مدينة نيوم.. مشروع خيالي لتوطين الروبوتات في أراضي الحويطات

عبدالرحمن سليم | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يساور القلق قلوب وعقول أفراد قبيلة الحويطات التي تسكن شمال غرب السعودية، منذ الإعلان عن تأسيس مدينة "نيوم" في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، في مناطق سكن القبيلة العريقة.

ومن المقرر تحويل تلك المناطق إلى مشروع عملاق تصل تكلفته إلى 500 مليار دولار أمريكي، على مساحة 26 ألف كيلو متر مربع من الأرض الجرداء المطلة على ساحل البحر الأحمر، والتي لا يتوفر فيها من الموارد سوى أشعة الشمس والمياه المالحة.

بلغ امتعاض الحويطات أقصاه بعد ورود أنباء عن استعجال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إنهاء المرحلة الأولى من "نيوم" في 2022 والتي كان من المقرر إنهاؤها في 2025.

حملة إلكترونية انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا "تويتر"، الذي شهد آلاف المشاركات سواء من أفراد القبيلة المعرضة للتهجير، أو من متعاطفين معهم، أو حتى من "الذباب الإلكتروني" الذي دافع باستماتة عن رؤية ولي العهد فيما يخص المنطقة التي يسكنها الحويطات منذ قرون.

والذباب الإلكتروني هو وصف يطلق على جيش محمد بن سلمان الإلكتروني الذي ينشط على موقع "تويتر" ويهاجم منتقدي ولي العهد الذي يزج بالكتاب والمعارضين في السجون دون تهم أو محاكمة.

اعتراض الحويطات على فكرة التهجير جاء في سياق المناشدة والرجاء للاستماع إلى مطالبهم، في مقابل أصوات كانت أكثر حدة في الطرح، وركزت على مسألة "الوجود القديم في الأرض" مما يجعل الحويطات أقدم من الدولة السعودية نفسها، وفق ناشطين.

أضغاث أحلام 

صحيفة "وول ستريت جورنال" كشفت عن حقائق بشأن مشروع نيوم، من خلال مناقشة خبراء بعد استعراض نحو 2300 صفحة من الوثائق السرية بين الشركات التي جرى التعاقد معها لتنفيذ المشروع، وهي: مجموعة "بوسطن" الاستشارية، و"ماكينزي" وشركائه، و"أوليفر وايمان".

الأشخاص المطلعون على مشروع "نيوم" لا يعرفون حجم الخطة التي قد تصبح حقيقة، بسبب مشاكل التمويل والقيود التكنولوجية، إضافة إلى أن أغلب الشركات الأجنبية تتجنب الاستثمار في السعودية بسبب وجود فساد مالي وعدم شفافية، كما أن السلطات السعودية لم تستجب لطلبات التعليق ونقد خطط "نيوم"، حسب ما ذكرت الصحيفة. 

وقالت الصحيفة: إن "خطة إنفاق 500 مليار دولار على بناء "نيوم" من الصفر، بدلا من الاستثمار في المدن السعودية الحالية وتطويرها للأفضل، تعكس مشاكل المملكة طويلة الأمد في مقابل طموحات ولي العهد".

 

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن قادة الخليج طوروا مدنا مستقبلية للمساعدة في تنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط، ففي الإمارات مثلا أصبحت دبي وأبوظبي مراكز تجارية رئيسة، وكذلك الدوحة عاصمة قطر، لكن "نيوم" هي الأكبر والأكثر طموحا وصعوبة في التنفيذ.

ونبهت الصحيفة إلى أن بناء المشروع الخيالي، يتطلب أموالا طائلة، في ظل معاناة السعودية من عجز في الميزانية، في مقابل التزام ولي العهد بصفقات أخرى مثل استثمار مبلغ 45 مليار دولار في صندوق "سوفت بنك".

وبالرغم من ذلك فإن المملكة اقترضت أموالا من الخارج لتمويل المراحل الأولى من "نيوم"، حسبما نقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين على المشروع.

 تجاوز الأعراف  

وتشير "وول ستريت جورنال" إلى أن الدافع المحفز لولي العهد السعودي على إنشاء مدينة "نيوم" من الصفر، يتمثل في تجاوز العادات والتقاليد الراسخة في السعودية، إذ يسعى إلى فك حظر الكحول، وإطلاق حرية تنقل المرأة، وغير ذلك، حيث يريد محمد بن سلمان في "نيوم" إتاحة كل شيء حسب المعايير الغربية.

في إطار ذلك، كشفت وثائق التخطيط للمشروع، عن سعي مسؤولين سعوديين لإغراء شركات أجنبية للعمل في "نيوم" من خلال تخصيص صندوق الاستثمارات العامة أموالا للشركات التي تساهم في مستقبل المشروع، إضافة إلى تخصيص مواقع وأماكن كمقرات لها، وتسهيل بيع منتجاتها في المدينة المستقبلية، كما حدث مع شركة "أمازون".

وتنقل الصحيفة طلب مسؤولين سعوديين من شركات كبرى، الاستثمار في "نيوم" كشرط للحصول على العقود، كما حدث مع شركة "آي بي إم"، حيث أكد أشخاص اطلعوا على المفاوضات، أن "بعض المقترحات في العروض تضمنت أمورا غير أخلاقية".

