الصحبي صمارة.. نائب تونسي ضل طريق الثوار ليعود مناضلا ضد الفلول

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلال جلسة عرض حكومة الحبيب الجملي على النواب من أجل منحها الثقة في مجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي، خطف النائب الصحبي صمارة الأضواء بمداخلة اتهم فيها الإمارات بالتدخل من أجل إسقاط حكومة الجملي واللعب على خط الفوضى في تونس، وإجهاض تجربتها الديمقراطية.

يعد صمارة أحد الوجوه السياسية الجديدة التي دخلت البرلمان إثر الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها بمقعد عن ولاية القيروان بوسط البلاد، بعد أن ترشح عن قائمة مستقلة.

شخصية النائب الجديد تثير الكثير من الجدل، فبعد أن كان أحد الناشطين المعارضين في الجامعة، لعب قبل الثورة مباشرة دورا في تلميع نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، ما جعل اسمه يرد في الكتاب الأسود الذي أصدرته رئاسة الجمهورية عام 2012.

بعد الثورة تاب وأناب واعتذر عما بدر منه، ليستعيد مواقفه الثورية لكن هذه المرة بشكل أكثر صرامة وحدة وهو ما ظهر جليا في مواقفه "الراديكالية" من رموز النظام القديم والشخصيات السياسية التي يحوم حولها شبهات فساد.

الكتاب الأسود

أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2013، أصدرت إدارة الإعلام والتواصل برئاسة الجمهورية تحت إشراف الرئيس السابق المنصف المرزوقي كتابا تحت عنوان "منظومة الدعاية تحت حكم بن علي - الكتاب الأسود"، جاء غلافه باللون الأسود في دلالة على الحقبة القمعية التي كانت تعيشها البلاد في ظل حكم زين العابدين بن علي.

المرزوقي فتح أرشيف وحقائق في مجال الإعلام، وكذلك نوعية الإعلاميين الذين تعاملوا مع "بن علي" من التونسيين والأجانب والانحراف عن مهنية وأهداف الصحافة.

حسب الكتاب الأسود، جاء اسم الإعلامي برهان بسيس، كأحد أبرز المتعاونين مع نظام "بن علي"، والمكلف بمهمة إجراء اتصالات سرية مع المعارضين ومحاولة استمالتهم لمساعدة النظام وإغرائهم بامتيازات الانخراط في منظومته الإعلامية، مؤكدا أنه نجح في استقطاب الصحفي الصحبي صمارة.

ذكر الكتاب أن صمارة المولود في العام 1979، والمجاز في الآداب واللغة العربية من جامعة تونس، وتضمن ملفه الأمني لدى وزارة الداخلية نشاطه ضمن "اتحاد الشباب الشيوعي التونسي"، الجناح الشبابي لحزب العمال الشيوعي المحظور حينها، ونشاطه مع الاتحاد العام لطلبة تونس، قبل أن ينتمي إلى تيار "النقابيون الراديكاليون".

انخرط صمارة بالنضال ضمن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمجلس الوطني للحريات الذي كانت تترأسه سهام بن سدرين، كما عمل مديرا للأخبار في راديو "كلمة" على الإنترنت الذي كانت تديره أيضا سهام بن سدرين.

كما اضطلع بخطة مشرف على لجنة الصياغة التحريرية بصحيفة "مواطنون" الناطقة باسم حزب "التكتل من أجل العمل والحريات"، قبل أن ينشب خلاف مع رئيس الحزب مصطفى بن جعفر، ليستغل الإعلامي برهان بسيس التوتر الحاصل لاستقطاب صمارة لخدمة نظام بن علي. 

الكتاب الصادر عن رئاسة الجمهورية أكد، أن صمارة تحرك بالفعل من أجل إقناع عدد من أعضاء "التكتل" بالاستقالة من الحزب، وإجراء اتصالات في الخارج مع منظمات دولية لتلميع صورة النظام ووضع حقوق الإنسان في تونس، كما نشر العديد من المقالات وأدلى بعدد من التصريحات هاجم فيها عددا من المعارضين والناشطين الحقوقيين من أجل تشويه صورتهم واتهامهم بالانتهازية والفساد.

