"فورين بوليسي": السيسي يقدم شكلا جديدا للحكم الشمولي بمصر

12

طباعة

مشاركة

قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن "واشنطن توقفت عن الاهتمام بمصر"، وأرجعت المجلة السبب في ذلك إلى أنها أصبحت "مستنزَفة من السياسة الداخلية ومنهكة من الشرق الأوسط، كما أنها راضية عن استقرار وضع الحلفاء العرب".

وفي مقالها التحليلي بعنوان "أسوأ من مبارك.. عبد الفتاح السيسي يجلب شكلا جديدا من الحكم الشمولي إلى مصر"، رأت المجلة أن "شيئاً ما يَحدث في العالم العربي الأكثر اكتظاظا بالسكان، والشريك الأمني الرئيسي لأمريكا ينذر بالخطر. إذ يدفع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي مصر نحو حكم شمولي أكثر من سابقه حسني مبارك، وهو بذلك يكرس لمزيد من عدم الاستقرار في منطقة عانت بالفعل من الكثير منه".

بعد الانقلاب

وبدأ التحليل الذي كتبته نائبة مدير البحوث في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، إيمي هوثورن، ونائب مدير قسم السياسة في مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط، أندرو ميلر، من انقلاب السيسي العسكري في 2013. ومضى المقال موضحا أنه "بعد فترة وجيزة من ذلك تبنت مصر دستورا يتضمن بعض الضمانات الرسمية بشأن الحقوق، وضوابط محدودة بشأن السلطة الرئاسية".

ورأى الباحثان أن "السيسي ومؤيديه المتحمسون ادعوا أنه يستعيد الديمقراطية، بينما أمضى السنوات القليلة الماضية متجاهلا الدستور، يحشد السلطة ويقمع بوحشية خصومه الإسلاميين، وأي شخص آخر يشكك في حكمه".

وذهب الباحثان إلى حد تشبيه "انتزاع السلطة بأيام جمال عبدالناصر"، معتبرين أن السيسي "يقود مصر إلى مناطق أكثر خطورة من خلال التعديلات الدستورية التي ستقوم بشكل رسمي بتدوين ديكتاتورية مشخصنة".

ولا تتوقف خطورة الأمر عند حدود مصر، بحسب المقال، "لكنها خطيرة على المنطقة والعالم". ويوضح الباحثان أنه "على الرغم من أن أنظمة السلطة الاستبدادية المركزية قد تبدو مستقرة -خاصة عندما تكون هذه الشخصية مدعومة من قبل الجيش مثل السيسي- فإنها أكثر عرضة للإنهيار الفوضوي مقارنة بأنواع الأنظمة الأخرى".

وحدد مقال المجلة التحليلية  كيف ستتعزز سلطة السيسي بعد التعديلات على الدستور في ثلاث نقاط:

  • أولاً: ستلغي حتمية تركه منصبه في عام 2022، بعد ثماني سنوات من الحكم، وتمكنه من البقاء في السلطة حتى عام 2034. ومن شأن هذا التعديل إلغاء تعهد السيسي باحترام الفوز الوحيد المتبقي من انتفاضة عام 2011 ضد دكتاتورية مبارك التي استمرت ثلاثة عقود، وهو: تقييد الرئاسة بفترتين من أربع سنوات. كما أنه لا يوجد طلب شعبي على تمديد فترة رئاسة السيسي، بل على العكس، هناك علامات متزايدة على التعب من حكمه القمعي، بحسب المجلة.
  • ثانياً: أن التعديلات الدستورية ستعطي السيسي السيطرة المباشرة على التعيينات العليا للجهاز القضائي وحتى على ميزانيته. وهذا من شأنه أن يدمر آخر ما بقي من استقلال في النظام القضائي الذي، رغم ضعفه الكبير في السنوات الأخيرة، لا يزال يضم عددا قليلا من القضاة الشجعان الذين يعملون من أجل سيادة القانون.
  • ثالثاً: التعديلات ستمنح للقوات المسلحة المصرية الحق في التدخل في السياسة الداخلية "للحفاظ على الدستور والديمقراطية" و"حماية المكونات الأساسية للدولة". وأوضح الباحثان، أن "هذا البند قد يبدو كأنه يعزز قدرة الجيش على تقييد الرئيس. ولكن لأن السيسي -باستخدام الامتيازات الاقتصادية، والتخويف والفصل من العمل- تمكن من السيطرة على القوات المسلحة في العام الماضي، فإن التعديل سيصنع بالفعل حارسا عسكريا مخولا دستوريا للدفاع عن السيسي ضد أي معارضة".

