مهمة مشتركة.. الحوثيون والتحالف يتوليان تهريب وتخريب آثار اليمن

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يجتمع التحالف العربي مع الحوثيين، على "تهريب" و"تخريب" المواقع الأثرية في اليمن، وسط صمت مريب من المنظمات الدولية وشكوك حول دور البعض منها في تسهيل عمليات تهريب منظمة تطال آثار البلد الذي يشهد حربا منذ 2015.

في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشفت صحيفة "حرييت" التركية، أن مواطنا يمنيا يدعى عواد المصري، تقدم ببلاغ لدى شرطة منظقة "إسنيورت" في إسطنبول، ضد "عصابة من جنسية عربية سرقت منه تمثالا لطاووس مرصع بالجواهر، تحت تهديد السلاح، وقد تمكنت الشرطة من القبض على اثني عشر فردا من العصابة، لكنها لم تتمكن من استرجاع الطاووس".

بحسب مالك التمثال للشرطة، فإنه كان قد عرضه على الإنترنت، بقيمة مليوني دولار كسعر أدنى، مؤكدا أنها القيمة الفعلية للتمثال المرصع بالألماس، واتفق مع المشتري على ثمنه، ليقوم بعد ذلك بجلبه من اليمن، لكنه عند مقابلة العصابة تم تهديده بالسلاح وسلبه.

وتعليقا على الموضوع، قال الكاتب والصحفي اليمني صقر الصنيدي، في حديث لـ"الاستقلال"، إن "المثير في الأمر هو كيف استطاع الرجل تهريب تمثال بهذه المواصفات من اليمن، من غير أن يتم اعتراضه من نقاط التفتيش التي تناهز المئة نقطة، وفي بلد كل مطاراته مغلقة، بينما تخضع بقية منافذه الحدودية البرية والبحرية للحصار والرقابة الشديدة؟".

وقال أحد العاملين بتهريب الآثار، طلب عدم الكشف عن اسمه: "كنت أعمل في تهريب الآثار بكميات قليلة، حتى قبل خمس سنوات، وكان هناك لوبي يقوم بتأمين العملية بالكامل، بحيث لا يتم اعتراضنا من أحد. كانت الآثار تشترى من ضباط كبار ونافذين في الدولة، ويتم تهريبها إلى خارج اليمن".

وعن سؤاله من أين تم الحصول على تمثال الطاووس الذي سرق؟، قال في حديث لـ"الاستقلال": "ليس لدي إجابة مؤكدة، لكن من خلال معرفتي بهذا النوع من التحف، أرجح أن تكون قد نُهبت من بيت صالح بعد مقتله، أو من بيت ضابط كبير معروف يجمع هذا النوع من التحف والآثار الثمينة، (تتحفظ الاستقلال عن ذكر هويته)، حيث كان بيته قد تعرض للقصف من طائرات التحالف، إضافة إلى تعرضه للنهب، في وقت لاحق من جماعة الحوثي، إثر الحملة التي شنتها جماعة الحوثي على أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام بعد مقتل صالح".

السوق السوداء

ويوكد الفرضية التي ذهب إليها مهرب الآثار السابق، تقرير لصحيفة "الحياة"  كشفت فيه عن وجود قطع أثرية ومخطوطات في منازل مسؤولين حكوميين بينهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح وزعماء قبليون، وأن القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام سلطان البركاني أفاد بأن هؤلاء حصلوا على القطع الأثرية بطرق عدة، منها الإهداء أو لقاء الحصول على منفعة أو عن طريق الشراء.

وأكد الكاتب والصحفي فتحي أبو النصر، أن لديه معلومات موثوقة أن كبار المسؤولين يحوزون قطع آثار ذات أهمية قصوى، بل أن العديد من هؤلاء يتاجرون بها ويجرون عمليات التسهيل اللازمة لتهريبها.

أما الباحث اليمني توفيق السامعي، قال لصحيفة "العرب" اللندنية إن "تجارة الآثار وتهريبها في اليمن كان يقوم بها شخصيات مهمة في النظام السابق بواسطة أسواق سوداء سرية في المناطق التاريخية، واستخدموا باحثين عربا للتعرف على أهمية القطع الأثرية وزمنها ومدلولاتها".

