تهديدات بالاغتيال.. كيف يخدم الرصاص الثورة المضادة في تونس؟

منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية، خالد الحيوني يوم 17 يناير/كانون الثاني 2020، الكشف عن مخطط لاستهداف القيادية بالتيار الشعبي مباركة عواينية، وذلك إثر القبض على إرهابي من قبل وحدات مختصة من الأمن الوطني".

وأضاف الحيوني، أنه تم إعلام مباركة عواينية بالمخطط، وذلك بالتنسيق مع القطب القضائي (المحكمة المختصة) لمكافحة الإرهاب، وتم اتخاذ الإجراءات الضرورية لتأمين سلامتها.

وأكد حزب التيار الشعبي (قومي ناصري) في بيان له عن نجاح قوات الأمن في إحباط مخطط لاغتيال مباركة عواينية براهمي، وهي أرملة مؤسس الحزب  محمد البراهمي الذي اغتيل أمام بيته يوم 25 يوليو/تموز 2013.

 ونبّه الحزب إلى خطورة الوضع الذي بات مشحونا بأجواء العنف والتحريض، داعيا الشعب التونسي وقواه الحية إلى الحيطة والحذر والوحدة في مواجهة محاولات جر البلاد مجددا إلى مربع العنف.

في الوقت نفسه تحدثت عضو مجلس نواب الشعب ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي عن وجود تهديدات جدية باغتيالها، نقلتها عنها بوابة العين الإماراتية.

هذه الأجواء المتوتر على الساحة تأتي في وقت تعيش فيه تونس أزمة سياسية، بعد سقوط حكومة الحبيب الجملي، التي رفض البرلمان منحها الثقة رغم استمرار المشاورات لمدة قاربت الشهرين، تلاها تكليف الرئيس قيس سعيّد إلياس الفخفاخ بتشكيل حكومة جديدة.

مربع العنف

لم يتأخر زهير حمدي الأمين العام للتيار الشعبي كثيرا ليصرح يوم 20 يناير/كانون الثاني 2020، أن تونس لم تخرج من مربع العنف بصفة نهائية وأن عودة أجواء التحريض وخطاب العنف تعيدنا إلى الأجواء المشحونة التي تلت الثورة خاصة عامي 2012 و2013.

ويبدو أن الأمين العام للحزب الذي لم يحصد أي مقعد في البرلمان الحالي، يحاول التذكير في المرحلة التي عاشتها تونس خلال الصراع السياسي الذي تلى أول انتخابات تشريعية في البلاد وفازت بها حركة النهضة ما أهلها لتشكيل الحكومة.

في 6 فبراير/شباط 2013، اغتيل الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (شيوعي) شكري بلعيد أمام منزله، وهو ما أدى إلى أزمة سياسية في البلاد انتهت باستقالة حكومة حمادي الجبالي.

وفي 25 يوليو/تموز من نفس العام، اغتيل الأمين العام الراحل للتيار الشعبي والنائب في المجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي.

إثر اغتيال البراهمي، ارتفعت أصوات كثيرة من الأحزاب المعارضة آنذاك تطالب بحل المجلس التأسيسي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، بعدها عرفت الساحة السياسية أكبر موجة احتجاجات منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وعلق نحو 70 نائبا عضويتهم في المجلس التأسيسي، ونظموا اعتصاما مفتوحا استمر عدة أسابيع خارج المجلس سمي حينها "اعتصام الرحيل"، كان شعاره الأبرز رحيل الحكومة التي يرأسها علي العريّض عن حركة النهضة.

 

خطاب التحريض

زهير حمدي الأمين العام للتيار الشعبي، قال لإذاعة "جوهرة إف إم": إنه بالإضافة إلى أن الإرهاب لم ينته فإن عوامل أخرى عديدة ساهمت في هذه الموجة الجديدة من خطاب العنف والتحريض منها أن بعض الأطراف التي كانت تبيض الإرهاب أصبحت الآن في مواقع القرار والسلطة وهناك أشخاص كانت منتمية إلى ميليشيات حلها القضاء (في إشارة لروابط حماية الثورة المكون الرئيسي لائتلاف الكرامة) أصبحت في مجلس النواب (البرلمان) وفي غيرها من المواقع.

وأضاف: "من شأن عدم الجدية في التعاطي مع ملف الاغتيالات التشجيع على العنف والإرهاب"، إلى جانب الوضع الإقليمي، الذي قال: إنه "متفجر"، مشيرا بالخصوص إلى وجود عمليات لنقل الإرهابيين من إدلب السورية إلى ليبيا، مؤكدا أن ذلك يمثل "ضوءا أحمر على الدولة أن تتنبه إليه وإلى خطورة الأوضاع".

من جهة أخرى، كشف حمدي أن مخطط الاغتيال الذي كان يستهدف القيادية في التيار مباركة عواينية تم اكتشافه عن طريق الصدفة إثر إلقاء القبض على الإرهابي الخطير "الخزري" في منطقة حيدرة، والذي اعترف أنه كان لدى المجموعة التي ينتمي إليها (جند الخلافة) مخطط لاغتيال النائبة في منزل والدتها بجهة سيدي علي بن عون، وليس بمنزلها في جهة أريانة مثلما حصل مع زوجها محمد البراهمي.

تهديدات متزامنة

في مداخلة لها تحت قبة البرلمان، بعد احتجاج عدد من أهالي شهداء الثورة إثر رفض كتلة الحزب الدستوري الحر، تلاوة الفاتحة على أرواحهم في ذكرى الثورة التونسية يوم 14 يناير/كانون الثاني 2020، قالت النائبة عبير موسي: إنه يتم الإعداد لعملية اغتيال سياسي، وأشارت إلى وجود أطراف تحاول تأليب الرأي العام عبر تحريض الشعب.

وكشفت موسي "تعرضنا للاعتداء من قبل أهالي الشباب الذين غرّر بهم في 2011، هناك عملية اغتيال سياسية بصدد التحضير في تونس.. هناك نواب يحرضون على العنف ضدنا، لا يوجد شيء يضمن لي أنهم لن يقتلوني أو يطعنونني بسكين، أدعو النيابة العمومية للتدخل حالا".

ليست المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن محاولة اغتيال للقيادية السابقة في حزب الرئيس المخلوع الراحل زين العابدين بن علي، ففي الأيام الأولى للحملة الانتخابية الأخيرة في تونس، روجت وسائل إعلام إماراتية خبرا بشأن وجود تهديدات ومخطط لاغتيال موسي.

من جهته، دعا رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي، النيابة العمومية إلى استجواب رئيسة الحزب الدستوري الحر، على خلفية تصريحها حول وجود مخطط لتنفيذ عملية اغتيال سياسي يمكن أن يستهدفها أو يستهدف أحد نواب كتلتها البرلمانية.

واعتبر الغنوشي أن هذا التصريح فأل سيّئ، متسائلا "لماذا نبشر بالخراب، هذا أذان بالخراب والمفروض أن نؤذن بالفلاح".

الثورة المضادة

يرى عدد كبير من التونسيين أن الحديث عن الاغتيالات في هذا التوقيت بالذات يأتي في إطار مشروع إقليمي لضرب ثورات الربيع العربي، في ظل ما بات يسمى بالموجة الثانية لها في عدد من الأقطار، بالإضافة إلى التطور الدراماتيكي في الأحداث بليبيا، والتي فشلت كل المحاولات فيها لإقامة نظام عسكري شمولي بزعامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر وحلفائه.

ولا تزال تونس التجربة المغرية للشعوب العربية بعد نجاحها في تجاوز العديد من الأزمات، وتحقيق الجزء السياسي من أهداف ثورتها بإرساء نظام ديمقراطي تعددي، وتداول سلمي للسلطة، بعد انتخابات حرة ونزيهة باعتراف جميع الفاعلين السياسيين ورضاهم.

هذه الأجواء المتوترة، والترويج لعمليات اغتيال، يعيد للأذهان، حادثة اغتيال القيادي القومي محمد البراهمي بهدف توصيل البلاد إلى حافة الصراع المفتوح بين قواه السياسية، في الوقت الذي راهن البعض على تدخل المؤسسة العسكرية للسيطرة على الحكم.

كانت الأجواء تنذر بانجراف الوضع إلى العنف والفوضى، ولم يعد من الممكن إنتاج حل بواسطة فرقاء الأزمة السياسية التي دخلت في طور الاستعصاء، إلا أن الجيش لم يتدخل وقتها.

ساعتها، تدخلت القوة الناعمة للمجتمع المدني من خلال "اللجنة الرباعية للحوار الوطني" المُشكّلة من أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، ورئيسة "الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية" (منظمة رجال الأعمال)، وعميد "الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين"، ورئيس "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان".