علاقات متحفزة بين حفتر وتبّون.. هل يتغير موقف الجزائر في ليبيا؟

زياد المزغني | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"تعتبر الجزائر العاصمة الليبية طرابلس خطا أحمر ترجو ألا يتجاوزه أحد".. بهذه العبارة ختمت الرئاسة الجزائرية بيانها في أعقاب لقاء الرئيس عبدالمجيد تبّون ورئيس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا فائز السراج الذي يعد أول مسؤول أجنبي يلتقي تبّون، منذ استلام الأخير مقاليد السلطة، الشهر الماضي.

سبق بيان الرئاسة إدانة من وزارة الخارجية الجزائرية لاستهداف مدرسة عسكرية في طرابلس، بغارة راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح، ودعت في بيان "المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في فرض الوقف الفوري لإطلاق النار، ووضع حد للتصعيد العسكري الذي يتسبب يوميا في المزيد من الضحايا".

وأضافت "وهنا تندد الجزائر بقوة بأعمال العنف، وآخرها تلك المجزرة التي حصدت أرواح  حوالي 30 طالبا في الكلية العسكرية بطرابلس، وهو عمل إجرامي يرقى إلى جريمة حرب. إن الجزائر تعتبر العاصمة الليبية طرابلس خطا أحمر ترجو أن لا يجتازه  أحد".

بعدها بأيام قليلة، أشرف رئيس أركان الجيش الجزائري بالنيابة اللواء السعيد شنقريحة على تنفيذ مناورة بالذخيرة الحية، حملت اسم "بركان 2020"، نفذته وحدات اللواء 41 مدرع، مدعومة بوحدات جوية على الحدود الجزائرية الليبية.

اعتبرت وزارة الدفاع أن "هذا التمرين يهدف إلى الرفع من القدرات القتالية والتعاون بين مختلف قيدات الأركان، فضلا عن تدريبها على التحضير والتخطيط وقيادة العمليات في مواجهة التهديدات المحتملة".

هذا التغيّر الديناميكي في الموقف الجزائري يعود إلى خطاب تنصيب تبّون، حيث وضع الانخراط "الدبلوماسي" في مسار تسوية الأزمة الليبية على رأس أولويات سياسته الخارجية".

وقال في خطاب تنصيبه الشهر الماضي: إن بلاده "لن تقبل بإقصائها من الحلول المقترحة لتسوية الأزمة في ليبيا".

انقلاب حفتر

كان من اللافت نشر موقع وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، تقدير موقف للوضع في ليبيا حملت فيه حفتر، مسؤولية التوتر، إذ كتبت تقول: إن "تعثر مسار التسوية في ليبيا سنة 2019 بفعل العدوان العسكري الذي تشنه المجموعات المسلحة بقيادة اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، منذ شهر أبريل (نيسان 2019) على العاصمة طرابلس مما وجه ضربة موجعة لكل المساعي الوطنية والدولية لإخراج البلاد من الأزمة التي تعصف بها منذ 2011".

لكن سرعان ما سحب المقال من الموقع، وخرج وزير الخارجية صبري بوقادوم، ليعلن إطلاق بلاده عددا من المبادرات في اتجاه الحل السلمي للأزمة في ليبيا.

خلال لقائه مع أعيان محليين في ليبيا في سبتمبر/أيلول 2018، اتهم حفتر الجيش الجزائري باستغلال وضع الحرب للدخول إلى الأراضي الليبية، وزعم حفتر أنه نقل للسلطات الجزائرية احتجاجه على ذلك، وأن "سلوك الجزائر ليس سلوك إخوة لأنها تستغل الحرب لانتهاك السيادة الليبية"، وبعث مع المبعوث رسالة مفادها أنه "قادر على تحويل الحرب من ليبيا نحو الجزائر في لحظات" .

وانتشر حينها مقطع الفيديو المصور لحفتر، ما ضاعف من الغضب في الأوساط الشعبية والسياسية الجزائرية، حيث عبّر جزائريون عن غضبهم مما وصفوه بـ"تطاول حفتر على الجزائر" وضجت مواقع التواصل بتغريدات ومنشورات حذروا فيها حفتر من عواقب التعرض للجزائر بسوء ولو بالتصريحات.

ووصف رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري تصريحات حفتر بأنها "جرأة غير مسبوقة لا يمكن للجزائريين أن يتحملوها وأن يقبلوها". مضيفا أن "المطلوب جزائريا توضيح ما حدث للرأي العام، وما هي الإجراءات السياسية والدبلوماسية التي ستتخذها السلطات للرد على هذه الإهانة".

ظهر الخلاف بين حفتر والجزائر باكرا، ففي 18 ديسمبر/كانون الأول 2016 مُنع اللواء المتقاعد من دخول الجزائر ببزته العسكرية كون الأخيرة لا تعترف به قائدا للجيش الليبي، وتعترف فقط بسلطة المجلس الرئاسي. 

