بعد بريكست.. فرص تركيا للتجارة مع بريطانيا ودخول الاتحاد الأوروبي

خالد كريزم | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تشكل حالة عدم اليقين التي تطغى على علاقات بريطانيا التجارية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، والتقلبات التي يشهدها اقتصاد تركيا بين مدة وأخرى، دافعا قويا نحو التقارب بين البلدين الحليفين في مرحلة "ما بعد بريكست".

وخرجت بريطانيا في 31 يناير/كانون الثاني 2020 من الاتحاد الأوروبي، منهية بذلك 47 عاما من الزواج الصاخب بين لندن وبروكسل ومفتتحة، بعد ثلاث سنوات ونصف من المفاوضات الشاقة، صفحة جديدة من تاريخها، قد يكون لتركيا نصيب كبير منها.

وقالت وزارة الخارجية التركية: إن "العلاقات مع المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، ستنطوي على فرص هامة من ناحية مصالح الجانبين وتعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي".

وبيّنت الوزارة في بيان لها بنفس تاريخ خروج بريطانيا، أن "وجود إرادة سياسية مشتركة حيال تطوير العلاقات في المجالات كافة بين تركيا والمملكة المتحدة بعد خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي أمر يبعث على السرور".

كما أكد السفير البريطاني في أنقرة دومينيك شيلكوت، أن فرص التعاون بين بلاده وتركيا ستشهد ازديادا بعد (بريكست)، مبينا أن "القيادة السياسية تولي أهمية لتعزيز العلاقات الثنائية مع تركيا، وأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيزيد من فرص التعاون بين البلدين".

وتابع في كلمة له بمنتدى الأعمال التركي البريطاني العاشر بإسطنبول في 4 سبتمبر/أيلول 2019: أن "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيجعل من الاقتصاد البريطاني أكثر قوة، وسيجعل من علاقات المملكة مع الدول الأخرى أكثر جدية".

التحديات والفرص

تكمن الفرص في الشقين السياسي والاقتصادي، خاصة وأن بريطانيا أحد أبرز حلفاء تركيا وأكبر الداعمين لمحاولات أنقرة الانضمام للاتحاد الأوروبي منذ بداية الستينيات، حيث دعمت علنا انضمام تركيا إلى الاتحاد في أكثر من مناسبة، الأمر الذي يعني أن ما يجمع العلاقة بين الطرفين أكثر مما يباعد بينهم.

المختص الاقتصادي الدكتور أحمد مصبح، قال: إن "بريطانيا تعتبر ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا على مستوى العالم، وهذا يعني وجود أرضية صلبة لتعزيز العلاقات بين الطرفين بما يخلق فرصا مهمة".

وأضاف مصبح في حديث لـ"الاستقلال": "اليوم ومع خروج بريطانيا رسميا من الاتحاد الأوروبي الذي يمثل أكبر تكتل اقتصادي وتجاري في العالم، تكون مرحلة جديدة للاقتصاد البريطاني قد بدأت".

ولفت إلى أن لندن أصبحت أمام تحديات اقتصادية صعبة، تكمن في قدرتها على إيجاد البدائل التي تمكنها من تعويض تداعيات الخروج على الاقتصاد البريطاني ومؤشراته.

وستكون بريطانيا، بحسب مصبح، أمام حواجز كبيرة تواجه استثماراتها وتجارتها مع الاتحاد الأوروبي الشريك الأكبر، الأمر الذي يعنى صعوبات في إمكانية الوصول إلى السوق الأوروبي، ما يؤثر على قطاع الخدمات المالية، الذي يمثل 7 بالمئة من الناتج الاقتصادي.

وتتعمق تلك المخاوف مع احتمالية رفض فرنسا وألمانيا توقيع اتفاق تجاري جديد مع بريطانيا التي تسعى إلى اتفاق تجارة حرة دائم مع الاتحاد الأوروبي شبيه باتفاق الاتحاد مع كندا.

ولكن قادة دول الاتحاد حذروا المملكة المتحدة من أنها ستواجه مفاوضات شاقة للتوصل إلى اتفاق في الآجال المحددة. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فان در ليان: إن بريطانيا وبروكسل ستصارعان من أجل مصالحهما في المفاوضات التجارية.

وعليه، يقول مصبح: "باتت المملكة المتحدة اليوم مطالبة بالتحرك في جميع الاتجاهات في محاولة منها للوصول إلى شراكات تجارية جديدة تعوض خروجها من الاتحاد الأوروبي".

ورأى أن "تركيا اليوم بموقعها الجغرافي وقيمتها السياسية والإقليمية وسوقها الضخم، ستكون أحد أهم الأبواب التى سوف تطرقها بريطانيا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسة معها، كما أن أنقرة بحاجة ماسة لتعزيز علاقاتها مع كيان مهم مثل المملكة المتحدة".

