واشنطن بوست: عقوبات ترامب على إيران تصعّد أزمة اللاجئين بتركيا

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا أعدّته مراسلتها إرين كاننجهام بالاشتراك مع الكاتب الإيراني محمد مهدي سلطاني، تحدثت فيه عن تداعيات العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران، وكيف أنها تزيد من أزمة اللاجئين في تركيا.

وقال تقرير الصحيفة، إن "الغزو السوفيتي لأفغانستان قبل عقود، دفع الآلاف من الأفغانيين للفرار إلى إيران هربا من الموت، والآن، يهرع العديد من هؤلاء اللاجئين مرة أخرى إلى إيجاد موطن جديد في أرض جديدة، فبدؤوا بالفرار مرة خرى".

هروب من الموت

وأضافت: إنهم "لا يهربون من الموت ظلما من الحرب، لكن هربا من الموت جوعا من الفقر الذي ضرب إيران جراء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها، ويبدو أن وجهة اللاجئين هذه المرة تتجه إلى تركيا".

وتشير التقارير إلى أن عشرات الآلاف من اللاجئين خاضوا رحلة الموت الخطيرة عبر الحدود العام الماضي إلى تركيا الدولة الحليف للولايات المتحدة، والتي تعاني من تصاعد أعداد اللاجئين إليها الفارين من الاضطهاد والفقر والحروب في الدول المتاخمة لحدودها، مما يزيد أزمة اللاجئين في تركيا صعوبة.

وتفيد تقارير الأمم المتحدة بأن تركيا تستضيف 4 ملايين لاجئ، وهو أكبر عدد من النازحين المسجل في العالم، بما في ذلك أكثر من 170 ألف لاجئ أفغاني مسجل في السجلات، وتصارع تركيا من أجل توفير الحماية لهؤلاء اللاجئين، مع انتشار تقارير لوكالات الإغاثة تقول: إن عدد اللاجئين الفارين على الحدود بين تركيا وإيران في ازدياد مستمر.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أنه في مدينة "وان" شرق تركيا، على بعد حوالي 50 ميلا إلى الغرب من الحدود الإيرانية، يضطر عدد متزايد من اللاجئين الأفغان إلى النوم في الشوارع وفي الحدائق العامة ومحطات الحافلات، حيث تمنعهم السلطات التركية من السفر إلى مسافات أبعد من ذلك داخل أراضيها، وهؤلاء ولد الكثير منهم  في إيران أو عاشوا هناك لسنوات.

وأشارت إلى هذه الأزمة الجديدة تمثل إحدى النتائج غير المتعمدة لحملة الضغط القصوى التي يقودها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والتي تأمل إدارته أن تدفع إيران إلى التفاوض حول الاتفاق النووي الذي يهدف إلى منعها من امتلاك تكنولوجيا الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية.

وتشمل الإستراتيجية، فرض حظر تجاري واسع النطاق، مع فرض قيود على المعاملات المصرفية، وصادرات النفط، والإمدادات لقطاع السيارات الإيراني، إضافة إلى فرض المزيد من العقوبات على جميع مجالات الحياة في إيران، إلا أن الأخيرة، رفعت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، سعر البنزين فجأة لدعم الأموال المخصصة للتبرعات النقدية، ما أدى إلى موجة من الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق التي تضم مجتمعات أفغانية كبيرة.

رحلات مروّعة

يشكل الأفغان النسبة الأكبر من الفارين الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني إلى تركيا، وفقا لبيانات وزارة الداخلية تقول الحكومة: إن أكثر من 184 ألفا من الأفغان الذين لا يحملون وثائق عبروا العام الماضي - مقابل نحو 100 ألف في عام 2018.

وأوضح التقرير، أن الحكومة التركية لا تميز بين الأفغان الذين عاشوا في إيران قبل العبور إلى تركيا، وأولئك الذين عبروا فارين من أفغانستان إلى تركيا عبر إيران.

من ناحية أخرى، أفادت منظمات محلية لمساعدة اللاجئين بأن الكثير من الأفغان تسللوا عبر الحدود دون أن يتم اكتشافهم، وأغلبهم يفرون من الأوضاع الاقتصادية المزرية التي يقاسونها في إيران.

ووصف اللاجئون الذين قاموا بهذه الرحلة، بأنها "مروعة، لا سيما أنها تمر عبر تضاريس وعرة، ومليئة بجثث الذين لقوا حتفهم على طول الطريق، بعد أن انهار بعضهم من الإرهاق أو انفصلوا عن عائلاتهم وسط الفوضى تحت جنح الظلام".

ونقل التقرير عن آخرين قولهم: إنهم تعرضوا لإطلاق نار من قوات الأمن التركية أو الإيرانية، أو تركهم المهربون الذين قاموا بتهريبهم مقابل ما يعادل آلاف الدولارات، ثم ما لبثوا أن أبلغوا عنهم قوات الأمن الإيرانية أو التركية مقابل المزيد من الدولارات أيضا.

ووصل رمضان، رجل من إقليم جزنة في أفغانستان، لا يعرف من اسمه سوى الاسم الأول فقط، مع أطفاله الثلاثة مؤخرا، قال للصحيفة: إنه بينما كانوا يسيرون عبر الممرات الجبلية ليلا، سقطت زوجته من التلال، مضيفا: أنه كان يسمع صراخها من الوادي، لكن المهربين أجبروهم على الاستمرار في المشي.

