أربك حلفاء حفتر.. ما الذي أحدثه دخول أنقرة وموسكو على خط الأزمة؟

زياد المزغني | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة منذ إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر شن حرب شاملة على العاصمة الليبية طرابلس في 4 أبريل/نيسان 2019، يتوقف إطلاق النار في محيط العاصمة المستمر منذ نحو 10 أشهر بعد وساطة روسية تركية بين طرفي النزاع في ليبيا.

ورغم الغموض الذي يحيط بوقف إطلاق النار من عدمه، في ظل تعنت حفتر ورفضه توقيع اتفاق موسكو، إلا أن دخول تركيا وروسيا على خط الأزمة بعث برسالة لجميع المتدخلين في الواقع الليبي المتأزم بأن هناك تغييرا في معادلات الصراع هناك.

يعتبر دخول الأتراك والروس إلى ساحة الصراع الدولي في ليبيا هو العامل المستجد في مسار الأزمة، فموسكو وأنقرة كانتا بعيدتين عن الملف نسبيا لأسباب عدة، لكنهما الآن الأكثر تأثيرا على الأطراف الليبية، وكل واحد منهما يمتلك علاقات مميزة مع طرفي النزاع.

غياب الدور الأمريكي والصمت الأوروبي عن انتهاكات حفتر في ليبيا وتغلغل مصر والإمارات ساهم بقوة في ظهور التحالف الإيجابي التركي الروسي. 

هذا التقارب الروسي التركي، والمستمر منذ سنوات خاصة في الملف السوري وجملة من الملفات الاقتصادية والعسكرية، يتوقع عدد من المراقبين أن يغيّر من الوضع في ليبيا إلى منحى إيجابي قد يترجم بالوصول إلى اتفاق في مؤتمر برلين المنتظر عقده الأحد 19 يناير/كانون الثاني 2020. 

القمة السريعة

رضوخ حفتر للمبادرة التركية الروسية لوقف إطلاق النار، بعد 3 أيام من رفضها، عكس أن المزاج الدولي المتغاضي عن جرائم حفتر وحلفائه بدأ يتغير منذ مجزرة طلبة الأكاديمية العسكرية في طرابلس، واقتراب عقد مؤتمر برلين.

حفتر لم يستجب من قبل لأية دعوات دولية عدة - بما فيها الأمريكية - لوقف إطلاق النار، ما يعكس أنه تعرض لضغط قوي من حلفائه، وعلى رأسهم الروس، ما دفعه للتراجع خطوة إلى الوراء، وهي المرة الأولى منذ اندلاع الصراع الليبي.

روسيا لم تخف دعمها السياسي لحفتر حيث استقبلته في موسكو أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، كما سجلت تقارير وشواهد على الأرض تورط مرتزقة الفاغنر الروس في القتال في صفوف ميليشيات حفتر، وسبق ووظفتهم الحكومة الروسية للقتال في سوريا وأوكرانيا.

أما تركيا والتي كذلك لا تخفي دعمها السياسي لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، تطور سريعا خلال الشهر الماضي إلى توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، تلاه اتفاق تعاون عسكري وافق عليه البرلمان التركي يسمح لأنقرة بإرسال قوات لدعم حكومة الوفاق، وهو ما حرك المياه الراكدة وبدأ في  خلق موازنة الموقف العسكري الميداني.

كما أن خروج الجزائر من أزمتها، وتكشيرها عن أنيابها في وجه ما وصفته "العدوان"، وإعلانها أن "طرابلس خط أحمر"، واتصالها بمختلف الأطراف الدولية الفاعلة في الملف الليبي للدفع بالحل السياسي وامتصاص حدة النزاع زاد الضغط على حفتر وحلفائه، لأنه أظهرهم طرفا معتديا ورافضا للحوار.

هذه المعطيات الجديدة جعلت من الموقف الأوروبي يشهد تعديلا سريعا في محاولة لتدارك وضعه، وعدم خسارة موقعه وسط المعادلة الليبية.