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال في مايو/أيار 2018: إن أكثر من 3 آلاف شركة بريطانية تعمل حاليا في بلاده، واصفا ذلك بـ”التعاون الذي يدعو إلى السرور”.

وقال كريس غاونت، رئيس الغرفة التجارية البريطانية في تركيا: إن المملكة المتحدة ترغب في زيادة حجم تجارتها مع أنقرة، بعد إتمام عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست".

وأضاف في مقابلة مع وكالة "الأناضول" في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي: أن "المملكة المتحدة لا تريد أن تخسر حجم التجارة الثنائية الحالية بين البلدين، الذي يقدر بنحو 18 مليار جنيه إسترليني (23 مليار دولار)، بل تريد تعزيز علاقاتها التجارية مع تركيا".

ودعا غاونت إلى شكل ما من أشكال اتفاقيات التجارة الحرة مع أنقرة، قائلا: "عندما تنظر إلى تركيا، فإنك لا تنظر إليها فقط فيما يتعلق بسوقها المحلية، ولكن أيضا تنظر إلى علاقاتها التجارية المتشعبة داخل المنطقة، لأن العديد من الشركات التركية لديها عمليات تجارية في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

الانضمام للاتحاد

إمكانية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، عادت إلى الواجهة من جديد بعد خروج بريطانيا، حيث يقول الكاتب التركي في صحيفة "ديلي نيوز" ساركان ديميرطاش: إن "بريكست لن يزيد الضغط على تركيا فقط، بل سيضيف صعوبات جديدة على العلاقات المضطربة مع الاتحاد".

واستدرك في مقال له في 1 فبراير/شباط 2020 أنه "بإمكان قوتين من حلف شمال الأطلسي من خارج الاتحاد الأوروبي (تركيا وبريطانيا)، إحداهما على الحافة الشمالية الغربية والأخرى في الجناح الجنوبي الشرقي لأوروبا، وتتمتعان بعلاقات سياسية جيدة للغاية مع إرادة قوية لتعميقهما، بالتأكيد تحويل هذا الواقع الجديد إلى ميزة".

ومع ذلك، من وجهة نظر تركيا، فإن خروج بريطانيا يعني فقدان صديق جيد جدا في الاتحاد الأوروبي الذي ظل منذ فترة طويلة يدعم عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد بمجرد استيفائها لجميع المعايير السياسية.

وقال الكاتب: "تعهدت جميع الحكومات البريطانية بدعم مهم لرحلة تركيا إلى الاتحاد الأوروبي منذ الموافقة على ترشيحها في عام 1999. ليس فقط خروج المملكة المتحدة أمر مؤسف جدا لتركيا، بل توقيته أيضا".

وحول إمكانية زيادة حظوظ تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا،  يرى أحمد مصبح في حديثه لـ"الاستقلال" أنه "ليس هناك علاقة مباشرة بين الأمرين، خاصة وأن لندن لم تكن يوما معارضة لانضمام أنقرة، وكانت تعبر عن ذلك علنا".

وهناك عامل مهم آخر حول توقيت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهو حقيقة أنه يتزامن مع تنامي النزاعات الإقليمية بين تركيا والعديد من دول الاتحاد الأوروبي بشأن ملفات مثل سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط.

ويوضح الكاتب التركي: "سيستمر التوتر بين تركيا واليونان وقبرص وإيطاليا وفرنسا وما إلى ذلك في التصاعد خلال الفترة المقبلة، لكن يبدو أن هناك حلا سهلا لهذه النزاعات الإقليمية".

وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، في 18 يناير/كانون الثاني الماضي: إن "فرص انضمام تركيا إلى الاتحاد باتت معدومة بسبب ممارساتها الأخيرة في سوريا وليبيا ومياه شرق البحر المتوسط".

فيما قالت المفوضية الأوروبية في 29 مايو/أيار 2019: إن آمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد تتلاشى بسبب "تدهور الأوضاع في المحاكم والسجون والاقتصاد".

وأضافت المفوضية في تقريرها السنوي عن التقدم الذي أحرزته أنقرة نحو الانضمام الاتحاد الأوروبي، وهو المسار الذي اتخذته رسميا منذ عام 2005: أن "تركيا مستمرة في التحرك بعيدا عن الاتحاد، المفاوضات وصلت فعليا إلى طريق مسدود".

في المقابل، يقول مصبح: "إذا ما تتبعنا الموقف التركي، نجد أن أنقرة تبحث منذ سنوات وخاصة بعد تعثر المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، عن شركاء جدد، وخروج بريطانيا يعزز قوة تحالفات تركيا بعيدا  عن الاتحاد".

