اتهمت المليشيات.. كيف سترد واشنطن على قصف سفارتها ببغداد؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تزال سفارة الولايات المتحدة وقواتها، تتلقى الضربات الصاروخية في العراق، من مليشيات شيعية موالية لإيران، رغم الرد العنيف الذي نفذته واشنطن، وأفقد طهران قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في 3 يناير/كانون الثاني 2020.

آخر تلك الضربات كانت في 31 يناير/كانون الثاني 2020، إذ استهدفت 5 صواريخ قاعدة القيارة العسكرية، التي تضم قواتا أمريكية في محافظة نينوى، لكنها لم تسفر عن سقوط إصابات.

أمريكا غاضبة

لكن هجوما وقع قبل ذلك بخمسة أيام، استهدف السفارة الأمريكية في بغداد بثلاثة صواريخ وأدى إلى سقوط 3 إصابات في صفوف موظفيها، أغضب واشنطن، ودفعها لمنح الحكومة العراقية مهلة مدة محددة، للكشف عن الأطراف المهاجمة.

وفي اتصال أجراه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، مع رئيس الحكومة العراقية المستقيل عادل عبدالمهدي، أعرب الأول عن غضبه بشأن "الهجمات الإيرانية" على سفارة بلاده في العاصمة العراقية بغداد.

وجاء في بيان الخارجية الأمريكية، "أعرب وزير الخارجية بومبيو عن غضبه بشأن مواصلة الميليشيات الإيرانية في العراق الهجوم على المنشآت الأمريكية في العراق، بما في ذلك الهجمات الصاروخية على السفارة الأمريكية، والذي أدى إلى إصابة شخص".

وجدد الوزير الأمريكي القول: "هذه الهجمات تظهر الخرق الصارخ للسيادة العراقية وعدم القدرة على كبح جماح هذه الجماعات المسلحة الخطيرة"، بحسب البيان.

وقبل ذلك، أصدر عبدالمهدي، بيانا حذر فيه من تعرض البلاد لتداعيات خطيرة نتيجة هذه الأعمال، مؤكدا التزام حكومته بحماية البعثات الدبلوماسية، كما أشار إلى إصداره أوامر باعتقال المنفذين وتسليمهم إلى القضاء.

وفي السياق، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في بيان: "ندعو حكومة العراق إلى الوفاء بالتزاماتها لحماية منشآتنا الدبلوماسية"، مبينا: "منذ أيلول/سبتمبر 2019، وقع أكثر من 14 هجوما من جانب إيران والمليشيات المدعومة إيرانيا ضد موظفين أمريكيين في العراق".

وشدد المتحدث الأمريكي على أن الوضع الأمني "لا يزال متوترا، وما زالت الجماعات المسلحة المدعومة من إيران تُشكل تهديدا. لذلك، نبقى يقظين".

ويعتبر الهجوم الصاروخي الذي استهدف السفارة هو الخامس من نوعه، منذ مقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في ضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد في 3 يناير/كانون الثاني 2020.

المليشيات تتبرأ

على وقع هذه الهجمات ضد السفارة الأمريكية في بغداد، أصدر زعيم مليشيا "بدر" هادي العامري، بيانا قال فيه: إن "قصف السفارة الأمريكية يهدف إلى إعاقة رحيل القوات الأجنبية من العراق".

وأضاف: أن "هذه الاعمال التخريبية هدفها خلق الفتنة وإعاقة مشروع السيادة ورحيل القوات الأجنبية التي صوت عليها مجلس النواب العراقي". وتابع: "نرفض الاعتداء على مقر السفارات والبعثات الدبلوماسية الأجنبية في العراق". ودعا العامري الحكومة إلى "العمل الجاد في حماية البعثات الدبلوماسية وكشف المتورطين بها".

كما نفت مليشيا "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي المنضوية بالحشد الشعبي، مسؤولية ما أسمتها "فصائل المقاومة العراقية" عن استهداف السفارة الأمريكية بهجوم صاروخي، مبينة أن تلك الفصائل استغنت عن استخدام صواريخ "الكاتيوشا" منذ فترة.

المتحدث العسكري باسم العصائب، جواد الطليباوي، قال في بيان: "أكدنا سابقا أن ردنا على عملية اغتيال الحاج أبو مهدي المهندس لا يقل عن مستوى رد الجمهورية الإسلامية على اغتيال الحاج قاسم  سليماني".