وذكرت مريم فضلى، وهي أم أفغانية لستة أطفال، كانت تعيش في إيران منذ عشر سنوات، تقول للصحيفة: إنها "مشت لمدة 24 ساعة متواصلة، حيث كان يمكنهم رؤية جثث اللاجئين الذين ماتوا من التعب أو الجوع أو سقطوا من المرتفعات، وآخرون رأتهم وهم مكسورة أطرافهم".

التقي كاتبا التقرير مع الأرملة الأفغانية مريم فضلي مع أبنائها الستة في محطة الحافلات في مدينة "وان" التركية على الحدود التركية الإيرانية، حيث وصلوا إليها منذ أيام قليلة هربا مما وصفته "جحيم إيران وعدم قدرة أبنائها على الحياة هناك وسط الظروف الاقتصادية الخانقة".

ذكر التقرير أن الشرطة كانت قد أمرت اللاجئين بالمكوث في محطة الحافلات بينما تستعد السلطات المحلية لتسجيل الوافدين الجدد، حيث أنهم بمجرد تسجيل الوافدين الجدد، يتم نقلهم إما إلى مدينة أخرى، أو نقلهم إلى معسكر خيمة محروس، أو في بعض الحالات، يرحلون إلى أفغانستان، وهو مكان لم يره كثيرون منهم لأنهم وُلدوا في إيران.

وتستضيف إيران نحو مليون لاجئ أفغاني مسجلين لدى الأمم المتحدة، حيث يسمح لهم بالعمل في بعض الصناعات، إذ بدأ الأفغان يفرون بأعداد كبيرة إلى إيران  بعد الغزو السوفيتي لبلادهم عام 1979.

تقول وكالات الإغاثة والأمم المتحدة: إن ما يصل إلى 3 ملايين أفغاني يعيشون في إيران، معظمهم لا يحملون وثائق، ونتاجا لهذا فهم يقاسون من الظروف الاقتصادية الخانقة، بحيث لا تمكنهم من عيش حياة تقترب إلى الآدمية.

ووصف كاتبا التقرير مشهد تجمع اللاجئين الأفغان في مدينة "وان" التركية بأنه في فترة ما بعد الظهر الأخيرة في محطة الحافلات في "وان"، احتشد عشرات العائلات الأفغانية معا على السجاد المنسوج في العشب بينما كانت النساء يحممن الأطفال في نافورة صغيرة ويعلقون الغسيل على سياج من سلسلة حديدية صدئة، حيث يتجول رجل يرتدي بذلة رمادية، وهو أفغاني قال: إنه "عاش في إيران منذ 30 عاما".

أزمة إيران

ونقل التقرير عن تامانا جلامي، 20 عاما، وهي لاجئة عاشت في طهران مع زوجها الأفغاني، وهو خياط عاطل عن العمل، قولها: إن الكثير من الأفغان يفرون من إيران متوجهين إلى تركيا بسبب الوضع الاقتصادي: "لقد ساء كل شيء بالنسبة لنا بسبب السياسات الأمريكية الجديدة تجاه إيران".

سافر الزوجان إلى مدينة "وان" التركية مع أقاربهم الذين قالوا إنهم "غادروا أفغانستان خلال الصيف بسبب تهديدات حركة طالبان في قريتهم الزراعية في الشمال، وذكرت العائلة إنها سعت إلى حياة أكثر استقرارا في تركيا أو أوروبا".

وأضافت جلامي: أن "كل شيء مكلف، وليس لدينا إذن بالعمل، كنا نعلم أننا لن نكون قادرين على تحمل إنجاب الأطفال إذا بقينا هناك".

ردد عشرات اللاجئين الآخرين في محطة الحافلات قصة جلامي للفقر وانعدام الأمن، وقالوا إنهم عملوا في إيران بوظائف وضيعة كعمال يوميين، ومزارعين، وخياطين، وحدادين، إضافة إلى أنهم واجهوا التمييز في العمل وفي الشوارع، ويعيشون تحت تهديد مستمر من الترحيل والاعتداء المنتظم من قبل الشرطة.

عندما أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات في عام 2018، كان الأفغان من بين أول من عانى من تداعيات فرض العقوبات، حيث انخفضت الواردات وارتفعت الأسعار، مما جعل المواد الغذائية الأساسية بعيدة المنال بالنسبة للعديد من الأسر الأفغانية، كما أوقف أصحاب الأعمال المدفوعات للموظفين أو المسرحين، متعللين بانخفاض التجارة.

وقال رضا أحمدي، 23 عاما، في حديث للصحيفة: "لقد عملت في الطابق السفلي من متجر صنع الأحذية، حتى مع ارتفاع الأسعار، ظل راتبي على حاله". وأضاف: أنه غادر أفغانستان وهو طفل عندما كانت طالبان تسيطر، ويعيش في إيران منذ ذلك الحين.

ولفت إلى أنه عندما بدأت العقوبات، توقف صاحب العمل عن الدفع لنا في الوقت المحدد بالإضافة إلى أنه قام بتخفيض الراتب.

وفقا للمجلس النرويجي للاجئين، وهو أكبر خمس وكالات دولية غير حكومية تعمل في إيران، فإن إيصال المساعدات إلى اللاجئين الأفغان معرض للخطر لأن البنوك ترفض تحويل الأموال بسبب العقوبات.

ونقل التقرير عن يان إيجلاند، أمين عام المنظمة، قوله في بيان له: "إن عدد الأفغان المحتاجين قد تضاعف تقريبا ودفع ما يقرب من 3 ملايين شخص إلى مستويات الطوارئ من الجوع".