مستقبل العلاقات

فيما يتعلق بالعلاقات التركية البريطانية، ستكون هذه هي المرة الأولى التي تتاح فيها للبلدين الفرصة للتعاون خارج الاتحاد الأوروبي.

في الماضي، دعمت بريطانيا مسعى تركيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي - وما زالت تشغل هذا الموقف - وتتبع سياسة متوازنة لا تضر بعلاقاتها مع تركيا أو الاتحاد على حد سواء، وفق تقرير لـ"ميدل إيست مونيتور".

وقال التقرير المنشور في نوفمبر/تشرين الثاني 2019: إنه "بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، يمكن أن يكون للحكومة البريطانية علاقة أكثر استرخاء مع أنقرة. تتجلى هذه الثنائية اليوم في التعاون العسكري والاقتصادي".

وتابع: أن "لندن وأنقرة يمكنهما التعاون في مسائل السياسة الخارجية أيضا وهي فرصة كبيرة"، لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يشكل خطرا على العلاقات بين تركيا والاتحاد.

بغض النظر عن مدى تعقيد الأمر وخطورته، يمكن -بحسب التقرير- تحويل العلاقات بين البلدين إلى فرصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، "حيث سيشكل التعاون العسكري والاقتصادي على وجه الخصوص فائدة كبيرة لتركيا وسيزيد من فعالية بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا بعد انسحابها من سوق الاتحاد".

ويوضح التقرير أن بريطانيا تحتاج إلى حليف قوي في الشرق الأوسط، وإنها لن تتردد في اختيار تركيا كشريك آمن للتغلب على التحديات التنافسية في المنطقة.

في المقابل، يقول المعهد الإحصائي التركي (TÜİK): إنه "رغم أن المسؤولين الأتراك يرون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثل فرصة لتعزيز العلاقات التجارية بين لندن وأنقرة، إلا أن علاقة الاتحاد الجمركي التركي مع أوروبا من الممكن أن تعقد الأمور".

وأضاف المعهد في تصريحات له نهاية يناير/كانون الثاني 2020، أن الاتحاد الجمركي لتركيا يضع أنقرة في وضع غير موات عند التعامل مع بلدان الطرف الثالث التي تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي، حيث يتعين عليها الالتزام بالسياسة التجارية الأوروبية، مما يعني أنه عندما يوقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية تقلل من الحواجز التجارية مع أي بلد خارج الاتحاد، سوف ينطبق هذ أيضا على تركيا".

وتابع: "نظرا لأن تركيا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، فإنها لا تحصل على نفس إمكانية الوصول التفضيلي والامتيازات لصادراتها التي يخرجها الاتحاد من اتفاقيات التجارة الحرة".

"وحتى إن اختارت تركيا التفاوض حول صفقاتها الخاصة مع دول خارج الاتحاد الأوروبي، فدول الاتحاد لديها حافز ضئيل للتفاوض معها لأنهم يمكنهم الحصول على هذا الوصول التفضيلي للسوق التركية من خلال صفقات تجارية مع سوق الاتحاد الأوروبي الأكبر بكثير"، وفق المعهد.

وفي مايو/أيار 2019، أبدى وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبقجي تفاؤله بقدرة الاتفاقية التجارية المقترحة على رفع التعاون بين البلدين، لتصبح بريطانيا الشريك التجاري الأول لتركيا. وقال الوزير: "ما نحضره مع المملكة المتحدة أنه فور خروجها من الاتحاد الأوروبي عام 2020، ستكون هناك اتفاقية تجارة حرة شاملة جاهزة بين بريطانيا وتركيا".

وتربط البلدين حاليا اتفاقيات تجارية ضمن الاتحاد الأوروبي، إذ تلتزم تركيا باتحاد جمركي محدود مع الكتلة الأوروبية، يسمح لها بالتجارة الحرة مع بريطانيا، إلا أن الاتفاق الحالي محدود بالبضائع التجارية ولا يشمل المنتجات الزراعية والخدمات الاقتصادية الأخرى.

وتسعى تركيا لتعديل شروط الاتفاق الذي تم توقيعه عام 1995، إذ إنها وفق الشروط الحالية لا تستطيع التدخل في الصفقات التجارية التي يعقدها الاتحاد الأوروبي، بينما يتوجب عليها قبول تبعات هذه الصفقات، ومثالها أن جنوب إفريقيا والمكسيك تستطيعان الوصول للسوق التركية عبر هذه الاتفاقية من دون أن تتمكن أنقرة من الوصول إلى سوقي هذين البلدين.