لكن المتحدث السياسي باسم "عصائب أهل الحق" محمد الربيعي، قال: إن "الجماعات المرتبطة بواشنطن، هي التي استهدفت السفارة الأمريكية في بغداد بقصف صاروخي قبل أيام".

وقال الربيعي: "الفصائل المعروفة التي شكلت جبهة المقاومة وأبرزها العصائب وكتائب حزب الله، لا علاقة لها بضرب السفارة". وأضاف: "لدينا معطيات ومؤشرات بأن العملية وغيرها من تنفيذ جماعات مرتبطة بالأمريكان هدفها صناعة سخط شعبي وحكومي ودولي تجاه الحشد الشعبي وحركات المقاومة التي انبثق عنها".

وشدد على أن "هذه ليست بجديدة وكنا نتوقع وما زلنا، أن يقوموا بأكثر منها... الحشد الشعبي موقفه موقف الدولة العراقية الرسمي".

من يقصف؟

الهجمات التي أحرجت العراق، أثارت تساؤلات بخصوص الجهات التي تقف وراءها في وقت لا يزال فيه التوتر سيد الموقف بين بغداد وواشنطن عقب مقتل سليماني والمهندس، وإصدار البرلمان والحكومة قرارا بإجلاء القوات الأمريكية.

لتحديد الجهات التي قصفت السفارة الأمريكية، انبرى عدد من المحليين والخبراء في الشأن الأمني العراقيين، حيث رجح رئيس "مركز الهدف للدراسات الإستراتيجية"، هاشم الكندي، أن تكون واشنطن هي وراء تدبير الهجوم الأخير الذي استهدف سفارتها وسط العاصمة بغداد.

وقال الكندي في حوار تلفزيوني مع قناة "دجلة" العراقية: إن "المقاومة الإسلامية في العراق لم تطلق أية صواريخ على أي هدف أمريكي في العراق، وهي لا تخفي شيئا بخصوص ذلك"، لافتا إلى أن "فصائل المقاومة إذا أطلقت صاروخا ستعلن عنه وتتشرف بذلك، ولو كانت قد ضربت مؤخرا لأعلنت عنه".

أما الخبير بالشأن الأمني هشام الهاشمي، فرأى أن أخطر ما في استهداف السفارة الأمريكية، هو كسر قيود خطاب مليونية يوم 24 الذي تبناه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مشيرا إلى أن "المعطيات تؤكد أن الفاعلين هم مفرزة من (القوة الصاروخية)، التي تتبع أحد الفصائل المسلحة الشيعية".

وكشف الهاشمي عبر تغريدة في "تويتر"، أن "سفارات التحالف الدولي (ضد تنظيم الدولة)، عقدت اجتماعا وتضامنت كليا مع أي موقف رادع يتخذ من الإدارة والقوات الأمريكية".

وفي السياق ذاته، قال أستاذ الأمن الوطني في جامعة النهرين العراقية الدكتور حسين علاوي في تصريحات صحفية: إن "الفصائل الأساسية والقوى السياسية الشيعية تحدثت بصورة واضحة عن عدم علاقتها بالهجمات، لكن هناك فصائل أخرى غير معلن عنها، تكون خيطية التنظيم وغامضة، تستخدم مناطق نائية في جنوب شرق بغداد".

وأشار علاوي إلى أن "هذه الفصائل هي موالية لإيران تحاول إحراج الحكومة العراقية، وتحرج حتى القوى الشيعية في ظل هذا الصراع المحتدم بين ونشطن وطهران".

الرد المحتمل

تكرار الهجمات دفع الولايات المتحدة إلى التفكير بتعزيزات دفاعية متقدمة، إذ أعلن وزير الدفاع مارك إسبر، أن واشنطن تحاول الحصول على موافقة العراق لإدخال أنظمة صواريخ باتريوت الدفاعية للبلاد للدفاع عن القوات الأمريكية، بعد هجوم إيران الصاروخي في 8 يناير/كانون الثاني 2020، وأسفر عن إصابة 50 جنديا أمريكيا.

وقال إسبر خلال مؤتمر صحفي في 31 يناير/كانون الثاني 2020: "نريد الحصول على موافقة العراقيين"، لافتا إلى أن "تأمين الحصول على هذه الموافقة كان أحد أسباب بطء إعادة نشر الدفاعات الجوية".

وأردف: أن "الجيش الأمريكي ما زال يبحث العديد من التفاصيل التكتيكية؛ مثل أفضل الأماكن لنشر تلك النظم الدفاعية"، دون الإشارة إلى قصف السفارة والقوات  الأمريكية المتكرر.

