اغتيال الدعاة.. هل يوقف مسيرة نشر الإسلام حول العالم؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار مقتل الداعية الإسلامي يوسف أحمد ديدات (66 عاما)، إثر إطلاق الرصاص عليه في مدينة فيرولام بجنوب إفريقيا 15 يناير/كانون الثاني 2020، حالة من الغضب الواسع بين المسلمين في كافة أنحاء العالم.

عرف الشيخ يوسف بنشاطه الدعوي، ومناظراته حول النصرانية وتناقض الأناجيل، متأثرا بوالده الشيخ أحمد ديدات (توفي 2005)، العالم الأشهر في مقارنة الأديان، خاصة الإسلام والمسيحية، بعد عقود حافلة بالنشاط الدعوي، وآلاف المناظرات التي لاقت إقبالا كبيرا، واعتنق فيها الآلاف الإسلام على يديه.

لم تحدد السلطات الأمنية في جنوب إفريقيا، حتى الآن، هوية القاتل، الذي فر هاربا بسيارته، أو الجهة التي تقف خلف اغتيال الشيخ يوسف، ولا حتى الدوافع وراء اغتياله.

قتلة مجهولون

رغم تعدد حالات الاغتيال التي تستهدف دعاة، واختلاف ظروفها، إلا أن  العنصر المشترك فيها أن القتلة مجهولون، الأمر الذي يدفع بالتفكير حول واحدية الجهة التي تدير تلك العمليات.

ليس ديدات الداعية الوحيد الذي تم قتله، فسبقه اغتيال عدد من الدعاة الذين تخصصوا في دعوة المسيحيين إلى الإسلام، مثلما حدث في يناير/كانون الثاني 2018، حيث تم اغتيال الداعية السعودي عبدالعزيز التويجري في غينيا من قبل مجهولين، عندما كان يستقل دراجة نارية مع أحد سكان القرية، بعد خطبة ألقاها في قرية كانتيبالاندوغو، شرقي البلاد. 

والتويجري هو أحد الناشطين في المجال الخيري والدعوي، وبناء المساجد، قبل اغتياله برصاصتين في الصدر، فارق الحياة على إثرهما.

 وفي أغسطس/آب 2017 تم اغتيال الشيخ وليد العلي إمام الجامع الكبير في الكويت، والداعية فهد الحسيني في مدينة واغادوغو، عاصمة بوركينافاسو، بهجوم مسلح، تعرضا له في أحد المطاعم، بينما كانا في مهمة دعوية بالقارة السمراء، تكللت بإسلام عدد من شباب بوركينا فاسو.

وأظهرت مقاطع فيديو أن مئات من الشباب الأفارقة يعتنقون الإسلام ويؤدون الشهادتين على يد الشيخين العلي والحسيني قبل اغتيالهما.

وفي يونيو/حزيران 2014، قتل الداعية الشيخ محمد إدريس في مدينة مومباسا الساحلية في كينيا، حيث لقي الشيخ حتفه قرب أحد المساجد المجاورة لمنزله، برصاص مسلحين، بعد تلقيه تهديدات من قبل مجهولين، وفتحت تلك الواقعة باب الاتهامات الموجهة للحكومة الكينية، خاصة بعد سلسلة من الاغتيالات، التي طالت العديد من الدعاة والناشطين هناك.

كان عدد من الدعاة الأفارقة الناشطين في كينيا قد لقوا حتفهم، حيث تم اغتيال عدد منهم في 2013، أبرزهم الداعية الإسلامي الشيخ سالم مواسالم (60 عاما)، حيث تم استهدافه بوابل من الرصاص فور خروجه من المسجد أثناء توجهه إلى منزله في مدينة أوكوندا.

كما تم اغتيال الشيخ حسن موايويو في المنطقة ذاتها، في ظروف مشابهة، في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، وتعرض الشيخ حمادي بوجا (37 عاما)، لجريمة اغتيال، بعد أن أطلق عليه مجهولان النار في مدينة كوالي، على بعد دقائق من المسجد بعد صلاة العشاء، ما أسفر عن مصرعه في الحال.

اغتيال الشيخ وليد العلي مع رفيقه الشيخ فهد الحسيني في مطعم في بوركينافاسو

ذاكر نايك

كان الداعية الإسلامي المشهور ذاكر نايك، هو الآخر الذي تعرض لعدة محاولات اغتيال، نجا منها جميعا، ويعد الشيخ ذاكر نايك من طلاب الشيخ أحمد ديدات، واشتهر بمناظراته الفكرية وتصديه للشبهات التي يتم اختلاقها حول الإسلام، وأسلم على يده الآلاف من الهندوس والمسيحيين. 

