رغم رفض حفتر للهدنة.. كيف استطاع أردوغان حقن الدماء في ليبيا؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على عكس ما كان يتردد طوال الأسابيع الماضية، نجحت تركيا في فرض معادلة جديدة في ليبيا، أدت إلى وقف مؤقت لنزيف الدماء، عبر التأكيد على إمكانية نجاح عملية السلام.

وبالغت تقديرات عربية مؤخرا، بالحديث عن أهداف تركيا العسكرية التوسعية في ليبيا، وتهويلها بشأن فرض نفوذها، إذا ما نجحت في إيقاف انقلاب اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.  

ورغم أن حفتر تهرب من التوقيع على الاتفاق النهائي لوقف إطلاق النار بعد مشاركته في مباحثات موسكو، إلا أن الوضع في ليبيا قبل المبادرة التركية الروسية للسلام شيء، وبعدها شيء آخر.

وحسب تحليلات عديدة، فإن التغييرات التي جرت في الملف الليبي مؤخرا، تشير إلى أن الأوراق المؤثرة لم تعد كما كانت قبل توقيع الاتفاق الثنائي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الحكومة الليبية المعترف بها دوليا فايز السراج. 

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقّع الطرفان مذكرتي تفاهم تتعلقان بالتعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي.

وكشفت الأحداث الأخيرة، أن أردوغان حقق انتصاره دون استخدام السلاح، وباتت له كلمة مسموعة من الأطراف الدولية التي تدير المشهد الليبي، على عكس الدور المصري الذي أصبح خارج المشهد، ولكنه ما زال ينفخ أبواق الحرب لصالح حفتر ضد الحكومة الشرعية في طرابلس.

أهمية الدور التركي

تباينت التحليلات التي تناولت التطورات الأخيرة بعد وجود تركيا في المشهد الليبي، حيث يرى البعض أن أنقرة استطاعت فرض كلمتها بأقل الإمكانيات، دون الانتصار لطرف ضد آخر، وإنما من أجل الشعب الليبي نفسه، على عكس ما كان يتم ترديده عن الأهداف التركية العسكرية والاقتصادية والسياسية من التدخل في الشأن الليبي.

فريق آخر من المحللين نظر للدور التركي في إطار النظرة الأساسية المعادية للرئيس أردوغان، وتوجهاته الإسلامية، إلا أنهم رغم حالة الكره الواضح، رفعوا القبعة للرجل، لأنه لم يستغل التفويض الذي منحه البرلمان التركي لحكومته بالتدخل العسكري، في تحويل الأرض الليبية لساحة من الصراع الدولي.

على العكس من ذلك، ضغط أردوغان على نظيره الروسي من أجل إجبار حفتر على القبول بوقف إطلاق النار من ناحية والتوقيع على الاتفاق السياسي الذي سيكون المحور الأساسي لاجتماعات برلين المقبلة.

وحسب تحليل لصحيفة "ديلي صباح" التركية، فإن أنقرة أثبتت بتحركاتها الأخيرة، أن نواياها تجاه ليبيا في إرسال قوات كانت تصب في مصلحة حقن الدم الليبي، والدفع نحو إعلان وقف لإطلاق النار.

بل وأبعد من ذلك، كانت تهدف لاستئناف الحوار والعملية السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة، لتنفيذ اتفاق الصخيرات، الذي أنتج حكومة الوفاق، قبل أن ينقلب عليها حفتر مدعوما بنفس الدول التي وجدت نفسها مضطرة اليوم للترحيب بمقترح الهدنة والمسارعة لحجز دور لها في صياغة التسوية السياسية.

وتشير الصحيفة إلى أن تركيا، بالتوازي مع تحركها لإرسال قوات إلى ليبيا وتعاونها من روسيا، عملت من خلال اتصالاتها مع برلين التي تستضيف مؤتمر السلام والمصالحة الليبية في 19 يناير/كانون الثاني الجاري، على ضم الجزائر إلى قائمة الدول المشاركة في المؤتمر.

