Tuesday 19 March, 2024

صحيفة الاستقلال

عجز دبلوماسي أم دسائس خارجية.. لماذا غابت تونس عن مؤتمر برلين؟

منذ 2020/01/19 08:01:00 | تقارير
يرجع خبراء دعوة تونس متأخرا للمشاركة في مؤتمر برلين إلى فشل ذريع لدبلوماسيتها في الاستجابة لمقتضيات المرحلة
حجم الخط

مع انطلاق مؤتمر برلين، الأحد 19 يناير/ كانون الثاني 2020، الذي يعتبره مراقبون المحاولة الأخيرة لإنهاء الأزمة الليبية، أعلنت تونس الجارة الشمالية الغربية لليبيا، أنها لن تشارك في المؤتمر، نظرا لتلقيها دعوة حضور في وقت متأخر من الدولة المنظمة ألمانيا.

وقالت وزارة الخارجية التونسية، في بيان عشية انطلاق المؤتمر، إنه "يتعذر على تونس المشاركة في مؤتمر برلين". وأوضحت أن قرار عدم حضور المؤتمر يأتي نظرا "لورود الدعوة بصفة متأخرة، وعدم مشاركة تونس في المسار التحضيري لمؤتمر برلين، الذي انطلق منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، واعتبارا لحرصها على أن يكون دورها فاعلا كقوة اقتراح إلى جانب كلّ الدول الأخرى الساعية من أجل السلم والأمن في إطار الشرعية الدولية".

قبل المؤتمر بأيام قلائل وجهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رسميا الدعوة لقادة الدول والمنظمات الدولية المدعوة للمشاركة في المؤتمر على مستوى رؤساء الدول والحكومات، والتي تضمنت بعض التعديلات عن القائمة الأصلية المتمثلة في مجموعة "5+5".

ضمت القائمة الأصلية كلا من الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، باعتبارهم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا (الدولة المنظمة)، وتركيا وإيطاليا ومصر والإمارات.

حسب ما أكدت تقارير، وبضغط تركي، تمت دعوة الجزائر، التي لم تكن مدعوة من قبل، كما تم دعوة الكونغو في آخر لحظة، بدعوى أن الاتحاد الإفريقي كلف رئيسها ديني ساسو نغيسو، قبل 3 سنوات، برئاسة لجنة رفيعة المستوى تعنى بالأزمة الليبية.

أما تونس التي تشترك مع ليبيا في حدود بطول 450 كلم، ويقيم على أراضيها قرابة 500 ألف ليبي، وسبق وأن احتضنت قرابة المليون ونصف لاجئ نتيجة المعارك التي دارت في العام 2011 بين نظام معمر القذافي والثوار الليبيين، فتم في البداية استثناؤها من المشاركة، قبل أن تتم دعوتها عشية انعقاد المؤتمر، الذي سيكون لنتائجه حتما تأثير على الوضع في تونس سياسيا وأمنيا واقتصاديا.

يجمع طيف واسع من السياسيين التونسيين على تقييم سلبي لدبلوماسية بلادهم، وخسارتها لموقع هام في مؤتمر برلين الذي سيجمع الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي في محاولة لإنهاء الصراع المستمر فيها منذ العام 2011.

مربعات الحياد

اعتبر الباحث والخبير في الشأن الليبي بشير الجويني أنه لا يمكن التطرق إلى الأداء الدبلوماسي التونسي في الملف الليبي عن طبيعة الدبلوماسية ككل، وهي التي لم تغادر مربعات الحياد الذي يصل في بعض الأحيان إلى اللا موقف في انتظار مواقف الدول الكبرى".

 وأضاف الجويني في حديث للاستقلال: "لعل استثناء تونس في البداية من المشاركة في مؤتمر برلين ثم دعوتها لاحقا في وقت متأخر،  إشارة أخرى إلى فشل ذريع للدبلوماسية التونسية في الاستجابة لمقتضيات المرحلة فضلا عن التزامات ثورات الربيع العربي من جهة استقلال القرار ونبوعه من المصلحة العليا للبلد قبل كل اعتبار آخر".

