متى تعلن السعودية وإسرائيل تحول زواجهما السري إلى العلن؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن صفقة القرن المزعومة، أصدر وزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه درعي، قرارا يسمح للإسرائيليين بدخول السعودية للمرة الأولى، لأداء مناسك الحج والعمرة أو لعقد اجتماعات بين رجال أعمال إسرائيليين وسعوديين.

وحسب بيان للوزير الإسرائيلي فإن الخطوة التي اتخذها يوم الأحد 26 من يناير/ كانون الثاني 2020، سوف تسمح للإسرائيليين بزيارة المملكة لأداء مناسك الحج والعمرة كما ستفتح الباب أمام زيارات رجال الأعمال الإسرائيليين للسعودية.

ورغم أن التصريحات السعودية الرسمية، أكدت عدم إمكانية زيارة الإسرائيليين للمملكة "في الوقت الراهن"، إلا أن تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود لشبكة CNN الأمريكية، فتحت الباب عن إمكانية تحقيق ذلك في القريب العاجل.

هل تشكل هذه الخطوة إذن، تفعيلا لمسارات التطبيع الجاري بين السعودية وإسرائيل، وهل تنجح سياسة الخطوة خطوة، التي يتم اتباعها، في تمرير هذا الملف دون سخط عربي أو سعودي، وهل أصبح الوقت مهيئا أكثر من ذي قبل، لوصول قطار التطبيع السعودي الإسرائيلي لمجالات أخري غير التعاون الأمني والاستخباراتي الموجود بالفعل بين الجانبين.

الباب الموارب

وفقا لتعليق وكالة الأنباء الألمانية على تصريحات وزير الخارجية السعودية، لشبكة CNN، يوم الاثنين 27 يناير/ كانون الثاني 2020، فإن الوزير ترك الباب مواربا، وأبدى عدم ممانعة المملكة لتفعيل الخطوة الإسرائيلية، إلا أنه اشترط لإمكانية تحقيق ذلك أن يتم التوصل إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وحسب تعليق آل سعود للوكالة الأمريكية، فإن سياسة بلاده ثابتة مع إسرائيل ووفق قوله: "سياستنا ثابتة، لا علاقات لدينا مع دولة إسرائيل، ولا يمكن لحاملي الجواز الإسرائيلي زيارة المملكة في الوقت الراهن".

وأضاف الوزير: "عندما يتم التوصل إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ستكون قضية انخراط إسرائيل في محيطها الإقليمي على الطاولة على ما أعتقد".

وبالعودة لقرار وزير الداخلية الإسرائيلي، فإنه سيتم السماح للإسرائيليين، في حالة دعوتهم أو صدور تصاريح لهم من قبل السلطات السعودية، بالسفر إلى المملكة لأسباب دينية وهي الحج، أو لممارسة أنشطة تجارية مثل الاستثمار أو عقد اجتماعات وفي هذه الحالة يمكن أن تصل مدة السفر إلى تسعة أيام.

ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن بيان الداخلية، بأن القانون يتضمن شرطا وحيدا وهو الحصول على دعوة من أحد المسؤولين السعوديين.

وتشير تقارير صحفية إسرائيلية وأمريكية، أن القرار الأخير للداخلية الإسرائيلية، كان يتم الترتيب له من ثلاثة أعوام، وهو ما كشفه تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ الأمريكية في 13 يوليو/ تموز 2017، بأن إسرائيل تسعى لإقناع السعودية بالسماح لمواطنيها المسلمين الراغبين في تأدية فريضة الحج بالذهاب مباشرة إلى مكة عبر مطار بن غوريون في تل أبيب، بدلا من قطع هذه الرحلة بواسطة الحافلات كما هو معمول به حاليا.

ونقلت الوكالة تصريحات لوزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا قوله وقتها: إن "الواقع تغير، هذا توقيت مناسب لإرسال هذا الطلب وأنا أعمل بقوة في هذا الاتجاه"، مضيفا: "تسهيل سفر الحجاج من إسرائيل إلى الأراضي المقدسة في السعودية سوف يشجع تل أبيب على تقديم تنازلات في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين".

وحسب تصريحات "قرا"، فإن رحلة الحجاج الإسرائيليين البرية غالبا ما تكون شاقة، خاصة بسبب وقوف الحافلات طويلا عند المعابر الحدودية، ولأن السعودية لا تسمح بدخول حملة جوازات السفر الإسرائيلية إلى أراضيها، فإن هؤلاء يحصلون على تصاريح أردنية مؤقتة لكنها تستغرق فترات طويلة لإصدارها.

وأوضح الوزير أن المقترح يتضمن توقف الرحلات الجوية المتجهة من تل أبيب إلى مكة في الأردن أو دولة أخرى قبل وصولها، لافتا إلى دراسة مقترح بإمكانية إصدار السعودية لجوازات سفر مؤقتة للحجاج الإسرائيليين بدلا من تصاريح السفر الأردنية.

