ليزيكو: لهذه الأسباب تحالفت إسرائيل مع العرب بدلا من أوروبا

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "ليزيكو" الفرنسية تحقيقا عن العلاقات الخفية القائمة بين إسرائيل ودول الخليج منذ سنوات، والتي يدعمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحجة تشكيل تحالف ضد إيران.

وقالت الصحيفة: إنه "إذا كانت التبادلات التجارية بين الطرفين تعادل الصفر رسميا فإن قيمتها الفعلية تتخطى المليار دولار، حيث يتعاون الجانبان بشكل خاص في مجال أدوات الأمن والاستخبارات في وجه عدوهم المشترك إيران".

تهديدات حية

ونقلت عن ضابط إسرائيلي من موقع على مرتفعات الجولان القول: "ليس لدينا حدود مع إيران، لكن لدينا ثلاثة جيران هم سوريا ولبنان وغزة".

وأشارت "ليزيكو" إلى أنه من أعلى هذه الأرض السورية - التي يدين المجتمع الدولي بالإجماع ضمها من قبل إسرائيل- باستثناء إدارة ترامب- "يمكننا أن نميز خط الترسيم التي لا يُسمح إلا لأفراد الأمم المتحدة بالعبور فيه، وحيث أطلقت الفصائل الموالية لإيران أربعة صواريخ على إسرائيل".

وأوضحت الصحيفة أن التهديدات التي أطلقتها طهران بالانتقام من أمريكا وحلفائها بالمنطقة عقب اغتيال واشنطن قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في غارة ببغداد، أدت إلى إغلاق الجيش الإسرائيلي لمنتجع جبل حرمون للتزلج في 4 يناير/ كانون ثاني. 

وأكدت أن هذا المكان الإستراتيجي في ظل الصراع المتجمد، يتمتع بهدوء غير واقعي، حيث يعمل الفلاحون في أراضيهم على بعد أمتار قليلة من المنطقة المحظورة، فيما يأخذ السياح صور سيلفي أمام السلك الشائك.

ويقول الضابط الإسرائيلي: "بعد إطلاق صفارات الإنذار، يكون لدى كل شخص 15 ثانية للعثور على مخبأ".

وتشير الصحيفة أنه "بصرف النظر عن صحراء النقب، إسرائيل بأكملها تبعد نحو 80 ثانية عن صاروخ حماس في غزة- أو حزب الله بلبنان أو قوات فيلق القدس بالقرب من دمشق". 

وفي هذه المنطقة، رصد جيش الاحتلال الإسرائيلي ودمر مؤخرا الأنفاق التي يبلغ طولها ستة كيلومترات والتي حفرها حزب الله لمدة ثلاث سنوات على عمق 80 مترا في محاولة للتسلل إلى قوات الكوماندوز واختطاف إسرائيليين.

عناد إيراني

ولفتت إلى أنه ردا على إطلاق صاروخ في 19 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، داهم سلاح الجو الإسرائيلي ستة مواقع إيرانية في سوريا، ونقلت عن متحدث باسم الجيش "لن نسمح لطهران بإقامة قاعدة في سوريا لمهاجمتنا. هذه الغارات تهدف إلى الحد من الضرر الذي ينمو مرة أخرى". 

كما أكد ضابط مخابرات في قاعدة "كرياه" العسكرية أن حزب الله يمتلك أكثر من عشرة صواريخ عالية الدقة، "وبفضل نظام GPS منخفض التكلفة وخرائط جوجل، لدينا الآن خرائط محفوظة للدول". 

وتشير "ليزيكو" إلى أنه على عكس القول المأثور بين الإسرائيليين يوجد دائما "ثلاثة آراء وأربعة خصومات"، فإن الجميع يتفقون على القضايا الأمنية، إذ يعتقد جميع المحللين الإسرائيليين أن النظام الإيراني يسعى للحصول على تأمين وجوده من خلال تدخله في لبنان ودعمه لميليشيا حزب الله الشيعية، وتمويل حماس في غزة، وكذلك سوريا.

