كيف سيتعامل سلطان عمان الجديد مع تحديات بلاده الاقتصادية؟

عبدالرحمن سليم | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد 5 عقود من حكم السلطان الراحل قابوس بن سعيد اتسمت بسياسة محايدة وتحديث اقتصادي، اعتمد في معظمه على صادرات النفط والغاز، يواجه خليفته هيثم بن طارق، تحديات كثيرة أبرزها الافتقاد إلى الخبرة في الحكم، حيث كان ينأى "قابوس" بأفراد العائلة المالكة عن مجالات السلطة. 

وعلى الرغم من تولي السلطان الجديد مناصب سابقة، كوزير للثقافة والتراث ووكيل وزارة الخارجية، إضافة إلى وعده بمواصلة سياسة مسقط للتعايش السلمي مع الدول المجاورة، إلا أن البلاد تواجه مستقبلا داخليا غير واضح المعالم خاصة على الصعيد الاقتصادي، بسبب الديون المتفاقمة في ظل عدم وجود اعتماد كاف على الموارد غير النفطية.

اقتصاد متعثر

عمل السلطان قابوس منذ توليه حكم البلاد عام 1970، على تحديث البلاد وتطوير بنيتها التحتية ونظامي الرعاية الصحية والتعليم، فضلا عن قطاعات مختلفة مدرة للدخل، مثل السياحة ومصايد الأسماك والزراعة، كل ذلك كان باستخدام عائدات الموارد الطبيعية من النفط والغاز الطبيعي والمعادن.

وأكد تقرير لمعهد "بروكنغز" في 15 يناير/كانون الثاني الجاري، محاولة "قابوس" تقليل اعتماد بلاده على النفط، حيث ركز على تنويع مصادر الدخل والتصنيع وتطوير صناعة الغاز الطبيعي والخصخصة.

لكنه وبالرغم من ذلك واجه صعوبات اقتصادية كان نتيجتها سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات على مدار سني حكمه، كان منها احتجاجات البطالة في العامين 2017 و2018.

وقال التقرير: إن نسبة بطالة العمانيين بلغت 16.9% عام 2017، وتخطت نسبة 30% لدى الشباب، مشيرا إلى تسبب عدم استقرار أسعار النفط في ذلك.

وتأثر الاقتصاد العماني في السنوات الماضية الأخيرة بسبب الانهيار العالمي في أسعار البرميل الواحد، والتي هبطت إلى 47.11 دولارا بنهاية 2014، وصولا إلى 29.70 دولارا في 2016.

وبسبب احتياطات النفط العماني الأصغر نسبيا حسب البنك الدولي، فإن ذلك أدى إلى انخفاض في نمو الناتج المحلي الإجمالي من 4,98 % في العام 2016 إلى 0,267 % في 2017.

وحاول نظام "قابوس" معالجة هذه المسألة من خلال الحد من الإنفاق العام (عبر زيادة الضرائب وإصلاح نظام الإعانات) لكنه تريّث في ذلك بعد أن تسبب الأمر باحتجاجات في العامين 2017 و2018.

أزمة ائتمانية

التعيين السريع والسلس لسلطان عمان الجديد، كان سببا في طمأنة المستثمرين، بعد قلق من استغراق عملية انتقال السلطة وقتا طويلا، بما قد يجعل عمان عرضة لتدخل خارجي.

لكن حائزي السندات الدولارية لسلطنة عمان والتي تزيد على 20 مليار دولار، يأملون في قيام "هيثم" بتنفيذ إصلاحات ملحة، لتفادي أزمة ائتمان في الاقتصاد الأسوأ أداء في منطقة الخليج، حسب معهد دول الخليج العربية في واشنطن.

يأتي هذا في ظل ترحيب قادة عالميين بتعهد "هيثم" بتبني سياسة خارجية متوازنة، وفي المقابل، يرى محللون حاجة السلطان الجديد للتغلب على البطالة والمالية العامة في الدولة المثقلة بالديون، وهو الأمر الذي سيحدد نجاح قيادة "هيثم" إلى جانب مجال السياسة الداخلية.

الدين العماني المصنف بأنه "عالي المخاطر" من جميع وكالات التصنيف الائتماني الثلاث ("ستاندرد آند بورز" و"موديز" و"فيتش")، سجل ارتفاعا بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث اقترب من 60% العام الماضي، وربما تصل النسبة إلى 70% بحلول 2022، بعد أن سجل 15% في 2015، بحسب "ستاندرد آند بورز جلوبال".

"ذهبية سليم جوبتا"، المدير المساعد لدى "ستاندرد آند بورز"، تؤكد أن عمان تواجه تناميا في مخاطر إعادة التمويل، نتيجة لاستحقاقات كبيرة للدين الحكومي الخارجي في 2021 (4.3 مليارات دولار)، و2022 (6.4 مليارات دولار)، والتي قد تضيف ضغوطا كبيرة على احتياطيات النقد الأجنبي، إذا لم يجر تمديد آجال استحقاق الديون، بحسب وكالة "رويترز".