مدينة خيالية

في مؤتمر تدشين مشروع "نيوم"، أكد الأمير محمد بن سلمان أن المدينة المستقبلية مكان لـ "الحالمين" فقط، ومن هنا أراد أن يبدأ بنفسه، حيث طلب من الشركات المنفذة أمورا كثيرة معظمها غير موجود، ولم يتم اختراعه حتى الآن.

 

نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر مقربة من ولي العهد السعودي، أن من الأشياء التي يريدها في "نيوم": سيارات الأجرة الطائرة، التي تقل الناس وعلماء الأبحاث بدون سائق، إضافة إلى تقنية البذر السحابي الذي يجعل الصحراء تمطر مطرا اصطناعيا.

وقالت الصحيفة: إن ابن سلمان يطمح إلى جلب "خادمات الروبوت" التي تكون عوضا عن الخادمة المنزلية، وتؤدي مهامها، إضافة إلى "روبوتات الديناصورات"، التي تمكن المقيمين في المدينة من زيارة الجزيرة التي سيتم بناؤها على غرار "الحديقة الجوراسية" من الزواحف الآلية.

إضافة إلى "روبوتات الدفاع عن النفس"، والتي تقوم بمهمات تتجاوز الخدمة والتنظيف، إلى مهام قتالية شبيهة بإحدى الألعاب الشهيرة، "قتال القفص"، حسب الصحيفة.

كما أن الأمير يسعى إلى إنشاء قمر اصطناعي يضيء كل ليلة، ويعمل على بث صور مباشرة من الفضاء الخارجي، ليكون معلما بارزا.

تهجير قسري

قبيلة الحويطات التي تسكن على الأرض التي اختارها ولي العهد السعودي لإقامة مشروع "نيوم"، قابلوا تلك الأحلام بردود أفعال متباينة، بين مقر بدعم التطوير الذي لا يؤدي إلى التهجير، وبين منتقد لتلك الأحلام.

وتنتشر القبيلة في كل من شمال غرب السعودية، والأردن، وفلسطين ومصر، وتتوزع ديارهم في المملكة على ساحل البحر الأحمر ممتدة إلى الداخل حتى جبال السروات، وتنتشر عشائرها على ساحل خليج العقبة من مدينتي حقل شمالا إلى الوجه جنوبا.

 

ناشطون عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أكدوا أن قبيلة "الحويطات" وفخوذها متجذرون في مناطق شمال غرب شبه الجزيرة العربية من قبل أن يدخل مؤسس الدولة الملك عبدالعزيز إلى الرياض، في إطار استنكارهم لقرارات التهجير القسري التي تنوي السلطات تنفيذها خلال الأيام المقبلة.

وتداول ناشطون مقطع فيديو يظهر لقاء بين عدد من أفراد قبيلة الحويطات، ومسؤول عرف عن نفسه بأنه "مرسل من ولي العهد"، حيث دار نقاش حاد، أعرب فيه أحدهم عن امتعاضه من تجاهل الحكومة لهم ولمطالبهم، ليرد عليه المسؤول محتدا ومهددا بمحاسبته على ما يقول.

ومن زاوية أخرى للقاء المسؤول، أكد أحد أفراد القبيلة أنهم يرفضون التعويض مهما بلغ ثمنه، أو حتى الترحيل تحت أي ظرف كان، مؤكدا ضرورة إيصال رسالته تلك إلى ولي العهد، وسط انتقادات لتصريحات المسؤولين التي تستفز مشاعر المواطنين بأسلوب لا يرتضونه، ولا يمتص غضبهم.

"أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانيهما... هل ترى؟ هي أشياء لا تشترى" كانت تلك كلمات الشاعر أمل دنقل التي استعارها أحد شباب قبيلة الحويطات أثناء تعبيره عن رفضه للتهجير أمام "مندوب" محمد بن سلمان، مؤكدا أن القبيلة تفضل "الموت" على الرحيل من أرضها.

تخطيط مسبق

تخطط السلطات السعودية لتهجير أكثر من 20 ألف مواطن من أبناء قبيلة "الحويطات" قسرا بعد أن طلب ابن سلمان التعجيل في إقامة المشروع المثير للجدل.

بالعودة إلى ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" فإن التهجير سيكون بأوامر قضائية، وفقا لنظام المحاكم الذي طورته شركة "لاثام واتكينز" للمحاماة، وله قضاة يتبعون الملك مباشرة، وهو مستقل عن القضاء في سائر المملكة.

من جانبهم، نصح مستشارو مجموعة "بوسطن" الاستشارية، باتباع معايير البنك الدولي للنقل القسري للسكان، وقرر مجلس الإدارة أنه بإمكان بعض الأهالي الإقامة في حال اكتسابهم مهارات مناسبة لـ "نيوم"، كما أن المرحلين سيحصلون على تعويضات مالية ومزايا، بما في ذلك، تدريبهم على مهارات مناسبة للمدينة الجديدة.

ويعرّف التهجير القسرى بأنه "ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراض معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها".

ووفق ما ورد في نظام روما الإنساني لـ المحكمة الجنائية الدولية، فإن "إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين يشكل جريمة ضد الإنسانية".

كما أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراض أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة.