Tuesday 19 March, 2024

صحيفة الاستقلال

زائرون من دول عدة.. يوم سياحي يفيض بالحكايا في غزة المحاصرة

منذ 2020/01/18 20:01:00 | تقارير
قطاع غزة شهد 3 حروب إسرائيلية في 2008 و2012 و2014
حجم الخط

إذا ما ذُكر اسم غزة فإن أول ما يتبادر إلى ذهن سامعها ثلاث كلمات؛ الحرب والحصار والدمار، لكن الحديث عن أمر يتعلق بالسياحة يبدو غريبا، خاصة أنها بقعة تعج بالمشاكل السياسية والأمنية الساخنة من كل الجهات.

زائرو غزة وسياحها يأتون لهدفين لا ثالث لهما، إما التضامن أو تقديم الخدمات الإنسانية والعلاجية، لكن زائريها بهدف السياحة والتنزه هو أمر أشبه بالمستحيل، فلا يمكن أن يفكر أحد بزيارة تلك المدينة التي عاشت حصارا و3 حروب.

فهذا مثلا جاء ضمن وفد تضامني، والثاني دخل غزة مع مجموعة صحفيين، والأخير يزورها كونه عضوا في فريق طبي، غير أن جميعهم ينتهزون فرصة فراغ من مهماتهم للتعرف على الجانب الآخر من القطاع المحاصر.

مع بداية العام الجديد، أعلنت وزارة السياحة والآثار في غزة، أن 25 ألف شخص زاروا المواقع الأثرية في محافظات القطاع الخمس، وهو عدد يقل عن الذي سجلته عام 2018 بفارق 6 آلاف زائر.

هذا الرقم يبدو صغيرا مقارنة بالأعداد التي تسجلها دول عربية مجاورة، كمصر والأردن مثلا، لكنه لافت للنظر في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة وسكانها منذ عام 2006، بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية.

ليس الحصار وحسب، فالقطاع شهد أيضا 3 حروب إسرائيلية في 2008 و2012 و2014، إضافة إلى تصعيدات أمنية وهجمات صاروخية وغارات ينفذها الاحتلال بين وقت وآخر، والتي كان لها الدور الأبرز في وصم غزة بصفة الدمار.

يوم سياحي

"إيمير جان" تركي زار غزة أكثر من مرة خلال الأعوام السابقة، ضمن فريق تضامني يتبع لجمعية إغاثية، لتنفيذ مشروع إنساني، لكنه كان ينتهز أوقات الفراغ بعد أداء مهامه للتعرف على القطاع.

بلغته العربية المتواضعة استطاع "جان" أن يكوّن علاقات مع فلسطينيين يعيشون في قطاع غزة، وتواصل معهم عبر الإنترنت قبل مجيئه، فوعدوه بيوم سياحي "ليرى وجه غزة الجميل"، كما نقل عن أصدقائه لـ "الاستقلال".

السائح -إن صحت تسميته- بدأ يومه بزيارة منطقة غزة القديمة الواقعة بين أحياء الشجاعية والزيتون والدرج والتفاح، انطلاقا من سوق الزاوية الذي يجاور المسجد العمري الكبير.

بعد زيارة المسجد، خرج "جان" فوجد نفسه في أزقة سوق القيسارية "الذهب" الموازي لشارع عمر المختار، والذي إذا ما قطعه فإنه سيصل إلى كنيسة "القديس برفيريوس".

هذه الجولة يمكن للسائح العادي أن يجريها في 3 ساعات، قبل أن يصل إلى متحف "قصر الباشا" الواقع في الجهة الشرقية لغزة القديمة الغنية بالمباني التاريخية، والتي توضح أصالة المدينة وعراقتها.

غزة وبحرها 

في غرب المدينة التي تزداد ظلاما مع حلول المساء، بسبب أزمة التيار الكهرباء، تتجمع العائلات على شاطئ البحر، وفي مينائه فرصة ذهبية للزوار الذين جاؤوه من مناطق أخرى، كما هو حال الفلسطيني "كرم عكرماوي".