وكانت المفاجأة التي فجرها التقرير وقتها، أن الوزير الإسرائيلي أكد في تصريحاته الرسمية للوكالة الأمريكية، أنه ناقش بالفعل هذه الخطة مع مسؤولين حكوميين في السعودية والأردن ودول أخرى، وأنهم أعربوا عن ترحيبهم الشديد بها.

وهو نفس ما أكدته مصادر بالحكومة الإسرائيلية لصحيفة يديعوت أحرنوت، في تقرير نشرته في حزيران/ يونيو 2017، أن الولايات المتحدة تجري مفاوضات سرية بين إسرائيل والسعودية والسلطة الفلسطينية والأردن لتسيير رحلة خاصة من مطار بن غوريون إلى مكة لنقل الحجاج الفلسطينيين، على أن تتوقف لوقت وجيز في الأردن، وأكدت المصادر أن المفاوضات وصلت لمرحلة متقدمة، على أن تكون الرحلات من خلال شركة طيران لا تتمتع بالجنسية السعودية أو الإسرائيلية.

ليست المرة الأولى

تصريحات وزير الخارجية السعودية بعدم وجود علاقات رسمية بين بلاده وبين إسرائيل، لا تعكس تطور العلاقات بين الجانبين، خلال السنوات السبع الماضية، وتحديدا بعد نجاح الانقلاب ضد الرئيس المصري محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو 2013، لصالح وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي، وهو الانقلاب الذي شارك في دعمه بشكل كامل، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، كل من الرياض وتل أبيب.

ويدعم الرأي السابق، العديد من التقارير الإعلامية العربية والأجنبية، إلا أن التقرير المصور الذي بثته قناة "i24 الإسرائيلية"، قبل أسابيع بعنوان “إسرائيلي في السعودية”، عن زيارة "طاقم صحفي إسرائيلي" بعدة مدن سعودية، كان الأبرز في هذا المجال، حيث كشف التقرير قيام الصحفي الإسرائيلي، "إنريكي زيمرمان" والوفد الصحفي والتلفزيوني المرافق له بالتجول في شوارع الرياض وجدة والمدينة المنورة، وتحدث مع مواطنين سعوديين في الشارع عن "قضايا السلام، والعلاقة مع إسرائيل" .

وكان الملفت في تقرير القناة الإسرائيلية، هو ردود أفعال النخب السعودية حول زيارة الوفد الإسرائيلي، حيث نقلت القناة تغريدات الدكتور عبد الله السرامي، أستاذ الشريعة في جامعة الرياض، قوله على تويتر: "شكرا إسرائيل، الواقع أنتم أكثر حكمة ونبل من الكثيرين، لم نرَ منكم شرا ولو بالكلام، وأنتم ممنوعون من دخول بلادنا، وتأتون بوثائق أجنبية، بعكس الفلسطينيين وغيرهم من أهل الشام واليمن، ممن يقولون نحن إخوة في العروبة والإسلام، ويقيمون في بلادنا ثم يرسلون الملايين لأهلهم، إلا أننا لم نسلم من ألسنتهم وأذاهم".

صلاة الهولوكوست

وبعيدا عن عدم التعليق الرسمي للحكومة السعودية، عن زيارة الوفد الإسرائيلي، إلا أن شخصيات سعودية كان لها مواقف ظاهرة تجاه الترحيب بالتطبيع مع إسرائيل، وكان آخرها قيام وفد من رابطة العالم الإسلامي الذي تسيطر عليه السعودية، بالصلاة في معسكر "أوشفيتز" للإبادة الجماعية لليهود في بولندا، خلال الحرب العالمية الثانية، بالتزامن مع إحياء ذكرى الهولوكوست.

ولم يكن احتفاء الخارجية الإسرائيلية، قاصرا على الترحيب بالزيارة، بقدر ترحيبها بأن الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، هو الشيخ السعودي الشهير محمد العيسى، حيث نشر حساب إسرائيل بالعربية، التابع للخارجية الإسرائيلية، مقطع فيديو للعيسى، وهو يؤم وفدا من رجال الدين المسلمين بمذهبي السنة والشيعة، في الصلاة بمعسكر أوشفيتز.

وكتب الحساب في تغريدة له على تويتر، الخميس، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، السعودي محمد العيسى، برفقة وفده، يؤدي الصلاة في ذكرى ضحايا المحرقة خلال زيارته لمعسكر الإبادة أوشفيتز. قتل في هذا المعسكر أكثر من مليون يهودي خلال الهولوكوست".

