المئات فروا إليها.. لماذا أصبحت إسطنبول مأوى للإعلاميين العرب؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تفتح إسطنبول أبوابها أمام السياح واللاجئين فحسب، بل جذبت إليها أيضا مستثمرين ورجال أعمال وتجار من مختلف أنحاء العالم، فضلا عن هجرة باتت ملحوظة للصحفيين والإعلاميين العرب.

بعد أن ضاقت عليهم بلادهم بما رحبت، قصدوا إسطنبول، الجسر الذي يربط قارتي آسيا وأوروبا في مدينة توفر معظم مقومات الحياة دون قيود، فأصبحت لهم بيتا آمنا، وفرصة عمل محتملة.

منذ نحو 10 سنوات، وتحديدا بعد عام 2011 الذي شكل معطفا في تاريخ الشعوب العربية، بدأ ملايين العرب باللجوء إلى إسطنبول بحثا عن حياة أفضل في ظل مشهد عربي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم.

كان من بين هؤلاء صحفيون وإعلاميون هربوا من ظروف سياسية واقتصادية مصحوبة بملاحقات ومضايقات أمنية، فضلا عن إملاءات سلطوية تحول دون حرية التعبير والرأي.

نحو أكثر من 2000 إعلامي عربي يعيشون في إسطنبول، ويعملون في 20 مؤسسة إعلامية تتوزع بين إذاعة وتلفزيون ومواقع إخبارية إلكترونية، بحسب "جمعية بيت الإعلاميين العرب".

وراء كل واحد من هؤلاء قصة اختلفت تفاصيلها، لكن معظمهم يشتركون في سبب واحد دفعهم إلى اللجوء لإسطنبول من أجل ممارسة أعمالهم، وتمثل في هروبهم من الظروف الأمنية والسياسية في بلادهم.

ملاحقة أمنية

"عبد السلام" (اسم مستعار)، صحفي مصري يعمل في وسيلة إعلام عربية رفض الإفصاح عنها لأسباب أمنية، جاء من القاهرة بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في 3 يوليو/تموز 2013.

يقول "عبد السلام" لـ "الاستقلال": إنه لجأ إلى إسطنبول بعد ملاحقته من قبل جهاز الأمن الوطني بسبب كتاباته المناهضة للنظام المصري على مواقع التواصل الاجتماعي.

مع بداية مشواره الإعلامي في تركيا وجد الصحفي المصري -كما العشرات من أبناء بلده- صعوبة في الانخراط وإيجاد فرصة عمل بالحقل الإعلامي، بسبب حداثة تجربته بعيدا عن وطنه.

ويضيف "عبد السلام": "التقيت مصادفة بصحفي عربي تعرفت عليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي عندما كنت في مصر، واقترح عليّ العمل في المؤسسة العربية التي يعمل بها. أرسلت له سيرتي الذاتية، والتحقت بالفريق بعد فترة قصيرة".

 ويشير إلى أنه وجد مساحة من حرية الرأي في تناول المواضيع التي يعالجها بتقاريره المكتوبة، دون إملاءات من أي جهة حكومية أو أمنية، فـ "الضوابط هنا لا تحكمها سوى المعايير المهنية"، وفق قوله.

العمل في هذه المؤسسة فتح لـ "عبد السلام" أبوابا أخرى مع مؤسسات عربية أخرى، تتوحد سياستها التحريرية في نقد الأنظمة التي تحكم معظم البلاد العربية بعد أحداث "الربيع العربي".

فرصة عمل

الصحفي الفلسطيني "محمد إسماعيل" جاء إلى تركيا لاستكمال دراسته العليا في تخصص الصحافة الإلكترونية بجامعة أنقرة، وبعد تخرجه لم يجد فرصة عمل بحكم غياب المؤسسات العربية عن العاصمة التركية.

يقول إسماعيل لـ "الاستقلال": "إسطنبول تعتبر مجتمعا واسعا للمؤسسات العربية العاملة في حقل الإعلام، لذلك قررت الانتقال إلى هناك على أمل الظفر بفرصة عمل".

الأمل الذي جاء بسببه إلى إسطنبول تحقق بعد نحو أسبوعين من وصوله، حيث تقدم لأكثر من وسيلة إعلام عربية، وحقق القبول في أكثر من واحدة، لكنه فضّل إحداها لأسباب مادية وسياسية.

ويوضح ذلك بالقول: "توافقت هذه المؤسسة (رفض ذكر اسمها) مع ميولي وأفكاري، فضلا عن أنها تخصص راتبا يضمن لي حياة جيدة في مدينة تتزايد فيها الأعباء المادية يوما بعد آخر".

الأهم من الأمر المادي، وفق قول الصحفي الفلسطيني، أن المكان الذي التحق به لا يفرض عليه أفكارا تتعارض مع معتقداته إزاء ما يعيشه المشهد السياسي العربي خلال السنوات الأخيرة.

بعد عمل إسماعيل في هذه المؤسسة فُتحت أمامه أبواب وسائل إعلام عربية أخرى، ما دفعه إلى رفض التفكير بالعودة إلى فلسطين، لأنه لن يجد فرصة كهذه توافق رغباته المادية والفكرية.