وأضاف السامعي إلى أن "وزيرا في حكومة الرئيس السابق كان يقيم متحفا خاصا في بيته للآثار ويستقبل في منزله لصوص الآثار ومتتبعيها والبائعين بشكل مستمر".

تهريب وتخريب

عمل الحوثيون منذ سيطروا على البلاد على تجريد اليمن من تاريخه، وذلك من خلال النهب المنظم للآثار والمخطوطات التاريخية، ومقتنيات المتاحف.

وفي تصريحات صحفية، لوزير الثقافة اليمني، مروان دماج، اتهم فيها جماعة الحوثي بنهب قطع أثرية ومخطوطات تاريخية وتحفا ومقتنيات يعود تاريخها لألاف السنين، ومن ثم تهريبها من خلال طرق منظمة عبر المنافذ البرية والبحرية لليمن، إلى أسواق خارجية.

وأضاف دماج أن "جماعة الحوثي، وضعت يدها على آثار مهمة جداً، بعضها غير مقيّد في السجلات التابعة للمتاحف اليمنية، أو مصنفة لدى الهيئة العامة للآثار التي تتبع وزارة الثقافة اليمنية، الأمر الذي يصعب معه تحديد عدد الآثار والمخطوطات التي هربتها وباعتها المليشيات في الأسواق الخارجية".

من جهته، قال الباحث السامعي أن "تجارة وتهريب الآثار انتقلت إلى قيادات حوثية بعد اجتياح صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، وتصدرت قيادات بارزة في الجماعة هذه التجارة، ولكن بشكل أكثر سفورا وعشوائية، حيث إن هناك سوق سوداء لتجارة الآثار في سوق الملح بباب اليمن يقوم تجار متخفون وعصابات تتبع الجماعة الحوثية بالبيع والشراء فيها لأجانب ومافيا آثار من خارج اليمن".

لم يكتف الحوثيون بتهريب الآثار، بل عمدوا إلى تخريب المعالم الأثرية، واستهداف الأماكن التاريخية، فبحسب تقرير لمنظمة "مواطنة"، استخدمت جماعة الحوثي الأعيان الثقافية لأغراض عسكرية، وتمترست في بعض الحصون التاريخية والمواقع الأثرية واستخدمتها لأغراض عسكرية، من ذلك هجمات شنتهافي تعز ومأرب وغيرهما، وقبل انسحابها قامت بزراعة محيط تلك المواقع الأثرية بالألغام.

مساهمة التحالف

لم يقتصر استهداف المواقع الأثرية والتاريخية على جماعة الحوثي، فالتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، قد نفذ في وقت سابق عشرات الغارات الجوية التي استهدفت مواقع أثرية وتاريخية، لاعتقاده بأن الحوثيين يتخذون منها مواقع يتحصنون فيها.

وكانت منظمة "سام" للحقوق والحريات ومقرها في جنيف قد كشفت عن قيام التحالف باستهداف عشرات المواقع الأثرية والتاريخية في عدة مدن يمنية، من بينها مواقع في صنعاء القديمة، خصوصا بعد حديث "اليونسكو" أنها قامت بإعطاء التحالف قوائم بالأماكن التاريخية والأثرية لتجنب استهدافها، الأمر الذي دفع التحالف لمعرفة الأماكن التاريخية بدقة وبالتالي القيام باستهدافها.

وكانت منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان ومقرها في هولندا قد وثقت تعرّض (15) موقعا تاريخيا وأثريا لهجمات جوية مباشرة شنّتها مقاتلات التحالف العربي، و من بين تلك المواقع، مدينة براقش التاريخية والبوابة الشمالية لسد مأرب القديم.

إضافة إلى ذلك قامت جماعة "أبي العباس" المدعومة من الإمارات والمحسوبة على الجيش الوطني، باستهداف عدد من المواقع الأثرية، بحسب تقرير المنظمة الذي وثق عددا من تلك الانتهاكات.

