تناقضات في التصريحات والأفعال.. ما إستراتيجية ترامب بالشرق الأوسط؟

12

طباعة

مشاركة

في عام 2016، فاز دونالد ترامب بالانتخابات من خلال الوعد بفك الارتباط بين قوات بلاده ومنطقة الشرق الأوسط، خاصة بعدما أصبحت الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا من الغاز والنفط، فلماذا استفز إيران باغتيال قاسم سليماني الذي يعد شخصية رئيسية في النظام؟

سؤاله طرحته صحيفة "فرانس إنتر" الفرنسية، بخصوص الإستراتيجية التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمنطقة في ظل التناقضات المتتالية بين تصريحاته وأفعاله.

رسالة أمريكية

وقال الكاتب الفرنسي رايس كوتورييه في مقال بالصحيفة: إن "إصدار أمر اغتيال الجنرال قاسم سليماني، أقوى رجل في إيران بعد المرشد الأعلى علي خامنئي يطرح السؤال السابق، حيث إن هذا الرجل بمثابة إستراتيجية التوسع الإيراني بالشرق الأوسط".

ونقل كوتورييه عن مايكل يونج، من مركز "كارنيجي"، الذي قال عن اغتيال سليماني: إنها "رسالة موجهة إلى الزعماء الإيرانيين، بقدر ما هي موجهة أيضا إلى الزعماء العراقيين".

وأضاف: "أوضح ترامب للزعماء العراقيين أن واشنطن منزعجة من انتشار إيران في بلادهم، ومن هنا المكان الذي تم اختياره لتنفيذ غارة الطائرة بدون طيار، أي مطار بغداد، طريقة للاحتجاج على مجيء وذهاب بحرية لرجل بهذا المستوى من المسؤولية في الدولة المجاورة".

وأكد الكاتب أنه "بشكل عام، تود الإدارة الأمريكية وقف التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، وهو توسع كان يجسده الجنرال سليماني، الذي شوهد يتدخل عسكريا وسياسيا مع الموالين لإيران، من لبنان إلى اليمن مرورا بسوريا والعراق".

خطأ لا يغتفر

كما نقل الكاتب الفرنسي عن ريتشارد هاس، رئيس "مجلس العلاقات الخارجية"، وهي منظمة في شكل خلية تفكير مستقلة أمريكية هدفها تحليل سياسة الولايات المتحدة الخارجية والوضع السياسي العالمي: "إنه خطأ لا يغتفر".

وأضاف المستشار السابق للرئيس الأمريكي جورج بوش أن "الشرق الأوسط مسرح ملغوم لا يهم الأمريكيين"، مشيرا إلى "الحرب التي شنت على صدام حسين عام 2003 ، كانت خطأ أيضا".

ونوه إلى أنه كانت هناك طرق أخرى كثيرة، أقل تكلفة، لاحتواء صدام حسين كما كان الخروج من الجحيم العراقي معقدا للغاية، مؤكدا أن الرئيس باراك أوباما كان على صواب عندما أنشأ "محور آسيا".

وتابع: "يتمتع الأمريكيون بالاكتفاء الذاتي في مجال النفط والغاز بفضل تقنيات استخراج الغاز الصخري، والقرن الحادي والعشرين سيتمثل في آسيا، وليس الشرق الأوسط، وبالتالي سيكون من الأفضل لواشنطن القلق بشأن الطموحات الصينية في آسيا والتهديدات الروسية في أوروبا".

ويواصل هاس قائلا: جرى انتخاب ترامب من أجل برنامجه القائم على إعادة التركيز على الشأن الأمريكي ومشاكله الخاصة، وبالتالي شعبيته التي جاءت من خلال شعار "أمريكا أولا".

شعبية المتشددين

وبحسب الكاتب، فإنه "بالنسبة لترامب، الإيرانيون هم الذين يتحملون مسؤولية تغيير اللهجة في واشنطن، إذ لم تستطع إدارته الوقوف مكتوفة الأيدي أمام الهجمات على الناقلات في الخليج أو مصافي النفط بالسعودية، حيث كانت مصداقية التحالف الأمريكي مع الحلفاء في المنطقة على المحك".

وأردف: "إضافة إلى ذلك، الجمهوريون حساسون بشكل خاص لأمن تمثيلهم الدبلوماسي في جميع أنحاء العالم، ومن خلال مهاجمة السفارة الأمريكية في بغداد، الأسبوع الماضي، أعاد الشيعة العراقيون، المشتبه في قيامهم بالاحتجاج أمام سفارة واشنطن تحت تأثير من إيران، للأذهان صدمة احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين بطهران في نوفمبر/ تشرين الثاني 1979".

وتساءل الكاتب الفرنسي: هل قوّى مقتل قاسم سليماني النظام الإيراني بدلا من إضعافه؟، وفي هذا الصدد يجيب جواد صالحي أصفهاني، وهو خبير اقتصادي متخصص في الشأنين العربي والفارسي بالقول: "يدّعي ترامب أنه أمر بهذا الاغتيال لتجنب الحرب، وعلى العكس من ذلك، إنه يخاطر بإثارة صراع جديد".

وتابع: "لقد أساء تقدير العواقب المتوقعة لهذا العمل لأنه لا يعرف شيئا عن إيران، فبعد انسحابه من اتفاقية نزع السلاح النووي التي أبرمها سلفه، تخيل أن يمكن انهيار النظام الإيراني من خلال ممارسة ما أسماه: أقصى ضغط".

وأردف أصفهاني: "النظام يصمد بشكل جيد، فقد قمع الاحتجاجات الأخيرة في الشوارع بوحشية لدرجة أنه لا يمكنها أن تؤدي إلى الثورة التي يريدها الأمريكيون، لكن هذا النوع من الاغتيالات لن يساعد فقط إلا في تعزيز شعبية المتشددين، كما يتضح من المظاهرات التي تلت هذه العملية".

ويقتبس صالحي أصفهاني في ختام حديثه جزءا من مقولة للكاتب الروائي البريطاني جورج أورويل: " إننا جميعا لدينا القدرة على تصديق أمور نعلم أنها كاذبة، ثم عندما يثبت خطؤنا في النهاية، نقوم بلي الحقائق لكي نبين أننا على حق، وعلى المستوى الفكري يمكن تنفيذ هذه العملية لمدة غير محدودة، فالشيء الوحيد الذي يكشفها هو مواجهة الاعتقاد الخاطئ- وعاجلا أم آجلا- الحقيقة الراسخة، ويحدث هذا عادة في ساحة المعركة".

فخ الحرب

وحول ما إذا كانت إيران ستتجنب فخ الوقوع في حرب مفتوحة؟ يقول الكاتب الفرنسي: إن "جميع المراقبين يتفقون على أمرين، أن مجموعة الوسائل المتاحة أمام الجانب الإيراني كثيرة. ومع ذلك، فإن أكبر المسؤولين في القيادة الإيرانية سيكونون حريصون على عدم بدء حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة، لأن هذا ليس من مصلحتهم، بالنظر إلى عدم التناسب بين القوتين".

ونقل الكاتب عن شلومو بن عامي، الدبلوماسي والسياسي الإسرائيلي، قوله: "في الحقيقة إن الأمريكيين والإيرانيين في حالة حرب كامنة منذ عقود. هناك العديد من عمليات القتل التي استهدفت قادة المليشيات الشيعية الموالية لإيران، كما كان الحال مع رئيس أركان حزب الله عماد مغنية، الذي قتل عام 2008".

وأضاف: "إيران، من جانبها، متورطة في العديد من الهجمات، مثل الهجوم ضد مركز الجالية اليهودية في بوينس آيرس بالأرجنتين في عام 1994 - والذي يشتبه في أن سليماني قد شارك به، وكذلك بالنسبة للهجوم على حافلة سياحية إسرائيلية في بلغاريا عام 2012".

وأكد ابن عامي أن "إيران، الخاضعة للعقوبات الأمريكية، تشن حرب استنزاف ضد حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث استغلت الحرب في سوريا واليمن لتعزيز مليشياتها العسكرية التي تخدمها عسكريا. وهي تميل إلى جلب القوات العسكرية على مقربة من الحدود الإسرائيلية قدر الإمكان".

وخلص الكاتب الفرنسي رايس كوتورييه إلى أنه "من غير المرجح أن يؤدي قتل سليماني إلى تغيير اللعبة في الشرق الأوسط. لأن رد الفعل غير المتناسب من جانب إيران سيؤدي إلى خطر التصعيد، والذي قد يكون نتيجته طرد القوات الإيرانية من سوريا، وهذا لن يزعج الروس".

وأختتم مقاله بالقول: إنه في كلتا الحالتين، سينتظر القادة الإيرانيون اتخاذ قرار بشأن إستراتيجية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها، حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/ تشرين ثاني المقبل، على أمل تنصيب رئيس جديد ديمقراطي، وهو أمر لا يمكن التنبؤ به.