توافق مع السياسات

الصحفي "حمزة بيجاوي" جاء من تونس البلد الذي انطلقت منه شرارة الربيع العربي أواخر العام 2010، إلى إسطنبول لأسباب تتشابه إلى حد كبير مع ظروف زملائه الذين تحدثوا لـ "الاستقلال".

يقول "بيجاوي": إنه "بعد أحداث الربيع العربي توافدت وسائل الإعلام والإعلاميين العرب إلى تركيا، فبدؤوا يشقون طريقهم في سوق ومناخ جديدين يوفران مساحة واسعة للتعبير عن الرأي".

ويضيف: "في ظل التجاذبات السياسية في بعض المحاور العربية، فإن الجهات الحكومية التركية سهلت على ما يبدو عمل تلك المؤسسات".

ويزيد بقوله: "عملت بالحقل الإعلامي في بلادي نحو 4 سنوات، وكنت لا أجد مساحة في تناول مواضيع سياسية معارضة للنظام مثلا، لكن الوضع اختلف في تركيا التي تدعم الثورات العربية ضد الأنظمة".

ويشير "بيجاوي" إلى أن "تركيا تصدر سياسات ديمقراطية تدعم حق الشعوب في تقرير المصير والتعبير عن رأيها، وهذا الشيء يبحث عنه كل مواطن عربي سواء كان صحفيا أو غير ذلك".

تناغم إعلامي

في هذا الإطار، تأسست في 2016 جمعية بيت الإعلاميين العرب التي "تهدف إلى مد جسر بين الإعلاميين العرب والأتراك، لحل مشاكل الصحفيين، ودعمهم من أجل ارتقائهم المهني، عبر نشاطات توفر فرص التلاقي الثقافي والإعلامي العربي التركي".

"فراس رضوان أغلو"، الكاتب والمستشار الإعلامي في الجمعية (غير حكومية)، يقول: إن عدد الإعلاميين العرب في تركيا زاد في الآونة الأخيرة لسببين مهمين، الأول نابع من ظروف سياسية سيئة في بلدانهم أثرت على الأوضاع السياسية والاجتماعية".

أما الثاني فهو يأتي من منطلق "تناغم الظروف الموجودة في تركيا من الناحية الإعلامية، فضلا عن قربها من المنطقة العربية بشكل كبير"، وفق قول "رضوان أوغلو" في حديثه لـ "الاستقلال".

ويعرب عن اعتقاده بأن هذا ما جعل الإعلاميين العرب يأتون إلى تركيا، لافتا إلى "قربها للمجتمع العربي من ناحية الثقافة والاجتماع والمساحة والجغرافيا والأفكار وحرية التعبير".

ويشير "رضوان أوغلو" إلى نقطة مهمة لها دور كبير وتتعلق بالظروف السياسية، وهي أن "الحزب الحاكم (العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان) يميل إلى احتضان العالمين العربي والإسلامي".

بلا شروط

وعن ظروف العمل يقول المستشار الإعلامي: إنها تشبه تلك الموجود في كل دول العالم المتقدم والمتحضر، موضحا أنها ظروف رأس مالية تعكس بقاء الأفضل انطلاقا من بيئة منافسة مفتوحة للجميع بمن فيهم العرب.

وبالنسبة للأمور القانونية، فيوضح "رضوان أوغلو" أنها قديمة قبل أن يستدرك بالقول: لكن الحكومة التركية تحاول إيجاد قوانين جديدة من أجل تغيير القديمة من أجل تسهيل عمل المؤسسات الإعلامية.

ويضيف أن المؤسسات العربية في إسطنبول شيء مستحدث، حيث أنه لم يكن هناك إعلام عربي قبل 10 سنوات، "وهذا ما غير في المعادلة الداخلية بالنسبة للقوانين إن كانت من ناحية الضريبة أو التأمين الصحي أو أسس التعامل مع الأجانب".

ويشير في الوقت ذاته إلى وجود بعض المشاكل (لم يذكرها)، معربا عن اعتقاده بأن وزارة الداخلية تعمل حاليا على حلها، كما فعلت في بعض المؤسسات السياحية التي تأسست قبل 20 أو30 سنة.

وفي معرض رد "رضوان أوغلو" على سؤال حول ما إذا كانت الحكومة تفرض شروطا على السياسة التحريرية في المؤسسات العربية، يؤكد أنها "تملي بعضها وفق القانون وليس وفق الرأي السياسي".

ويوضح أن "هناك بعض القوانين التي يجب أن يتبعها الجميع في تركيا، وهذا الأمر موجود في كل دول العالم"، معتبرا أن ذلك "شيء مهم من أجل ضمان الانضباط في دولة لديها مؤسسات يجب على الجميع اتباعها".

ويضيف المستشار الإعلامي: "لا بد من وجود بعض الاستثناءات (...) حتى على صعيد الحكومات القادمة، فالدور العربي أصبح فعالا في المجتمع التركي، ومن سيأتي (إلى الحكم) سيلتزم بهذه الشروط بصرف النظر عن الحزب". 

وجمعية "بيت الإعلاميين العرب" يرأسها الصحفي التركي "توران قشلاقجي" الذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة، وتتخذ من إسطنبول مقرا لها، وتسعى لتنفيذ مشروعات جديدة، تزيد من التفاعل الإعلامي والثقافي التركي العربي.