3 إلى 4 أضعاف "لتكسر حاجز 160 مليار دولار"

إغلاق المصانع الصينية أبوابها، ولو مؤقتا، سوف يتسبب في تعطيل القطاعات الصناعية في كثير من البلدان حول العالم، وفي مقدمتها الدول الأوروبية، لأنها تعتمد بشكل كبير على سلاسل التوريدات الصينية في عدة قطاعات، أبرزها التكنولوجيا والمستحضرات الطبية والسيارات.

فضلا عن أن دولا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام يمكن أن تعيش تراجعا اقتصاديا غير مسبوق، بالنظر إلى أن 40% من إجمالي وارداتها من المنتجات المصنعة الوسيطة، تأتي من الصين، حسب إحصاءات عام 2017.

المؤكد أن المخاوف المتزايدة من فيروس كورونا، سوف تترك بصماتها بوضوح على الاقتصاد العالمي، بما يمثله الاقتصاد الصيني من إحدى المحركات الرئيسة له.