تشكيل الحكومة الجديدة في تونس.. ما سر اختيار الرئيس لـ"الفخفاخ"؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد 10 أيام من فشل حكومة الحبيب الجملي، مرشح حركة النهضة في نيل ثقة البرلمان، أعلن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد في 20 يناير/ كانون الثاني 2020، تكليف القيادي في حزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة الجديدة. 

جاء هذا التكليف بعد مشاورات كتابية أجراها سعيّد مع الأحزاب والكتل والائتلافات بمجلس نواب الشعب (البرلمان)، وبعد لقاءات مع المسؤولين عن أكبر المنظمات الوطنية ومع عدد من الشخصيات التي تم ترشيحها.

الفصل 89 من الدستور، يخول لرئيس الجمهورية "تحديد الشخصية التي يراها الأقدر على تكوين حكومة في مدة لا تتجاوز شهرا قبل عرضها على مجلس نواب الشعب، لنيل الثقة في فرصة أخيرة قبل الذهاب مرة أخرى إلى انتخابات برلمانية جديدة".

مواقف الأحزاب لتكليف الفخفاخ، تراوحت بين مؤي ورافض، وسط تساؤلات عن الدوافع التي جعلت الرئيس يختار الفخاخ تحديدا من بين كل الشخصيات التي رشحتها الأحزاب الممثلة في البرلمان، ومدى قدرته على تشكيل حكومة تحظى بثقة مجلس نواب الشعب.

مشاورات غامضة

لم تنجح حكومة الحبيب الجملي بالحصول على ثقة البرلمان في الجلسة المخصصة لذلك يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 2019، حيث حصلت فقط على 74 صوتا من أصوات أعضاء البرلمان (210)، غالبتها من كتلتي النهضة وائتلاف الكرامة، بينما صوت 134 نائبا بالرفض لهذه الحكومة، لينتهي بذلك مسار من المفاوضات والشد والجذب بين الأحزاب السياسية استمر قرابة الشهرين.

بعدها بيوم واحد، بعث رئيس الجمهورية برسالة إلى رؤساء الكتل النيابية وقادة الأحزاب الممثلة برلمانيا من أجل تقديم مرشحيهم لمنصب رئاسة الحكومة بشكل كتابي، "مع بيان دواعي هذا الاختيار والمعايير التي تم اعتمادها في ذلك، على أن يكون هذا في أجل قريب لا يتجاوز الخميس 16 من شهر جانفي (يناير/كانون الثاني) الجاري".

وأضاف الرئيس في رسالته "وأن حرصكم على تقديم مقترحاتكم في أسرع الأوقات سيتيح مدة كافية لمزيد تعميق المشاورات في احترام كامل للمدة الّتي نصت عليها الفقرة الثالثة من الفصل التاسع والثمانين من الدستور".

وقبل انتهاء المدة الممنوحة من الرئاسة، تقدمت الأحزاب بعدد من الأسماء منها ما كان مشتركا بين عدد منها، والآخر كان مقترحا من جهة حزبية واحدة.

في الكواليس تم تداول 3 أسماء مرشحة بقوة للحصول على تكليف قيس سعيّد، هم المنجي مرزوق، المرشح عن  "ائتلاف الكرامة"، والمدعوم من حزب "التيار الديمقراطي"، وإلياس الفخفاخ المرشح عن حزب "تحيا تونس" والمدعوم كذلك من "التيار الديمقراطي"، وحكيم بن حمودة مرشح أحزاب "قلب تونس"، و"تحيا تونس"، و"الإصلاح الوطني".

رأي متابعون أن المنافسة منحصرة بين الثنائي الفخفاخ ومرزوق، رغم أنهما لا يحظيان بدعم الأحزاب ذات الثقل البرلماني الكبير، وفي هذا الاتجاه أشار رئيس "قلب تونس" نبيل القروي، إلى ذلك صراحة في تصريح لموقع قناة "نسمة" دعا فيه الرئيس إلى "اختيار مرشح الأغلبية"، وهو حسب الأسماء المقترحة، فاضل عبد الكافي الذي رشحه "قلب تونس" كما رشحته أيضا حركة النهضة.

