البرلمان المصري.. هكذا تحول من مراقب للسلطة إلى أداة في يدها

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

تحدد المادة 131 من الدستور المصري، أنه باستطاعة مجلس النواب سحب الثقة من الحكومة، ولا يستطيع رئيس الجمهورية، طبقا للمادة 146، اختيار حكومة جديدة إلا بعد موافقة المجلس، وفي حال رفض، تختار الكتلة البرلمانية صاحبة اﻷكثرية رئيسا للوزراء بديلا عن اختيار رئيس الجمهورية، كما لا يستطيع الرئيس إعفاء الحكومة من أداء عملها إلا بعد موافقة البرلمان.

هذه المواد المصاغة طبقا للدستور المصري، تعطي البرلمان قوة غير مسبوقة، في إحداث تغيير وإصلاح داخل الدولة، ولكن واقع الدولة والسلطة، مخالف لتلك الحقيقة.

ففي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، طلب رئيس البرلمان علي عبد العال، من نواب البرلمان الوقوف دقيقة، دعما لرئيس النظام عبد الفتاح السيسي، والجيش، وقال في معرض الحدث: "على الحكومة والبرلمان القيام بواجبهما للوقوف بجانب الشعب وعدم (تصدير المشاكل) للرئيس".

وتلك هي الإستراتيجية الدارجة، حيث يعمل البرلمان على امتصاص الغضب الشعبي، وتوجيه فورة السخط إلى جهات أخرى بعيدا عن رأس النظام، سواء من الوزراء أو كبار موظفي الدولة، وهو ما حدث دائما منذ انعقاده، وفي الآونة الأخيرة، التي تصاعد فيها الحنق ضد النظام، بعد بروز الفساد داخل أروقة القصور الرئاسية.

آلية مجحفة 

في 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، أثار مقتل 4 أشخاص، بينهم 3 طبيبات، وإصابة 17 آخرين في حادث سير مروع على طريق المنيا القاهرة، موجة غضب عارمة على صعيد الرأي العام المصري.

إذ أن أطباء المنيا كانوا في طريقهم للتدريب في برنامج مبادرة صحة المرأة بمعهد التدريب بالقاهرة -دفعة تكليف 2017-، وبسبب التعنت الحكومي، والإصرار على سفر الأطباء، في ظروف غير ملائمة، وقع الحادث الأليم.

هنا تحرك البرلمان ليبحث عن كبش فداء، خارج إطار النظام، ورئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ونزل إلى مرتبة أقل عندما قدّم عدد من أعضاء مجلس النواب بيانات عاجلة، لرئيس المجلس علي عبد العال، ضد الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة. 

كما أعلن عبد العال، عن تلقيه طلب موقع من عُشر أعضاء البرلمان (60 نائبا) بسحب الثقة عن الوزيرة. وقد قال حسين غيتة، عضو مجلس النواب، عن محافظة المنيا: إن "إهمال وزيرة الصحة هو المتسبب في حادث أطباء المنيا"، دون أن يذكر غيرها من كبار المسؤولين. 

امتصاص الغضب

في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، اندلعت مظاهرات مقلقة ضد نظام السيسي، في عدد من المحافظات، أبرزها تلك التي جرت على تخوم ميدان التحرير بوسط العاصمة. 

كانت البلاد في حالة استنفار أمني ضخم، غير مسبوق منذ فترة طويلة، وحشدت الأجهزة الأمنية، وقوات الشرطة، أفرادها لمحاصرة المدن، والأماكن التي يمكن أن تشهد اضطرابات، تؤدي إلى انفلات كامل في الأوضاع، على غرار ما حدث في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. 

من جهة أخرى، كان البرلمان المصري يعمل على قدم وساق، لتجاوز الحدث، حيث قال رئيس البرلمان علي عبد العال: إن "على الحكومة والبرلمان القيام بواجبهما للوقوف بجانب الشعب وعدم تصدير المشاكل، للرئيس السيسي".

