بوساطة إماراتية.. لماذا لم تعلن تفاصيل "الاتفاق" بين السراج وحفتر؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تفاجأ كثيرون بأنباء عن توقيع اتفاق ليبي، لم تكشف تفاصيله بعد، بين أعداء الأمس، رئيس حكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، والجنرال المتقاعد، خليفة حفتر؛ لإنهاء الصراع المندلع في البلاد، منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2011.

ما أثار استغراب المراقبين أن الاتفاق جاء في وقت تخوض فيه قوات حفتر، معركة في الجنوب الليبي، من أجل بسط سيطرتها على مجال جغرافي يعتبر إستراتيجيا، في صراعها مع قوات حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا في طرابلس، المعركة التي قد تمهّد لمعركة أخرى في العاصمة الليبية؛ من أجل السيطرة التامة على البلاد.

بنود عائمة

السراج أعلن عقب لقاء مع عدد من عمداء البلديات بالمنطقة الغربية بالعاصمة الليبية طرابلس، التي تخضع لسيطرة مجموعات مسلحة موالية للوفاق، أنّ اتفاقه مع حفتر، جاء في اجتماع بأبوظبي الأسبوع الماضي.

وأكّد السراج أن الاتفاق تضمّن 3 نقاط رئيسية حسب بيان صادر عن مكتبه "عدم إطالة الفترة الانتقالية، وضرورة توحيد المؤسسات والإصرار في ذلك، وإنجاز انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية هذا العام". وأضاف أن الاتفاق شمل كذلك "توفير المناخ الملائم لإجرائها (الانتخابات)، ودعم جهود المبعوث الأممي (غسان سلامة) في هذا الشأن".

وساطة إماراتية.. وترحيب أممي

هذا الاتفاق المفاجئ الذي جمع بين حكومة الوفاق وحفتر الذي يقود عملية عسكرية منذ العام 2014؛ تهدف للإطاحة بـ"الوفاق" والسيطرة على كامل الأراضي الليبية جاء أخيرا بوساطة الإمارات العربية المتحدة، التي لا يخفى على أحد دعمها المطلق لحفتر وقواته في إطار الأجندة التي تقودها والمناهضة لثورات الربيع العربي.

نشرت صحيفة التايمز الأمريكية تقريرا في وقت سابق، أكد أن الإمارات نشرت عددا من الطائرات أمريكية الصنع في ليبيا؛ لدعم قوات حفتر، ما يجعل الوساطة الإماراتية محل شك لانحيازها الواضح لحفتر ومخططه في ليبيا.

من جهته رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، بالاجتماع والذي عقده مبعوثه الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، إلا أن البيان الذي صدر عن المتحدث الأممي بشأن الاتفاق؛ أثار غضب أوساط واسعة في ليبيا بعد وصفه لحفتر بقائد الجيش الوطني.

الإخوان يرحبون بتحفظ

حفتر الذي رفع شعار محاربة الإرهاب والإسلام السياسي وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين، منذ إطلاق عمليته العسكرية "الكرامة"، ورغم ما يحمله حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان الليبية من عداء متبادل مع الجنرال، إلا أن الحزب رحب فقط بلقاء أبوظبي.

بيان الإخوان جاء في المجمل حذرا ومتحفظا، رغم إشادته عموما بـ"الاتفاق على ضرورة الخروج من الأزمة، وإيجاد حلول في إطار مدنية الدولة، وتبعية المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية، وإنهاء الانقسام السياسي، وتوحيد المؤسسات، وصولا إلى الانتخابات".

وأثنى البيان "على جهود بعثة الأمم المتحدة ورئيسها غسان سلامة، ومساعيه لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، تمهيدا لتوسيع دائرة التوافق والوصول إلى تسوية شاملة". ونوّه بـ"حكمة ومرونة الرئيس فائز السراج، وحرصه على حقن الدماء، والبحث عن الحلول السلمية للأزمة".

توجس حزبي

أما بقية الأحزاب السياسية المؤثرة في الساحة الليبية، فقد تلقت أخبار الاتفاق بين رافض ومتوجس، إذ أعلن حزب الوطن الذي يقوده عبد الحكيم بالحاج أحد أبرز القادة العسكريين في الثورة الليبية عن رفضه للاتفاق واعتبره "محاولة لعسكرة الدولة من خلال القبول بحفتر طرفا أساسيا".

بينما طالب حزب "تحالف القوى الوطنية" والذي يقوده السياسي الليبي محمود جبريل البعثة الأممية بـ"إطلاع كـل الليبيين على ما يتداول من أخبار حول الاقتراب من الوصول لاتفاق بين السراج وحفتر يُنهي المرحلة الانتقالية"، مشددا على أن "نشر تفاصيل الاتفاق لا يُعتبر فقط واجبًا على البعثة، بل هو حقٌ شرعي ووطني وسياسي لليبيين كمواطنين وشركاء، وضرورة ومسؤولية وطنية وسياسية حالية ومستقبلية".

رفض واسع

أكد الخبير في الشأن الليبي عصام الزبير في تصريح لـ"الاستقلال"، أن اتفاق السراج وحفتر لم يحظ بقبول من المجموعات المسلحة المنتشرة في الغرب الليبي، والتي أصدرت عددا من البيانات تؤكّد رفضها لدخول حفتر إلى العملية السياسية، معتبرين ذلك عسكرة للسلطة المدنية.

الزبير اتهم المبعوث الأممي غسان سلامة وقوى إقليمية بدعم حفتر وقيادة أجندة من أجل وضع وصاية أجنبية على ليبيا، كما نشر المجلس الأعلى للدولة على صفحته الرسمية على فيسبوك الجمعة تعليقا على الاتفاق، أكد تمسكه باتفاق الصخيرات داعياً "الشريك الوحيد في الاتفاق السياسي مجلس النواب (مقره طبرق)، للعمل على استكمال الخطوات المتبقية المتوافق عليها؛ لإنهاء الانقسام السياسي وتوحيد المؤسسات"، وهو ما اعتبر رفضا لاتفاق أبو ظبي.

من جهته أصدر ملتقى مجالس الحكماء والأعيان بالمنطقة الغربية بياناً، وقع عليه كل من أعيان مدن: غريان، جنزور، صبراتة، الرحيبات، صرمان، رقدالين، الزاوية، الزنتان، الرجيبان، نالوت، العجيلات، ككلة، القلعة، جادو، الجميل، زلطن، زوارة والأصابعة أكّد على "رفضهم الإرهاب والعودة إلى الدكتاتورية" وتمسكهم بـ"دولة مدنية بمرجعية دستورية، وقيام الشرطة والجيش تحت سلطة مدنية"، كما اتهم مجلس أعيان وحكماء مصراتة بعثة الأمم المتحدة بالعمل على إعادة الديكتاتورية في ليبيا، وأكد المجلس "استعداده التصدي لأي قوة تحاول سرقة البلاد ومكتسبات الثورة" .

لقاء تشاوري وليس اتفاقا

رغم الحفاوة التي قوبل بها اتفاق السراج وحفتر من الأمم المتحدة والدولة الراعية له (الإمارات) ووسائل إعلامها، التي بالغت في الحديث عن إنهاء الأزمة السياسية في ليبيا والمستمرة منذ سنوات، إلا أن الحقيقة تبدو غير ذلك.

الناطق باسم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق محمد السلاك أكد أن لقاء أبوظبي كان تشاوريا، ولم ينبثق عنه اتفاق موقع، وهو نفس ما أكده الكاتب والمحلل السياسي الليبي عبد السلام الراجحي في حوار مع الجزيرة بأنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق مكتوب بين السراج وحفتر، وأن الأخير وضع العديد من الشروط لإنهاء مرحلة الانتقال السياسي، ومنها المطالبة بتكوين لجنة للإشراف على صياغة الدستور كما اشترط أن يكون شخصيا طرفا مؤثرا في القرارات الأمنية بالبلاد، وهو ما لا يمكن للسراج الاستجابة له بسبب الواقع العسكري الرافض لحفتر في المنطقة الغربية وخاصة العاصمة طرابلس.

باريس وباليرمو

اللقاء الذي جمع السراج وحفتر في أبو ظبي لم يكن الأول، وليست المحاولة الوحيدة من أجل وقف الاقتتال في ليبيا والوصول إلى اتفاق سياسي، لكن الغموض الذي لف هذا الاتفاق هو ما أثار الرفض والتشكيك.

إذ يرى الخبير في الشأن الليبي عصام الزبير في تصريح لـ "الاستقلال" أن اتفاق أبوظبي سيلقى مصير اتفاقي باليرمو وباريس، أولا "لأنه لا يتماشى مع الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات، كما أن الأطراف المتفقة لا تمتلك شرعية؛ والتي يعتبرها مقتصرة على مجلس النواب والمؤتمر الوطني فقط".

مصير الاتفاق

يبدو أن اتفاق أبوظبي قد حظي بدعم أممي ومواقف مساندة من الدول التي باتت تتدخل بشكل علني في المسألة الليبية، وفي مقدمتها فرنسا وإيطاليا، اللتان تبحثان عن تثبيت مصالحهما في ليبيا.

إلا أن الاتفاق لم يستطع رغم الاحتفاء به من الحد من مطامع حفتر التوسعية في الجنوب، ولا أن يخفض من مخاوف السراج الذي سارع بالالتقاء بقادته العسكريين، واتخذ قرارا بإقالة رئيس الأركان العامة، عبدالرحمن الطويل، بعد تصريحات فهمت أنها مؤيدة لعملية حفتر في الجنوب.

كما أن حجم الرفض الذي قوبل به الاتفاق الأخير، يجعل منه مجرّد حديث، لن يغير من المعطيات على الأرض، التي ما زال الليبيون يحتكمون فيها إلى السلاح.