عباس يهدد.. هل السلطة الفلسطينية جادة بالانسحاب من "أوسلو"؟

خالد كريزم | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"كمستجير من الرمضاء بالنار"، يهدد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إسرائيل بالتحلل من اتفاقية أوسلو، كرد على خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ"صفقة القرن"، وهو الخيار الذي لوح باتخاذه مرارا من دون أن يُقدم على ذلك، لأسباب تطرقت إليها "الاستقلال" في تقرير سابق.

وقال عباس: إنه "سيوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل إذا استمرت في تطبيق صفقة القرن"، في تهديد مستمر يسعى من خلاله إلى ثني تل أبيب عن اتخاذ خطوات على الأرض لمواجهة الخطة التي نصت على ضم الأغوار والمستوطنات في الضفة الغربية إلى إسرائيل.

وألمح خلال ترؤسه بشكل نادر اجتماعا للحكومة الفلسطينية بمدينة رام الله في 3 فبراير/شباط الجاري، إلى أنه مستعد للوصول إلى مرحلة يسلم فيها السلطة للإسرائيليين كقوة احتلال، مؤكدا "نرفض (الصفقة)، لأن أمريكا وإسرائيل ألغتا كل الشرعية الدولية وكل الاتفاقيات التي بيننا، بما فيها أوسلو".

فعلى أرض الواقع، لم ينتج عن الاتفاق سوى صورة تذكارية للمصافحة التاريخية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين ورئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، بعد تبدد الآمال في إحلال السلام سريعا وتحول "أوسلو" إلى ذكرى لشيء لم يقع.

و"أوسلو" هو اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن في 13 سبتمبر/أيلول 1993، بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون؛ حيث سُمِّيَ الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرية عام 1991.

موت أوسلو

دخلت اتفاقيات أوسلو عمليا حالة موت سريري منذ سنوات، ولم يبق منها سوى القيود والشروط الأمنية المفروضة على الجانب الفلسطيني، غير أن إعلان وفاتها يتطلب وجود بديل، يتعذر الوصول إليه باتفاق ثنائي في ظل الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية.

موت أوسلو بدأ مبكرا، عقب اغتيال متطرف يميني إسرائيلي رئيس الوزراء إسحاق رابين (الذي وقع على الاتفاق مع عرفات) في العام 1995، متهما رابين بالخيانة والتنازل عن أرض يهودية (الضفة الغربية).

وبيّن عباس في ذات التصريحات أن "أوسلو" هو مشروع انتقالي يعطينا 92 بالمئة من الأرض، والباقي للمفاوضات، لكن هذه (الصفقة)، لا تعطينا إلا 8 بالمئة من أراضي الضفة الغربية وغزة، ثم تقسمها إلى 6 أقسام، وهو ما يشير إلى رغبة رئيس السلطة بالعودة إلى نقطة البداية.

وأضاف: "سنقول لهم تفضلوا لتسلم الهدية التي أعطيتمونا إياها في أوسلو، لأننا نتحمل كل المسؤولية وهم لا يتحملون شيئا، نفضوا عبء الفلسطينيين ومشاكلهم عن ظهرهم. لا، تعالوا تحملوا مسؤوليتكم، أو نأخذ حقوقنا كاملة حسب الشرعية الدولية".

وهذه التهديدات لو اتخذت فعليا، فهي خطوة ستعني عمليا إنهاء حلم الدولة الفلسطينية على حدود 67، وستثير كثيرا من الأسئلة حول جدوى بقاء السلطة الفلسطينية.

ومشكلة معاهدة أوسلو، هو أنها أجلت الحسم في كل القضايا الخلافية كوضع القدس واللاجئين الفلسطينيين والمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي المحتلة التي يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها إضافة إلى قضية الحدود النهائية. 

تأجيل البت بشأن القدس والحدود من دون ضوابط كان خطأ إستراتيجيا ارتكبه الجانب الفلسطيني، وفق تقديرات فلسطينية، الأمر الذي مكن واشنطن من إعلان مدينة القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وأنتج أخيرا صفقة القرن التي تسلب حق الفلسطينيين في الأرض والعودة.

وبعد مقتل رابين بخمس سنوات، تغيرت الموازين وبدأت الأوضاع تسير نحو التراجع الإسرائيلي عن أوسلو، حينما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، حتى انهيار المفاوضات مع تتابع السنين، في خضم استنفاذ المدة الزمنية لحل قضية القدس واللاجئين والحدود التي كان مقررا إنهاؤها حتى عام 1999.

تمسك السلطة

رغم التحلل الإسرائيلي من الاتفاقية منذ 25 عاما، إلا أن السلطة الفلسطينية تمسكت بها في محاولة لإحياء المفاوضات المتعثرة، في ظل عدم اكتراث إسرائيل التي كانت خلال تلك السنوات تلتهم الأراضي الفلسطينية عبر الاستيطان والتهويد بمباركة أمريكية، تجاهل فيها الحليفان قرارات الشرعية الدولية.

وبعد إعلان صفقة القرن بواشنطن في 28 يناير/كانون الثاني 2020، أعلن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ، أن "السلطة في حل من الاتفاقات مع الجانب الإسرائيلي المترتبة على اتفاق أوسلو".

وأضاف الشيخ في تصريحات لقناة "الجزيرة"، أنه تم إبلاغ إسرائيل أن السلطة الفلسطينية لم تعد ملتزمة بالاتفاقات الثنائية، مؤكدا أن "من حق شعبنا مقاومة صفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإسقاطها".