ثم طلب عبد العال من نواب البرلمان، الوقوف دقيقة دعما للرئيس والجيش خلال الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب لدور الانعقاد الخامس. ووعد بأن "الفترة المقبلة ستشهد إصلاحات سياسية وحزبية وإعلامية"، وأن يناقش المجلس "قوانين (لم يحددها) تمس جوهر الحياة السياسية في مصر".

وأعلن عبد العال أنه "سيتم استدعاء رئيس مجلس الوزراء وكل الوزراء لمجلس النواب، لإلقاء بيان عن حقيقة الأمور والأحداث التى تدور فى البلاد" معقبا "ثورتنا لن تهدأ!". واختتم حديثه قائلا: إن "المعارضة جزء من النظام، وأي أغلبية لن تستمد شرعيتها إلا من المعارضة"، بحسب تعبيره. 

وعود الإصلاح التي أطلقها عبد العال، غير متعلقة بالرئيس، ولا هرم السلطة في مصر، بل في إطار دور محدد، يمتص غضب الشارع المشتعل، ويوجه طاقة السخط الشعبي إلى مناح أخرى، في ظل الدور المرسوم للبرلمان، الذي يوصف بأنه من صناعة المخابرات.

صناعة مخابراتية

في فترة 2015-2016 التي شهدت إجراء أول انتخابات برلمانية في مصر بعد انقلاب يوليو/تموز 2013، أقيمت "غرفة عمليات الانتخابات" داخل مقر المخابرات العامة، وفقا لتقارير صحفية، وشهادة أحد المشاركين السابقين في حملة السيسي الرئاسية.

وقالت صحيفة "العربي الجديد" آنذاك، نقلا عن مصادر سياسية: إن محمود السيسي (ابن الرئيس) كان واحدا من 4 أشخاص في غرفة العمليات تلك التي أدارت المشهد الانتخابي عبر اجتماعات يومية في مقر المخابرات، وقامت بصناعة قائمة "في حب مصر" المؤيدة للسيسي وهيمنت على البرلمان.

وروى الناشط السياسي حازم عبد العظيم (مسجون حاليا على ذمة التحقيق بتهمة التحريض على مؤسسات الدولة) في شهادة نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي كيف كان مشاركا في أحد تلك الاجتماعات بحكم نشاطه السابق كمسؤول لجنة الشباب في حملة السيسي الرئاسية الأولى.

وقال عبد العظيم الذي أصبح معارضا للسيسي: إن "الجالسين على رأس الطاولة في ذلك الاجتماع الذي عقد في فبراير/شباط 2015 كانوا هم وكيل من جهاز المخابرات مع 4 من رجال المخابرات، 3 منهم شباب تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين عاما".

وعكست تلك الترتيبات التي يعتقد أن جهاز المخابرات العامة أدارها بالتنسيق مع مسؤولين من رئاسة الدولة، مشاعر القلق لدى السلطة بشأن الانتخابات البرلمانية، والحرص على إنتاج برلمان طيّع لا يخرج عن النص، وهي مشاعر لم يخفها السيسي نفسه عندما ألمح في أحد خطاباته إلى أن دستور عام 2014 يمنح البرلمان صلاحيات أكثر من اللازم.

عسكريون برلمانيون 

في 10 يناير/كانون الثاني 2016، عقد البرلمان المصري الجديد جلسته الأولى، واحتل العسكريون المتقاعدون كتلة ملحوظة من المقاعد البرلمانية قدرت بنحو 71 مقعدا، من العسكريين، والأمنيين السابقين.

وطلب النائب محمد أنور السادات الاطلاع على الراتب الأساسي، ونظام الأجور بالقوات المسلحة، معبرا عن مدى خضوع المؤسسة لإرادة الضباط، لينفعل عبد العال ويقول: "لا تتكلم هكذا عن القوات المسلحة، التي تقدم ضريبة الدم من أجل الشعب".

وكان ذلك في معرض جلسة البرلمان للموافقة على زيادة معاشات العسكريين بنسبة 10%، يوم 25 يوليو/تموز 2016، وترتب على الحدث إسقاط عضوية النائب السادات يوم 27 فبراير/شباط 2017.

وبمناسبة الواقعة والحديث عن نظام الأجور والبدلات بالقوات المسلحة، فإن جمهورية الضباط تدير اقتصادها العسكري الرسمي الخاص، والذي يدر عليها مصادر دخل لا تمر عبر الخزينة العامة للدولة.

ويتكلف مكتب خاص في وزارة المالية بالتدقيق في حسابات القوات المسلحة والهيئات التابعة لها، وعلى الأرجح بالتنسيق مع مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية، إلا أن بياناته وتقاريره لا تخضع للسيطرة أو إشراف البرلمان أو أي هيئة مدنية أخرى.

ويُعتقد أن جزءا من العوائد يُنفق على بدلات الضباط ومساكنهم، وعلى إدخال تحسينات أخرى على مستويات المعيشة، أما الباقي فيُعاد استثماره أو يُستخدم لتكملة الإنفاق على الصيانة والعمليات والمقتنيات، التي لا تغطيها ميزانية الدفاع والمساعدات العسكرية الأمريكية.

ويقف رئيس البرلمان علي عبد العال، وبقية الأعضاء، حائلا دون التدخل في الاقتصاد العسكري، وتوغله في القطاع المدني، وجمهورية الضباط، وحجم الفساد بداخلها، بل يقصمون ظهر من يجرؤ على إثارة تلك التساؤلات، كما حدث مع السادات. 

تيران وصنافير

الطريق الذي سلكه السيسي للتفريط في جزيرتي تيران وصنافير، لصالح السعودية، كان لا بد أن يمر عبر البرلمان، لإضفاء مسحة من الشرعية عليه، ولتجاوز الغضب الشعبي، بحقه شخصيا.

وهو ما حدث في 14 يونيو/ حزيران 2017، عندما أقر مجلس النواب المصري، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتنازل عن الجزيرتين بصورة نهائية، في مشهد مأساوي، وسط هتافات من قبل النواب المعارضين "مصرية" و"باطل".

واتهم النواب رئيس البرلمان وقتها بمخالفة اللائحة، عبر رفضه اعتماد الطلب المقدم من نحو 150 نائبا بالتصويت عبر المناداة بالاسم، وأخذ التصويت برفع الأيدي.

التنازل عن الأرض المصرية، كان بمثابة الحلقة الأضعف في مسيرة عبد العال، بعدما أعلن أن "ترسيم الحدود البحرية ليس أمرا يترك لكل دولة على حدة ولكن توجد اتفاقية أقرتها الأمم المتحدة عام 1982 تضع المعايير التي يجب مراعاتها عند ترسيم الحدود بين الدول". ولفت إلى أن القوات المسلحة التي حاربت وضحّت من أجل هذا الوطن لا يمكن أن تفرط فى ذرة من ترابه. 

ودخل عدد من النواب في موجة بكاء حادة في القاعة، فور تمرير الأغلبية للاتفاقية، في حين احتشد آخرون أمام مكتب عبد العال، لتقديم طلب بإعادة المداولة، بعدما سارع فور التصويت للجوء إلى مكتبه، خوفا من غضبة النواب.

بل وذهب عبد العال إلى أبعد من تعنيف المعترضين على الاتفاقية التي بموجبها تم التنازل عن الأراضي المصرية، بل طالب الذين هاجموا المجلس بسبب موقفه من "تيران وصنافير"، بأن يكون لديهم الشجاعة الأدبية والاعتذار لأعضاء البرلمان.

وأشار إلى أن حكم المحكمة الدستورية العليا بصحة اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن ما ذكره بالنسبة للاتفاقية تم تسطيره في حكم المحكمة التاريخي، وذلك في 4 مارس/ آذار 2018. 