ويقول محلل عسكري: "طهران خبيرة في الحرب بالوكالة، أو عبر مساعدين جرى تجنيدهم من جميع أنحاء الشرق الأوسط، وستكون مستعدة للقتال في سوريا حتى آخر أفغاني".

وتابع المحلل للصحيفة: "هدف إيران هو تثبيط أي هجوم تجاهها، خاصة على مواقعها النووية، وذلك عن طريق قدرتها على نشر الفوضى في المنطقة، علاوة على ذلك، فإن كراهية إسرائيل جزء متأصل داخل النظام الإيراني". 

وقال راز زيمت، من معهد دراسات الأمن القومي (INSS) ، وهو مركز أبحاث تابع لـ"تل أبيب": إن "إيران آخر بلد يصر على الرغبة في اختفائنا من الوجود، بالرغم من تراجع حماس. إنها سياسة الملالي الوحيدة التي لم تتغير منذ أربعين عاما، لأن أيديولوجيتهم تعتبر أن اليهودية دين وليس شعبا، وبالتالي ليس لنا الحق في دولة".

واعتبرت "ليزيكو" أن أكثر ما يقلق إسرائيل هو أن إيران تبدو مصممة على امتلاك أسلحة نووية، خاصة أنها أعلنت في 5 يناير/كانون الثاني الجاري، نيتها الخروج من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، الذي انسحبت منه إدارة ترامب في مايو/ أيار 2018، من خلال عدم ممارسة أي قيود على تخصيب اليورانيوم.

عدو عدوي

وقالت الصحيفة: "في مواجهة طهران، استمرت إسرائيل بالعمل لسنوات على تشكيل تحالف مضاد مع ممالك الخليج، في شرق أوسط يعطي الجميع فيه الأولوية لمواجهة أعدائهم".

وتابعت: "الخليج الجميع مستعد لأية ترتيبات في ضوء التهديد الإرهابي المتمثل بطموحات إيران، وفي خضم سعي الجيش الأمريكي لفك ارتباطه بالمنطقة".

وأشارت إلى أن إيران، بفضل قوات فيلق القدس، التي كان يقودها قاسم سليماني، ومهاراتها السياسية الذاتية، تسيطر بالفعل على أكثر من أربع عواصم عربية، دمشق وبيروت وصنعاء وبغداد، وتعمل على خلق استفزازات في مضيق هرمز الذي يمر عبره خمس النفط العالمي. 

وذكرت أنه في عام 2016، توجه جنرال سعودي إلى الكنيست الإسرائيلي مع أكاديميين ورجال أعمال من بلده، كما صرح وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس مؤخرا بأنه يعمل على توقيع اتفاقيات عدم اعتداء مع دول الخليج.

وعلى الرغم من غياب العلاقات الدبلوماسية يجتمع الإسرائيليون بشكل متزايد مع نظرائهم الإماراتيين أو السعوديين بمختلف الدوائر.

كما زار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عمان في أكتوبر/ تشرين أول 2018، للمرة الأولى منذ عشرين عاما، وشارك مسؤول إسرائيلي كبير مؤخرا في مؤتمر أمني في البحرين.

كما ألمح وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، في منتصف ديسمبر/ كانون أول الماضي إلى أنه يؤيد علاقات بلاده الودية مع إسرائيل، وعزف النشيد الإسرائيلي هناك للمرة الأولى خلال بطولة رياضية.

إسهامات إسرائيل

وفي هذا الإطار أكدت الصحيفة أن المهندسين والشركات الإسرائيلية تعمل بالفعل مع دول الخليج العربي الست، حيث أقر رجل أعمال إسرائيلي بأنه سيشارك في ندوة لرجال الأعمال بدبي هذا العام.