وكشف عباس في 1 فبراير/شباط الجاري بعضا من كواليس اتفاقية أوسلو، حيث قال: إن "من بين الذين اعترضوا عليها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، حيث لم تعد هناك مفاوضات لأن من استولى على الحكم هو بنيامين نتنياهو".

وبين أمام الوزراء العرب في الاجتماع الذي عقد في القاهرة لمناقشة "صفقة القرن" أن "نتنياهو شخص لا يؤمن بالسلام، بدليل أنه أمضى في رئاسة الحكومة الإسرائيلية أكثر من أي رئيس وزراء آخر، ومع ذلك لم يحصل أي تقدم في عهده ولا في العهود الثلاثة التي قضاها في عملية السلام".

وتابع: أنه "عندما جاء بين هذه الفترات إيهود أولمرت واستلم رئاسة الوزراء، حققنا 70 بالمئة من الاتفاق أو من التفاهم على مجمل القضايا المطروحة بيننا، أي قضايا الحل النهائي في اتفاق أوسلو، وفي أحد الأيام وأنا ذاهب للقائه في بيته قالوا لي ارجع! الرجل دخل إلى السجن وانتهى الأمر".

ورغم ذلك، ألمح عباس، في اجتماع الحكومة الأخير، إلى أن العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة وإسرائيل لا تزال قائمة على الرغم من إعلانه قبلها بيومين عن قطعها ردا على خطة واشنطن للسلام في الشرق الأوسط. 

وأكد استمرار عمل السلطة الفلسطينية، قائلا: "سنستمر في عملنا كما بدأناه بمنتهى الأهمية والاهتمام وعلى الوتيرة نفسها حتى اللحظة الأخيرة. هذه خدمات لشعبنا ولأهلنا، الجامعات والمدارس والمياه، الصحة هذا شيء مفيد لشعبنا سنستمر فيه إلى أن نعجز عن ذلك".

مدى الجدية

في ظل التلويح المستمر بانسحاب السلطة من اتفاق أوسلو الذي نسفته إسرائيل منذ سنوات، يقلل مراقبون فلسطينيون من احتمالية إقدام القيادة في رام الله فعليا على هذه الخطوة، ومدى جديتها بشأنها، حيث تعتبر الاتفاقية آخر أوراقها في المناورة مع الاحتلال وإعادته إلى طاولة التفاوض.

المحلل السياسي والخبير بالشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، قال في تغريدة على "تويتر": "أمام اجتماع الجامعة العربية، قال عباس: إنه أوقف التعاون الأمني مع إسرائيل، واليوم في اجتماع حكومته قال: سنوقف التعاون الأمني في حال أصر ترامب على الصفقة. هذا اعتراف بأنه لم يقل الحقيقة أمام الجامعة، وتأكيد أنه لن يوقفه".

من جهته، يرى الشاعر تميم البرغوثي في تغريدة له، أنه "ما لم يتم حل السلطة وإلغاء أوسلو وإعادة أفراد الأجهزة الأمنية لفصائل المقاومة ويعود الكفاح المسلح ووحدة وطنية على أساس المقاومة، فكل ما تقوله المنظمة والقيادة الفلسطينية كلام للاستهلاك المحلي ولا تعني ما تقول".

وعن طبيعة تعامل الحكومة الإسرائيلية مع قرار وقف العمل بالاتفاقات الموقعة، قال الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي سفيان أبو زايدة: "في إسرائيل لا يكترثون للتصريحات، فما يهمهم هو ما يجري على أرض الواقع، ومنذ انهيار العملية السياسية في كامب ديفيد 2000 تفعل إسرائيل كل ما تريد من جانب واحد".

وأوضح أبو زايدة في مقابلة مع "الغد": "أولا وقبل كل شيء، تفعيل هذا القرار (إلغاء أوسلو) سيقود في النهاية ليس إلى تغيير وظائف السلطة وطبيعة علاقتها مع إسرائيل فحسب، بل سيؤدي في النهاية إلى إلغاء السلطة والعودة إلى المربع الأول ما قبل أوسلو".

وتابع: أن "اتفاق أوسلو كان يهدف إلى انعتاق الفلسطينيين من قيود الاحتلال ونقلهم إلى مرحلة الدولة المستقلة، لكن النتيجة كانت عكسية حيث أصبحت هذه القيود أكثر صرامة وأصبح الفلسطينيون متعلقون بالاحتلال الإسرائيلي أكثر".

وشدد أبو زايدة على أن "الطريق للخلاص الفلسطيني من الاحتلال والانعتاق من اتفاق أوسلو تبدأ أولا وقبل كل شيء بتحصين الجبهة الداخلية وتفعيل مؤسسات الشعب الفلسطيني".

ورأى عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الديمقراطية" طلال أبو ظريفة، أن الحل يكمن في أن "تتغير وظيفة السلطة وتتحول لحركة تحرر وطني، وذلك عن طريق التحرر من نفق أوسلو بكل أبعاده السياسة والاقتصادية والأمنية".

فيما يعتقد أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم، أن "البديل هو إنشاء هيئة وطنية من مهنيين وطنيين مستقلين لا علاقة لهم بدول أو تنظيمات فلسطينية تقوم على إدارة شؤون الناس اليومية والمدنية، وبإمكان الفصائل الفلسطينية بالتعاون مع أكاديميين ومثقفين ومفكرين فلسطينيين العمل على تشكيل هذه الهيئة".

بتشكيل هذه الهيئة، يتخلص الشعب الفلسطيني من أمرين: اتفاق أوسلو وصراعات الفصائل على السلطة. وبذلك تتوحد الضفة الغربية وغزة تحت قيادة إدارية وليست سياسية، وفق ما قال قاسم في مقال سابق نشره موقع "الجزيرة نت".