خطة إيران.. مواجهة أمريكا وإسرائيل أم التمدد بالعالم الإسلامي؟ 

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مقتل قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، بغارة أمريكية في محيط مطار بغداد الدولي، أثار الجدل مجددا بخصوص أولوية إيران في المنطقة، هل هي بالفعل مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، أم التمدد في العالم الإسلامي؟

المعطيات على أرض الواقع وتصريحات القادة الإيرانيين والمرتبطين بها، تشير إلى أن طهران كانت تصب كل جهودها لمساندة وكلائها في المنطقة للتمدد في البلدان الإسلامية تمهيدا لمسك زمام السلطة، أو تثبيت من يواليهم في الحكم.

أولويات مختلة

رغم أن فيلق القدس الإيراني الذي كان يقوده سليماني، يحمل اسم المدينة المقدسة المحتلة في فلسطين، وله دلالة على أنه شُكل لتأدية مهمة تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن ما حصل غير ذلك تماما، فقد لخص الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة، عمل فليق القدس الإيراني عبر تدوينة نشرها على حسابه بـ"فيسبوك" عقب مقتل سليماني، الذي وصفه بأنه "الحاكم العسكري الإيراني لبغداد ودمشق وبيروت وصنعاء".

وقال الخطيب: "لم أصدق يوما أنك ستصل إلى أسوار القدس لتستشهد هناك، وأنت قائد فيلق القدس، فها أنت تُقتل عند أسوار مطار بغداد قادما من دمشق مستمرا في مخططاتك تقتل بها المسلمين وتشردهم في دمشق وحلب وإدلب وبغداد والموصل والفلوجة".

وأضاف "القدس طاهرة لا يحررها إلا أطهار، شريفة لا يحررها إلا شرفاء. ليس شماتة بالقتل يا قاسم سليماني ولكن يكفيك مهانة وعقوبة أن جعل الله قتلك على يد عاهر وفاجر هو ترامب. يا قاسم، كنت ظالما فابتلاك الله بمن هو أظلم منك".

تدوينة الشيخ الخطيب، صدقتها الوقائع على الأرض في أن إيران أدارت ظهرها للاحتلال الإسرائيلي، وركزت جهودها لإسقاط البلدان العربية والإسلامية واحدة تلو الأخرى في قبضتها، والتي فضحتها تصريحات وكلائها في بلدان عدة.

وأظهر مقطع أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي الموالي لإيران في العراق، تداوله ناشطون عقب مقتله بغارة أمريكية مع سليماني، وهو يتحدث باللغة الفارسية مع أحد العناصر الإيرانية، فيقول له: "لا نريد تدمير إسرائيل، وإنما نريد تدمير السعودية"، وحين سئل وماذا عن أمريكا، أجاب: "إن ترامب هو من سيدمرها".

وفي مقطع مصور آخر قبل نحو 4 أعوام، قال المهندس أثناء المعارك ضد تنظيم الدولة في المدن العراقية: إننا في الحشد الشعبي ماضون في "تحرير المدن واحدة تلو الأخرى، حتى نصل إلى الرياض، ويكون معنا أنصار الله الحوثيون".

"إمبراطورية إيران"

تدخلات طهران في بلدان المنطقة، دون المرور بإسرائيل رغم حديثها المتكرر عن أن زوالها هو هدفهم الأساس، فسرته تصريحات مسؤولين إيرانيين، إذ قال حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات السابق بحكومة محمود أحمدي نجاد: إن "إيران تسيطر فعلا على 4 عواصم عربية، كمال قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".

ونقلت وكالة أنباء "فارس" عن مصلحي في أبريل/ نيسان 2015، تصريحاته التي تتناغم مع تصريحات نتنايهو، بقوله: إن "تصريحات نتنياهو تبين مدى تنامي قوة إيران في المنطقة".

وعلى حد قول مصلحي: فإن "الثورة الإيرانية لا تعرف الحدود وهي لكل الشيعة"، مؤكدا أن "جماعة الحوثيين في اليمن هي إحدى نتاجات الثورة الإيرانية".

وكالة "مهر" للأنباء، نقلت عن الجنرال حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، قوله: "المسؤولون في إيران لم يكونوا يتوقعون هذا الانتشار السريع للثورة الإسلامية خارج الحدود لتمتد من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن وأفغانستان".

واتساقا مع ذلك، كانت تصريحات مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي التي اعتبر فيها العراق "عاصمة لإمبراطورية إيران الجديدة" على حد وصفه.

كما أن قائد فيلق القدس الجديد اللواء إسماعيل قاآني والذي كان آنذاك نائبا لسليماني، سبق أن أدلى بتصريحات قال فيها: إن "إيران مستمرة بفتح بلدان المنطقة، وإن الجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على كل من أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين، وإنها تتقدم اليوم في نفوذها في بقية بلدان المنطقة".

محور الشر

التساؤل حول أولوية إيران لم يكن جديدا في طرحه، حيث برز في أعقاب احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق، إذ أعلنت طهران على لسان محمد علي أبطحي نائب الرئيس  آنذاك محمد خاتمي، أنها ساعدت الولايات المتحدة في احتلال البلدين.

ووقف أبطحي مفتخرا في ختام أعمال "مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل"، الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية: بإمارة أبوظبي في 15 يناير/كانون الثاني 2004، ليعلن أن بلاده "قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق".

وأكد نائب الرئيس الإيراني بالحرف الواحد، قائلا: "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة"، قبل أن يعبر عن أساه لأن "الشيطان الأكبر (أمريكا)" لم يثمن خدمة إيران، بقوله: "لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة".

