انتخابات تشريعية بدستور جديد في الجزائر.. هل يفي تبون بأول وعوده؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

انطلق رئيس الجمهورية الجزائري عبدالمجيد تبون في الإجراءات العملية لتعديل دستور البلاد مثلما وعد في حملته الانتخابية للانتخابات الرئاسية التي فاز بها في 12 ديسمبر/كانون الثاني 2019.

بيان الرئاسة الصادر بعد تعيين لجنة الخبراء أشار إلى أن مشروع التعديل الدستوري "سيكون بعد تسليمه محل مشاورات واسعة لدى الفاعلين في الحياة السياسية والمجتمع المدني قبل إحالته، وفقا للإجراءات الدستورية سارية المفعول، إلى البرلمان للمصادقة"، وبعد ذلك "سيطرح النص الذي يصادق عليه البرلمان لاستفتاء شعبي". 

وينتظر إثر إقرار التعديلات الدستورية المطلوبة، تغيير في القانون المنظم للانتخابات، يليه حل البرلمان، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة وفق الدستور الجديد للبلاد.

كل المؤشرات السياسية تؤكد أن حل البرلمان بغرفتيه سيكون الإفراز الأول للمرحلة الجديدة، حيث شكل حل البرلمان بغرفتيه ومعه المجالس المحلية (البلديات والولايات)، الوعد الأبرز لمرشحي الانتخابات الرئاسية.

وهو ما رجحه سياسيون من مختلف التيارات التقوا تبون مؤخرا، ما جعل عددا من الأحزاب يبدؤون في ضبط ساعتهم على موعد الانتخابات المرتقبة في ظل استمرار الحراك الشعبي.

مشاورات رئاسية

فتح الرئيس الجزائري مقر الرئاسة، في إطار سلسلة من المشاورات مع الشخصيات الوطنية وقادة الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، للتباحث حول الوضع العام في البلاد ومراجعة الدستور الذي أوكلت مرحلته الأولى إلى لجنة خبراء برئاسة الأستاذ الجامعي وعضو لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة أحمد لعرابة.

وأكدت الرئاسة في بيانها أن "الهدف الأساس من هذه المشاورات هو بناء جمهورية جديدة تستجيب لتطلعات الشعب، وإجراء إصلاح شامل للدولة يسمح بتكريس الديمقراطية في ظل دولة القانون التي تحمي حقوق وحريات المواطن، وهو هدف التزم به تبون خلال حملته الانتخابية، وأكده في أول خطاب له مباشرة بعد أداء اليمين الدستورية.

وحسب المراقبين، فإن المقابلات توحي برغبة الرئيس في معالجة الأزمة والإحاطة بكافة جوانبها وأبعادها من خلال توسيع دائرة الإصغاء والتشاور خاصة مع الأطراف السياسية والشخصيات التي عارضت الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

ظهر ذلك في تصريحات من التقى بهم تبون، حيث أعلن عبدالعزيز رحابي الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، أنه "نقل إلى رئيس الجمهورية الانشغال حول فقدان الثقة بين الشعب والنظام السياسي، وضرورة السعي إلى التوصل إلى اتفاق وطني موسع للخروج من الوضع الحالي".

كما ركز المجاهد يوسف الخطيب (أحد قادة جيش التحرير الوطني خلال الثورة ضد الاستعمار الفرنسي) على إثارة "أنجع السبل لمنع الانحراف عن بيان أول نوفمبر، حتى لا تصيبنا عوامل التفرقة والتشتت والضعف".

و"بيان أول نوفمبر"، يطلق على إعلان ثورة التحرير الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي، والذي دعا إلى التمسك بهوية الجزائر العربية والإسلامية.

بدوره، أكد كريم يونس رئيس البرلمان الأسبق أن "التشاور والاستماع والجمع بين مختلف الفاعلين في الحياة المدنية إجراء عادل وحكيم، يفتح به رئيس الجمهورية"، كما أبدى رأيه في "كيفية تعزيز هذه الجهود لبناء المستقبل في ظل الجمهورية الجديدة".

من جهته قال رئيس حزب جيل جديد سفيان جيلالي: إن الرئيس تبون، أكد له بأنه "بمجرد تقديم المسودة الأولية من قبل اللجنة المسؤولة عن صياغة التعديلات الدستورية، سيتم فتح نقاش شامل، بإشراك المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وستأخذ التعديلات والإضافات أو التغييرات المتفق عليها بعين الاعتبار، وسيتم تحديد شكل الحوار حول مشروع الدستور وفقا للمقترحات".

وأضاف في بيان: "سيعقب الاستفتاء على الدستور تعديلا على قانون الانتخابات مع إمكانية إجراء انتخابات تشريعية قبل نهاية العام الحالي (2020)". 

ويصنف الإعلام المحلي جيلالي ضمن المعارضة الراديكالية، التي تتشكل من أحزاب درجت على رفض أي هدنة أو تقارب مع السلطة. وقاطع انتخابات الرئاسة الأخيرة قائلا: إنها "تشكل امتدادا لنظام بوتفليقة".

كما اعتبر جيلالي الرئيس تبون "رئيسا غير توافقي"، وأعلن قبل إجراء الانتخابات أنه ينخرط في كل مطالب الحراك الشعبي، وعلى رأسها إلغاء الانتخابات، على أساس أنها لن تأتي بالتغيير الجذري، الذي أراده الجزائريون عندما انتفضوا في 22 من فبراير /شباط 2019 ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.

مطلب شعبي

في الوقت الذي يرفع فيه الرئيس تبون شعار "بناء الجزائر الجديد" لا يزال الحراك الشعبي مستمرا في شوارع المدن، حيث لايزال الطلبة يشاركون بكثافة في مسيرتهم الأسبوعية كل ثلاثاء، كما تشهد العاصمة الجزائر مسيرات ضخمة كل يوم جمعة بصورة مستمرة منذ انطلاقها في 22 فبراير/شباط 2019 .

وحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإنه "لأول مرة منذ بداية الحراك الطلابي يرفع المتظاهرون لافتة ضخمة من 14 نقطة تعبر عن مطالب الحراك".

وجاء في مقدمة المطالب "الانتقال الديمقراطي وتحقيق انفتاح سياسي وإعلامي، وكذلك حل البرلمان وكل المجالس المنتخبة، وإجراء انتخابات مسبقة لتعويضها، وتوقيف إملاءات المؤسسة العسكرية واكتفائه بمرافقة المسار الذي يختاره الشعب".

وخلال الحملة الانتخابية وعد تبون بالنظر في "إمكانية حل البرلمان مباشرة بعد الانتخابات في حال فوزه بها، وربط ذلك بتعديل دستوري تعهد بطرحه للاستفتاء الشعبي بعد 3 أشهر من الانتخابات".

وأكد تبون في برنامج بثته الإذاعة الحكومية يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أن مقترحه لتعديل الدستور يتصل بإعادة توزيع الصلاحيات ومراجعة شاملة لصلاحيات المجالس المحلية.

وقال المرشح الرئاسي حينها: "ألتزم بتعديل الدستور، وفي حالة اعتلائي سدة الحكم، سيمنع الانزلاق نحو الحكم الفردي، حيث يصبح لرئيس الجمهورية ضوابط تمنعه أن يصبح ملكا أو شبه ملك".

ويبدو أن ما يزيد السلطة الجديدة قناعة بضرورة حل البرلمان الحالي، هو أنه لا يمكن أن يكون مرضيا للشارع، أو قادرا على التفاعل الإيجابي مع الوضع الجديد.

فكثير من قادة حزبي الأغلبية في السجن بتهم فساد، في مقدمتهم الأمينين العامين لحزب جبهة التحرير الوطني سابقا، جمال ولد عباس ومحمد جميعي، إضافة إلى الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى الذي كان رئيسا للوزراء، وتمت إدانته الشهر الماضي بـ 15 سنة سجنا.

كما تم رفع الحصانة البرلمانية عن نواب عدة من الحزبين بغرض متابعتهم في قضايا فساد، وتزوير مستندات واختلاس مال عام، وكذلك فإن أحزاب معارضة ممثلة في البرلمان، تعتبر أن الانتخابات التشريعية، التي جرت عام 2017 أفرزت أغلبية مزورة فصلت على مقاس نظام الحكم وقتها.

شبه برلماني

وفي موجة الحديث عن التعديلات الدستورية المنتظرة، والتي قد تمهد لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها، طالب رئيس حركة مجتمع السلم "حمس" عبد الرزاق مقري، بتغيير طبيعة النظام الحالي، عبر جعل الحكومة تنبثق من الأغلبية البرلمانية في الدستور الجديد.

وقال مقري في كلمة له يوم 12 يناير/كانون الثاني 2020، في مقر حزبه بالعاصمة: "على الإصلاحات المنتظرة، أن تخرج من البلاد من هذا النظام، الذي لا يعتمد المنطق في اختيار الحكومة".

وأبرز رئيس "حمس"، أن "الدستور الحالي الذي ترك أمر اختيار الحكومة للرئيس، دون التقيد بالأغلبية البرلمانية، أسس للفساد وعدم المحاسبة والتنصل من المسؤولية".

وذكر مقري، أن "الإصلاحات يجب أن تشمل أيضا منظومة الإعلام، التي يجب أن تتحرر نهائيا من التعليمات عبر الهاتف، وكذلك النظام الانتخابي، الذي ينبغي أن يعدل حتى ننتهي من التزوير الانتخابي". 

وشكلت حركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية المعارضة في البلاد)، لجنة خاصة مكونة من خبراء في القانون ونواب في الغرفة السفلى لمناقشة وإعداد مقترحات الحركة بشأن تعديل الدستور الجديد.

من جهته يرى رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، أن الجزائر تحتاج إلى "نظام سياسي شبه رئاسي، أي نظام شبه برلماني يقوم على توزيع الصلاحيات التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، حتى نخرج من الشخصنة والهيمنة في الحكم".

ووفق رؤيته لتعديل الدستور التي عبّر عنها خلال حملته الانتخابية، فإنه يقر بتوزيع الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث أي: رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، ورئاسة البرلمان، وهو ما يمنع ما وصفه بـ" تغول وهيمنة الحكم الفردي ومركزة السلطات لدى جهة ما".