ارتباك أوروبي

وخلافا لكل التحركات الإيطالية السابقة، قال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي: إنه حاول خلال اجتماعه الأخير بحفتر إقناعه بالتراجع عن مبادرته العسكرية وتبني طريق التفاوض، مؤكدا أن روما أيدت حكومة الوفاق وحافظت في الوقت ذاته على نهج شامل يشجع الحوار مع جميع الجهات الفاعلة الليبية.

وأضاف كونتي في لقاء مع صحيفة "إل فوليو" ونشرتها وكالة "آكي" أن بلاده انحازت منذ البداية إلى مصالح الشعب الليبي، وأيدت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج وحافظت في الوقت ذاته على نهج شامل يشجع الحوار مع جميع الجهات الفاعلة الليبية، نافيا عدم تناسق سياسة حكومته بشأن الأزمة الليبية عقب الجدل القائم نتيجة تراجع السراج عن زيارة روما مؤخرا بسبب وجود حفتر هناك.

روما رفضت التوقيع على بيان اجتماع وزراء خارجية مصر وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص حول ليبيا، قائلة: "لم يكن متوازنا وضد حكومة الوفاق"، حسب ما صرح به وزير الخارجية لويجي دي مايو، وهو ما عده متابعون أوضح المواقف الإيطالية من الأزمة الليبية.

ورغم أن فرنسا لم تخف يوما دعمها لحفتر تحدثت عن خطورة التدخلات الأجنبية، فصرح وزير خارجيتها جان إيف لودريان قائلا: "النصر العسكري لن يحل الأزمة ولا بد من العودة إلى العملية السياسية بعيدا عن طموحات القوى الأجنبية"، وهو تصريح يأتي متزامنا مع التغير الإيطالي بعد دخول تركيا على الخط.

مبادرة الرئيسين التركي والروسي لوقف إطلاق النار في ليبيا تسببت في حراك دولي محموم تجاه الأزمة، وطرح الملف الليبي في اجتماع وزراء خارجية أوروبا الاستثنائي الذي عقد 10 يناير/كانون الثاني 2020.

من جهته حذر الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل من تغيير الموضوع الجيوسياسي بأكمله في البحر المتوسط بعد دخول تركيا وروسيا على خط الأزمة الليبية، مشددا على ضرورة الانتقال من الخطاب إلى العمل لوقف إطلاق النار والوصول إلى حل سياسي في إطار مؤتمر برلين.

وقال الخبير في الشأن الليبي عصام الزبير: إن مقتل أكثر من 200 مدني، وجرح أكثر من 300 آخرين، فضلا عن نزوح أكثر من 220 ألف شخص، وحرمان أكثر من 120 ألف طفل من الدراسة، واستهداف أكثر من 37 منشأة طبية بين أبريل/نيسان، ويوليو/تموز 2019، حسب تقارير منظمات دولية، بسبب هجوم ميليشيات حفتر على طرابلس، لم تحرك القوى الدولية من أجل إيجاد حل في ليبيا لوقف هذه المأساة، ولكن حركها الاتفاق الليبي التركي لترسيم الحدود البحرية واتفاق التعاون العسكري".

وأضاف الزبير في حديث للاستقلال: "رأينا أنظار أوروبا بالذات توجهت مجددا لليبيا، وطلب عدد من وزراء خارجية دول أوروبية طلب زيارة ليبيا وعاصمتها طرابلس، وهو ما قوبل بكثير من الريبة والشك، لأن هذه الدول ما تحركت إلا من أجل إجهاض طموحات الليبيين في إقامة دولة مدنية".

واعتبر الزبير أن هذه الأطراف الدولية ساندت حفتر، واليوم تحاول الدفع نحو مؤتمر برلين من أجل حماية حفتر، وأكد الخبير الليبي أن التحرك الإيطالي الأخير بدعوة حفتر والسراج من أجل اللقاء في روما في استباق لأي اتفاقات أخرى في موسكو أو في برلين.