هدايا مذلة

في 10 أبريل/ نيسان 2016، أجرى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود زيارة، وصفت بالتاريخية إلى مقر البرلمان المصري، حيث ألقى كلمة أمام النواب، ودعا إلى اتحاد الصفوف العربية في الحرب ضد الإرهاب، وأكد وجوب العمل لإنشاء "قوة عربية مشتركة".

وأشاد الملك سلمان بالفرص التي سيوفرها الجسر البري المقرر إنشاؤه ليربط بين مصر والسعودية، وهو المشروع الذي لم ير النور من عقود طويلة.

 والسؤال الذي يطرح نفسه، هل توجه الملك سلمان إلى البرلمان، جاء باعتباره مؤسسة ممثلة للشعب؟ أم واجهة للسلطة لإضفاء شرعية مصطنعة، على عملية التفريط في الأرض؟

وترتب على تلك الزيارة، بدء العملية الفعلية، لإقرار البرلمان المصري اتفاقية الحدود البحرية، التي بموجبها، فرط النظام في الأراضي المصرية للرياض

وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، كشفت تقارير إعلامية أن وفدا من نواب البرلمان زار مقر إقامة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال وجوده بالقاهرة، وظلوا في انتظار نزوله من جناحه الملكي لأكثر من ساعة.

وقد سلمهم السفير السعودي بالقاهرة، أسامة بن أحمد، هدايا باسم ولي العهد عبارة عن ساعة يد ماركة "تيسو"، وهي الهدية ذاتها التي تلقاها النواب خلال زيارة الملك سلمان للبرلمان المصري قبل التصويت على اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.

وقد رفض مكتب علي عبد العال، تقديم إيضاحات حول حقيقة الوفد البرلماني الذي ذهب لمقر إقامة ولي العهد السعودي، وبأي صفة حصل على تلك الهدايا، وتحت أي بند؟

وفي إطار المفارقة، ففي 4 مايو/ آيار 2012، رفض الوفد الشعبي الذي ترأسه الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس البرلمان السابق، الذي التقى بالعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، قبول هدية بأداء العمرة على نفقته في إطار ترحيبه بالوفد، وأعلن الكتاتني وقتها أن الوفد المصري جاء لمهمة محددة، ولم يكن ضمن جدول أعماله أداء العمرة.

شكل مسرحي 

يرى عمرو عادل، عضو المجلس الثوري المصري، أنه "لا بد عند التعامل مع ما يسمى البرلمان المصري أن ندرك تماما أنه أصبح جزءا من السلطة التنفيذية ويكمل معها الشكل المسرحي اللازم لمؤسسات الدولة".

وأردف عادل لـ"الاستقلال": "لا بد أن ندرك أن الدولة المصرية لم تعد بشكل كامل دول مؤسسات بل مجموعة من قطاع الطرق سيطرت بشكل كامل على المؤسسات والثروة وتدير صراعها مع الشعب على هذا الأساس".

وأكد "لذلك ربما يبدو من الغريب توقع أن يقوم البرلمان بأي دور لحماية الشعب بل على العكس هو يعتبر جزءا من خداع الشعب".

وذكر "لو نظرنا لتشكيل البرلمان، نجد أنه مجموعة من الضباط السابقين تحت سيطرة مجموعة من عديمي الكفاءة المتسلقين الملتصقين بالعسكر لتحقيق منافع شخصية وكل ما يحدث منهم هو حماية رأس النظام والعصابة التابعة له.. هم حتى لا يستطيعون عمل معارضة صورية كما كان يفعل البرلمان أيام مبارك".

واختتم السياسي المصري حديثه "انعدام الكفاءة والسرقة العلنية، والانبطاح التام للعسكر يجعل من المستحيل الوصول حتى لمستوى البرلمان أيام مبارك، الذي كان يحتوي على مجموعة من اللصوص أيضا، ولكن كان يضم أكفاء مدركين لضرورة وجود حد أدنى من الشرف حتى لا تنقلب الطاولة على رؤوسهم".