لوموند: لهذا تراجع دور الغرب في ليبيا وتصدرت تركيا وروسيا

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"الأمور تفلت من أيدينا في ليبيا" صرخة أطلقها من بروكسل، رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيف بوريل، في 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، وهو ما أكدت عليه صحيفة "لوموند" الفرنسية، التي ذهبت إلى أن روسيا وتركيا استفادتا من إفلاس الدول الغربية في الأزمة الليبية.

وقالت الصحيفة الفرنسية، في تقرير لها: إنه "بعد تحالف الضرورة الذي ربط بينهما (روسيا وتركيا) في سوريا، يتجدد الأمر بليبيا حيث فرضا نفسيهما رعاة للحل السياسي المقبل للأزمة".

غياب وتناقضات

ورأت "لوموند" أنه "بعد أكثر من ثماني سنوات من وفاة معمر القذافي، في أكتوبر/ تشرين أول 2011، وسقوط نظامه، في أعقاب احتجاجات دعمها حلف شمال الأطلسي "الناتو"، يتراجع التوازن الإقليمي حول أحد دول مالكي حقول النفط في شمال إفريقيا".

وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد أكثر من ثماني سنوات من الغياب والتناقضات وعدم الاهتمام الأمريكي وصراعات السلطة في الاتحاد الأوروبي المهووس بـ"الخطر" المزدوج (الهجرة والجماعات المسلحة) المرتبطة بليبيا، فُتح شارع أخيرا لـ"الغرباء السعداء للغاية بالتسلل إلى حقول الأنقاض في هذا البلد".

وتابعت "في حين دمر القتال ضواحي طرابلس منذ أبريل/ نيسان 2019، إلا أن روسيا وتركيا هما اللاعبان الجديدان اللذان يحلمان برعاية الحل السياسي المستقبلي في ليبيا، مشيرة إلى أنه في مشهد يوضح الانعكاس الجيوسياسي الكبير في شرق البحر الأبيض المتوسط، إذ استضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس روسيا فلاديمير بوتين بإسطنبول في 8 يناير/ كانون ثاني الجاري".

وأكدت الصحيفة الفرنسية أنه "في ذلك اليوم، أبدى الرجلان ظاهريا توافقهما من خلال الإعلان عن إطلاق (ترك ستريم)، خط أنابيب الغاز الذي يربط روسيا بتركيا عبر البحر الأسود".

والأهم من ذلك، وفقا للصحيفة، أنهما أطلقا دعوة مشتركة لوقف إطلاق النار في ليبيا اعتبارا من 12 يناير/ كانون ثاني، وكدليل على نفوذهم المتزايد على الأرض، تم احترام الهدنة نسبيا من شركائهم المحليين.

ولفتت "لوموند" إلى أنه في المعركة الدائرة حول طرابلس، تدعم موسكو اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ومن جانبها، تدعم أنقرة حكومة الاتفاق الوطني ورئيسها فايز السراج، ومقرها طرابلس المعترف بها رسميا من قبل المجتمع الدولي.

تسلق وتهدئة

وشددت الصحيفة على أنه "بعد تسعة أشهر من هجوم حفتر على العاصمة الليبية، أثبت الروس والأتراك أنهم سادة النشاط على هذه الجبهة، وهم قادرون على التبديل بين التصعيد والهدوء".

وبينت أن هذا هو التغيير الأساسي، حيث يبدو السيناريو الجديد الجاري في المسرح الليبي مماثل لما أسفرت عنه مفاوضات أستانة، العاصمة الكازاخستانية السابقة (نور سلطان حاليا)، التي استضافت في 2017، المحادثات بين روسيا وإيران وتركيا في ضوء "تراجع التصعيد" للنزاع السوري الذي أدى، في الواقع، إلى تقسيم المنطقة إلى مناطق نفوذ، وتهميش المفاوضات التي بدأت تحت رعاية الأمم المتحدة.

وتساءلت "لوموند" هل ستنجح تركيا وروسيا في الوساطة الدبلوماسية بليبيا، كما فعلا في سوريا؟، مشيرة إلى أن هذا الاحتمال يخيف الغرب الذي يحاول يائسا استعادة السيطرة.

وذكرت أن القمة الدولية حول ليبيا ببرلين، التي حاولت في 19 من الشهر الجاري، أن تعيد وساطة الأمم المتحدة التي باتت في طي النسيان، لكن هل تتمكن من "غرس وتد في التحالف التركي الروسي" حسب الصيغة المتفائلة لدبلوماسي أوروبي؟ لا يوجد شيء مؤكد على وجه الخصوص، تجيب "لوموند"، لأن الدعم الواضح لباريس تجاه حفتر لا يتوقف عن إشاعة المشاكل بين شركاء باريس الأوروبيين.