كما يرى الباحث التونسي أن التأخر في دعوة تونس للمشاركة في مؤتمر برلين "قد يكون بسبب الرغبات من هنا وهناك خاصة المحور المناوئ للربيع العربي وثوراته، قائلا: "لكن في تقديري يبقى الموقف مرتبطا في جزئه الأهم بالموقف التونسي وطبيعة الجهاز الدبلوماسي ومبادئه".

الجزائر أيضا لم تكن مدعوة للمؤتمر رغم حدودها الطويلة مع ليبيا (نحو 1000 كلم) نظرا لأزمتها التي عاشتها عقب استقالة بوتفليقة، لكن بعد انتخاب الرئيس الجديد عبدالمجيد تبّون، في ديسمبر/كانون الأول 2019، وتأكيده أن الجزائر "ستبقى فاعلة في الأزمة الليبية شاء من شاء وأبى من أبى"، تمت دعوة بلاده مبكرا إلى مؤتمر برلين بدعم تركي وروسي ومن المبعوث الأممي غسان سلامة والحكومة الليبية.

وفق ما نشرته قناة "ليبيا الأحرار"، صباح الجمعة 17 يناير /كانون الثاني 2020، وجهت وزارة الخارجية في حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، خطابا للسفارة الألمانية لدى طرابلس، شددت خلالها على مشاركة تونس وقطر، مؤكدة أن مشاركتهما "تدعم محادثات السلام وإرساء دعائم الأمن والاستقرار في ليبيا".

واعتبرت خارجية حكومة الوفاق، أن تونس تمثل أهمية قصوى كونها جارة حدودية آوت آلاف النازحين الليبيين، وأمنها من أمن ليبيا، مشيرة إلى أهمية مشاركة قطر، التي تعتبرها كانت ولازالت أهم الدول الداعمة لثورة 17 فبراير/شباط 2011، التي أطاحت بنظام معمر القذافي. فلماذا تمت الاستجابة مبكرا للضغوط الدولية لمشاركة الجزائر وفشلت في الدفع بتونس إلى برلين إلا قبيل ساعات من الانعقاد؟.

استغراب شديد

خرجت تونس عن تحفظها لتعلن عن "استغرابها الكبير ومفاجأتها" مما وصفته بقرار "إقصائها" من مؤتمر برلين، وفي حوار لقناة DW الألمانية كشف أحمد شفرة السفير التونسي لدى ألمانيا، عن تفاصيل الموقف التونسي من الأزمة الليبية، ودواعي استغراب تونس من الموقف الألماني بشأن عقد مؤتمر برلين، وعما إذا كان هناك "فيتو" على مشاركة تونس؟.

وقال شفرة: "باستغراب كبير تلقينا البيان الذي صدر بشأن مؤتمر برلين المخصص للأزمة الليبية وعدم مشاركة تونس فيه. وقد فاجأنا هذا الأمر بشكل كبير لأن تونس هي أكبر بلد مهتم بالوضع في ليبيا وهي أكثر بلد متضرر مما يجري في هذا البلد الجار".

مضيفا: "لقد تلقينا الأمر باستغراب ودهشة كبيرة، وما أثار دهشتنا أكثر كونه يأتي من ألمانيا الشريك الذي تربطه بتونس علاقات جيدة وممتازة وقائمة على الثقة، وهي علاقات عريقة إذ كانت تونس سنة 1965 الدولة العربية الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها بألمانيا (الغربية آنذاك).. ولذلك نستغرب اليوم أن تكون تونس البلد الوحيد الذي يتم إقصاؤه ومن طرف من؟ من طرف ألمانيا!".

وفي إجابته عن سؤال إن كانت تونس تعتقد أن هنالك طرفا ما أو أطرافا في داخل ليبيا أو خارجها بالمنطقة، لديه فيتو على مشاركة تونس في مؤتمر برلين، اعتبر أن بلاده "لا تعتقد أن ألمانيا بمركزها وبموقعها وبمكانتها تخضع لمثل هذه الضغوط".

