شيعة المغرب.. لهذه الأسباب يتجنبون الدخول في معترك السياسة

12

طباعة

مشاركة

في خطاب احتفاله بالذكرى السنوية لجلوسه على عرش المغرب، دعا الملك محمد السادس في 30 يوليو/ تموز 2015، المغاربة للافتخار بمذهبهم المالكي السني، و"اعتزازهم بدينهم المغربي المتفرد، ورفضهم للمذاهب الوافدة من الشرق والغرب على حد سواء".

لم تكن تلك المرة الأولى التي شدد فيها العاهل على قضية الهوية الدينية للمغرب. ورغم أن الفصل 3 من دستور 2011 ينص على أن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية"، إلا أن البعض يرى في الجملة مدخلا لـ"اضطهاد" الأقليات الدينية وعدم اعتراف بالحق في حرية المعتقد.

وهذا ما يرصده شيعة المغرب من خلال حديثهم عن مضايقات من طرف السلطة تبدأ بمنع تجمعاتهم، ورفضها السماح لهم بتأسيس جمعية خاصة بهم رغم احترام كل الضوابط القانونية اللازمة لذلك، على حد تعبيرهم.

تجميد السياسة

في الذكرى الثامنة لتأسيسها، أعلن مسؤولو جمعية "الخط الرسالي" عن "ولادة جديدة"، مقررين تجاوز المنع الذي يواجهونه من السلطة عبر "عدم مخالفة القانون ولا الخروج عن ما جاء به دستور 2011". 

ويعرف الخط الرسالي بالمغرب نفسه أنه: "خط عقائدي ينتصر لنمط من التدين لأجل تحقيق العبودية لله تعالى في كافة مناحي الحياة". ويقدم نفسه كـ"تيار وطني مستقل في إمكاناته وقراراته، يستند إلى المرجعية الإسلامية، ويعتبر أن طبيعة الصراع القائم بينه وباقي الخطوط حضاري ذو جوهر ثقافي، تمثل فيه السياسة والاقتصاد أدوات للهيمنة الثقافية".

"لا يتعلق الأمر بجمعية ولا تنظيم إنما هو تيار فكري انبثق عن لقاءات مجموعة من المثقفين، من كل جهات المملكة ومن أيديولوجيات مختلفة لا ارتباط طائفي بينهم، فمنهم سنة أيضا، حددوا نقاطه في وثيقة الميثاق الرسالي"، يوضح عبدالحفيظ بلقاضي المتحدث الرسمي باسم التيار. 

كما أوصت الوثيقة بضرورة خلق مؤسسة "الخط الرسالي للدراسات والنشر"، و"جمعية رساليون تقدميون" التي رفضت السلطات تسجيلها والاعتراف بها بحسب ما قال بلقاضي لـ"الاستقلال"، ما اضطرهم للخروج بورقة الميثاق وهي المذهب الذي يحدد مواقفهم.

رأى بلقاضي أن الخطوة ليس فيها أي خرق للقانون، وقال: "نحن لا ندعو لما يخالف القانون ولا نقوم بأي تجمعات، بل إننا نطرح أفكارا لا تمس التوجهات العامة للدولة، إنما تساهم في بلورة ما تأتي به، وهكذا نحن نساهم في بنائها ونطالب بحرية المعتقد والأفكار، وهذا لن يضر الدولة في شيء، وربما هناك أطراف لحسابات معينة تحاول محاربتنا، في حين تكتفي الدولة بدور المتفرج".

وزاد المتحدث موضحا "اعتبرنا الذكرى السنوية الثامنة ولادة جديدة، فقد اعتقدنا في الولادة الأولى أن الأرضية مستعدة لتقبل وافد جديد يعبر عن أفكار تختلف عن ما هو سائد، لكن قوبلنا بحصار وتعتيم ومضايقات، من طرف ما ضد التنوير بشكل عام". 

وعن الأهداف الجديدة للتيار قال المتحدث الرسمي باسمه: "جمدنا مؤقتا الجدال فيما هو سياسي وركزنا على ما هو فكري تحت شعار التنوير. لا ندعي أننا نملك الحقيقة كاملة، لكننا نمتلك أفكارا نريد أن نساهم بها دون حساسيات سياسية لبناء دولة حديثة مستقلة." 

ما يصفه التيار بالتضييق يفسره الأستاذ في مقارنة الأديان بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، مصطفى بوهندي، بكون المذهب في المغرب في ظل الدولة الموجودة اليوم لديه مشاكل مع الفكر الشيعي باعتبار أنه سني.

