ليس فقط من أجل السيادة.. لماذا يسعى المغرب لترسيم حدوده البحرية؟

الرباط ــ الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في عام 2014 أصبح المغرب ساحة للتنافس بين الشركات الأجنبية التي تنقب على الذهب الأسود والثروات المعدنية، والتي رأت أن الأمر يتعلق بمنطقة كبيرة وذات إمكانيات مهمة. ما جعلها تعقد اتفاقات تقضي باستغلال نسبة محددة من المعدن الذي يتم العثور عليه في قاع الأرض أو عمق البحر. 

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي جرى الحديث فيها عن وجود النفط في المغرب، ففي عام 2000، أعلن وزير الطاقة والمعادن آنذاك يوسف الطاهري، اكتشاف احتياطي من البترول يُقدّر بـ1.5 مليار برميل ليتبين أن الأمر يتعلق بكذبة من إحدى شركات التنقيب.

السيناريو نفسه تكرر بإعلان رسمي يفيد بأن خبر وجود النفط غير صحيح، واتضح ذلك عندما اختارت مديرة المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن، أمينة بنخضرة، التحفظ في الإعلان عن نتائج عمليات التنقيب، مؤكدة أن الرأي العام سيكون محاطا بأي اكتشاف مهم تهتدي إليه في سواحل المغرب.

هذه السواحل هي نفسها التي يخوض بسببها المغرب اليوم معركة في الخفاء مع إسبانيا لترسيم حدوده عليها، حيث قدم وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2019 مشروعي قانون أمام أعضاء لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) وصوت عليهما أعضاء اللجنة بالإجماع.

وقال بوريطة: "المشروعان يتعلقان بحدود المياه الإقليمية، وتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة على مسافة 200 ميل بحري، عرض الشواطئ المغربية، وهما مشروعان تاريخيان". وتحدث عن عزم بلاده "بسط سيادتها على المجال البحري، ليمتد حتى أقصى الجنوب"، ليشمل المياه الإقليمية لإقليم الصحراء، المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو.

بوريطة حفظ خط الرجعة وهو يعرض القانونين قائلا: "إقرار التشريعين القانونيين الجديدين، عمل سيادي، لكنه لا يعني عدم انفتاح المغرب على النقاش مع إسبانيا وموريتانيا"، إدراكا منه أن الأمر لن يكون بهذه السهولة.

انتقل مشروعا القانونين إلى الجلسة العامة بمجلس النواب التي من المفروض أن تصادق عليه قبل إحالته إلى مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان) لتسجيل تعديلاته عليه قبل إرجاعه للغرفة الأولى لقول كلمتها النهائية.

من جانبهم قال نواب البرلمان: إن المشروعين قيد الدراسة وأنهما سيحالان إلى الغرفة الثانية لاحقا دون تحديد وقت بعينه، ما جعل مراقبون يقولون بأن المغرب تراجع خطوة إلى الوراء في هذا الملف. في حين أكدت السلطة على لسان المتحدث الرسمي باسم الحكومة حسن عبيابة، أن "القرار سيادي وقانوني وليست له علاقة بمواقف أخرى".

غضب إسبانيا

القرار أثار ردود فعل إسبانية، إذ أعلن الحزب الاشتراكي الحاكم في بيان نشره عبر موقعه الرسمي رفضه، وقال: إن "ترسيم الحدود المائية المغربية المجاورة لجزر الكناري ولمدينتي سبتة ومليلية، ينبغي أن يتم في إطار اتفاق مشترك". 

بل ذهبت القوات الجوية الإسبانية إلى حد نشر طائرات "إف 18" قبالة سواحل جزر الكناري، حسب تقارير صحفية مغربية، وذلك تزامنا مع التصويت المغربي على القانون.

ورأت إسبانيا أن القانون يهدد سيادتها في مياه جزر الكناري التي تقع على الساحل الغربي لحدود المغرب الذي يعتبرها محتلة من طرف لإسبانيا في المحيط الأطلسي.

بدوره عبّر رئيس جزر الكناري الاشتراكي، فيكتور توريس، عن غضبه  وصرح بأن "السلطة التنفيذية الإقليمية وحكومة إسبانيا ستواجهان أي مساس بالسيادة الإسبانية". 

وأرجع الدكتور في العلاقات الدولية، محمد تاج الدين الحسيني، السبب وراء قرار المغرب إلى مبادئ السيادة التي لا تستكمل إلا بالسيطرة الكاملة على 3 مجالات أساسية في التراب الوطني، وهي المجال الجوي والبري وكذلك البحري.