وأضاف في حديثه للقناة الألمانية: "لو أن الأمر يتعلق ببلد آخر لقلت لك أمرا آخر، لكن هذه ألمانيا التي تريد أن تلعب دورا. وهذه ألمانيا التي شجعناها في تونس خلال زيارة وزير الخارجية هايكو ماس، من أجل أن تلعب دورا نظرا لما تتميز به من مكانة ودور كبيرين".

الحياد السلبي

لم يغب عن برامج المترشحين للانتخابات الرئاسية التونسية السابقة الحديث عن ملف الدبلوماسية التونسية وعلاقته بالملف الليبي، وأجمع جل المترشحين على اختلاف انتماءاتهم بأن على تونس أن تخرج من الحياد السلبي، الذي أفقدها أي دور محتمل في علاقتها بالصراع الليبي، كما أن مصالحها باتت مهددة بسبب انتهاجها لهذا الخيار وفسحها المجال أمام متدخلين آخرين.

الرئيس الحالي قيس سعيّد، قال خلال المناظرة التلفزيونية التي سبقت الدور الثاني للانتخابات الرئاسية: "سأستقبل كل الأطراف حتى نضع حدا لهذا الوضع المتأزم، ولنمكن الشعب الليبي من تقرير مصيره بنفسه. ولتكون تونس أرض الحوار، لأن القضية تونسية وتهم التونسيين. والليبيون أشقاؤنا. ما يؤلمهم يؤلمنا وما يفرحهم يفرحنا".

وتطرق سعيّد حينها لمؤتمر برلين ودور تونس المحتمل فيه خاصة وأنها ستكون عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي ابتداء من 1 يناير/كانون الثاني 2020.

وقتها قال الرئيس التونسي: إن "هناك شرعية دولية، وتونس ستكون عضوا غير دائم بمجلس الأمن في يناير (كانون الثاني) المقبل (الفترة من 2020 وحتى 2021)، وذلك للمرة الرابعة في تاريخها. المهم هو الاحتماء بالشرعية الدولية. وكما تعلمون، هناك استعداد لتنظيم مؤتمر في ألمانيا دون حضور الليبيين، وكأن الشعب الليبي غير معني. وهو أمر غير مقبول على الإطلاق لأن القضية قضية الشعب الليبي".

وجاء هذا الاهتمام على خلفية تقييم سلبي للأداء الدبلوماسي التونسي في علاقته بالملف الليبي طيلة فترة رئاسة الراحل الباجي قائد السبسي وحكومة نداء تونس بعد انتخابات العام 2014.

فبعد تشكيل حكومة الحبيب الصيد ونيلها الثقة في البرلمان، أعلن وزير الخارجية التونسي والقيادي في نداء تونس الطيب البكوش نيته إرسال تمثيل دبلوماسي ثنائي لتونس في ليبيا عبر فتح قنصلية في طرابلس للتنسيق مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، وأخرى في طبرق للتنسيق مع الحكومة الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر.

وجاء الرد من قبل وزير الإعلام في حكومة طبرق عمر القويري بقوله: إن "اعتراف تونس بحكومتين في ليبيا سيجعل حكومة طبرق مجبرة على الاعتراف بحكومتين في تونس، الأولى في القصبة (مقر الحكومة في تونس العاصمة) والثانية في جبل الشعانبي معقل الجماعات الإرهابية في تونس".

واستمر الوضع طيلة 5 سنوات بنفس الشكل في إدارة العلاقات مع ليبيا، بين التعامل والاعتراف بحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج وبين التواصل أحيانا باللواء المتقاعد خليفة حفتر، دون أن ينتج عن ذلك أي إطار عملي للخروج من الأزمة في ليبيا.

الفرصة الضائعة 

بعد انتخابات العام 2019، وفي أول زيارة لرئيس دولة أجنبية إلى تونس، استقبل الرئيس قيس سعيّد نظيره التركي رجب طيب أردوغان يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2019.

وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره التونسي قيس سعيّد، شدد الرئس التركي خلال الزيارة، على ضرورة أن يضم مؤتمر برلين دول الجزائر وتونس وقطر، قائلا: "أبلغت السيدة ميركل (المستشارة الألمانية) بهذا الشأن. وقلت لها إن عليهم تلافي هذا النقص. كما تحدثت مع السيد بوتين".

وأضاف: "تناولت هذه المسألة مع السيد جونسون (رئيس الوزراء البريطاني) خلال اتصال هاتفي أمس، أبلغته أن هذه الدول هي أكثر الدول معرفة بليبيا وأن وجودها في مرحلة برلين سيعود بالفائدة الكبيرة على هذه المرحلة. السيد جونسون أيدني في هذا الصدد وأبلغني أنه سيتحدث مع السيدة ميركل".

ولكن بعد هذه الزيارة ، وما أثارته من جدل ومزايدات بين عدد من الأحزاب السياسية في تونس، بعضها أبدى تخوفه من اصطفاف تونس في المحور التركي المساند لحكومة الوفاق والسماح بالقوات التركية بالمرور على التراب التونسي إلى ليبيا بعد اتفاق التعاون العسكري التركي الليبي.

بيان رئاسة الجمهورية أكد أن "تونس لن تقبل بأن تكون عضوا في أي تحالف أو اصطفاف على الإطلاق، ولن تقبل أبدا بأن يكون أي شبر من ترابها إلا تحت السيادة التونسية وحدها".

وأضاف البيان أن "رئيس الجمهورية حريص على سيادة تونس واستقلالها وحرية قرارها، وهو أمر لا يمكن أن يكون موضوع مزايدات أو نقاش، ولا توجد ولن توجد أي نية للدخول لا في تحالف ولا في اصطفاف".

وتتالت مواقف الأحزاب السياسية في تونس المنددة بالزيارة التركية لتونس، والداعية إلى وجوب تحييد الموقف التونسي في الصراع بين الحكومة الشرعية وميليشيا حفتر.

حركة مشروع تونس اعتبرت، أن "هذه الزيارة واللقاءات المرتبطة بها توحي باصطفاف رسمي تونسي لصالح محور تركیا - حكومة الوفاق اللیبیة، الذي أنتج اتفاقیة ھي محل رفض أغلب العواصم العربیة والأوروبیة" حسب قولها، داعیة رئاسة الجمهورية إلى النأي بتونس عن هذه الاصطفافات وأن يكون موقفها معتدلا ومحايدا.

كما حذر الحزب الدستوري الحر، من اتخاذ الرئاسة التونسية أي قرارات باسم الشعب في علاقة من شأنها أن تمثل انحرافا عن ثوابت السياسة الخارجية التي تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول.

وعبّرت عدد من الأحزاب القومية عن تشكيكها في الزيارة محذرة من اتخاذ موقف منحاز لصالح حكومة الوفاق، في الوقت الذي لا تنفي فيه هذه الأحزاب دعمها وتأييدها لميليشيا حفتر والدور المصري الإماراتي في ليبيا الداعم له أيضا.


تحميل

المصادر:

1

‘’تونس تستغرب بشدّة إقصاءها من مؤتمر برلين حول ليبيا’‘

2

بعد إقصائها من مؤتمر برلين.. تونس متفاجئة ومستغربة وتنتظر توضيحات من ألمانيا

3

ردًا على الاتهامات.. رئيس البرلمان التونسي يكشف طبيعة اجتماعه مع أردوغان

4

مؤتمر برلين.. قائمة المدعوين والمغيبين

5

ضعف الفعل الدبلوماسي للرئاسة التونسية

6

ماذا قال قيس سعيد ونبيل القروي عن ليبيا في المناظرة الرئاسية؟

7

الطرف الليبي يستنكر تصريحات ” الطيب البكّوش” و وزارة الخارجية تنفي

كلمات مفتاحية :

ألمانيا تونس حفتر حكومة الوفاق ليبيا مؤتمر برلين