ومع أن الشيخ نايك نجا من محاولات الاغتيال، إلا أنه لم يسلم من المضايقات والملاحقات، حيث تقدمت السلطات الهندية بثلاث مذكرات للشرطة الدولية "الإنتربول" للقبض على نايك وتسليمه، بتهمة تحريضه على الإرهاب، ونشر الطائفية، عن طريق قنوات فضائية ومحاضرات دينية، غير أن طلبها رفض، وردت الشرطة الدولية قائلة: "الادعاءات الهندية غير مؤكدة، سلطات نيودلهي فشلت في تقديم أدلة تفصيلية تدين رجل الدين الهندي".

ناريندرا مودي المعروف بصداقته مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، اشتهر منذ رئاسته الحكومة الهندية في 2014، بالتضييق على المسلمين هناك، وأبطل جواز السفر الخاص بالشيخ نايك، وسحب الجنسية الهندية منه، وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الهندية: إن جواز سفر الداعية الإسلامي تم إبطاله بناء على طلب من وكالة الأمن القومي (الاستخبارات).

وفي وقت سابق من العام نفسه، قالت صحيفة "تايمز أوف إنديا" الهندية: إن الاستخبارات طلبت من الإنتربول وضع الداعية الإسلامي ضمن النشرة الحمراء، ما اضطر الشيخ نايك لعدم العودة إلى الهند منذ شهر رمضان عام 2016 بعد أداء العمرة، وما زال يتنقل حاليا بين ماليزيا وأندونيسيا.

تحريض إماراتي

تصاعدت مؤخرا حملات الكراهية ضد المسلمين، وأدت لوقوع جرائم عنف سواء ضد المساجد، أو ضد الدعاة المنتشرين في أكثر من بلد حول العالم، وحسب متابعين فإن الدور الإماراتي قد أسهم بدور فعال في التحريض ضد مسلمي أوروبا، فعلى إثر وقوع هجمات من قبل اليمين المتطرف في ألمانيا، صرح وزير التسامح الإماراتي نهيان بن مبارك منتقدا  إهمال الرقابة على المساجد، قائلا: "إنها السبب في تلك الهجمات".

وعقب الهجوم على مسجدين في نيوزلندا، هاجم جمال السويدي، رئيس مكتب البعثات بوزارة شؤون الرئاسة الإماراتية ومدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، المساجد، قائلا: "إنها تحولت لمراكز للتجنيد".

وقال السويدي في تغريدة على تويتر: "وظيفة المسجد تحولت من دار للعبادة إلى مركز للتجنيد والاستقطاب لمصلحة الجماعات الدينية السياسية ومؤخرا مكانا لقتل المصلين الآمنين".

أما وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، فحذر من وجود 50 مليون مسلم في أوروبا، قائلا: "هناك دول أوروبية حاضنة للإرهابيين والتطرف، وعليها أن تتحمل مسؤوليتها".

وقال ابن زايد في ملتقى "مغردون" الذي عقد في مايو/آيار 2017: "سيأتي يوم نرى فيه إرهابيين ومتطرفين أكثر يخرجون من أوروبا بسبب قلة اتخاذ القرارات..".

أما زعيم الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي فقام بدوره هو الآخر في التحريض ضد المسلمين في أكثر من مناسبة، مثلما وقع في مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث دعا السيسي الدول الأوروبية لـ"مراقبة المساجد". 

وفي مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، في سبتمبر/أيلول 2016، ربط السيسي بين الإسلام والتطرف، قائلا: "ينبغي تصحيح الخطاب الديني"، مؤيدا استخدام مصطلح "التطرف الإسلامي".

في رده على سؤال المذيعة حول مدى عدالة استخدام مصطلح "الإرهاب الإسلامي"، فأجاب: "نعم، إنه تطرف، إنه حقا تطرف، تطرف إسلامي، ينبغي مواجهته، وأنا إنسان مسلم، وصعب علي جدا أن أقول هذا، لكن هذه الحقيقة".

وبرأي متابعين، فإن تلك التصريحات أسهمت بارتفاع جرائم الكراهية ضد المسلمين، وفي الوقت الذي كان ينبغي أن توجه تلك التصريحات لحكام غربيين للعمل على عقلنة خطاب اليمين المتطرف، تم توجيهها للضحايا المسلمين الذين قضوا في عدة مساجد حول العالم.

دور مشبوه

مجلة فورين بوليسي قالت في تقرير لها: إن "الأنظمة العربية، هي الأشد كراهية للإسلام"، وذكرت أن وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، حذر في ندوة عامة في الرياض عام 2017 الأوروبيين من أن الإسلام الردايكالي سينمو في أوروبا لأن سياسيي أوروبا لا يرغبون في اتخاذ قرار صحيح، بعدم التسامح معهم بدعوى حقوق الإنسان وحرية التعبير والديمقراطية.

وكشف عبدالله نيكولاس رئيس مجلس الشورى الإسلامي في سويسرا تفاصيل جديدة عن الدور الذي تمارسه الإمارات للتحريض ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا، مؤكدا دعم أبوظبي لزعيمة اليمين المتطرف الفرنسية مارين لوبن المعروفة بعدائها للإسلام والمسلمين.

وقال نيكولاس في لقاء مع قناة الجزيرة: إن هناك دولا عربية من بينها الإمارات تحرض على المسلمين وتعطي معلومات لأحزاب سياسية مناهضة للمسلمين. 

نتائج عكسية

رغم التحديات والمصاعب وحالات الاغتيال التي يواجهها الدعاة والناشطون للحد من تحركاتهم وأنشطتهم، إلا أن تقارير دولية تشير إلى أن عدد المسلمين في إفريقيا وأوروبا في تزايد مستمر.

في دراسة لمركز" بيو" الأمريكي للأبحاث، توقع الباحثون ارتفاع النمو السكاني العالمي بنسبة تناهز 32% بحلول العام 2060، وزيادة عدد المسلمين خلال الفترة ذاتها بنسبة 70%.

وأشارت الدراسة إلى أن عدد المسلمين سيتخطى عدد معتنقي الديانات الأخرى، على رأسها المسيحية واليهودية، وأيضا الهندوسية.

وفي حوار مع إذاعة "هير أند ناو الأمريكية" (خاصة)، في يوليو / تموز الجاري، عزا كونراد هاكيت، الباحث في خصائص السكان الديموغرافية لدى مركز "بيو"، أن النمو المستمر لأعداد المسلمين يعود إلى 3 أسباب رئيسية، الأول: أنه دين فئة الشباب، السبب الثاني: كثرة الإنجاب، السبب الثالث: الثبات العقائدي أو الانتماء، حد قوله.

بالإضافة إلى ذلك تسببت الهجرة من الدول العربية التي تشهد صراعا منذ اندلاع الحركات الثورية، بتزايد أعداد المسلمين المهاجرين إلى أوروبا، فقد توقع مركز بيو للأبحاث أن يتضاعف عدد السكان المسلمين في بعض الدول الأوروبية 3 مرات بحلول عام 2050، في حين يشهد تغيرات طفيفة في دول أخرى.

 الملاحظ أيضا أن الحوادث التي تهز مشاعر ووجدان المسلمين حول العالم، كالرسوم الكاريكاتورية و الأفلام المسيئة للإسلام، والاغتيالات لدعاة مشهورين، تلفت أنظار المجتمعات الغربية، وتدفعهم للقراءة عن الإسلام بشكل أعمق، الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابي، وقد يتسبب بدخول بعضهم الإسلام، مثلما حدث مع السياسي الهولندي ونائب رئيس الحزب الهولندي الحاكم السابق "أرناود فان دورن"، الذي أسلم بعد إنتاجه فيلم "فتنة" المسيء للنبي محمد، عليه السلام.

إسكات الحق

الكاتب والناشط الحقوقي محمد الأحمدي قال لـ"الاستقلال": "من الواضح أن اغتيال الدعاة المسلمين المتخصصين في الأديان المقارنة ودعوة المسيحين إلى الإسلام، آخرهم الشيخ يوسف ديدات، جزء من الحملة الصليبية الهادفة لإسكات هذه الأصوات التي تحمل روح المقاومة الناعمة وتصد محاولات تشويه الإسلام، وتكشف البعد الديني في الصراع الدولي القائم، وهي في نفس الوقت تبدو وكأنها إحدى ثمار تصاعد خطاب الكراهية والتحريض ضد المسلمين حول العالم".

يضيف الأحمدي: "شاهدنا قادة دول في الغرب من تيار اليمين المتطرف يطلقون مصطلح "الإرهاب الإسلامي"، لوصم الإسلام بالإرهاب ولتبرير حملاتهم الظالمة على المسلمين في أكثر من مكان، كجزء من "بروباجندا" تنخرط فيها أنظمة عربية كالإمارات، مع كل الأسف، التي لم يكتف مسؤولوها بالتحريض علنا على الجاليات الإسلامية في الغرب، بل شاهد العالم سلوكها واقعا في جنوب اليمن عبر سلسلة من الاغتيالات والتصفيات الجسدية طالت رموزا دينية معروفة باعتدالها ومناهضتها لمشاريع الهيمنة والاستبداد".

ويتابع الحقوقي اليمني: "المفارقة أن هذا السلوك الإماراتي العدواني تجاه المسلمين يدحض زيف مزاعم هذه الدولة في نهج التسامح، من خلال بناء المعابد والكنائس وتمويل برامج اليمين المتطرف في أوروبا والغرب والمعروف بعدائه الواضح للمسلمين، وصولا إلى شنه هجمات إرهابية دموية ضد المسلمين في المساجد، وحتى في الشوارع مدفوعا بما بات يعرف ب فوبيا الإسلام".

ويختم الأحمدي قائلا: "لا شك أن هذه الحملات رغم قسوتها، لا تزيد المسلمين إلا تمسكا بحقوقهم المشروعة في رفض مشاريع الهيمنة والاستكبار ويزداد معها الإسلام انتشارا، رغم حملات التضييق والاستهداف الممنهج".