حماس ومصر.. هكذا تفرض الجغرافيا واقع المصالح المشتركة

عدنان أبو عامر | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ما زالت الجغرافيا تفرض نفسها على علاقة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بمصر بين كل جولة وأخرى، وهو سلوك معهود في العلاقات السياسية بين الدول والكيانات، لكن آثاره تتضح أكثر فأكثر كون مصر المعبر الوحيد لقطاع "غزة" الذي تديره حماس؛ ما يدفع الأخيرة للحرص أكثر من سواها على علاقة قوية متينة مع القاهرة، رغم ما بينهما من تباينات لا تخطئها العين.

لا تكاد علاقات حماس مع مصر تستقرّ على حالة واحدة؛ لأنّها تعيش وضعا من عدم الاستقرار والتذبذب، بين توتّر يوشك أن يعصف بعلاقاتهما ليوصلها إلى مرحلة القطيعة الكاملة، وفتور يحافظ على الحدّ الأدنى من التواصل.

تأرجح العلاقة

مع العلم أن علاقة حماس ومصر مرت بمراحل عديدة خلال العقد الأخير، ففي حين اتسمت بتوتر شديد خلال حقبة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، مما دفعها للترحيب بثورة يناير 2011 التي أطاحت به، حيث أعربت الحركة على لسان طاهر النونو المسؤول الإعلامي عن تفاؤلها بالثورة المصرية، وأن الشعب الفلسطيني خرج في مظاهرات عارمة ابتهاجا بنجاح الثورة المصرية.

أما في مرحلة الرئيس المنتخب محمد مرسي، فقد اعتبرتها حماس شهر عسل لم يدم أكثر من عام، فقد أقامت الأخيرة في غزة احتفالات شعبية عارمة بفوز مرسي في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر في 24 يونيو/حزيران 2012، حيث تعززت علاقة الحركة بالقاهرة، إلى الدرجة التي دفعت الأخيرة لإيفاد رئيس وزرائها الأسبق هشام قنديل إلى غزة في ذروة الحرب الإسرائيلية على القطاع في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وهي الزيارة التاريخية الأولى لمسؤول مصري بهذا المستوى.

لكن العلاقات تدهورت بين مصر وحماس بعد الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي ضد مرسي، حيث انحدرت علاقتهما بصورة أسوأ ما كان عليه الوضع في حقبة مبارك، وتمثل ذلك بإغلاق الأنفاق التجارية بين غزة وسيناء في فبراير/تشرين الثاني 2014، وإعلان القضاء المصري، حماس حركة إرهابية في مارس/أيار 2015، وشن حملات إعلامية قاسية عليها، واتهامها بالتورط في عمليات مسلحة شهدتها الأراضي المصرية في مرحلة ما بعد ثورة يناير 2011.

رغم التأرجح الذي اتسمت به علاقة مصر وحماس خلال السنوات الأخيرة، لكن الحاجة العضوية بين الجانبين، يجعلهما مضطرين للوصول بهذه العلاقة إلى أقل مستوى من التوتر، وإن استطاعا تحسينها قدر الإمكان.

فغزة بحاجة إلى مصر بسبب معبر رفح الحدودي بينهما للتواصل مع العالم الخارجي، وهو المنفذ الوحيد تقريبا لسكان قطاع غزة، وكذلك للتزود بالبضائع والسلع التي لا تتوفر في القطاع، أما مصر فهي تحتاج إلى حماس لضبط الوضع الأمني على الحدود المشتركة، ومواجهة المجموعات المسلحة في سيناء، التي تستهدف النظام المصري، وقد حققت حماس والمخابرات المصرية منذ فبراير/تشرين الثاني 2017 تعاونا ملحوظا في هذا المجال.

المختطفون الأربعة

شهدت الأشهر الأخيرة مراحل من المد والجزر في علاقة حماس ومصر، آخرها مسألة الإفراج عن مختطفي حماس الأربعة، الأعضاء في جناحها العسكري، في 28 فبراير/شباط الماضي، بعد أن مضى على اختطافهم داخل مصر في 20 أغسطس/آب 2015، رغم أنهم مسافرون خارج أراضيها للحصول على دورات تدريبية عسكرية، لكن القاهرة احتجزتهم طيلة هذه المدة.