ويقول لـ"الاستقلال": إن مشكلة الفكر الشيعي - وهو ليس واحدا - أن المعتقد السياسي السائد لديهم، له مشكلة مع السنة ومع (السياسة السنية) التي تنبني على الخلافة الراشدة، إذ أنه لا يعترف بالصحابة عثمان وأبي بكر وعمر، ويعتبر أن الخلافة كان ينبغي أن تكون بعلي، وأن الخلفاء أخذوا حقا ليس لهم.

ويصل الأمر بالبعض إلى سب باقي الخلفاء، وهنا يكمن التناقض مع المذهب السني، بحسب ما يقول.

موقفهم من الملكية

"الخط الرسالي بالمغرب يؤمن بمشروع دولة الإسلام كأفق إستراتيجي لا يمكن بلوغه إلا من خلالها، لأن الدولة الإسلامية هي اختيار شعبي حر وليست مشروعا فوقيا انقلابيا يصادر إرادة الجماهير"، بحسب ميثاق التيار الشيعي عن الدولة.

ويعتبر الميثاق الدولة الإسلامية وإن كانت عقائدية فإنها ليست نظاما ثيوقراطيا فوق إرادة الأمة، ولكن يجري اختيارها وتدبير أمورها بنفسها عن طريق الاستفتاء والانتخابات والمجالس التمثيلية والسلطة التنفيذية المنتخبة والسلطة القضائية المستقلة.

فيما أوضح المتحدث الرسمي باسمه لـ"الاستقلال"، موقفهم من الملكية، بالقول: إن "الملك باعتباره أميرا لكل المؤمنين -إذا كان المقصود بالمؤمنين المالكيين فالمغاربة ليسوا كلهم مالكيين- بل يجب أن تشمل إمارة المؤمنين كل المؤمنين بكل طوائفهم بمن فيهم اليهود، وهو ما تبناه الملك في إحدى خطاباته". 

وزاد بلقاضي: "نتمنى أن يطبق ذلك على أرض الواقع، لكن الدولة ما زالت تتعامل معنا بحذر، فأي ندوة أردنا تنظيمها حتى لو بمشاركة طرف آخر يتم حظرها، والجمعية المدنية أردنا تأسيسها وهي تلتزم بكل الضوابط القانونية، لكنها رفضت". 

لا يتعلق الأمر بالملكية في المغرب، بل بالنظام السني ككل، بحسب أستاذ مقارنة الأديان، إذ يرون أنها "قاتلة للحسين وهم المدافعون عنه وإن لم تكن للأول أي علاقة. يعيش الشيعة على التاريخ ويعودون لسنة 100 هجرية ويحيون المظلمة ويعتبرون أن رجل السياسة والسلطة هو الظالم، سواء في المغرب أو في أي بلد سني آخر". 

وأوضح بوهندي لـ"الاستقلال" أن هذا هو خطاب الشيعة سواء كانوا في المغرب أو في العراق، هم يحيون تاريخ الاضطهاد السياسي والمظلومية، حتى يصبح النظام السني هو من يقوم بذلك، وإن تعلق الأمر بحادث عادي فهم يرونها امتدادا للمظالم التي كانت على مر التاريخ.

وبالتالي يتعلق الأمر بمشكل بنيوي في التفكير الشيعي الذي يرى أنه الأحق بالسياسة، في انتظار أن يعود الإمام الغائب ليعيد لهم السلطة المفقودة، بحسب اعتقادهم، ويراها المختص الفكرة الأصعب في المذهب الشيعي السياسي.

أعداد مجهولة

أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرا عام 2014، أفادت من خلاله أن عدد الشيعة في المغرب بين ألفين و8 آلاف، 400 منهم مستقرون بمدينة طنجة (الشمال).

وقال التقرير: إن معظم شيعة المملكة ينحدرون من سوريا والعراق ولبنان، وأوضح أنهم "محرومون من ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية".

وفي حين أوضح بلقاضي أن مذهب شيعة المغرب هو "مذهب آل البيت"، شدد على أنها تقارير غير دقيقة إذ من الصعب تحديد العدد لأن آلية الإحصاء غير متوفرة، فهناك عدد كبير ممن يتخوفون من الإعلان عن تشيعهم، بسبب وجود مضايقات، خصوصا من لهم مواقع حساسة ما يجعل من الصعب عليه التصريح، كما أن هناك فئة متشيعة لكنها غير نشطة. 