لكن السياسي العراقي المقرب من الإدارة الأمريكية انتفاض قنبر، كشف في تصريحات صحفية عن اتخاذ واشنطن قرارا بالرد على قصف سفارتها في العاصمة العراقية بغداد من المليشيات الموالية لإيران.

وقال خلال تصريحاته التي نشرتها مواقع محلية مطلع فبراير/ شباط 2020: إنه "وفق المعلومات المتوفرة لدينا من قيادات عليا في الادارة الأمريكية، فانه سيكون هناك رد أمريكي على قصف مليشيات إيران السفارة في بغداد، والرد سيكون قويا جدا، لردع المليشيات عن تكرار هذه الأعمال".

وأوضح قنبر أن "الرد سيكون عسكريا، يشمل استهداف قادة المليشيات، كما سيكون هناك رد اقتصادي، بفرض عقوبات على بعض قيادات المليشيات، وتصنيفها وقادتها كإرهابيين، كما حصل ذلك مع قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وقيس الخزعلي مؤخرا".

وحسب قوله: فإن "الإدارة الأمريكية، أبلغت بغداد، في وقت سابق، أن أي تعرض لمصالحها في العراق، سيكون لها رد من أجل الدفاع عن نفسها، والرد الأمريكي، سيكون دفاعيا وليس هجوميا".

ولفت قنبر إلى أن "الرد الأمريكي، هذه المرة قد يشمل الحكومة العراقية، بعقوبات أيضا، كونها متورطة ومتعاونة مع المليشيات وقادتها، وهذا الأمر قد يسبب فرض عقوبات على بغداد، وعلى رأسها منع أي استثناءات لها من التعامل مع طهران، خصوصا فيما يتعلق بقضايا الطاقة".

بانتظار التحقيقات

وفي السياق، كشفت تقارير صحفية، أن الولايات المتحدة أمهلت الحكومة العراقية مدة محددة، للكشف عن الأطراف التي تقصف السفارة الأمريكية في بغداد، مؤكدة أن واشنطن أعدت لائحة بشخصيات مقربة من إيران، قد تبدأ عملية واسعة لاستهدافها.

ونقلت التقارير عن مصادر سياسية عراقية (لم تكشف اسمها) أن الولايات المتحدة أبلغت فعلا الحكومة في بغداد بأنها ستختار الزمان والمكان الملائمين للرد على استهداف سفارتها في بغداد الذي تسبب في إصابة موظف أمريكي.

وتتحدث المصادر عن لائحة أمريكية بأسماء من يمكن أن يشملهم الرد على قصف السفارة تضم أبرز زعماء المليشيات العراقية الموالية لإيران، في مقدمتهم قيس الخزعلي زعيم "عصائب أهل الحق"، وشبل الزيدي زعيم "كتائب الإمام علي"، وأبو آلاء الولائي زعيم "كتائب سيد الشهداء"، وأكرم الكعبي زعيم "حركة النجباء"، وقادة ميدانيين في "كتائب حزب الله" بالعراق و"سرايا الخرساني" و"منظمة بدر".

وتشير التقارير الصحفية إلى أن واشنطن ربما أطلعت بغداد بشكل مباشر  على هذه اللائحة، على أمل دفعها إلى اتخاذ إجراءات سريعة تجنب جميع الأطراف خوض مواجهة أوسع.

واتساقا مع هذا الطرح، رجح المستشار السابق للتحالف الدولي كاظم الوائلي، أن "تُقدِم واشنطن على اغتيال شخصيات عراقية متورطة باستهداف السفارة".

وقال الوائلي في حوار تلفزيوني مع قناة "دجلة": إن "الأمريكيين متأكدون من الجهة الجغرافية التي أطلقت الصواريخ باتجاه السفارة، والولايات المتحدة لديها ضباط استخبارات بالسفارة الأمريكية وستنتظر نتائج التحقيقات ومن ثم سيأتي الرد".

وأشار إلى أن "الضربات التي استهدفت السفارة سابقا، تختلف عن الضربة الأخيرة، لأن هناك صواريخ سقطت بالسفارة، وأن اليومين المقبلين سيوضحان كل شيء".

وأوضح الوائلي، أن "الولايات المتحدة سترد بضربات سريعة ضد المتورطين بقصف السفارة، وهناك عمليات اغتيال للمتورطين ومن يقف خلفهم أو ربما تُفرض عقوبات اقتصادية"، مؤكدا أنهم "ينتظرون اكتمال التحقيق الخاص بهم وتحديد الجهة المهاجمة، لكي يردون عليها".