بعد وفاة قابوس.. ما مستقبل دبلوماسية التصالح بالشرق الأوسط؟

12

طباعة

مشاركة

قادت عُمان في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، مبادرات تصالحية مهمة بين السنة والشيعة في المنطقة، لكن جرى تجاهلها إلى حد كبير من المملكة العربية السعودية، إلا أنه مع وفاة قابوس، هل يقوم السلطان الجديد هيثم بن طارق بمبادرات مماثلة؟

سؤال طرحته صحيفة "أتلانتيكو" الفرنسية في ظل الحياد السياسي التي كانت تتبعه عُمان خلال حكم السلطان الراحل قابوس الذي رفض الدخول في التحالفات وسط الاضطرابات التي تشهدها المنطقة.

دولة نادرة

وقالت الصحيفة: إنه "في ظل سنوات من القلق أججه مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني مؤخرا وتصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة، وقعت وفاة أخرى سيكون لها عواقب على الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، لكن دون أن تلقى اهتماما ملحوظا".

وأضافت: "في 10 يناير/ كانون ثاني الجاري، توفي قابوس بن سعيد، سلطان عُمان، عن عمر يناهز الـ79 عاما، بعد خمسين عاما من الحكم المطلق والمستنير، والذي حول سلطنته من الفقر إلى الحداثة".

وأوضحت الصحيفة الفرنسية أنه "إذا كانت بريطانيا، التي تربطها علاقات تاريخية بسلطنة عُمان، قد استجابت بسرعة لخبر الوفاة، فإن الولايات المتحدة اكتفت بالرد من خلال بيان متأخر".

وتابعت: "إذا كان هذا لأمر ليس مفاجئا، فإنه مؤسف، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت حليفة طويلة الأمد للسلطنة، فمنذ بداية ولاية دونالد ترامب، اختارت واشنطن بوضوح حلفاءها في الشرق الأوسط".

وأكدت "أتلانتيكو" أن عُمان، رغم أنها واحدة من الدول العربية النادرة، إن لم تكن الدولة العربية الوحيدة المقربة من إسرائيل، وضحية لمبادرات الصلح بين السُنة والشيعة في ظل تقاربها الواضح مع إيران، فهي بالتالي كان يتم تجاهلها إلى حد كبير لصالح المملكة العربية السعودية.

وتابعت: "ومع ذلك، لا يمكن تقليل تأثير وأهمية الدبلوماسية العُمانية في هذه المسألة فقط، فمنذ بداية عهده، جعل قابوس بن سعيد الدبلوماسية السرية والتوفيقية في قلب سياسته الخارجية، وبلده أرض وساطة بين الأعداء الذين كانوا ببداهة غير مستعدين للمصالحة".

وبينت الصحيفة الفرنسية، أن مسقط، عاصمة عُمان، استقبلت الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التوالي، وهو أمر لا يمكن تصوره في أي بلد آخر في الخليج العربي.

ونوهت إلى أنه في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، استضاف السلطان قابوس كذلك مفاوضات بين المبعوثين السعوديين والحوثيين على أمل إيجاد حل للحرب الدائرة في اليمن.

اتفاق فينا

وأوضحت الصحيفة، أن أعظم إنجاز أحدثته سلطنة عُمان هو لعبها دورا كبيرا في التقارب الإيراني الأمريكي الذي أدى إلى اتفاق فيينا في 14 يوليو/  تموز 2015.

وأردفت: منذ بداية رئاسة باراك أوباما، عرضت سلطنة عُمان نفسها كوسيط بين البلدين العدوين، الأمر الذي أدى أولا إلى إطلاق سراح ثلاثة سجناء أمريكيين، ثم المناقشات الأولى بهدف التوصل إلى اتفاق محتمل بشأن القضية النووية.

ولفتت الصحيفة إلى أن الفرصة التي أتاحها انتخاب الإصلاحي حسن روحاني في عام 2013 ساعدت في تسريع عملية الوساطة، مع النجاح الذي نعرفه بعد ذلك.

وتابعت: "التوتر الذي ازداد بين الإيرانيين والأمريكيين، اليوم، بعد التخلي عن اتفاق فيينا، يجعل المحللين يتذكرون ما حدث في عام 1979، عندما تم احتجاز رهائن بالسفارة الأمريكية في طهران. لكن قابوس بن سعيد عرض الوساطة بالفعل لتسوية النزاع بين البلدين دون جدوى".

