الحمام التركي.. اغتسال واستشفاء وحنة العروس ولقاء الأصدقاء

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم أن الحضارة اليونانية والفرعونية عرفت الحمامات البخارية قديما، إلا أنها شهدت إبان الدولة العثمانية انتشارا واسعا وحظيت بشهرة كبيرة، مستفيدة من الازدهار الثقافي للإمبراطورية العثمانية، مصحوبة باعتقاد راسخ في كون تلك الحمامات تساعد الجسم على التخلص من سمومه.

اهتمت الدولة العثمانية بتلك الحمامات، وقامت بتطويرها وتوسيعها حتى غدت على الشكل التي هي عليه اليوم، وكانت جزءا لا يتجزأ من القصور العثمانية، حيث كان كل سلطان يأمر ببناء حمام ملحق في فناء قصره، حتى وصل عدد تلك الحمامات إلى 14 ألفا.

انتشرت تلك الحمامات انتشارا واسعا إبان الدولة العثمانية، وتحولت لظاهرة ثقافية واجتماعية، والأهم من ذلك أن السلاطين العثمانيين قاموا بتحويلها من مرافق خاصة بهم إلى منشآت متاحة للعوام من الناس، بعد أن كانت حكرا على الحكام والطبقة الثرية في الإمبراطورية الرومانية، حتى احتوت مدينة إسطنبول لوحدها على 150 حماما عاما.

تم تصدير فكرة الحمامات إلى الدول التي كانت خاضعة للحكم العثماني حينها، كظاهرة ثقافية، ومثلت تلك الحمامات إحدى المظاهر البارزة التي أرخت لمرحلة مهمة من تاريخ تلك الدول.

في اليمن على سبيل المثال حظيت مدينة صنعاء القديمة بعدد كبير من تلك الحمامات البخارية، التي مازال البعض يسميها الحمامات التركية، وشهدت إقبالا كبيرا استمر حتى اليوم، ومن أشهر الحمامات العثمانية التقليدية حمام الحميدي الذي بني قبل 550 عاما، أو حمام الأبهر في قلب صنعاء القديمة الذي بني قبل 410 أعوام.

عجائب هندسية

كانت الهندسة المعمارية التي حظيت بها تلك الحمامات محط إعجاب الكثيرين، فبناؤها تم تصميمه ليحتفظ بدرجة الحرارة، وبناؤها يحتوي على قباب سماوية تتربع على أعمدة ضخمة مصنوعة من المرمر، تعطي مجالا واسعا للتنفس وتجديدا للهواء.

وتحتوي تلك القباب على مربعات زجاجية تساعد على دخول أشعة الشمس وإضاءة حجرات الحمام، وفي ردهات الحمام توجد مسطحات من الرخام مخصصة للاسترخاء والتدليك.

من ناحية تقسيم الحمام، فإنه ينقسم إلى 3 حجرات رئيسية، تعتمد على توزيع درجة الحرارة، ومراحل الاستحمام.

القسم الأول، مخصص للاسترخاء، ويحوي مسطحات رخامية للتدليك، وأماكن تعرض لأشعة الشمس التي تتسلل من مربعات زجاجية مثبتة في القباب، والقسم الثاني يحوي حجرة الحمام والبرك الساخنة، والصنابير التي تصب ماء حارا وباردا، والقسم الثالث يتمثل في الردهات التي يسترخي فيها المستحمون.

روعي في تلك الأقسام توزيع درجة الحرارة، بحيث تبدأ غرف الحمام بدرجة حرارة منخفضة وصولا إلى درجات حرارة أعلى، بحيث تضمن تكيف الجسم مع تلك الحرارة بشكل متدرج. 

شفاء للناس

يعتقد كثير من الناس أن تلك الحمامات تساعد على الشفاء من عدة أمراض، كالروماتيزم وآلام المفاصل، والشد العضلي المتكرر في الظهر والرقبة، كما تساعد على التخلص من الحمى وآلام الجيوب الأنفية والشعب الهوائية، و انسدادات الأنف.

بالإضافة إلى ذلك، فإنها تساعد على الاسترخاء والتخلص من التوتر والضغط العصبي، وتبعث على الراحة النفسية لدى كثيرين، وهي إلى جانب ذلك تسهم بنضارة البشرة والتخلص من سمومها وتنظيف مساماتها.

تعتمد الحمامات، في فكرتها، على عدة أدوات أو آليات، منها التبخير، أي تبخير الماء الساخن، ليساعد في التعرق واسترخاء الجسم، ثم التقشير، وهي استخدام "ليفة" مخصصة، لتقشير الجلد وخلايا الجلد الميتة، ثم التدليك وذلك للمساعدة على تنشيط الدورة الدموية، وأيضا التكييس، وهو استخدام كيس مصنوع من الألياف الطبيعية يعمل على إزالة الدهون من الجسم وتفتيح المسامات والتخلص من السموم.

ورغم ذلك، فإن الحمامات لم تعد مقصدا للاغتسال أو للاستشفاء فقط، بل أصبحت مناسبة لعقد فعاليات اجتماعية، كالاحتفال بليلة الحناء للعرسان، وعقد الزواج، ومناسبة للقاء الأصدقاء، ومكانا لتجمع الأصدقاء والأقارب، حتى  أصبحت جزءا من حياة الناس، خصوصا في المواسم الباردة.

الحمامات الكبريتية

يتعاظم اهتمام الأتراك بالحمامات، ويتفنن مهندسوها في بنائها وهندستها المعمارية وديكورها المتنوع بحيث غدت تحفة عصرية فاتنة.

هناك فرق بين حمامات البخار، والحمامات المعدنية، فحمامات البخار التركية، هي حمامات يتم إشعال محروقات في الدور الأرضي للحمام، لتسخين الماء إلى درجة حرارة تصل إلى 50 درجة وتوليد البخار بشكل مستمر، بحيث يصل درجة حرارة أقصى حجرة إلى حوالي 100 درجة.

كانت الحمامات في عهد الدولة العثمانية تعتمد على مواقد تحت الأرض يتم فيها إشعال الخشب والفحم لتسخين المياه، وهي الطريقة المعمول بها في بعض الحمامات التقليدية حاليا.

بينما الحمامات المعدنية هي حمامات طبيعية، تحوي مياهها مواد معدنية كبريتية (كبريت الهيدروجين) وهي مياه ساخنة تنبع من باطن الأرض، ويتم بناء حمامات في مسار المياه لاستغلال تلك المياه المتدفقة، وعادة ما تكون تلك الحمامات الطبيعية مقصدا سياحيا وعلاجيا، لكثير من الزوار الذين يأتون من أماكن بعيدة للاستشفاء.

حمامات تاريخية

رغم انتهاء الدولة العثمانية، إلا أن تلك الحمامات استطاعت الصمود والحفاظ على وجودها حتى الآن، بعضها مازال يعمل، وغدت جزءا من حياة الناس.

أشهر الحمامات التاريخية التي بنيت في عهد الدولة العثمانية، ومازالت تقدم خدماتها حتى الآن: 

1 . حمام Cagaloglu: تم بناؤه عام 1741، وإدراجه في كتاب السفر الشهير"1001 مكان سياحي يجب أن تراها قبل أن تموت"، كأحد الأماكن التي يجب زيارتها، بني الحمام على أنقاض قصر عثماني سابق، ويتميز بناؤه بالطراز المعماري الباروكي، الذي كان نادرا ما يستخدم في المباني العثمانية، وروعي في بنائه التقاليد العثمانية الأصيلة، حيث تم الفصل فيه بين حمام النساء وحمام الرجال، عبر مدخلين منفصلين ومختلفين في الجهات.

2. حمام السليمانية: بني عام 1557، من قبل المهندس المعماري الشهير معمار سنان، وكان الحمام المفضل للسلطان سليمان القانوني، وتم القيام بأعمال ترميم الحمام وتجديده على عدة سنوات، ومع ذلك ما زال الحمام يحتفظ بالكثير من الديكورات الداخلية والتصميم الأصلي له.

 3. حمام Cemberlitas: وهو من أكبر الحمامات، ويقع  في إسطنبول القديمة بالقرب من البازار الكبير، ويعد الحمام تحفة معمارية أخرى للمعمار سنان، تم بناؤه عام 1584، ويتميز بقباب كبيرة، من بينها القبة الكبيرة التي تميزت بشكل مضلع مشكل من 12 عمودا، وتحتوي الحجرة الرئيسية للحمام على 38 حوضا للاستحمام.

 4. حمام السلطانة حُرم: هو جزء من مجمع مسجد السلطانة محرمة، بني عام 1565، وتميز الحمام قديما بتوفيره غرفا عائلية، بحيث كان يمكن لعائلة كاملة، التفرد بغرفة خاصة للاستحمام.

5. حمام Galatasaray: من أقدم الحمامات حيث بني عام 1481م، وما يزال يعمل حتى يومنا هذا، ويعد الحمام المفضل لدى العديد من مرتاديه، حيث توفر حجراته أماكن للاسترخاء وتناول المشروبات وكراسي تشبه المقاهي.

6. حمام كيليج علي باشا: يعد الحمام تحفة معمارية أخرى بناها المهندس العثماني سنان، في إسطنبول عام 1583، وكان الغرض من بناء هذا الحمام، خدمة البحارة في البحرية العثمانية، وجرت عدة عمليات ترميم وتجديد للحمام، إلا أنه مازال محافظا على النمط العثماني التقليدي في تفاصيله، ويضم الحمام أماكن مخصصة لبيع تحف تقليدية مرتبطة بتاريخ الحمام.

7. حمام الآغا: أول حمام بني بعد فتح إسطنبول عام 1454، وكان خاصا بالسلطان محمد الفاتح والسلالة الملكية العثمانية التي ظلت تستخدمه حتى الأيام الأخيرة قبل انتهاء الإمبراطورية العثمانية.

مر الحمام بعدة عمليات ترميم، من بينها عملية الترميم الواسعة عام 1844، وتم إغلاقه وافتتاحة مرة أخرى عام 1923 أمام الجمهور، ويعد الحمام مزارا سياحيا جاذبا للزوار.

8. حمام  Ayasofya: سمي الحمام على اسم زوجة السلطان سليمان القانوني، وبناه المهندس العثماني الشهير سنان، في القرن السادس عشر، تم إغلاقه عام 1910 وأصبح منشأة للتخزين، حتى تم ترميه عام 1957، وافتتاحه كمتجر للسجاد، حتى عام 2007، إلى أن تم ترميه مرة أخرى من قبل كلية الهندسة المعمارية في جامعة كوجالي، ثم افتتاحه من جديد كحمام تركي مصحوبا بمطعم ومقهى، في مساحة بلغت نحو 3 أفدنة.