"تصدير الغاز إلى أوروبا".. كيف أخرجت هذه الدول مصر من الاتفاقية؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"إيه اللي طلعنا بره؟ إيه اللي مشانا من التحالف؟ إحنا فين؟"، تساؤلات لم يجد عضو مجلس النواب المصري سمير غطاس المقرب من النظام إجابة عنها، بعد توقيع اليونان وقبرص وإسرائيل اتفاقية تصدير الغاز إلى أوروبا مطلع العام الجديد. 

فالاتفاق الثلاثي الذي وقعته الدول الثلاث لتصدير الغاز الطبيعي لأوروبا، أثار ردود أفعال غاضبة لدى الباحثين والمعنيين المصريين، الذين اعتبروا الاتفاق ضربة موجعة لكل الجهود التي بذلتها مصر خلال السنوات الماضية لتكون مركزا إقليما للطاقة.

ورغم عدم تعليق الحكومة المصرية على الاتفاق الذي جرى توقيعه في الثاني من يناير/كانون الثاني الجاري بشكل رسمي، فإن سياسيين مقربين من أجهزة المخابرات المصرية، تولوا مهمة انتقاد الاتفاق.

أين مصر؟

وحسب تعبير الباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، والبرلماني سمير غطاس، فإن الاتفاق تم دون وجود مصر، وعلق قائلا: "إحنا رحنا فين؟!".

غطاس أكد في حواره مع الإعلامي عمرو أديب على قناة mbc مصر، أن الحكومة المصرية بذلت جهدا كبيرا طوال السنوات الماضية، لتأسيس تحالف لغاز شرق المتوسط، يساعدها لتكون مركزا إقليميا للطاقة في الشرق الأوسط، "وفجأة يذهب نتنياهو لليونان، ويستدعي رئيس الحكومة القبرصية، ويوقعوا على الاتفاق الثلاثي، دون أي وجود لمصر".

وحسب غطاس فإن هذه التطورات تشير إلى أن الدفع بمصر للدخول في حرب ضد تركيا في ليبيا، سيكون بمثابة فخ كبير لتدمير القاهرة، مؤكدا أن المسؤولين في مصر يدركون ذلك جيدا.

وتابع: "بالتالي فلا يجب على مصر الدخول في حرب مع تركيا إلا في حالات استثنائية مرتبطة بالتهديد المباشر للأمن القومي المصري"، وهو ما أكد عليه قائلا: "لازم تكون الحرب هي الخيار النهائي بالنسبة لينا، يعنى نكثف من جهودنا السلمية فيما يخص الشأن الليبي أولا".

وفي مقابل حديث مصر عن الحرب، قال مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي: "بعيدا عن الاختلافات السياسية ماذا لو توصلت مصر وتركيا لاتفاق حول المياه الاقتصادية بينهما في شرق المتوسط.. تخيلوا حجم النفع والخير الذي يعود على الشعبين الشقيقين؟ لدينا فرصة للعودة".

ما أكده غطاس، تزامن مع توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قانون "إيست ميد"، الذي يسمح لليونان وقبرص وإسرائيل لتصدير الغاز إلى أوروبا، وهو القانون الذي يمثل حماية أمريكية لخطوط الأنابيب التي تنقل الغاز الإسرائيلي لأوروبا وخاصة إيطاليا التي تعد أكبر مستورد له.

الاتفاق الثلاثي الذي استبعد مصر بشكل مهين، أعاد للأذهان تعليق رئيس النظام عبدالفتاح السيسي على الأصوات التي انتقدت توقيع اتفاقية استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل رغم أن مصر لديها اكتفاء ذاتي واحتياطي كبير، حيث علق السيسي وقتها ساخرا "احنا جبنا جوون كبير".

هل ارتد الهدف إذن، ليسكن الشباك المصرية بعد هذا الاتفاق، وهل فطنت مصر مؤخرا بأن توريطها في حرب وتوتر مع تركيا كان لخدمة الأهداف الإسرائيلية فقط، وهل مازال لمصر فرصة لتكون مركزا إقليميا للطاقة، بعد الاتفاق الثلاثي من جهة، وعودة تشغيل الخط الروسي الأوكراني لأوروبا من جهة ثانية، وخط الغاز التركي الروسي من ناحية ثالثة؟ ولماذا أقرت الولايات المتحدة قانون "إيست ميد" بهذا الشكل العاجل؟

احتكار إسرائيلي

الخبراء المصريون المهتمون بالطاقة أكدوا أن مصر جرى التلاعب بها في ملف الغاز بشكل مثير للدهشة، حيث تساهلت القاهرة في ترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص وإسرائيل، وهو ما منح الثلاثي مميزات كبيرة للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، ووسع من المساحات المخصصة لهم.

وفي نفس الإطار وقعت مصر على اتفاق لاستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل لمدة 10 سنوات، وبقيمة 20 مليار دولار، وكان الهدف المعلن هو إعادة تسييله ثم تصديره لأوروبا من خلال خط مشترك بين مصر واليونان وقبرص.

إلا أن وزير الطاقة الإسرائيلي أكد أن حكومته ليست معنية بأي خطوة تنفذها مصر تجاه الغاز الواصل إليها، لأنه سيكون ملكها ومن حقها استخدامه كما تريد، ولا دخل لإسرائيل في ذلك.

وحسب خبير الطاقة المصري محمود وهبة، فإن توقيع أمريكا على قانون "إيست ميد"، منح إسرائيل حق احتكار الغاز المصري، كما أنه يضع قدم واشنطن في غاز شرق المتوسط.

وبدلا من أن تكون مصر هي المركز الإقليمي لغاز المتوسط، أصبح المركز حكرا لتل أبيب، وأصبح دور القاهرة قاصرا على استيراد الغاز من الحقول المصرية والفلسطينية التي استولت عليها إسرائيل بوضع اليد.

ويؤكد وهبة في سلسلة تعليقات كتبها على حسابه بـ"فيسبوك"، أن الأخطر من كل ذلك هو أن إسرائيل من أجل التصدير ستحتكر المنشآت المصرية من خلال شركتين هما ديليك الإسرائيلية ونوبل المصرية، موضحا أن الرباعي الأمريكي واليوناني والقبرصي والإسرائيلي، عملوا على تنويم مصر، حتى حصلوا على ما أرادوا، وأهمها التسهيلات في رسم الحدود المائية.

"جول" أمريكي

الكاتبة اليونانية المختصة بشؤون الطاقة "كاترينا سوكو"، وصفت قانون "إيست ميد"، بأنه كان ضربة معلم، حسب الوصف المصري، مؤكدة أن القانون يعد تطورا تاريخيا وتحولا حقيقيا، يضع اليونان وقبرص وإسرائيل، على خط الاهتمام والرعاية للسياسة الأمريكية في شرق البحر المتوسط.

ونقلت "سوكو" في مقالها المنشور بصحيفة "كاثيمريني" اليونانية المتخصصة في الاقتصاد، تصريحات للمدير التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية (AJC) ديفيد هاريس والمدير التنفيذي لمجلس القيادة الأمريكي الهيليني (Endal Zemenides)، أشاروا فيها إلى أهمية هذا العمل في توفير إطار مؤسسي للتطورات المهمة في المنطقة، وبالتحديد التعاون في مجال الطاقة والأمن بين الدول الثلاث.

وفي تعليق له على القانون أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة اليونانية "ستيليوس بيتاس"، أنه ترجمة للعلاقات القوية بين بلاده والولايات المتحدة، والتي تصل الآن لأعلى مستوى تاريخي.

وقال بيتاس للإذاعة اليونانية الرسمية (ERT): إن الولايات المتحدة توقفت عن محاولة الحفاظ على مسافة متساوية بين اليونان وتركيا.

فرحة إسرائيلية

إسرائيل من جانبها اعتبرت الاتفاق الثلاثي الذي تكلل بقانون "إيست ميد"، يوما كبيرا للبلاد، وعلى حد وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإنه سوف يعزز اقتصاد بلاده.

وأكد نتنياهو في تصريحات أعقبت مراسم التوقيع ونقلتها قناة كان العبرية: "هذا يوم عظيم لإسرائيل، التي أصبحت قوة طاقة.. لقد وقعنا اتفاقيات توريد مع العديد من الجيران، وهذا يعزز الاقتصاد الإسرائيلي".

ووفقا لنتنياهو فإن تحالف إيست ميد، سيجلب مئات المليارات إلى خزائن الدولة، كما أشار إلى أن هذا التحالف، له أهمية كبيرة لمستقبل الطاقة في إسرائيل، وسيحولها لقوة طاقة، كما أنه يساعد على تحقيق الاستقرار في المنطقة.