وبررت الرابطة التي تتخذ من مكة المكرمة مقرا لها، عبر موقعها الرسمي أن الزيارة تأتي للتنديد بكل عمل إجرامي أيا كان مصدره وعلى أي كان ضرره وأثره، وأن هذه هي قيم الإسلام، وسيُعَبِّر عن ذلك جمع غفير من القيادات الإسلامية من كبار العلماء الذين سيقومون بتلك الزيارات، والتأكيد كذلك على أن الموقف الإسلامي لا يحمل سوى قيمه الرفيعة المجردة، ليُعبّر عن عدالة الإسلام مع الجميع وأنه دين رحمة وإنصاف وأنه ضد كل ممارسات الشر وأن هذا الموقف لا يقتصر على داخله الإسلامي فقط، بل يشمل الجميع فعدالة الإسلام ورحمته عامة.

تقارب الأصدقاء

يشير مركز "foreignaffair"، المعني بالعلاقات الدولية، ومقره الولايات المتحدة الأمريكية، في تحليل موسع أعده عن تطور العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج العربي، أن شيئا ما يختمر في علاقة إسرائيل وجيرانها في الخليج العربي، وأن هناك ما يمكن تسميته ذوبان في جليد العلاقات المشتركة بينها، ولذلك لم يعد مستحيلا أن يكون هناك نشاط دبلوماسي واقتصادي وسياسي، ملحوظ بين إسرائيل ودول الخليج، التي اتخذت خطوات علنية، وإن كانت حذرة ، نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

وفي نفس الإطار، أكد تحليل للباحث الفلسطيني محمد شحاته، نشره موقع صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن النظام السعودي يتعامل مع داعمي التطبيع مع إسرائيل، بصورة تشير لرضا النظام، الذي يستغل هذه الآراء في الترويج لحرية الرأي والتعبير، أمام الهجمات التي لحقت بولي العهد محمد بن سلمان بعد مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي.

وحسب شحاته فإنه على النقيض من الحرية الممنوحة لداعمي التطبيع، فإن نظام ابن سلمان، تعامل بقسوة مفرطة وصلت لحد القتل والاعتقال والتعذيب، للنشطاء السعوديين الذين انتقدوا إسرائيل أو التطبيع معها، حيث يسعي ابن سلمان لتطبيع العلاقات مع حكومة نتنياهو لتأمين وصوله للعرش.

ويرصد موقع "ميدل إيست آي"، من خلال الباحث إبراهيم فريحات، خطورة التقارب السعودي الإسرائيلي على القضية الفلسطينية، تحت مبرر التصدي المشترك للنفوذ الإيراني بالمنطقة العربية.

ويشير التحليل السابق للمقابلة الصحفية التي أجراها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي إزنكوت، وأكد فيها استعداد إسرائيل لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع المملكة العربية السعودية بشأن إيران.

تحالف سري

وحسب محللين تناولوا شكل العلاقة بين الرياض وتل أبيب، فإن العلاقة التي تشهدها الساحة حاليا، سبقها ما يمكن تسميته بالتحالف الأمني السري بين البلدين منذ عدة سنوات، وهو ما كشفه الكاتب والباحث السويسري "بيير هيومان" في مقال موسع نشرته صحيفة "باسلر تسايتونج" السويسرية واسعة الانتشار، في يناير/ كانون الثاني 2018، وأعاد مركز دراسات الأطلسي الأمريكي نشره بعد ذلك.

وتشير المعلومات التي نشرتها الصحيفة السويسرية إلى وجود "تحالف سري" بين السعودية وإسرائيل ، يهدف إلى "كبح توسع إيران في المنطقة ، على الرغم من عدم وجود أي علاقات رسمية بين البلدين"، وأنه بالرغم من رفض الرياض لوجود تطبيع رسمي للعلاقات مع إسرائيل طالما لم يتم حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن التعاون السري المكثف بين السعودية وإسرائيل من أجل تحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في كبح مشروع التوسع الإيراني وتقويض طموحاتها الإقليمية، تجاوز كل الأشكال الرسمية المتوقعة.

وكشفت الصحيفة أن السعودية كانت تفكر في شراء أسلحة إسرائيلية، وأبدت اهتماما متزايدا بنظام القبة الحديدية الإسرائيلي، بهدف اعتراض الصواريخ القادمة من اليمن.

وتشير الصحيفة إلى أن النخب السعودية تخلت عن مخاوفها من الاتصال العلني مع ممثلي إسرائيل منذ زمن طويل، وهو ما كشفه وزير الخارجية الأمريكي الحالي مايك بومبيو عندما كان مديرا لوكالة المخابرات المركزية بأن السعودية تعمل مباشرة مع إسرائيل ودول سنية أخرى في مجال محاربة الإرهاب، وهو ما أعلنه أيضا وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتز في مقابلة إذاعية بأن هناك العديد من الاتصالات مع السعودية، ولكنها ظلت سرا بناء على طلب الرياض".

كما التقى وفقا للصحيفة، رئيسا المخابرات السابقان في إسرائيل والسعودية، لتبادل وجهات النظر حول السياسة الأمريكية بالمنطقة، وأن رئيس المخابرات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل، أجرى محادثات مع رئيس "الموساد" السابق إفرايم هاليفي.


المصادر