مرت قضية المختطفين الأربعة بمراحل عدة: أولها، الإنكار أنهم محتجزون لدى الأمن المصري. وثانيها، تقديم وعد لحماس بالبحث عنهم. وثالثها، إعطاء رسائل ضبابية بأنهم قد يكونون بحوزة أحد الأجهزة الأمنية. ورابعها، الإفراج عنهم بصورة مفاجئة.

قبل إفراج مصر عن نشطاء حماس مكث إسماعيل هنية رئيس مكتبها السياسي فيها قرابة ثلاثة أسابيع بين 3-27 فبراير/شباط الماضي، بحث خلالها مع المسؤولين المصريين القضايا المشتركة، وشهدت إعلانه في 17 فبراير/شباط الماضي عدم ارتباط حماس بجماعة الإخوان المسلمين.

بدا لافتا أنه خلال مكوث هنية في مصر أصدر عضو المكتب السياسي لحماس محمود الزهار في 25 فبراير/شباط الماضي تصريحات غير مألوفة، قال فيها: إن "مصر لم تحقق الوعودات المتعلقة بإحداث اختراق حقيقي في الملفات المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والإنسانية في غزة، وأن أهالي القطاع لم يلمسوا تحقيقا لما وعدت به مصر حتى اللحظة، وأن حماس تنتظر من مصر ترجمة عملية على الأرض لما وعدت به مؤخرا".

في اليوم ذاته، خرج موقف مناقض عن خليل الحية عضو المكتب السياسي لحماس الموجود في القاهرة، الذي قال: إن "زيارة قيادة حماس لمصر حققت أفضل نتائج مرجوة على صعيد العلاقات الإستراتيجية الثنائية، ورفع حصار غزة، والمصالحة الفلسطينية، والأمن القومي المصري".

وتعليقا على ذلك، قال المتحدث باسم حماس، حازم قاسم: إنّ "علاقتنا مع مصر تتطور بشكل إيجابي، وتنسيقنا مشترك لضمان الأمن بين غزة وسيناء، فحماس تعتبر الأمن المصري جزءا من أمن غزة، وهناك قناعة مصرية بأن حماس لا تتدخل في شؤونها، ولم يقم عناصرها بأي سلوك ضد مصر".

وأضاف قاسم، في حديث لـ"الاستقلال": "الآن، تتطور علاقتنا بشكل ثابت نحو الأفضل، مع تواصلنا المستمر في ملفّات مختلفة، مما زاد من مساحة المصالح المشتركة التي تخدمنا معا، سواء التخفيف من ظروف حصار غزة، أو حفظ الوضع الأمني المصري في سيناء".

اتهامات وإدانات

في ذروة زيارة حماس لمصر، خرجت أصوات مصرية تهاجم الحركة؛، لأنها ما زالت مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، حتى أن مصطفى بكري الإعلامي الأكثر قربا وتسويقا للنظام اتهم حماس في 27 فبراير/شباط الماضي، بالمسؤولية عن قتل جنود مصريين في هجمات بسيناء، ولديه "الأسماء المتورطة من حماس"، على حد زعمه.

من جهته، ادعى اللواء عادل عزب، مسؤول ملف الإخوان المسلمين الأسبق بجهاز أمن الدولة المصري، في 28 فبراير /شباط أن من اقتحموا حدود مصر عشية ثورة يناير/كانون ثاني 2011، كانوا من كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، وعددهم 800 عنصر؛ لإشاعة الفوضى في الميادين واقتحام السجون وأقسام الشرطة.

تخرج الاتهامات المصرية لحماس مع أنها دأبت على إدانة العمليات المسلحة ضد الجيش المصري في سيناء وغيرها، واعتبرتها أعمالا إرهابية تستهدف أمن مصر واستقرارها، كان آخرها يوم 16 فبراير/شباط 2019، و2 نوفمبر/تشرين ثاني 2018، و11 سبتمبر/أيلول 2017، و3 يوليو/تموز 2015.