ما تحدث به أبطحي، كشفت عنه لاحقا صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير نشر في مارس/ آذار 2016، أماطت فيه النقاب عن اتفاق سري بين واشنطن وطهران سبق الغزو الأمريكي للعراق في 2003، مشيرة إلى أنه ووفقا لهذا الاتفاق حصلت أمريكا على تعهد إيراني بعدم إطلاق النار على الطائرات الأمريكية، في حال دخلت الأجواء الإيرانية.

ونقلت الصحيفة عن كتاب "المبعوث" للسفير الأمريكي السابق بالعراق زلماي خليل زاده، أكد فيه أن "اجتماعات عقدت في جنيف بين السفير الإيراني بالأمم المتحدة آنذاك، محمد جواد ظريف، ومسؤولين أمريكيين بينهم زاده، مشيرا إلى أن "أمريكا طلبت من إيران التزاما بعدم إطلاق النار على أي طائرة أمريكية تحلق دون قصد فوق الأراضي الإيرانية".

وبيّن السفير الأمريكي السابق، أن "أمريكا كانت تأمل أن تسهم إيران بعد ذلك في تشجيع الشيعة العراقيين للمشاركة البناءة في تشكيل الحكومة". وأضاف "الأمريكيون والإيرانيون كانت بينهم اختلافات كبيرة حيال كيفية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وأيضا دعم إيران للإرهاب، حيث اتهمت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش إيران في مايو/أيار 2003 بإيواء قادة في تنظيم القاعدة".

وتنقل الصحيفة عن رايان كروكر، السفير الأمريكي السابق في العراق، قوله: إن "إمكانية إجراء حوار حقيقي مع إيران نوقشت مطولا إبان فترة حكم الرئيس جورج بوش".

ولفت السفير الأمريكي السابق أنه في الوقت الذي كان مسؤولو البلدين يجرون مشاورات مثمرة بشأن أفغانستان وعقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ونقاشات أخرى مثمرة بشأن العراق، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش صنفت إيران ضمن "محور الشر" في خطابه عن حالة الاتحاد يناير/كانون الثاني 2002.

وأضافت الصحيفة الأمريكية "خليل زاده كان متحمسا لقيادة حوار مع إيران وعقد صفقة تعاون قبل غزو العراق في مارس/آذار 2003، حيث أذن له البيت الأبيض بذلك وعقد لقاء مع ظريف". وبينت أن "كروكر رافق زاده في اجتماعه مع ظريف، حيث تم إبلاغه بأن واشنطن ترغب بإقامة حكومة ديمقراطية في العراق من شأنها أن تعيش بسلام مع جيرانها، وأن الولايات المتحدة لا تعتزم توسيع عملياتها العسكرية إلى إيران".

وتابعت الصحيفة أن "ظريف، وفقا لما جاء في كتاب زاده، عبّر هو الآخر عن أفكاره تجاه الكيفية التي يجب أن يحكم بها العراق، مؤكدا ضرورة أن يقود العراق قادته المنفيون، ويجب إعادة بناء المؤسسة الأمنية العراقية من الألف إلى الياء، وأيضا تطهير واسع لكل أعضاء حزب البعث العربي، ولكل من يعارض الاحتلال الأمريكي".

"زواج متعة"

تعليقا على العلاقة بين إيران والولايات المتحدة والتعاون بينهما، يقول الكاتب شمس الدين النقار في مقال سابق نشره موقع شبكة "سي إن إن" الأمريكية: إن الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، شكل منعرجا حاسما في تاريخ التمدد الإيراني في المنطقة، فالدور الذي لعبه "الملالي" في مساندة الغزاة ومد يد العون لهم.

وأكد "لا يكاد يخفى على كل ذي بصيرة، بل إن عددا من المسؤولين الإيرانيين ووكلائهم كانوا قد اعترفوا في أكثر من مناسبة بأنهم بمثابة الجسر الذي عبرت من خلاله قوات الاحتلال الغازية".

وأوضح الكاتب أن العلاقة الحميمية الكبيرة بين الولايات المتحدة وإيران لم تكن أكثر من زواج متعة معلوم الأجر والتوقيت من الجانبين، فأمريكا "الدولة العظمى" ما كانت لتنجح في تنفيذ سياساتها لولا المساعدات والتسهيلات التي منحها لها "ملالي طهران".

ويتفق الكاتب محمد الياسين مع طرح النقار، بالقول: "لم تكن غاية الاستعماريين الجدد في طهران إهلاك العراق وإضعاف العرب فقط بل تعدت أهدافهم ذلك بكثير صوب استعمار العراق وانطلاقا نحو المنطقة العربية عموما والخليجية خصوصا".

وأضاف في مقال له أن "فكرة الاستعمار لم تأت من فراغ، إذ أن التاريخ الاستعماري للإمبراطورية الفارسية حافل وغني بالأحداث التاريخية، وإنما تجددت روح الهيمنة وثقافة الاستعمار مع مجيئ الاستعماريين الجدد ووصولهم سدة الحكم في العام 1979، فأصبح تصدير الثورة للدول العربية والإسلامية هدف جوهري إستراتيجي، سخّر من أجله النظام الإيراني طاقات البلاد البشرية والفكرية والمالية وثرواتها النفطية".

وأكد الياسين أن "كل الأدلة والشواهد تؤكد أن احتلال أمريكا للعراق وأفغانستان أصبح عامل قوة لإيران مكنها من فرض كامل سياساتها الاستعمارية تجاه دول المنطقة والإيغال في نهج السياسات الاستفزازية والتوسعية الواضحة وتصعيد السلوك العدائي تجاه دول المنطقة".