ولفتت الصحيفة إلى أن الأسباب التاريخية والثقافية قد تفسر هذا الميل الملحوظ من عُمان للوساطة، فمن خلال النجاح عام 1970، وبفضل بريطانيا وشاه إيران محمد رضا بهلوي، جعل قابوس بن سعيد نفسه كزعيم عصري، على عكس جيرانه العرب في شبه الجزيرة العربية، بهدف إخراج بلده من الظلامية والفقر.

وشددت "أتلانتيكو" على أنه في غضون سنوات قليلة، من خلال استخدام عائدات النفط للاستثمار في البنية التحتية والتعليم والسياحة، جعل قابوس، سلطنة عُمان واحة من الاستقرار والتنوع والتسامح الديني، وهو أمر رائع للغاية في الشرق الأوسط.

وبحسب الصحيفة، فإن سلطنة عُمان، مركز التجارة البحرية العالمية منذ قرون، لديها تعددية سكانية، مع الأقليات البلوشية والهندية والباكستانية والإيرانية وحتى السواحيلية.

وأردفت: "أن طاعة السلطان وأغلبية السكان العمانيين المنتمين للإباضية، وهي فرع الأقلية الإسلامية التي دعت دائما إلى التقارب بين السنة والشيعة، وبشكل أعم مع الأديان الأخرى، ساهمت بشكل كبير بلا شك في هذا التوازن ودور الوسيط الذي التزم به طوعا قابوس بن سعيد طوال فترة حكمه".

ورأت "أتلانتيكو" أن "تأسيس هذا السلام النسبي أيضا جاء بفضل حكومة غير مقسمة، حيث يجمع السلطان بين كل الوظائف الملكية. وإذا كان هذا الحكم المطلق مكّن عُمان من تجنب أي ظهور للتطرف الديني، فقد أزعج الشباب على مر السنين - أكثر من نصف العمانيين دون سن 25 عاما - الذين طالبوا بمزيد من الحرية".

وأوضحت أنه "لكي يجهض السلطان (ربيعه العربي) في عام 2011، قام بإقرار المزيد من الصلاحيات ووعد بتوفير 50 ألف وظيفة جديدة، مع زيادة تقييد حرية التعبير واعتقال المدونين والناشطين".

هل ينجح خليفته؟

ووفقا للصحيفة، فإنه ومع ذلك، أثارت وفاة قابوس بن سعيد، وهو شخصية غير معروفة إلى حد كبير خارج الأوساط السياسية والدبلوماسية، عددا من المخاوف والأسئلة في لحظة أكثر حساسية من أي وقت مضى بالنسبة للشرق الأوسط.

وتساءلت الصحيفة الفرنسية: "في حين أن شبه الجزيرة العربية تفسح المجال للحكام المستبدين مثل محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، هل ستنجح السلطنة المفتوحة للحوار بين الأديان والوساطة، خلال حكم السلطان هيثم بن طارق، الذي تم اختياره من بين أكثر من 80 فردا من العائلة المالكة، وأكد أنه سيواصل الدبلوماسية السلمية لسلفه؟

لكن رغم ذلك، تقول "أتلانتيكو": يخشى بعض المحللين من أن السلطان الجديد ليس لديه مكانة قابوس بن سعيد، بينما تواجه عُمان العديد من التحديات الحاسمة، إذ تعاني البلاد من معدلات بطالة كارثية- ما يقرب من 50 بالمئة - والاقتصاد يعتمد على النفط في ظل انخفاض الأسعار، والشعور بعدم الأمان وتزايد السخط داخل السكان من الرقابة.

وبيّنت الصحيفة أنه من الناحية الإقليمية، فإن ازدراء الولايات المتحدة لسلطنة عُمان هو أيضا فأل سيئ، لافتة إلى أنه في عام 2017، خلال زيارته الخارجية الأولى للمملكة العربية السعودية، تحدث دونالد ترامب مع جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي باستثناء عُمان.

وأوضحت: "يبدو أن إدارة ترامب تتجاهل أن الموقع الإستراتيجي للسلطنة على مضيق هرمز يمكن أن يضمن للأمريكيين قاعدة خلفية للانتشار العسكري (خاصة حول ميناء الدقم)، وكذلك تأمين المضيق الذي يعبر 25 بالمئة من النفط عبره".

وخلصت الصحيفة الفرنسية إلى أنه مع زيادة التوترات في المنطقة، من المرغوب فيه بشكل خاص حفاظ عُمان على دورها، خاصة أنه بعد رحيل قابوس بن سعيد، فقدت السلطنة دوره المتمثل في الدبلوماسية المحايدة ومهارته التي نجحت في نزع فتيل العديد من النزاعات، ولا يوجد خليفة له حاليا، في وقت الشرق الأوسط بحاجة ماسة إليه.