دور صادم للمنظمات

لا تواجه هذه الظاهرة صمتا دوليا فحسب، بل يتهم مراقبون تورط بعض المنظمات الدولية في المساهمة بتهريب الآثار، فبحسب الباحث في شؤون الآثار العزاني، فإن "منظمة دولية (لم يسمها) تعمل على إخراج القطع الأُثرية من الدول التي تشهد نزاعات وصراعات مستمرة و تقوم بترويجها في سوق سوداء عالمية".

وأضاف العزاني: "تقوم المنظمة بالتنسيق مع الحوثيين في تهريب الموروث المادي والمكنوزات الأثرية إلى خارج اليمن، وهو ما يبرر صمتها تجاه جرائم الحوثي بحق هوية وتاريخ شعب".

يعزز هذه الفرضية، تصريح الموظف السابق لدى إحدى المنظمات الدولية، معاذ الحياني لصحيفة "يمن الغد"، أن "طبيعة عمله في المنظمات سمحت له بالاطلاع على أنشطة خارج إطار الاهتمامات الإنسانية للمنظمة، حيث كانت تستضيف شخصيات حوثية متورطة في هذا المجال، أحدهم شخص يدعى مهند السياني، الذي تم تعيينه لاحقا من الحوثيين رئيسا لهيئة الآثار اليمنية، رغم أنه من أشهر المتهمين بتجارة وتهريب الآثار، يضيف الحياني أن لديه مصادر أكدت له بأن المنظمة تقوم بالتنسيق مع جهات خارجية ورجال أعمال أجانب لتسويق ما ينهبه الحوثيون من موروثات وكنوز أثرية".

وجهات التهريب

تعددت الوجهات التي يتم تهريب القطع الأثرية إليها، وتتنوع بين أمريكا الوجهة الأبرز وبعض دول أوروبا، وقد نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" في يناير/كانون الثاني الماضي مقالا مشتركا لكل من مدير مؤسسة تحالف حماية الآثار، ديبور لير، وسفير اليمن في الولايات المتحدة أحمد عوض بن مبارك، أكدا فيه أن "هناك أدلة مقنعة تقود إلى الاعتقاد أن أمريكا هي المقصد الرئيسي للمقتنيات الأثرية المسروقة؛ لأنها تعد أهم سوق في العالم للفن".

وأشارا إلى أن "أبحاثا لتحالف حماية الآثار كشفت عن أن الولايات المتحدة استوردت خلال العقد الماضي ما قيمته 8 ملايين دولار من الفن المستورد من اليمن".

إلى ذلك كشفت وكالة "سبوتنيك" الروسية أن "الأجهزة الأمنية أحبطت في محافظة عدن جنوب اليمن، محاولة تهريب قطع أثرية إلى خارج البلاد. و ضبط 12 قطعة أثرية نادرة كانت مخبأة وسط بضاعة على أحد المراكب التجارية المغادرة إلى جيبوتي".

وقال الأستاذ المختص بعلوم الآثار عبده غالب: "سجّل اليمنيون الرقم القياسي بين شعوب العالم في النبش والتخريب وسرقة المواقع الأثرية والمتاحف الوطنية والتهريب للآثار، عمدا أو إهمالا، عن جهل أو عن قلة وعي"، مضيفا أن "هذه المواقع الأثرية التي صمدت آلاف السنين أمام عدوان الناس والعوامل الطبيعية والحروب، تُدمّر اليوم وتُشوّه، ويتم ذلك بكثافة عجيبة وسرعة غريبة، في وقت لم نكتب تاريخنا بعد، ولم تتوفر لدينا سجلات ونماذج كافية محفوظة من آثارنا".

لم تتوقف تجارة الآثار وتهريبها، ففي الفترة التي سبقت الحرب، إذ كانت تتم وفق نمط معين، لكنها في الفترة التي تلت الحرب توسعت، وكثر تجارة الآثار من أمراء الحروب والصراعات، وكانت الأزمة ظرفا مناسبا لازدهار هذه التجارة، حيث قالت الكاتبة الصحفية إلهام علي إن اليمن شهد عبر تاريخه العديد من الحروب والصراعات المسلحة التي دفعت الآثار ثمنا بالغا لها من النهب والتهريب، ومع دخول اليمن في حرب لا يعلم أحد متى تنتهي، تعرضت العديد من مواقعه الأثرية لدمار كبير.