وأعلنت إسرائيل أيضا مشاركتها في المعرض الدولي في دبي (إكسبو 2020)، وهو أمر رمزي، مماثل لزيارة بنيامين نتنياهو عمان العام الماضي.

 وفي شهر مايو/ أيار الماضي، سمحت الرياض لموظفي الشركات الإسرائيلية بالاستفادة من التصاريح الخاصة لدخول المملكة. 

وأردفت "لكنهم جميعا يمرون عبر شركات رائدة مسجلة في أوروبا أو الولايات المتحدة أو جنوب إفريقيا، مما يجعل من الممكن احترام الحظر العربي الذي بدأ عام 1948، بشكل رمزي". 

وتقول "ليزيكو": إن الشركات الإسرائيلية تنشط في بلدان الخليج في مجال تقنيات تحلية مياه البحار وتقنيات الأمن المعلوماتي والمخابرات، وأن السعودية تزودت منذ عام 2017 بنظام تجسس إلكتروني إسرائيلي يحمل اسم "بيجاسوس" مقابل 55 مليون دولار.

وأوضحت أن البرنامج يمكن من خلاله مراقبة جميع رسائل البريد الإلكتروني وجهات الاتصال، حتى المشفرة، وتحديد موقع مستخدميها عن بُعد، فهو مثالي لمحاربة الإرهابيين والمتطرفين ولكن أيضا المعارضين السياسيين. 

ووفقا لمعهد توني بلير، "إذا كانت البيانات الجمركية الرسمية تشير إلى أن الصفقات التجارية بين إسرائيل ودول الخليج، صفر، فهي في الواقع تتجاوز المليار دولار". 

خارج اللعبة

وبحسب "ليزيكو"، "مع ذلك، يشعر الإسرائيليون بالقلق إزاء هشاشة حلفائهم السعوديين الجدد. وقال الباحث في معهد الإحصاء الدولي يول جوزانسكي: إن هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية في 14 سبتمبر/ أيلول ضد مصفاة أرامكو في أبقيق، تعد بمثابة تغيير في اللعبة. 

وأكد أن النظام المضاد للصواريخ الباهظ الثمن الذي جرى شراؤه من الأمريكيين لم يفعل شيئا للسعودية التي تملك ثالث أكبر ميزانية عسكرية على الكوكب لكن لا تستطع حماية بنيتها التحتية الرئيسية.

ورأى مسؤول في شرطة الاحتلال بالقدس أنه "كان العقد الماضي الأكثر أمانا في تاريخ البلاد"، فخلال الهجمات، على السكان البالغ عددهم 9 ملايين (خمسهم من أصل فلسطيني)، تشعر إسرائيل بقوة أكبر لأن الإدارة الأمريكية لم تكن أبدا مواتية لها كما كانت في عهد دونالد ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لها وقنن بناء المستوطنات.  

وتساءلت "ليزيكو" إذا كان الدعم غير المشروط لحكومة نتنياهو قد قلل من دون شك دور واشنطن كوسيط محايد في الصراع، فهل يمكن لأوروبا أن تحل محلها؟

وأجابت: "على الرغم من كونها الشريك الاقتصادي الرئيسي للبلاد والمهد الثقافي لغالبية سكانها، يعتبر على نطاق واسع في إسرائيل أن أوروبا "خارج اللعبة"، وأن الملكيات السنية العربية أفضل من بروكسل.  

ويقول يولي إدلشتاين، رئيس الكنيست: "الواقع ليس بالأبيض والأسود، ويمكن أن يكون للمواقف الفاضلة آثار ضارة"، مضيفا "مقاطعة منتجات المستوطنات سيجعل العمال الفلسطينيين يفقدون وظائفهم".

من جهته يخلص كبير الباحثين في معهد الدراسات الإستراتيجية بجامعة تل أبيب عوديد عيران إلى أن "الاتحاد الأوربي يبدو أنه قد فقد حتى وهم لعب دور منذ عملية برشلونة عام 1995".