الأسوأ أداءً

ونقلت رويترز عن كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس"، جيسون توفي، قوله: إن "اقتصاد عمان سيكون الأسوأ أداء في منطقة الخليج على مدار العامين المقبلين بتوقعات نمو قدره 0.5 بالمئة للناتج المحلي الإجمالي هذا العام، و0.8 بالمئة في 2021".

وتخطط السلطنة هذا العام لجمع ديون بأكثر من خمسة مليارات دولار لتغطية جزء من عجز متوقع في الموازنة يصل إلى 6.5 مليار دولار، بما يعادل 8% من الناتج المحلي الإجمالي.

وستغطي باقي العجز بالسحب من الاحتياطيات التي تآكلت بالفعل في السنوات الأخيرة بوتيرة زادت المخاوف بشأن استدامة ربط الريال العماني بالدولار الأمريكي.

وفي إطار جهودها لتأخير الإصلاحات، أرجأت عمان تطبيق ضريبة للقيمة المضافة بنسبة 5 في المئة من 2019 إلى 2021، وتباطأت عملية تنويع مصادر الاقتصاد، إذ لا يزال النفط والغاز يشكلان أكثر من 70 % من إيرادات الحكومة. 

تحديات مزمنة

بحسب موقع "إف إم بي" المتخصص في الاقتصادات العربية، فإن هناك تحديات اقتصادية تواجه عمان في عهد السلطان الجديد، ويأتي على رأسها التنويع الاقتصادي.

فعلى الرغم من الإصلاحات العمانية البارزة في السنوات الماضية، والتي كان أبرزها اعتماد خطة التنمية الخمسية التي بنيت على إستراتيجية التنوع الاقتصادي، فإن المؤشرات ما زالت دون مستوى المأمول مقارنة بما تملكه عمان من إمكانيات وثروات تؤهلها لتبوء مكانة أفضل.

وعلى صعيد التحديات المالية المرتبطة بتقلبات أسعار النفط، فقد بات استخراج احتياطيات الغاز والنفط المتناقصة في عُمان، والتي من المتوقع أن تنضب بالكامل في غضون 14 و27 عاما على التوالي، أمرا باهظ التكلفة.

فيما تتسبب أسعار النفط العالمية المتدنية في خفض العائدات، لذا يتعين على السلطان الجديد أن يبحث عن وسائل بديلة لزيادة الإيرادات ومعالجة العجز المتنامي في الميزانية.

من التحديات التي سيواجهها السلطان الجديد، التشوهات الهيكلية في سوق العمل، وما يفرزه من مشاكل تتمثل في زيادة عدد الباحثين عن العمل، حيث تعد البطالة أزمة حقيقية، ومن أهم القضايا في عمان، حيث تعالت أصوات الكثير من الشباب للمطالبة بحقهم في الحصول على وظيفة توفر لهم الاستقرار والأمان الاجتماعي.

آمال وموارد

يرى الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، روبن ميلز، أن السلطان الجديد لديه خلفية تجارية تجعله أكثر حيوية في التعامل مع اقتصاد بلاده، وبالتالي سيتعين على الحكومة أن تنفق بذكاء وانتقائية في البنية التحتية، وتنفيذ أعمال جديدة، مع الاعتماد على الاستثمار الدولي والخصخصة، بحسب موقع "ذا ناشيونال".

وعليه، فإن هناك مجالات يمكن أن تعتمد عليها السلطنة في عهدها الجديد، ومنها الصناعات التحويلية، حيث يعتبر من أكثر القطاعات أهمية في تعزيز وترسيخ سياسات التنويع الاقتصادي، إضافة إلى دوره في خلق فرص العمل ورفع مساهمة القطاع الخاص.

 بالعودة إلى تقرير موقع "إف إم بي" فإن عمان تمتلك ثروات زراعية وسمكية هائلة، ومع ذلك فإن الأرقام تشير إلى أن السوق المحلية لا تلبي الاحتياج من الصناعات الغذائية، الأمر الذي يمكن للسلطان الجديد النظر فيه واستغلاله بشكل جيد.

إضافة إلى كل ذلك، فإن السلطنة تمتلك طبيعة خلابة وشواطئ تمتد على مساحة 1700كم، والعديد من المنتجعات الطبية والينابيع، والجزر والجبال والصحاري، إضافة إلى امتلاكها إرثا حضاريا متعدد الجوانب يعكس تاريخ الحضارات التي تعاقبت عليها.

كما أن تصنيف بعض الأماكن الأثرية فيها مثل الحصون والقلاع كمواقع تراثية عالمية، يؤهلها لأن تكون إحدى أهم الوجهات السياحية في الشرق الأوسط والعالم.

ويواجه "هيثم بن سعيد" مهمة تنشيط القطاع الخدمي كالمطاعم والفنادق وغيرها، حيث أن الطلب المحلي ضعيف على تلك الخدمات، وبالتالي لا بد من استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والشركات الضخمة بحيث يكون لها مقر داخل السلطنة، إضافة إلى التقليل من القيود المفروضة على القطاع الخاص كالضرائب.