"كرم" من الضفة الغربية المحتلة التي يُمنع أهلها من دخول القطاع، لكنه يعمل في وكالة أنباء دولية، ويزور غزة بشكل متواصل لإطلاع العالم على معاناة أهلها المحاصرين، وفق ما يقول لـ "الاستقلال".

المكان الذي لا يمل منه "كرم" ميناء غزة ومقاهيها والمطاعم المحاذية للساحل، حيث يستمتع وأصدقاؤه "الغزازوة" -كما يسميهم- بجلسة سمر تنتهي بمائدة يكون السمك فيها حاضرا.

وللسمك قصة أخرى بالنسبة له، فهو يعيش في الضفة الغربية المحتلة التي لا تطل على البحر في أي من جهاتها، ما يعني أن مصطلح السمك الطازج غير متداول هناك، ليجد من غزة مكانا يقدم له وجبته الشهية.

الدخول الصعب

دخول السياح إلى غزة يثير الاستغراب حول الطريقة التي يصلون عبرها، لكن مدير عام الإدارة العامة للآثار والتراث الثقافي بوزارة السياحة في القطاع، جمال أبو ريدة، يوضح الأمر لـ "الاستقلال".

الأمر محصور بمعبري رفح المشترك مع مصر، وبيت حانون "إيرز" الحدودي مع الأراضي المحتلة التي تسيطر عليها "إسرائيل"، فهذان المعبران يستخدمان لحركة الأفراد، لكن الدخول عبرهما يخضع لشروط أقل ما توصف بالمعقدة.

ويقول أبو ريدة: إن "السائحين الأجانب الذين يزورون المواقع الأثرية بغزة هم في الأغلب عبارة عن وفود إغاثية، تأتي لمساعدة السكان للتغلب على ظروف الحصار"، وهؤلاء غالبا يدخلون عبر معبر "إيرز" الإسرائيلي.

ويضيف: "منها أفراد من جمعية الصليب الأحمر الدولي، ومؤسسة أطباء بلا حدود، إضافة إلى الوفود الطبية التي لم تنقطع عن زيارة القطاع، لإجراء عمليات جراحية معقدة، وخصوصا لجرحى مسيرات العودة وكسر الحصار".

ويشير إلى "فرق طبية تأتي من مصر والمغرب والأردن"، وهذه غالبا تدخل من خلال معبر رفح الذي تتحكم فيه مصر والسلطة الفلسطينية، وكلاهما يفرض شروطا للدخول.

من أين يأتون؟

أبو ريدة يوضح أن الحصار الإسرائيلي أثر على زيارة الوفود الأجنبية للمواقع الأثرية، وخصوصا الفلسطينيين من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وهؤلاء كانوا يزورونها باستمرار قبل 2007.

وينوّه بأن عدد زوار المواقع الأثرية في 2018 بلغ 31 ألف زائر من جهات مختلفة، لكن العدد تراجع في العام الماضي إلى 25 ألف زائر، مشيرا إلى أن عدد الزوار المحليين تأثر بالوضع الاقتصادي الذي يمر به سكان قطاع غزة. 

الوزارة كانت قد أشارت نهاية العام الماضي، في بيان لها، أن من الزوار "شخصيات ووفود أجنبية، سواء من أمريكا وماليزيا وفرنسا وجنسيات أخرى مختلفة إلى جانب المحلية".

وتُبيّن أن الزوار يهدفون للتعرف على الحقب التاريخية التي تعود إليها المواقع إلى جانب الاستماع لأهميتها وقيمتها الحضارية، موضحة أن دور الوزارة يقتصر على استقبال الوفود، وتقديم نبذة تاريخية عن كل موقع.

آثار غزة

وزارة السياحة والآثار في غزة، زوّدت "الاستقلال" بخريطة للأماكن التي يزورها السياح المحليون والخارجيون، إذ أن معظمها يتركز في منطقة غزة القديمة.