الرئيس لم يلتزم بالحساب العددي للكتل البرلمانية، لترشيح رئيس الحكومة المكلف، وبدا أنه تجنب مرشح "قلب تونس" و"النهضة"، الذي سبق وصرح خلال الانتخابات الرئاسية بدعمه للمرشح نبيل القروي، كما استبعد الرئيس أيضا رضا بن مصباح الذي رشحه حزبا "تحيا تونس" و"قلب تونس"، وهو عضو سابق في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب الرئيس المخلوع الراحل زين العابدين بن علي)، الذي تم حله بعد الثورة.

مهندس الميكانيكا

إلياس الفخفاخ (48 عاما)، هو مهندس في الميكانيكا وإدارة الأعمال، بدأ حياته المهنية في فرنسا كمدير مشروع في البحث والتطوير في شركة متخصصة في تصنيع المطاط بقطاع صناعة السيارات والطيران.

بعد عودته إلى تونس عام 2006، تقلد الفخفاخ عددا من المناصب في شركات عالمية بمجالات مختلفة، ولم تلاحظ عليه أية مشاركة سياسية أو ثورية قبل الإطاحة بنظام "بن علي".

بعد ثورة الحرية والكرامة، انخرط الفخفاخ علنا في الحياة السياسية والتحق بحزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"، وقاد الحملة الانتخابية للحزب سنة 2011 وانتخب بعد المؤتمر الثالث للحزب رئيسا لمجلسه الوطني.

فاز الحزب بالمرتبة الثالثة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، ما سمح لرئيسه مصطفى بن جعفر بتولي رئاسة البرلمان التونسي، ومشاركة التكتل في حكومة الترويكا والتي ضم حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي كان يترأسه الرئيس السابق المنصف المرزوقي.

عين إلياس الفخفاخ وزيرا للسياحة في حكومة حمادي الجبالي (من 2011 إلى 2013) ووزيرا للمالية في نفس الحكومة من 2012 إلى 2014، واحتفظ بحقيبة وزارة المالية في حكومة علي العريض (من 2103 إلى 2014)، قبل أن تستقيل الحكومة في يناير/كانون الثاني 2014.

في العام 2014، لم ينجح حزب "التكتل" في الفوز بأي مقعد برلماني، كما لم ينجح مرشح الحزب مصطفى بن جعفر في انتخابات الرئاسة، وفي الانتخابات الأخيرة أكتوبر/تشرين الأول 2019، لم يتمكن الحزب كذلك من حصد أي مقعد في البرلمان، وخاض الفخفاخ الانتخابات الرئاسية مرشحا عن حزب "التكتل"، لكنه لم يحصل سوى على 0.34% من الأصوات.

حكومة الرئيس

الصحفي لطفي الهرماسي قال لـ "الاستقلال": "حسب جل متابعي المشهد السياسي، فالرئيس ذهب في خياره ذاك متأثرا برئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد الذي اقترح الفخاخ، بالإضافة إلى توجيهات فرنسية غير خافية ارتبطت خاصة بمكالمة هاتفية تلقاها الرئيس من نظيره ماكرون صباح يوم إعلان اسم الفخفاخ، كما يتحدث بعض المحللين عن اعتراض الاتحاد العام التونسي للشغل على خيار منجي مرزوق الذي تردد اسمه كثيرا خلال الـ 24 ساعة الأخيرة من مهلة الإعلان الرئاسي".

وأضاف الهرماسي: "اختيار الرئيس، إلياس الفخفاخ له مبررات تتعلق خاصة بأنه من الجيل الجديد من السياسيين الذين لم تلوثهم منظومة ما قبل الثورة، ولم تتعلق بهم شبهات فساد، فضلا عن علاقات الاحترام التي تجمعه بالرباعي الذي أوشك أن يشكل حكومة الحبيب الجملي لولا بعض الحسابات (النهضة / التيار الديمقراطي/ حركة الشعب/ تحيا تونس)".