ووفقا للصحيفة الفرنسية، فإن "هناك عاملين ساهما في إعادة التوازن الإستراتيجي حول ليبيا: أولا، عجز الغربيين، الذين فشلوا في دعم انتقال ثابت بعد القذافي، وثانيا، النشاط المتزايد في البحر الأبيض المتوسط ​​لموسكو وأنقرة اللذين يتشاركان، رغم خلافاتهما، في التصميم على الانتقام من الغرب".

وبينت أن "أردوغان استفاد من يأس حكومة فايز السراج، الذي تخلى عنه المجتمع الدولي بعد أن اعترف به ربيع عام 2016، حيث تمكن الأول من فرض نفسه في مواجهة هجوم حفتر".

ولفتت إلى أن السراج قال على شبكة "بي بي سي" في 20 من الشهر الجاري: "لن نتردد في التواصل مع أي شخص يمكنه مساعدتنا بطريقة أو بأخرى للرد على هذا الهجوم".

انتهاك الحظر

وفي المقابل، تقول الصحيفة: إن الروس استخدموا حق النقض بشكل منهجي، كما أن الفرنسيين، السعداء بخروقات حفتر - الذي يرون فيه "رجلا قويا" قادرا على تأمين الجنوب الليبي المتاخم لمنطقة الساحل - يختبؤون وراء الفيتو الروسي حتى لا يظهروا مؤيدين بشكل علني.

ومع الهجوم الذي شن على طرابلس في أبريل/ نيسان 2019، وصلت انتهاكات حظر الأسلحة إلى مستوى غير مسبوق، إذ يشير تقرير للأمم المتحدة مؤرخ في 15 يناير/كانون الثاني إلى أنه من بين "170 ضربة دقيقة" للطائرات المقاتلة التابعة لحفتر ضد حكومة السراج ، 60  منها نفذها أجانب.

وفي حين لم يحدد تقرير الأمم المتحدة هذه الدول الأجنبية، فإن الخبراء يشيرون إلى مصر والإمارات العربية المتحدة وهما أكبر مؤيدي حفتر العسكريين، بالإضافة إلى الروس.

ولضمان بقائها اتجهت حكومة السراج إلى الأتراك، وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وقّع الجانبان اتفاقية أمنية وبحرية مزدوجة، وفي الثاني من يناير/ كانون الثاني الجاري، أقر برلمان أنقرة اقتراحا بتدخل تركي في ليبيا.

كذلك أرسلت أنقرة معدات عسكرية (طائرات بدون طيار وعربات مدرعة) إلى ليبيا، مما زاد من الدعم الموجود مسبقا - أيضا في تحد لحظر الأسلحة - بالإضافة إلى عشرات "الاستشاريين"، وفصائل سورية مؤيدة لأنقرة لمواجهة تفوق حفتر الجوي بفضل الدعم المصري الإماراتي.

حقول الغاز

وتنوه الصحيفة الفرنسية إلى أن التدخل التركي بليبيا يهدف، على المدى القصير، إلى منع سقوط حكومة طرابلس، حيث إن بقاءها أمر حاسم لإدامة اتفاق 27 نوفمبر/ تشرين ثاني 2019 بشأن ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط، والتي زاد من أهميتها اكتشاف حقول الغاز في المياه العميقة حيث تتشارك كل من تركيا وقبرص واليونان ومصر وإسرائيل في أنشطة استكشاف المواد الهيدروكربونية.

وفي هذه المعركة، يُعد الاتفاق البحري الموقع مع طرابلس أمرا مهما بالنسبة لأنقرة، وإذ احتل حفتر طرابلس، فسوف يتم إنهاء الاتفاق بجرة قلم، بحسب الصحيفة.

وتابعت "كما أن الدافع الآخر لتركيا في ليبيا يكمن في الفرص الجذابة للعقود، فمن خلال الوقوف مع حكومة السراج يأمل أردوغان في استرداد نحو 25 مليار دولار من العقود، التي أبرمت خلال نظام العقيد القذافي وفقدت عام 2011. كما أنه قبل سقوط الديكتاتور، كانت ليبيا السوق الدولية الثالثة للشركات التركية، التي تعتمد على استعادة موطئ قدم عندما تبدأ إعادة الإعمار".

وقبل كل شيء، تشير الصحيفة إلى أن "ليبيا تمثل لأنقرة نقطة انطلاق إستراتيجي يشمل آفاقا أوسع بكثير، إذ تهدف المشاركة العسكرية في طرابلس إلى السماح لتركيا بأن تكون قادرة على التفاوض مع الروس وجها لوجه مقابل الغرب".

وذكرت "لوموند" أن أردوغان، الذي يعتقد أنه تعرض للخيانة من قبل "حلفائه" الغربيين خلال الانقلاب الفاشل في 15 يوليو/ تموز 2016، يرى أن روسيا هي الشريك الضروري لإعادة التوازن إلى علاقاتها المنقطعة مع الغرب.

ملء الفراغ

في المقابل قالت الصحيفة: إن الارتباط الروسي في ليبيا لا ينفصل عن اسم معمر القذافي، حيث كان الاتحاد السوفيتي أول دولة تعترف بشرعية سلطته بعد الانقلاب العسكري بقيادة العقيد الليبي الشاب في عام 1969. كما أنه في عام 2008، أعطى فلاديمير بوتين إشارة إلى "عودة" روسيا إلى المغرب الكبير من خلال مقابلة معمر القذافي.

ولفتت إلى أنه في عام 2011، شكل مقتل الزعيم الليبي في 21 أكتوبر/ تشرين الأول، في سرت من المحتجين الليبيين، حلقة تأسيسية للدبلوماسية الروسية في ليبيا، والتي اعتبرت ذلك بمثابة خيانة أخيرة من الغرب، بعد شن غارات جوية تتجاوز التفويض الذي حدده القرار 1973 للأمم المتحدة.

وفي الشأن الاقتصادي، قالت الصحيفة: إن "موسكو شطبت في سبتمبر/ أيلول 2019، 4.6 مليار دولار من الديون الليبية التي يعود تاريخها إلى ذلك الوقت السوفيتي، ثم تعهدت طرابلس بشراء 3 مليارات دولار من المعدات العسكرية".

كما تم إبرام اتفاق بشأن مشاركة السكك الحديدية الروسية "RZD"  في بناء خط يربط سرت ببنغازي، في شرق البلاد، وساهمت شركة "غازبروم" في أربعة مشاريع للغاز، وفي قطاع البترول، وقعت "روسنفت" وهي شركة روسية أخرى ذات ثقل، اتفاقية إطارية مع شركة النفط الوطنية الليبية. ورغم ذلك ترى الصحيفة، أن هذه الاعتبارات السياسية والاقتصادية ليست كافية لشرح الإستراتيجية الروسية الحالية.

ونقلت "لوموند" عن الدبلوماسي السابق فلاديمير فرولوف، قوله: إن الكرملين يريد توصيل رسالة سياسية "لقد رأى بوتين فراغا في السلطة يمكن ملؤه بطريقة غير مكلفة"، وإثبات أن "الربيع العربي" والثورات الشعبية لا يمكن أن تؤدي إلى أي شيء، وأن "المستبدين الأقوياء" هم الحل الوحيد الممكن في الشرق الأوسط.

ويؤكد الكسندر شوميلين، من مركز "دراسات الشرق الأوسط" التابع للأكاديمية الروسية للعلوم في حديث للصحيفة الفرنسية، أنه "من وجهة النظر هذه، فإن  اختيار روسيا للواء المتقاعد حفتر يبدو منطقيا".

فمن وجهة نظر موسكو، الرجل لديه كل شيء: إنه نموذج للرجل القوي، وكانت علاقته قوية بالقذافي، ويعرض نفسه كحصن ضد "الإسلام السياسي" كما درس في الاتحاد السوفيتي من 1977 إلى 1978 وعام 1983، بحسب الصحيفة.

وتشير "لوموند" كذلك إلى أن موسكو جعلت من ليبيا ورقة تفاوض مع الأوروبيين من أجل تعزيز موقعها في ملفات تعتبر أكثر أهمية بالنسبة لها كأواكرانيا.

ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية فرنسية، استعداد باريس للعمل على تسهيل مقايضة التفاهم "الروسي-التركي" حول ليبيا بتفاهم "روسي- أوروبي" ما يجعل من الأخيرة رهينة لعبة الثلاثي "الروسي-الأوروبي-التركي" إلى جانب خضوعها للضغط الإقليمي "المصري-الإماراتي" المزدوج الخارج أيضا عن إرادتها.