وتساءل الزبير "لماذا لم يتم الإسراع بعقد مؤتمر برلين إلا بعد أن تم توقيع الاتفاق الليبي التركي، والتقارب التركي الروسي في علاقة بمحاولة حل المشكل الليبي؟". وأضاف: "تم تأجيل هذا المؤتمر منذ أشهر والآن تم اتخاذ قرار عقده وتوجيه دعوات لحضوره خلال أيام قليلة".

الثورة المضادة

ولا يبدو أن الموقف المصري والإماراتي المتورط منذ سنوات في الدعم المفضوح لحفتر سياسيا وعسكريا، في وضع جيد حاليا وهو ما بدا في التحركات الدبلوماسية وردود الفعل المرتبكة.

إذ سارع وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تعقب خطوات نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو بعد زيارته للجزائر والتي عبّرت أثناء الزيارة عن عدد من المواقف التي اعتبرت داعمة لحكومة الوفاق ومدينة لجرائم حفتر في العاصمة طرابلس.

حيث أفادت وزارة الخارجية المصرية، في بيان، بأن شكري سلم تبّون رسالة من السيسي، كما بحث خلال اللقاء "سبل دفع علاقات التعاون الثنائي بين البلدين، والتعامل مع التحديات الإقليمية المشتركة، وعلى رأسها استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا".

وأفادت تقارير بأن رفض حفتر التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في موسكو، جاء تحت ضغط إماراتي مصري، وبشكل مباشر من القائم بالأعمال الإماراتي في موسكو الذي التقى حفتر في مقر إقامته بروسيا.

وهو ما أكده رئيس أركان الجيش الليبي السابق، يوسف المنقوش، الذي قال: "اللواء المتقاعد خليفة حفتر، رفض توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، تنفيذا لطلب من الإمارات ومصر"، مرجحا أن يواجه مسار برلين "صعوبات" لإصرار هذا "المحور" على استمرار الخيار العسكري.

وعلى هامش اجتماع نظمه وقف الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي (سيتا) بشأن ليبيا، أضاف المنقوش، في تصريحات لوكالة الأناضول، أن مغادرة حفتر موسكو من دون التوقيع على خطة وقف إطلاق النار، أظهرت "عدم استقلاليته في اتخاذ القرار". 

من جهته، اتهم وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، دول الإمارات ومصر وفرنسا بالعمل على تخريب عملية السلام في ليبيا عبر مواقفهما من هجوم حفتر على طرابلس والتطورات التي أعقبت ذلك.

تشاويش أوغلو قال في تصريحات صحفية 15 يناير/كانون الثاني 2020: إن تركيا أبلغت الطرف الروسي بعدم رغبتها بمشاركة مندوبين عن مصر والإمارات في مباحثات وقف إطلاق النار بموسكو.

وأضاف أوغلو أن الإمارات تصرفت بعدائية في موضوع عدم التوصل لاتفاقية وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن تركيا لاحظت غضب موسكو من انسحاب حفتر من المفاوضات دون تقديم أي مقترح بديل.

وأكد الخبير الليبي عصام الزبير في حديث للاستقلال أن "التوافق الروسي التركي الهدف منه تجنيب مواجهة مباشرة بين المرتزقة الروس والقوات التركية، والتي تربطهم مصالح مشتركة أخرى، ويبدو حسب معلومات واردة من ساحات القتال في محيط طرابلس إلى انسحاب مجموعات الفاغنر الروسية، والتي كانت تظهر من خلال دورها المتمرس في العمليات العسكرية وأجهزة التشويش ومدفعية الليزر".

وأضاف الزبير: "هذا التقارب الروسي التركي أربك جميع حلفاء حفتر، وتحركات المجتمع الدولي، واستمرار هذا التوافق ما بين الدولتين سيجنب الليبيين ويلات الحرب واشتعال الأزمة في ليبيا في ظل سعي عدد من الدول لدعم مجموعات مسلحة متعددة مثلما تفعل السعودية مثلا في دعم السلفيين المداخلة".