وأفاد الأكاديمي والباحث المغربي في حديث لصحيفة "الاستقلال"، أن المغرب من بين الدول التي وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في 1982، التي تنص على أن الدول التي تتوفر على سواحل من حقها أن تمدد بحرها الإقليمي إلى 12 ميلا بحريا، وأن تمدد ما يسمى بالمنطقة الاقتصادية الخالصة إلى 200 ميل بحري، والفرق بين الاثنين هو أن الدولة تمارس في البحر الإقليمي سيطرة كاملة على ذلك المجال.

بينما في المنطقة الاقتصادية الخالصة، يتابع المتخصص: "تمارس الدول فقط نوعا من الرقابة على استغلال الثروات البحرية بما في ذلك إمكانية الترخيص للدول الأجنبية للصيد في تلك المناطق مع حفظ حق المرور للسفن المدنية على وجه الخصوص".

لكن تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة يطرح إشكالات فيما يتعلق ببلدان الجوار وفيما يتعلق بمسافة الجرف القاري، وهذه الإشكالات عالجتها اتفاقية 1982 بطريقة غير مباشرة وتركت للدول ذات السيادة إمكانية التوافق وإشعار منظمة الأمم المتحدة بخصوص النتائج. 

في تصريحات للصحافة، استبعدت مصادر مغربية أن يكون الهدف من القانونين هو استعادة جزر الكناري، ما أثار استغراب الكثيرين وجعلهم يستاءلون عن السبب الحقيقي.

تطلع للثروات

في النصف الأول من سبتمبر/ أيلول 2019 كشفت شركة بريطانية عن وجود حقل غاز في منطقة ليكسوس بالعرائش (تقع على ساحل المحيط الأطلسي على بعد حوالي 85 كم من طنجة أي على الحدود الإسبانية)، وقالت الشركة: إن الدراسات أظهرت وجود 5 فرص واعدة إضافية بأكثر من 2.2 تريليون قدم مكعب (TCF) من الغاز الطبيعي بالمنطقة.

الدراسات الأولية تحدثت عن توفر المنطقة على إمكانات كبيرة من الغاز الطبيعي، يُمكن تطويرها من الناحية التقنية والمخبرية في المستقبل من أجل العمل على تسويقها.

وأشارت المعطيات إلى وجود 588 قدما مكعبا من الموارد المرتقبة بساحل العرائش، حيث وصفت الشركة الآبار المستقبلية المحتملة بأنها ذات "أهمية بالغة وتكلفة منخفضة".

أعلنت الشركة أنه يجري التنسيق مع العديد من كبار المستثمرين العالميين من أجل عقد شراكات بعد النتائج المشجعة"، مضيفة أن "الآفاق الخمسة الإضافية التي تم اكتشافها تحدد موردا ذا أهمية إستراتيجية لسوق الطاقة سريع النمو، خصوصا مع ارتفاع أسعار الغاز والحاجة إلى زيادة الطلب".

ويستأثر بئر "أنشوا"، الذي حفر في عام 2009، على حوالي 307 أقدام مكعبة من موارد الغاز، وفقا للشركة ذاتها، والتي أشارت إلى وجود "هدف أعمق لم يتم اختباره من قبل، ويحتوي على 116 مليار قدم مكعب من الموارد المحتملة".

وتتجه الشركة البريطانية إلى الشروع في استغلال البئر البحري "أنشوا-1" بدءا من سنة 2020، مبرزة في تصريح سابق أن "المملكة تتوفر على سوق طاقية متنامية بأسعار جذابة يمكن أن تدعم مشروعا تجاريا ناجحا".

بالنظر إلى تاريخ 2009 حين بدأ الحفر يشار إلى أن المغرب سبق ودعا إلى ترسيم المياه الإقليمية، ولم يختلف حينها رد فعل إسبانيا، ما جعل المغرب يضع بشكل أحادي طلبا لدى منظمة الأمم المتحدة لترسيم مياهه الإقليمية.

ويعتقد المحلل وأستاذ التاريخ، عبدالوهاب الدبيش، أن تصريحات هذه الشركات هي التي دفعت المغرب للسعي إلى ترسيم مجاله البحري غير المستكشف.

وشدد الدبيش في حديثه لـ "الاستقلال" أن الدافع "هي المعلومات التي تتوفر عليها الشركات المتعددة الجنسيات الفاعلة في المغرب، والتي تفيد بأنه يحتضن كميات هائلة من احتياطات الغاز الطبيعي والنفط من العرائش (الشمال) إلى الداخلة (الجنوب)".

تخوف المغرب

كان من المنتظر أن يعرض المشروع مباشرة على مجلس النواب للتصويت عليه، لكن أستاذ العلاقات الدولية، قال للصحيفة: "هناك ضغوط في الكواليس لإعادة فتح النقاش بين المغرب وإسبانيا فيما يتعلق بمجال المنطقة الاقتصادية المغربية الذي يتداخل مع المجال البحري لجزر الخالدات (الكناري)، ما دفع البرلمان إلى تأخير البت في مشروع القانون إلى حين تسوية هذه النقاط". 

ولفت الحسيني، إلى أن "إسبانيا كانت قد طالبت بتسويات فيما يخص هذه المناطق وأخطرت بها منظمة الأمم المتحدة، لكن المغرب قدم اعتراضه بخصوصها".

والتخوف اليوم في المغرب، بحسب المتحدث، أن "تعترض إسبانيا، لذلك قرر المغرب توقيف الأمر إلى حين الوصول إلى توافق بين الطرفين، خاصة وأن المسافة بين الأرخبيل والسواحل المغربية تقل عن مسافة المنطقة الاقتصادية الخالصة". ما جعل الدكتور يرجح توصل الطرفين إلى تطبيق مبدأ المناصفة في تحديد هذه المنطقة قبل الإعلان عن القرار النهائي للبرلمان المغربي في هذا الشأن".

فيما توقع الدبيش أن تعيد إسبانيا في غضون 4 أو 5 سنوات سبتة ومليلية والجزر المجاورة لها إلى المغرب، قائلا: "لأنها كانت تستفيد منها عن طريق تهريب السلع إليها وبيعها هناك، لكن المغرب اليوم أغلق الثغرين وقريبا ستصبح مدينة الفنيدق (الحدودية مع سبتة) مدينة أشباح والناظور أيضا (الحدودية مع مليلية).

وبالنظر إلى ذلك، تساءل أستاذ التاريخ عن القيمة التي ستجعل إسبانيا تنفق على مدينتين مغربيتين تحتلهما، وهما أقدم مستعمرة في التاريخ، احتلها البرتغاليون في 1415 وسلموها للإسبان بعد سنوات.

وبيّن أن مشكلة إسبانيا تكمن في أنها أيضا تريد أن تستفيد من حوض طرفاية، قبل أن يزيد قائلا: "في الواقع للمغرب كامل الحق في ترسيم حدوده البحرية، وإذا رجعنا للتاريخ فإسبانيا لا دخل لها في كل تلك المنطقة، فتلك أراض مستعمرة".

سياسة ليّ الذراع

في تقدير المتخصص في العلاقات الدولية، "تأخر المغرب في ترسيم حدوده البحرية، التي كان ينبغي أن يخطر بها الأمم المتحدة منذ الاستقلال أو على الأقل منذ التوقيع على الاتفاقية".

وأفاد الحسيني أنه استجابة لشركة بريطانية ومكاتب دراسات مغربية لوضع الإحداثيات المتعلقة بمجال كل من البحر الإقليمي والمنطق الإقتصادية، لم يتم تحديد الحدود إلا في سنة 2017 عن طريق مجلس حكومة ثم مجلس وزاري وافق عليها.

مضيفا "تم تأخير ذلك إلى حدود الشهر الماضي (ديسمبر/كانون الأول 2019)، عندما وافقت لأول مرة لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان المغربي بمجلس النواب بإجماع على القوانين التي تهم تحديد المنطقتين وكذلك مرسوم يتعلق بوضع الإحداثيات". 

لفت أستاذ التاريخ في حديثه للصحيفة، بدوره إلى وجود مصلحة في خطوة ترسيم الحدود دون أن ينفي أن هذا من حقه الكامل. 

ولا يرى الدبيش أي تراجع للمغرب، قبل أن يلفت إلى وجود ضغوطات يمارسها الإسبان في ملف الصحراء، مشيرا إلى أن المحتل القديم يحتفظ لنفسه دائما بأوراق يشهرها وقت الضرورة، تماما كما تملك فرنسا أوراق ضغط على المغرب تجعلها تستفيد من نصف اقتصاده، وختم الأستاذ الجامعي حديثه بالقول: "ذراعنا ملتوية".