ويأتي هذا اعتقادا من أنقرة بدور الجزائر الهام والحيوي، باعتبارها دولة مجاورة لليبيا وذات مصلحة في استقرار هذا البلد، وأيضا ملتزمة بدعم الشرعية هناك، الأمر الذي أحدث نوعا من التوازن في الصراع الليبي، والذي قد يساهم بإجبار قوات حفتر، باعتباره الطرف المهاجم، على الرضوخ للأمر الواقع، وتنحية البندقية جانبا.

أردوغان يتحدث

تشير تصريحات نقلتها صحيفة "ديلي نيوز" البريطانية عن أردوغان، أن بلاده ساهمت في التوصل إلى اتفاق في موسكو بين الأطراف المتحاربة في ليبيا والباقي يخضع الآن لمسؤولية روسيا.

وقال أردوغان يوم الثلاثاء الموافق 14 يناير/ كانون الثاني الجاري، أمام عدد من أعضاء حزبه: "لقد قمنا بواجبنا  والباقي مع السيد بوتين وفريقه.. إننا لا نخلف أبدا بوعدنا".

ونقلت الصحيفة البريطانية، تحذيرا واضحا من أردوغان لحفتر، عندما خاطبه قائلا: "تركيا ستراقب خيارات حفتر في الأيام القليلة القادمة، ولن نتردد في تلقين الانقلابي حفتر الدرس الذي يستحقه في حال واصل اعتداءه على أشقائنا الليبيين والحكومة الشرعية للبلاد".

وأكد أردوغان أن حفتر هرب من موسكو بعد المحادثات، ولم يوقع على وقف إطلاق النار، رغم أنه قال في البداية "نعم"، مضيفا: "لا يمكننا البقاء مكتوفي الأيدي حيال ما يحدث في ليبيا، والذين يلطخونها بالدم والنار، يظهرون في الوقت نفسه حقدهم تجاه تركيا".

وبرر أردوغان تدخله الأخير بقوله: "من واجبنا حماية أقاربنا في ليبيا .. تركيا لها روابط تاريخية واجتماعية عميقة مع الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، وأن حفتر كان سيحكم البلاد بأكملها إذا لم تتدخل أنقرة، وسوف نحتفظ بوجودنا في ليبيا حسب الحاجة".

ورد أردوغان، على الاتهامات التي وجهها له البعض، بأنه يتحرك في المنطقة من أجل إعادة الإمبراطورية العثمانية، بالقول: إن "تركيا ليس لديها خطط للمغامرة في سوريا أو ليبيا أو البحر المتوسط". وأضاف قائلا: "على الأخص ، ليس لدينا أي طموحات إمبريالية... نحن نهدف فقط إلى حماية حقوق ومستقبل أنفسنا وإخواننا".

ماذا بعد؟

باحثون ومراقبون تحدثوا عن نجاح الدور التركي حتى الآن في الأزمة الليبية، ولكنهم طرحوا في الوقت نفسه تساؤلات عن الخطوات المقبلة التي تضمن تثبيت وقف إطلاق النار، وعدم التدخل من أطراف إقليمية لا تريد الاستقرار لأهل ليبيا.

الباحث في منظمة البحوث الإستراتيجية الدولية (USAK)، علي باكير، يؤكد أنه بالرغم من الانتقادات الحادة التي وُجّهت لتركيا بشأن دخولها الملف الليبي، والضجيج المفتعل من قبل بعض الدول العربية والغربية، فإن أنقرة أثبتت أن دخولها استطاع تغيير المعادلة على الأقل حتى الوقت الراهن.

وتابع في مقال نشره بجريدة العرب القطرية: "استطاعت أنقرة ضمان مصالحها، وجذب روسيا باتجاهها، وهو الأمر الذي كان له التأثير الأكبر على قرار حفتر وداعميه بالموافقة على وقف لإطلاق النار".

وحسب باكير فإن الجانب التركي نجح من خلال تلويحه بالورقة العسكرية، وعبر الاتفاق مع روسيا في إعطاء مؤتمر برلين ثقلا لم يكن ليتمتع به لولا إيقاف العملية العسكرية.