حكم شبه شمولي

وأكدت "فورين بوليسي" أن "السيسي يتمتع -قبل التغييرات الدستورية- بالفعل بسلطة واسعة من خلال مجموعة من القوانين التي سنها منذ عام 2013. ولكنه يرى نفسه كزعيم يوحى إليه والمنقذ الوحيد لمصر، والذي يحتاج إلى حكم شبه شمولي لمنع انهيار الدولة".

ورأى الباحثان أن "السيسي يريد أن يتغلب على التحديات القانونية أو السياسية لحكمه، من خلال تكريس هيمنته الساحقة في الوثيقة الحاكمة العليا في مصر، حتى وإن كانت بذلك ديكتاتورية ذات غطاء من الشرعية الدستورية أمام الجماهير الغربية المستعدة لتصديق أي شيء".

وأفادت الباحثة المتخصصة في الشأن المصري، "أن توقيت هذه التعديلات مهم بشكل خاص بالنسبة للسيسي، فهو يريد أن يؤمّن صلاحياته الجديدة قبل أن يأمر بإصلاحات اقتصادية أكثر ضراوة. مثل تخفيض قيمة العملة وخفض الدعم في وقت لاحق من هذا العام.

وأكدت المجلة أن "هذه التدابير ستعمق الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها الطبقة المكافحة، وستضاعف شعورهم بالاستياء من هذا النظام".

ولم يستبعد المقال أن "يرغب السيسي في القيام بخطوته بينما لا يزال هناك قبول من الولايات المتحدة. فهو يريد بشكل خاص الحصول على تأييد كامل من (بطله الأكثر أهمية)، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الفترة التي لا يزال فيها الزعيم الأمريكي في منصبه".

وتابعت المجلة: "قد يتساءل الذين يعرفون تاريخ مصر الحديث والاستبداد المستمر بها دون انقطاع إلى مدى أهمية هذه التعديلات الأخيرة. لكن التغييرات الدستورية الجديدة تشير إلى شيء مثير للقلق. فهي تمثل خطوة حاسمة في إضفاء الطابع المؤسسي على النظام السياسي الجديد للسيسي - وهو نظام أقرب إلى الشمولية أكثر مما كان عليه نظام مبارك".

"لا يمكن تجاهل  القمع الذي كان قائما في عهد مبارك، لكن الزعيم السابق قام على الأقل بتفويض قرارات معينة، والسماح بمساحة صغيرة للمؤسسات المدنية وجماعات المجتمع المدني المستقلة، وبناء قاعدة متنوعة إلى حد ما لنظامه. ساعده نظامه شبه السلطوي على البقاء في السلطة لمدة ثلاثين عاما قبل أن يلاحقه القمع والفساد"، بحسب المصدر ذاته.

أكثر ديكتاتورية

ورأى الباحثان، أن "السيسي ينشئ نظاما أكثر ديكتاتورية وأكثر خنقا، وأضيق في قاعدته للدعم، وفي نهاية المطاف أكثر هشاشة. وباعتباره لمبارك أنه كان متساهلا للغاية، فقد وضع السيسي هيئات مدنية مثل البرلمان والجامعات تحت السيطرة الكاملة للأجهزة الأمنية التي ملأتها بالمواليين".

وتابع المقال: "لقد سحق كل النشاط السياسي المستقل وعطل سيادة القانون، وعاقب بشدة أي شخص يجرؤ على الخروج عن الخط.  وبعد الاستغناء عن شبكة المحسوبية من رجال مبارك، من الحزب والأعيان، ونخبة رجال الأعمال، يحكم السيسي من خلال زمرة صغيرة من رجال الجيش والمخابرات (بما في ذلك أبناؤه)".

وخلص المقال إلى أن "ميل السيسي للسيطرة على النمط العسكري-حتى أنه أصدر مؤخرا مرسوما ينص على ألوان طلاء المباني- يتجاوز حماسة مبارك  بالتدخل في الإدارة التفصيلية".


المصادر