 متحف قصر الباشا: الموقع السياحي الأهم في غزة لما يمثله من قيمة تاريخية، كونه يضم قطعا أثرية من كافة العصور التاريخية الرومانية، والأموية، والعباسية، والأيوبية، والمملوكية، والعثمانية، وتجمع بعض الروايات على أن بانيه الظاهر بيبرس (1221 –1277ميلادي).

المسجد العمري الكبير: ذو قيمة دينية وهندسية، وهو المسجد الأكبر والأقدم في غزة، وسُمي تكريما للخليفة عمر بن الخطاب. وكان موقع المسجد الحالي معبدا قديما، ثم حوَّله البيزنطيون إلى كنيسة، وبعد الفتح الإسلامي في القرن السابع حوَّله المسلمون إلى مسجد.

كنيسة برفيريوس: تقع في البلدة القديمة وهي إحدى أقدم الكنائس في غزة وأكبرها، وتظهر معالمها الأثرية على جدرانها التي بُنيت من الأحجار الجيرية القديمة، ولبرفيريوس مكانة خاصة عند مسيحيي فلسطين، فهو محارب من الديانات الوثنية التي كان أتباعها ينتشرون بين غزة وبلاد الشام.

حمام السمرة: أحد النقوش بداخله يشير إلى أن أول ترميم له يعود إلى أوائل زمن العهد المملوكي، عندما قام الملك سنجر بن عبد الله المؤيدي بتجديده عام 685هـ، واكتسب في السنوات الأخيرة شهرة كبيرة وإقبالا مقارنة مع الأعوام التي سبقت اندلاع انتفاضة الأقصى نهاية عام 2000.

سوق القيسارية (الذهب): يقع في الناحية الجنوبية من الجامع العمري بجانب شارع عمر المختار الرئيسي، وهو مغطى بسقف مقبب، وعلى جوانبه محلات تشبه الأقبية صغيرة الحجم، وهي غرف متلاصقة، ذات واجهات مزينة بالأقواس، ويشتهر محليا بسوق الذهب.

صعوبات السياحة

مدير عام الإدارة العامة للآثار والتراث الثقافي، يقول: "كثيرة هي الصعوبات التي تواجه قطاع السياحة والآثار في غزة، ولكن يمكن الحديث عن ثلاثة صعوبات رئيسية".

وفصّل أبو ريدة في ذكرها: "أولها الحصار الذي حد من قدوم السياح العرب والأجانب، ومن ثم عدم توفر الموازنات المطلوبة للقيام بأعمال ترميم المواقع الأثرية وصيانتها، وأخيرا الانقسام الفلسطيني وانعكاسه على التمويل الأجنبي".

وعلى الرغم من كل هذا، فإن المواقع الأثرية تفتح أبوابها أمام الزائرين بشكل مجاني، من أجل التشجيع على زيارتها، مع توفير مرشدين متخصصين لاستقبال الزوار وإرشادهم.

وتدعو الوزارة دائما لزيارة الأماكن الأثرية والتعرف على تاريخها الممتد من عصور مختلفة مثل العصر الكنعاني، والبيزنطي، والروماني والإسلامي، خاصة بعد النهضة التي شهدها موقعا "تل أم عامر" وسط القطاع، والكنيسة البيزنطية بشمال غزة.


تحميل

المصادر:

1

“السياحة والآثار” بغزة: 25 ألف زائر للمواقع الأثرية بغزة خلال 2019

2

حمام السمرة معلم تاريخي ومزار طبي في قطاع غزة

3

كنيسة برفيريوس في غزة... تأسست بدعم إمبراطوري ومؤسسها صنع المعجزات

4

سوق القيساريّة: تجارة غزيّة بنكهة التاريخ

كلمات مفتاحية :

إسرائيل السياحة في غزة حصار غزة غزة مصر معبر إيرز معبر رفح وفود أجنبية