ويرى أن التحدي الأكبر الآن يكمن في تثبيت وقف إطلاق النار، والمضي قدما في عملية سياسية ذات مصداقية، وهو الدور الذي سيكون محل اختبار لموقف الأوروبيين الذين انقسموا على أنفسهم في الملف الليبي، لكن من المتوقع أن يجمعهم الحد الأدنى من الخوف من التداعيات التي قد تتركها الفوضى على الأمن الأوروبي.

غياب دولي

يشير تحليل كتبه "ديفيد هيرسينهورن" في موقع بوليتيكو، (politico)، المعني بتقيم السياسات الأوروبية، أن النجاح الذي حققه الرئيسان التركي والروسي في الملف الليبي، جاء بعد تعثر دور الاتحاد الأوروبي، والآن أصبحت مسؤولية ليبيا على عاتق أردوغان وبوتين.

ويؤكد هيرسينهورن، أن التطورات الاخيرة، تؤكد أن روسيا وتركيا تمارسان نفوذا جديدا في الوقت الذي يواجه فيه الغرب تداعيات فوضى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

واستدل على ذلك بأنه "بعد دقائق من تعهد رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل بأن الاتحاد الأوروبي سيكثف جهوده لوقف التصعيد العسكري المقلق في ليبيا، أعلن بوتين وأردوغان، وقف إطلاق النار، ليحلا محل فرنسا وإيطاليا كجهات فاعلة خارجية مؤثرة في الصراع الليبي من خلال نشر قدرات القوة الصلبة، بما في ذلك الأسلحة والعناصر العسكرية".

ويتفق مع الرأي السابق تحليلات أخرى أكدت أن تركيا، نجحت في إدارة أكثر من ملف خارجي، وجنّبت دولا صراعات عسكرية، في وقت وقفت فيه الأمم المتحدة عاجزة عن القيام بأي دور مماثل.

وحسب محللين أتراك، فإن السر وراء النجاح التركي، يرجع في الأساس إلى أنها واضحة في أهدافها ومساعيها وتوجهها للشعوب، كما أنها صادقة مع حلفائها بشكل غير موجود لدى الجهات الأممية.

خريطة التأثير

ويقدم تحليل لموقع "بي بي سي" العربية، رؤية مختلفة للدور التركي في ليبيا، حيث يرى أن تركيا استخدمت مع روسيا في ليبيا، نفس الطريقة التي استخدمتها معها في سوريا، حيث مارس كل طرف ضغوطه على طرف النزاع في الداخل الليبي، وهو ما منح التحرك التركي الروسي زخما كبيرا، رغم رفض حفتر التوقيع على الاتفاق النهائي.

وتدعم "بي بي سي" الآراء السابقة بأن دول الاتحاد الأوروبي أخفقت في بلورة موقف موحّد بشأن الملف الليبي نتيجة الخلاف بين فرنسا وإيطاليا.

ورغم انضمام روما إلى اجتماع بالقاهرة، الأسبوع الماضي، الذي ضم وزراء خارجية مصر وفرنسا واليونان وقبرص بهدف بحث الشأن الليبي، انسحب وزير الخارجية الإيطالي من المؤتمر الصحفي، رافضا التوقيع على بيان الاجتماع النهائي واصفا إياه بـ"غير المتوازن".

وجاء هذا الموقف بعد أن وجه البيان انتقادات لاذعة لتركيا، إذ اعتبر مذكرتي التفاهم الموقعتين بين أنقرة وحكومة الوفاق الوطني بشأن التعاون الأمني وترسيم الحدود البحرية "باطلتين".

ووفق بي بي سي، فإن دول الجوار العربية فشلت من جانبها، في لعب أي دور لخفض منسوب العداء بين أطراف النزاع في ليبيا.

وكان الرئيس التونسي الراحل، الباجي قايد السبسي، قد أطلق، عام ٢٠١٧، مبادرة ثلاثية ضمّت، إلى جانب تونس، كلا من مصر والجزائر، اقتصرت، في النهاية، على عقد اجتماعات منتظمة على مستوى وزراء الخارجية دون نتائج تذكر.

كما تتهم حكومة الوفاق القاهرة والخرطوم بدعم قوات حفتر، بينما تتلمس تونس والجزائر سبل احتواء سيناريو تفجر الأوضاع في العاصمة الليبية طرابلس، مع دعمها للحكومة الشرعية.


المصادر