وذهب الباحث المغربي المختص في ملف التشيع إبراهيم الصغير، في مقال له، إلى الجزم بأن عدد المتشيعين بالآلاف، مسجلا أن انتشارهم وصل إلى مختلف مدن المغرب، غير أن ممارسة التقية جعل البحث عن أماكن وجودهم مستعصيا.

وعاد الصغير ليصرح بأن الكتلة الشيعية بالمغرب تتراوح بين  8 و10 آلاف مستقرين، غير الأجانب المقيمين الذين يقاربون 2000 متشيع، وكذا المتشيعين المغاربة في الخارج، إذ أنه في بلجيكا وحدها هناك ما يقارب 25 ألف متشيع، حسب بعض التقارير الإعلامية.

ولاية الفقيه

كان الحديث عن الشيعة في عهد الملك السابق الحسن الثاني من المحظورات، بسبب علاقة التوتر التي كانت قائمة بين طهران والرباط، بعد الإطاحة بالشاه الإيراني محمد رضا بهلوي وهروبه إلى المغرب وقيام الجمهورية الإسلامية. 

وفي العهد الجديد فتح باب النقاش حول حرية المعتقد، وبدأ مناصرو الشيعة بالظهور إلا أن الدولة ظلت تتعامل معهم بحذر خوفا من تسرب "الأفكار الرافضية".  

يعلن شيعة المغرب خضوعهم لنظام الحكم فيه وينفون ولاءهم للفقيه أو أي علاقة لهم بإيران أو حتى سفارتها بالرباط، وهو ما ظهر عندما أعلنت لجنة الشيعة التابعة للجمعية المغربية للحقوق والحريات الدينية تأييدها القرار المغربي قطع العلاقات مع إيران في 2018، على خلفية صلة حزب الله اللبناني بجبهة البوليساريو التي يعتبر المغرب "انفصالية". 

لكنهم لا يخفون عداءهم لحزب العدالة والتنمية ويعتبرون أنه "لا يقبل الاختلاف"، وهو ما أوضحه بلقاضي لـ"الاستقلال"، عندما قال: "العدالة والتنمية المحسوب على التيار الإسلامي يزعجه الخط الرسالي حتى قبل ولادته، لدرجة أنه عقد ندوات لمحاربة التشيع وصنفنا في التشيع الطائفي". 

وهو ما ذهب المصرح إلى نفيه قائلا: "هذا غير صحيح فالخط الرسالي كان يتصدى للتشيع الطائفي في المغرب، وكانت هناك محاولات لخلق هذا التوتر حتى من داخل البيت الشيعي لكننا تصدينا له بقوة، والدولة تعلم ذلك، لكن مع ذلك العدالة والتنمية يصنفنا مع ذلك الاتجاه".  

"السنة ليسوا كلهم متفقين في المغرب"، بحسب المتحدث الرسمي للتيار، إذ "هناك من الوهابيين من يتبنى المذهب الحنبلي ويعتبرون أنفسهم سنة".

وحتى بالنسبة للتشيع، فهناك التشيع اللندني الذي يقوده ياسر الحبيب (رجل دين شيعي معروف بتشدده وغلوه تجاه التيار السني) الذي يحاول خلق عداوة مع الطوائف الأخرى حتى من المتشيعين، نحن نعلم أنها أجندات أسستها استخبارات معينة للعب بورقة الفتنة. 

ونفى المتحدث عملهم لصالح أجندات خارجية، معتبرا أنه هذا الأمر لا يتعدى كونه اتهامات دون إثباتات، و"هي باطلة ولا أساس لها من الصحة".

واستدرك: "بالعكس، مواقفنا كلها سجلت لصالح الوطن، بل حتى أنها تتعارض مع من يتهموننا بالتبعية لهم، فمثلا في بداية ما حصل في سوريا كنا ضد تدخل أي طرف حتى حزب الله".

من جهته قال الأستاذ في مقارنة الأديان بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، مصطفى بوهندي في حديث مع "الاستقلال": إن الشيعة يعتمدون مبدأ التقية، فهم يتخفون ويعملون بسرية، حتى وإن قالوا إنهم لا يرتبطون بأحد لكنهم مرتبطون بالشيعة العالمية التي تبدأ من إيران والعراق ولبنان و"حزب الله".

وبمعنى آخر لا يتعلق الأمر بمعتقد أو مذهب، إنما قوة عالمية سياسية، عندما تكون في بلد قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، والأمر واضح في البحرين واليمن وسوريا ولبنان والعراق. 

المذهب الشيعي له مشاكل جوهرية في بنائه الفكري والأيديولوجي والعقدي وهو متناقض إلى حد ما مع المعتقد السني، بحسب بوهندي، متابعا: "لكن حتى في البلاد الشيعية هناك موقف من السنة، لأنهم يريدون الحفاظ على مذهبهم الشيعي ولا يرغبون بقوة منافسة لهم".

ويرى أن الأمر مشابه في البلاد السنية، فهي لديها مشاكل مع المذهب الشيعي باعتباره يتنازع مع سلطتهم وحكمهم، وهذا الأمر بشكل عام وليس تحديدا المغرب.

هل هو تبشير؟

وتختلف الروايات بشأن دخول المذهب الشيعي إلى المنطقة المغاربية، وتتفق أخرى على أن التشيع له جذوره في المغرب العربي، تعود إلى الدولة الفاطمية أو ما قبلها، بحسب الباحث الجزائري وصاحب كتاب "أسرار الشيعة والإرهاب في الجزائر" أنور مالك، الذي قال: إن "انتشار ظاهرة زواج المتعة بات بابا يدخل منه الكثيرون في المذهب الشيعي"، يصفه البعض بـ"حملات تبشيرية". 

وهو ما رد عليه بلقاضي بالقول: "الحملات التبشيرية ترتبط بالتمويل ومساعدات خيرية على أساسها يتم التبشير، كل هذا غائب في حالتنا، ويمكن لأي مشكك أن يطلع على أرصدتنا التي لا يدخل إليها أي مبلغ مالي من الخارج ولا نساهم في أي جمعية خيرية، بل إن أغلبنا يعيش الحد الأدنى من الكفاف، والبعض يعيش الفقر، متسائلا: "كيف سنقوم بالتبشير؟". 

وختم مشددا: طبعا نحن نعبر عن مواقفنا وهذا لا يعني أننا نبشر، وأي إنسان يؤمن بحرية المعتقد فهو لا يسعى إلى التبشير بل يطرح أفكاره من اقتنع أخذ بها ومن تصدى لها احترمها.

أما الدكتور بوهندي فيرى أن "المملكة المغربية تمتد للسنة من آل البيت"، قبل أن يزيد: موضوع الشيعة والسنة يتضخم أحيانا بفكر مؤثرات سياسية واجتماعية وعسكرية، لكن المغرب عرف الشيعة وآل البيت، وعرف تاريخه تعاقب دول شيعية.

استشهادا على تقبل المغاربة للشيعة، قال دكتور مقارنة الأديان: في الوقت الذي يقولون عن الصحابة "رضي الله عنهم"، يقولون عن علي "كرم الله وجهه"، وهي إشارة لمكانته الخاصة لديهم. فالمغاربة بحسب المتحدث، يتقبلون المذهب الشيعي تاريخيا، لكن ليس سياسيا، لأن التيارات السنية هي التي حكمت بلادهم دائما.

وجود الشيعة في المغرب ليس قويا بالدرجة التي يراد لها أن تكون، بحسب بوهندي، وبالتالي هم أجانب بالنسبة للمغاربة، وإن كان لا يتناقض مع فكرهم، لكن هناك مذاهب شيعية لا يمكنهم كسنة الاعتراف بها منها الرجعة والعصمة والغيبة والأئمة المعصومون، لكنهم في الوقت نفسه لا يتخذون منها موقفا سلبيا، فالتاريخ المغربي لم يكن محاربا للشيعة، باعتبار أن وجودهم كان على شكل مجموعات بسيطة.

أما بالنسبة للعصر الحديث ومنذ الثورة الإيرانية، يوضح أستاذ مقارنة الأديان، بدأ تصدير الثورة من إيران وأخذ ذلك مسارات متعددة في عدة بلدان، منها سوريا والعراق ولبنان ودول الخليج ومصر وأخيرا المغرب، لكن بدرجات، فالأخير بحكم بعده لم يتأثر بشكل كبير.

"في جميع الأحوال ينبغي التخوف من الشيعة والتعامل معهم بحذر دون قمعهم، لأنهم أصحاب فكر طائفي يرفض الآخر، وينقلب عليه فور تمكنه"، وفي اليمن دليل على ذلك، يختم بوهندي.