ورغم أن حديث نتنياهو تجنب الحديث عن مصر، إلا أن مدير وزارة الطاقة الإسرائيلية "إيهود أديري"، وصف الاتفاق بالأكثر عقلانية. وأضاف في تصريحات نقلها موقع "إسرائيل إنترنشونال نيوز"، أن "الشيء الأكثر عقلانية وحكمة هو أن تذهب الصادرات من شرق البحر المتوسط، وخاصة إسرائيل وقبرص وربما مصر إلى أوروبا".

وقال أديري: إن الارتباط بأوروبا لن يوفر لإسرائيل سوقا كبيرة ومستقرة فحسب، بل سيساعد أيضا في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي.

خسائر مصرية

خبراء مصريون بارزون لم يجدوا مساحة لنشر آرائهم في وسائل الإعلام المصرية، عن الخسائر التي ستتعرض لها القاهرة نتيجة التطورات التي يشهدها ملف الطاقة بشرق المتوسط، إلا أنهم نشروا من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الإجتماعي، ما يشير إلى أن مصر حصلت على أكبر هدف في شباكها، وربما ستتلقى خلال الأيام المقبلة المزيد من الأهداف الأخرى.

وحسب رأي نشره الخبير الاقتصادي السابق بالأمم المتحدة، الدكتور إبراهيم نوار، على حسابه بـ"فيسبوك"، فإنه من المتوقع أن تبدأ قريبا تجارب ضخ الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب عسقلان - العريش، ومنه إلى شبكة الغاز المصرية ومعامل الغاز المسال.

وفي الوقت نفسه قطعت إسرائيل خطوة متقدمة على طريق تصدير الغاز الطبيعي من حقولها والحقول القبرصية إلى أوروبا عبر خط أنابيب شرق المتوسط إلى شبكة الغاز الطبيعي الأوروبية، عن طريق اليونان وإيطاليا.

ويؤكد نوار أن إسرائيل تدرك جيدا أن القدرة التنافسية للغاز الطبيعي المستخرج من شرق البحر المتوسط محدودة قياسا بالغاز المسال القطري والغاز الطبيعي الروسي.

إذ يصل كل منهما إلى محطات استقبال الغاز بسعر أرخص، ينخفض بالنسبة للغاز الطبيعي الروسي إلى حوالي 2.5 دولار للمليون وحدة حرارية، ويرتفع بالنسبة للغاز المسال القطري إلى أقل من 5 دولارات.

كما أن تكلفة وصول الغاز الطبيعي من حقول المياه العميقة في شرق المتوسط ترتفع إلى أكثر من 5 دولارات، أما تكلفة الغاز المسال فإنها تزيد عن 7.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما يتوفر الغاز الطبيعي الروسي والجزائري، والمسال القطري والأمريكي بأسعار تنافسية رخيصة.

مصائب أخرى

ويرى نوار أن الاستفادة التي حققتها إسرائيل في خط أنابيب شرق المتوسط، تكمن في أنه يكرس وجودها كمركز إقليمي لتصدير الطاقة إلى كل من مصر والأردن وفلسطين ودول الاتحاد الأوروبي.

وبذلك تكون إسرائيل قد تحولت، خلال أقل من عقد من الزمان، من دولة فقيرة في الطاقة تعتمد على استيراد النفط والغاز، إلى أخرى مكتفية ذاتيا، ثم إلى دولة مصدرة.

وفي المقابل فإن صادرات مصر من الغاز المسال تواجه صعوبات في التسويق لأسباب تجارية تتعلق أولا بأسعار السوق الفورية، التي تقل في أحوال كثيرة عن تكاليف الإنتاج.

وثانيا لأن مصر لم تتوصل إلى اتفاقات طويلة الأجل لتصدير الغاز الطبيعي أو المسال، بل إن إسرائيل حلت محل مصر في التصدير إلى الأردن.

وقد ترددت القاهرة كثيرا في الانضمام إلى كونسورتيوم خط أنابيب شرق المتوسط، وتقاعست عن المشاركة في إنشاء الخط، وليس صحيحا أن أيا من الأطراف أصدر قرارا بعدم انضمام مصر.

ويشير نوار إلى أن التحدي الذي يواجه مصر لا يتعلق فقط بالتصدير، وإنما أيضا باقناع الشركات المنتجة بمواصلة استثماراتها في مناطق الامتيازات المصرية، نظرا لوجود فائض من الإنتاج يصعب تصريفه، بسبب صعوبات التصدير، وتشبع سوق الكهرباء المحلية ووجود طاقات فائضة لدى محطات إنتاج الكهرباء، وهي أكبر مستهلك للغاز في القاهرة.