وبعد ذلك بعام وتحديدا في مايو/ أيار 2017 زار وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل عدة مناطق ليبية التقى خلالها قيادات سياسية وعسكرية ومدنية وأعيان القبائل. 

حينها دفع حفتر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي في طبرق إلى إصدار بيان وصف فيه جولة مساهل على أنها "تجاوز وانتهاك فاضح لسيادة الدولة الليبية".

زيارات دبلوماسية

لا يعتبر الاهتمام الجزائري الشديد بالملف الليبي مسألة مستغربة، في البلد المغاربي الذي يمتلك حدودا برية بطول 982 كلم، يغلب عليها المناطق الصحراوية، بالإضافة إلى فوضى السلاح والصراعات المتتالية بين مختلف الميليشيات الليبية على المعابر الحدودية معها.

في الأسابيع الأولى من تولي الرئيس الجديد عبدالمجيد تبّون، تحوّلت الجزائر إلى قبلة للزيارات الدبلوماسية لعدد من قادة الدول ووزراء الخارجية، جلها مرتبط بالوضع في ليبيا مع تصاعد المعارك في محيط العاصمة طرابلس.

شملت لقاءات الدبلوماسية الجزائرية رئيس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا فائز السراج، وكل من وزراء خارجية تركيا مولود تشاوش أوغلو، وإيطاليا لويجي دي مايو، ومصر سامح شكري، كما وجّه الرئيس تبّون دعوة لنظيره التركي رجب طيب أردوغان لزيارة بلاده.

هذا الحراك الدبلوماسي، يبدو أنه قد أعاد للجزائر مكانتها الإقليمية، خاصة في علاقته بالملف الليبي، ترجم بتراجع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن قرارها السابق باستثناء الجزائر من الدعوة لحضور مؤتمر برلين، المقرر في 19 يناير/كانون الأول الجاري لبحث الأزمة الليبية، بحضور 10 دول من بينها أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا.

وأكدت وسائل إعلام محليّة أن الجزائر لعبت دورا في الوصول إلى التهدئة في محيط العاصمة طرابلس، على ضوء المساعي الروسية والتركية، حيث قالت مصادر دبلوماسية لقناة الشروق نيوز إن قرار وقف إطلاق النار في ليبيا جاء بعد زيارة وفد مهم تابع لحفتر إلى الجزائر.

كما أكدت وسائل إعلام ليبية أن وفدا كبيرا تابعا لحفتر أجرى زيارة للجزائر يوم 11 يناير/كانون الثاني الجاري، كانت له محادثات كثيفة على أعلى مستوى، قبل أن يغادر الجزائر في مساء اليوم نفسه.

وتكون الوفد الليبي من نائب رئيس مجلس الوزراء عبد السلام البدري، ووزير الخارجية والتعاون الدولي عبد الهادي الحويج، ووزير الداخلية ابراهيم بوشناف ووزير الدفاع  في الحكومة الموازية المولية لحفتر.
 

تقارب جزائري تركي

في مؤتمر صحفي وإثر لقاء أردوغان بنظيره التونسي قيس سعيّد، أكد الرئيس التركي على ضرورة دعوة ألمانيا لكل من الجزائر وتونس بالإضافة إلى قطر للمشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا.

بعدها بأيام قليلة استقبل الرئيس الجزائري يوم 7 يناير/كانون الثاني الجاري، وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، بالتزامن مع لقاء جمع تبّون برئيس حكومة الوفاق الليبية.

وقال تشاووش أوغلو في تغريدة عقب لقائه تبّون: إن بلاده ستزيد التعاون مع الجزائر "إلى مستوى المجلس الإستراتيجي، وسنتعاون على أساس مصالحنا المشتركة في القضايا الإقليمية، خاصة في الأزمة الليبية".

وقالت رئاسة الجمهورية الجزائرية: إن تبّون دعا نظيره التركي أردوغان إلى زيارة الجزائر، وإن أنقرة وافقت على الدعوة، في مؤشر جديد على تنامي التنسيق التركي - الجزائري ونجاح تحرُّك أنقرة في الضغط على الأطراف المنظمة لمؤتمر برلين لدعوة الجزائر إلى المؤتمر المخصص حول مستقبل الحل السياسي في ليبيا.  

وتتفق الجزائر وأنقرة من حيث الموقف بشأن ما يجري في ليبيا، فالبلدان يدعمان حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، إلا أنهما قد يختلفان بشأن الطريقة، إذ لا تحبذ الجزائر الحل العسكري، وهو ما بدا في بياناتها السابقة، في حين أن تركيا لا ترى مانعا من اللجوء إليه إذا اقتضى الأمر ذلك.