"الإسلام السياسي جزء من المغرب".. لماذا أثارت المقولة الجدل؟

12

طباعة

مشاركة

في ندوة صحفية أعلن فيها عن ترشحه لمنصب الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة" المغربي، سُئل القيادي عبد اللطيف وهبي عن موقفه من خطاب "الإسلام السياسي" بالمغرب، فقال: "هذا الخطاب السياسي الإسلامي جزء من المشهد المغربي، أليست إمارة المؤمنين إسلاما سياسيا، وكذا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية". 

العبارة كانت كفيلة لجعل الساحة السياسية تعج بالنقاش والتصريحات، حتى داخل الحزب نفسه الذي انشق إلى فريقين واحد مؤيد لتصريحات وهبي وآخر ضدها، لكن الموقف الرسمي للحزب كان في الفئة الثانية.

الأمين العام الحالي للحزب، حكيم بنشماس، أصدر بيانا رسميا قال فيه: "تلقيت باستغراب وامتعاض شديدين التصريحات الطائشة وغير المسؤولة".

ورأى بنشماس في قول وهبي إن "إمارة المؤمنين إسلام سياسي، بالنظر لمضمونه، صورة من صور المجادلة في إحدى المرتكزات الأساسية للنظام الملكي، ولا يتصور صدوره عمن له إلمام بالحد الأدنى من مقومات النظام الدستوري للمملكة، فأحرى ألا يصدر عن رجل قانون زاول مهام تمثيلية ومسؤوليات برلمانية، وتقلد مهام قيادية باسم حزب الأصالة والمعاصرة، وفي أجهزته ومؤسساته".

وذهب الأمين العام الحالي إلى حد الاعتبار بأن تصريحات وهبي تنم عن "عدم لياقة سياسية، ومغالطة منطقية، وشناعة أخلاقية، ويتعين التوقف عند الادعاء بتوصيف إمارة المؤمنين بالإسلام السياسي".

البيان تبرأ من كلام القيادي داخل الحزب، قائلا: "نظرا لما يحمله هذا التصريح من مغالطات صارخة، وانزلاقات فادحة، وشين أخلاقي فاضح، فإني أبلغ عموم المناضلات والمناضلين والرأي العام الوطني، أن ما صرح به عبداللطيف وهبي لا يلزم الحزب في شيء لكونه يتناقض أصلا مع توجهاته ومرجعياته ومواقفه، ويجافي المواقف المبدئية له ومنطلقاته وأدبياته المعتمدة من طرف أجهزته والمنشورة على الملأ".

علاقته بـ"المصباح"

في عام 2008 تأسس الحزب للتصدي لمد الإسلاميين، وقامت بنيته على المزج بين نخب سياسية واقتصادية حداثية ليبرالية وأخرى يسارية، وشريحة من الأعيان ذوي النفوذ المحلي. 

تحت رعاية فؤاد عالي الهمة (صديق الملك محمد السادس) الذي تولى منصب كاتب الدولة في الداخلية ثم أصبح مستشارا ملكيا، ضمت الحركة شخصيات من التكنوقراط البارزين واليساريين القدماء وناشطين في المجتمع المدني، وأعيانا تقليديين.

يثير تقرب وهبي من بعض قياديي "العدالة والتنمية" - الذين تجمعه بهم علاقات طيبة عكس باقي أعضاء حزبه - الكثير من الجدل ويجر عليه العديد من الاتهامات، أحدها كان في 2015 عندما أجرى حوارا مع جريدة "التجديد" التابعة لحركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي - آنذاك - لحزب "المصباح".

واتهم وهبي حينها أنه موفد من طرف حزبه لاختراق العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة والتطبيع معه. 

كان آخر هذه الاتهامات من شبيبة الأصالة والمعاصرة التي ردت في بيان لها على دعوات وهبي إلى مد اليد لحزب العدالة والتنمية، معلنة أنها "لن تسمح أن يتحول حزبها العتيد إلى أداة في يد حزب آخر".

فك الارتباط

المرشح للأمانة العامة في الحزب الذي يصطف في المعارضة، كان واضحا في خطة قيادة الحزب في الفترة المقبلة إذا ما فاز بالمنصب، وأوضح أنه يسعى إلى "فك جميع ارتباطات الأصالة والمعاصرة مع الدولة"، قبل أن يضيف: "مناضلو الحزب الذين معي لا يخضعون للجهات العليا".

وقال وهبي: "سبق أن طلب من الملك العفو عن معتقلي حراك الريف في البرلمان، عندما أصبح أمينا عاما للحزب سأطلب من الملك أن يعفو عن المعتقلين".

في نفس الندوة أشار وهبي إلى أن حزبه لم تعد تجمعه عداوة بـ"العدالة والتنمية"، مشددا على أنه يسعى للقطع مع الاستقواء بالتعليمات وبالإدارة، مشيرا إلى أنه "يريد حزبا عاديا يحترم جميع الأحزاب ويسعى إلى التموقع لكي يكون من ضمن الأوائل".

"فك الارتباط مع الدولة" ليس توجها جديدا جاء به وهبي، لكنه بدأ في 2011 عندما استقال الرجل القوي في الحزب، فؤاد عالي الهمة، بعد احتجاجات 20 فبراير/ شباط من نفس السنة، والتي تجرأ فيها المحتجون للمرة الأولى في المغرب على رفع صور رموز السلطة ومطالبتهم بمغادرة المشهد، وكان الهمة أحد هؤلاء.

بعد انسحابه من الساحة السياسية وعودته إلى ممارسة مهامه كمستشار للملك، تصدر المشهد في منصب الأمين العام، الرجل الثاني في الحزب إلياس العماري، والذي دخل في مواجهات شرسة مع العدالة والتنمية، ولم يخف عداءه لهم يوما، إلى أن استقال في 2017.

ترجّل الوجهان البارزان للدولة من "الجرار" - رمز الأصالة والمعاصرة - لم ينف عن الحزب تقربه من السلطة والسير على توجيهاتها، وهو الارتباط الذي تحدث عنه وهبي.

إضعاف الخصم

في الوقت الذي ذهب فيه الأمين العام الحالي للأصالة والمعاصرة، حكيم بنشماس، إلى حد استحضار الفقرة الأولى والأخيرة من الفصل 41 للدستور، والتي تشير إلى أن "الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية" وأن "الملك يمارس الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل"، قالت مصادر صحفية: إنها مناورات لإضعاف فرصة وهبي في السباق نحو منصب أمين عام الحزب.

بنشماس اعتبر أن "إدخال إمارة المؤمنين ضمن خانة الإسلام السياسي، أنزل مؤسسة إمارة المؤمنين إلى منزلة المتاجرين بالدين بحثا عن غنائم انتخابية (في إشارة إلى العدالة والتنمية)، وهو ما يشكل علامة دامغة على جهل مطبق بمقومات النظام الدستوري وتبخيسا في منتهى السماجة لمؤسسة إمارة المؤمنين ولصلاحياتها الدستورية". 

بنشماس رأى في وصف إمارة المؤمنين بالإسلام السياسي، "مدلولات خطيرة قد يترتب عنها استنتاجات تتحول بموجبها إمارة المؤمنين إلى خصم سياسي، وأن هذا القول القبيح، لا يخدم إلا مرامي من يتخذهم السيد عبد اللطيف وهبي، أولياء له من قوى الإسلام السياسي".

التيار الداعم لـ"وهبي" داخل الحزب اعتبر أن المحاولات التي رمت إلى إضعاف حظوظ وهبي "قد جرى إخمادها في الحين، بعدما تلقى - التيار - ردا إيجابيا من مؤسسات في البلاد بخصوص تلك التصريحات".

وصرح قيادي في تيار "وهبي" لموقع مغربي قائلا: إن "مسؤولين كبار في الدولة لم يروا أي سوء في تصريحاته ولم يظهروا أي انزعاج منها"، وأشار إلى أن رد الفعل عن التصريحات "مبالغ فيه"، وأنها جاءت في إطار "الاستهلاك الداخلي".

الحكم بقبعتين

الدكتور في القانون الدستوري وعلم السياسة، عبدالرحيم العلام، رأى أن هذا النقاش "يعيدنا إلى الخلف، وتحديدا بداية الإسلام والنقاش الذي حدث حول خلافة الرسول، عندما سمي أبو بكر خليفة المسلمين، ثم جاء عمر بن الخطاب، الذي أطلقوا عليه في البداية خليفة خليفة المسلمين، فجاء من اقترح تسمية أمير المؤمنين".

مضيفا: "بقيت مجموعة من الأمراء في التاريخ الإسلامي يسمون بهذا الاسم إلى أن جاء عهد المرابطين وأطلق يوسف بن تاشفين على نفسه أمير المسلمين، أي أصبح في الأمر تحديد".

فكرة إمارة المؤمنين أصلها ديني، بحسب قول العلام لـ"الاستقلال": "وهي تعطي الصبغة الدينية للحاكم، أثناء النقاش حول دستور عام 1962 في المغرب، اقترح عبدالكريم الخطيب، مؤسس حزب العدالة والتنمية، أن تضاف فيه عبارة أمير المؤمنين للملك". 

وتابع المتحدث: "هناك شق ديني للحكم في المغرب يزكيه وجود إمارة المؤمنين، فهي ليست فقط مجرد تسمية في المغرب، بل من خلالها يحكم رئيس الدولة بقبعتين واحدة حداثية بصلاحيات وحدود للسلطة، ومبدأ فصل السلطة ومؤسسات دستورية، بحسب الدستور، وجانب آخر لأمير المؤمنين".

في التجربة المغربية، يقول الدكتور: "الملك هو أمير للمؤمنين لا يحفظ الشعائر الدينية لكافة المؤمنين المسيحيين واليهود والمسلمين بشكل رمزي فقط، وإنما فيها جانب تنفيذي يمكن اللجوء إليه لممارسة السلطة في أكثر من قضية وأكثر من واقعة، وهذا الأمر ظهر في عهد الحسن الثاني بشكل كبير جدا واستمر إلى حدود اللحظة، إذن هي ذات حمولة سياسية فعلا، وليس فقط حمولة دينية أو رمزية".