في رسالة تكليف الفخفاخ برئاسة الحكومة، أكد الرئيس قيس سعيّد أن "الحكومة التي سيتم تشكيلها لن تكون حكومة رئيس الجمهورية، بل هي التي يمنحها مجلس نواب الشعب الثقة، فعدد غير قليل من أعضاء المجلس النيابي هم الذين اقترحوا اسم رئيس الحكومة، والكلمة الفصل هي للمجلس وحده عند عرض الحكومة بكامل أعضائها على الجلسة العامة للبرلمان".

إلا أن توجه الفخفاخ وإن كان لم يصرح بتوصيف الحكومة بحكومة الرئيس، لكنه جعل من مرجعيتها السياسية وأسسها نتائج الدور الثاني للانتخابات، حيث أكد الفخفاخ على ضرورة تشكيلها من الأحزاب التي ساندت سعيّد في الدور الثاني واستثناء بقية الأطراف.

الفخفاخ أكد في أول مؤتمر صحفي، بعد لقائه عددا من قادة الأحزاب والكتل البرلمانية، "توجيهه الدعوة لكافة الأحزاب السياسية للمشاورات، ما عدا حزبي قلب تونس، والدستوري الحر، المحسوب على النظام السابق، معتبرا أنه لا يرى في هذين الحزبين تناغما وانسجاما مع برنامجه الحكومي وأهدافه".

وأشار الفخاخ إلى أن المنظومة الديمقراطية الحالية تقتضي أن يكون فريق في الحكومة وآخر في المعارضة. وأوضح أنه يستمد شرعيته من شرعية رئيس الجمهورية الذي كلفه بهذه المهمة، ويعتمد في مشاوراته على قاعدة خط سياسي منحاز لأهداف وقيم الثورة ومكافحة الفساد، وأن حكومته لن تتجاوز 25 حقيبة وزارية.

وشدد رئيس الحكومة المكلف، على أن وزارته ليست بحاجة لحزام سياسي يمنحها الثقة، بقدر ما أنها بحاجة إلى حزام سياسي منسجم، ويحمل الرؤى والأهداف نفسها التي تستجيب لتطلعات التونسيين.

الحزام السياسي

الصحفي لطفي الهرماسي أكد أن "اختيار الحزام السياسي على أساس نتائج  الدور الثاني للانتخابات الرئاسية قد أثار جدلا سياسيا ارتكز أساسا على أن الفخفاخ اختار أن يكون وزيرا أول (رئيس حكومة) يستمد كل مشروعيته من الرئيس، وليس من البرلمان صاحب السلطة الأصلية وهو أمر غير مألوف في تونس بعد دستور 2014، الذي يمنح رئيس الحكومة صلاحيات أوسع من صلاحيات رئيس الدولة.

واعتبر الهرماسي أنه "باختيار رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ لحزام برلماني استبعد من خلاله كلا من حزب قلب تونس والحزب الدستوري الحر، نجح في قطع الحبل السري لتحالف أعلن عنه نبيل القروي وظهرت ملامحه يوم إسقاط حكومة الجملي في البرلمان".

لكن الفخفاخ في المقابل، وحسب الهرماسي "ابتدع لنفسه مقاربة صنف من خلالها الكتل النيابية إلى موالاة ومعارضة قبل عرض حكومته على المجلس وقبل الشروع في تحديد برنامج حكومته وتوزيع الحقائب الوزارية وهي في اعتقادي مجازفة غير مضمونة العواقب خاصة وأن الائتلاف الحاكم الذي اختاره يتشكل من أحزاب لا يثق بعضها ببعض، وتجمعها تجاذبات وخصومات آخرها معركة تشكيل وإسقاط حكومة الجملي، كما أنها تختلف من حيث الرؤى والبرامج والأطروحات والمرجعية".

وأضاف الهرماسي للاستقلال: "في ظل كل ذلك، ينتظر التونسيون تشكيل حكومتهم في أقرب الآجال، خاصة وأن البلاد تعيش حالة من البطالة، وارتفاع منسوب الجريمة المنظمة، وتردي الخدمات الصحية، واهتراء المقدرة الشرائية، على أنهم يتوقعون تصويت البرلمان بالأغلبية على حكومة الفخفاخ خشية إعادة الانتخابات التي لا يضمن جل النواب نجاحهم  فيها".