وأعلنت وزارة الداخلية بغزة التي تشرف عليها حماس يوم 28 يونيو/حزيران 2017، إنشاء منطقة أمنية عازلة على حدود غزة وسيناء، بطول 12 كيلومترا وعمق 100 متر، ونشر منظومة كاميرات وأبراج مراقبة، وشبكة إنارة كاملة، استجابة لطلب مصري لمنع المتسللين من استخدام الحدود المشتركة في التسلل من وإلى الأراضي المصرية؛ مما تسبب في قطيعة قاسية للعلاقات بين حماس والمجموعات المسلحة بسيناء.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال رئيس التحرير السابق لصحيفة فلسطين مصطفى الصواف: إن "هناك تطورا في العلاقة بين حماس والنظام المصري الحالي، لكن هذا التطور مرتبط بالمصالح، فلمصر مصالح تريد أن تحققها من حماس، والأمر في هذه الحالة يعود للحركة، فإن كانت هذه المصالح تتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني، فلن تقبل بها".

هنية في مصر

رغم أن زيارة إسماعيل هنية إلى مصر استغرقت قرابة 25 يوما، لكن الأخيرة لم تسمح لرئيس المكتب السياسي لحماس بالخروج منها لتنظيم جولة خارجية تشمل عددا من دول المنطقة والعالم، وقد تحدثت في وقت سابق مصادر من حماس، لم تكشف عن هويتها، أن "هنية سيجري عقب زيارته للقاهرة جولة خارجية تشمل دولا عربية وإسلامية، كقطر ومصر وتركيا وإيران والجزائر، ولبنان والكويت وموريتانيا وماليزيا وإندونيسيا والمغرب".

لكن مصر لم تسمح لهنية بتنفيذ الجولة، مما يحرم قيادة حماس من التواصل مع عواصم مؤثرة في الإقليم والعالم، ويجعلها مقتصرة على القاهرة فقط، وهو ما لا يحقق للحركة تطلعاتها السياسية الخارجية.

قبل التطورات الأخيرة بعلاقة مصر وحماس، باتت علاقتهما أكثر تماسا مع انطلاق مسيرات العودة بغزة منذ 30 مارس/آذار 2018، وارتفاع التوتر الأمني بين حماس وإسرائيل وكان آخرها في نوفمبر/تشرين ثاني 2018، والخشية من وصوله حد المواجهة المفتوحة؛ مما يستدعي تدخل الوسيط المصري باعتباره "طفاية حرائق"، كي لا تتوسع رقعة التصعيد العسكري، حيث تلجأ تل أبيب دائما للقاهرة للضغط على حماس لتخفيف المسيرات الشعبية، في ظل تأثيرها المتنامي على الحركة.

يتزامن تقارب مصر مع حماس مع التحضيرات الأمريكية لإعلان صفقة القرن، مع تعويل الأخيرة على دورها بإقناع الحركة بأن يكون لها دور لإتمامها، وإن لم تنجح بجعل حماس تقبلها، فلا أقل من عدم معارضتها على الأرض، رغم إعلان هنية في مطلع مارس/آذار الجاري، أنه أبلغ المسئولين المصريين خلال زيارته الأخيرة، رفض حماس لصفقة القرن.

مصالح متبادلة

ورأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة بغزة، حسام الدجني أن هناك حاجة مشتركة لعلاقة مستقرة بين حماس ومصر، لأكثر من سبب، أهمها تردي الحالة الأمنية بسيناء، والمصلحة بضبط حدود غزة، وخشية مصر من تشديد الخناق على غزة؛ لأنه قد يدفع الفلسطينيين لاقتحام حدودها كما حصل في 23 يناير /كانون ثاني 2008، وجهود حماس بكبح جماح المجموعات المسلحة، التي يتنقل أفرادها بين غزة وسيناء.

لا يخفي المسؤولون المصريون قلقهم من فقدان تأثيرهم في غزة، مع دخول أطراف قطرية وأممية على خط معالجة أزمتها الإنسانية، وظهور عدم ارتياح مصر من دخول المنحة المالية القطرية إلى غزة بقيمة 150 مليون دولار منذ نوفمبر/تشرين ثاني 2018، وعدم تشجع مصر لإقامة أي ممر مائي أو ميناء لغزة بديلا عن معبر رفح، وفقا لدراسة أعدها مركز "مسارات" في رام الله.

رغم التحسن الظاهري في العلاقات بين حماس ومصر، لكن يصعب أن تصل إلى التفاهم الاستراتيجي، لما يحمله كل منهما من تباين واضح في العلاقة مع إسرائيل، وعملية التسوية، والتطبيع معها، والموقف من اصطفافات الإقليم؛ مما يرجح أن تبقى العلاقة في الإطار التكتيكي، وفقا لمراقبين.