في المقابل كافأه النظام بانتدابه في ديوان الطيران (مؤسسة وطنية لإدارة المطارات والطيران المدني تابعة لوزارة النقل)، بحيث يتقاضى راتبا دون القيام بأعمال وظيفية، من أجل القيام بمهامه الأخرى ضمن وكالة الاتصال الخارجي، وهي هيئة تابعة لرئاسة الجمهورية من أجل تلميع النظام في وسائل الإعلام الأجنبية وتشويه المعارضة، كان يترأسها وقتها عبد الوهاب بن عبد الله مستشار الرئيس زين العابدين بن علي.

اعتذار وتوبة

في أول ظهور له بعد الثورة على قناة المتوسط، قدم الإعلامي الصحبي صمارة اعتذاره بسبب ما وصفه التهجم على الحقوقية ورئيس هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين إبان النظام السابق.

أضاف صمارة: "عملت مع سهام بن سدرين ثم انقلبت عليها وأصبحت مع منظومة النظام السابق، وأعترف بأني أخطات بالتهجم على المناضلين الحقيقيين''، ولم ينف صمارة بالتالي ما وجه إليه في الكتاب معترفا بخطئه طالبا العفو والتسامح ومحاولة بدء صفحة جديدة، على حد قوله.

وخلال الانتخابات الرئاسية في 2014، أعلن صمارة دعمه المنصف المرزوقي وقال: "مقتضيات المرحلة تفرض اختيار المرزوقي، لما يضمنه من حماية للحقوق والحريات والتي يتخوف من غيابها في حال فاز نظيره السبسي"، إذ يرى في عودته عودة للنظام الاستبدادي.

قال صمارة في حوار مع برنامج "لمن يجرؤ فقط" الذي يبث على قناة "التونسية": إنه يؤيد المرزوقي رغم أنه (صمارة) تهجم عليه عندما كان يخدم في المنظومة السابقة.

وأضاف صمارة: "كنت في المنظومة السابقة التي أصبحت اليوم موالية لنداء تونس، وأعرف جيدا أن هذه المنظومة إجرامية للغاية وتريد عودة الاستبداد، متابعا: "المرزوقي على العكس من ذلك منحنا حرية التعبير وانتقدناه كثيرا ولم يدخل صحفيا السجن".

وتابع: "منعت من السفر في عهد السبسي لأني انتقدته، لكن في عهد المرزوقي لم أمنع من الإدلاء برأيي، الكتاب الأسود الذي نشره المرزوقي صحيح مائة في المائة. كنت عميلا للنظام السابق واليوم تنسمت الحرية في عهد المرزوقي، تمتعوا قليلا بالحرية التي ستنتهي عند تولي السبسي السلطة ولا يستطيع أحد انتقاده".

الطريق للبرلمان

قدّم الصحبي صمارة ترشحه للانتخابات التشريعية للعام 2019، متصدرا قائمة مستقلة تحمل اسم الرابطة الخضراء، في دائرة القيروان.

وخلال حوار تلفزيوني بحضور ممثلين عن قوائم المرشحين من بينهم ممثل عن حزب قلب تونس، هاجم صمارة الحزب واصفا إياه بـ"العصابة"، قائلا: "بعد فشل نداء تونس، قلب تونس هو العصابة الجديدة لرجل الأعمال كمال اللطيف الذي يقف وراء الاغتيالات السياسية".

ويعتبر كمال لطيف حسب عدد من الناشطين أحد أهم قادة اللوبيات المؤثرة في الحياة السياسية في تونس، ورمزا للثورة المضادة وحكومات الظل بعد عام2011، وهو كذلك أحد الشخصيات المقربة من الراحل بن علي.

خلال الحملة الانتخابية بمرحلة الإعادة في انتخابات الرئاسة، أعلن صمارة مساندته لقيس سعيّد، مهاجما مرشح قلب تونس نبيل القروي متهما إياه بالفساد.

وبعد فوزه في الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلن صمارة عن التحاقه بـ"كتلة المستقبل" النيابية التي ضمت عددا من المستقلين وبعض المنتمين لعدد من الأحزاب.

إلا أن الخلافات التي جدت داخل "كتلة المستقبل" على خلفية التصويت لصالح حكومة الحبيب الجملي من عدمها دفعت النائب الجديد للاستقالة والالتحاق بكتلة "ائتلاف الكرامة"، التي أعلنت عن دعمها لحكومة الجملي.

حينها عبر صمارة عن موقف مثير للجدل متهما أطرافا خارجية في مقدمتها الإمارات بالعمل على إسقاط حكومة الجملي، قائلا: "إسقاط الحكومة اتخذ في عواصم خارجية وضاحي خلفان (الرئيس السابق لشرطة دبي) دوّن ذلك على تويتر".