حكومة على إيقاع الحراك.. هكذا يغازل تبون الناشطين في الجزائر

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يتأخر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون طويلا بعد توليه المنصب، ليعلن عن تركيبة حكومته الجديدة التي جاءت خلفا لحكومة نور الدين البدوي، المرفوضة من الحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير/ شباط 2019.

ضمت الحكومة التي يترأسها عبدالعزيز جراد، 39 وزيرا، منهم 5 نساء و7 وزراء منتدبين و4 كتاب دولة، إلى جانب إنشاء وزارة المؤسسات الناشئة لأول مرة ويقودها أصغر وزير هو ياسين وليد (26 عاما).

حافظ عدد من الوزراء من الحكومة السابقة على مناصبهم من بينهم، وزراء الخارجية صبري بوقادوم، والعدل بلقاسم زغماتي، والداخلية كمال بلجود الذي كان يسير الوزارة بالنيابة.

واعتبر إلغاء منصب نائب وزير الدفاع، الذي كان يشغله قائد الأركان الراحل أحمد قايد صالح، التغيير الأبرز في تركيبة الحكومة الجديدة واحتفظ الرئيس تبّون بوزارة الدفاع.

وفي الوقت الذي شهدت فيه العاصمة الجزائرية مظاهرات حاشدة في الجمعة 46 من الحراك، والتي واصلت رفعها لنفس الشعارات الرافضة للمسار السياسي الحالي، أشادت بعض الأحزاب المعارضة بالحكومة معتبرة أنها خطوة في الاتجاه الصحيح.

الوزير الأول

يبدو أن الرئيس تبّون تجنب تكليف شخصية من داخل الحزبين الحاكمين، جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي والذين يمثلان حزبا الأغلبية اللذين تداولا رئاسة الحكومة على مدى عقود في الجزائر.

كان الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة يتزعم حزب "جبهة التحرير الوطني"، أما "التجمع الوطني الديمقراطي" فكان يقوده أحمد أويحيى، رئيس الوزراء السابق، الذي قضت محكمة، في 10 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، بسجنه 15 عاما لإدانته في تهم فساد.

تبّون كلف شخصية مستقلة لتشكيل الحكومة، وهو الدبلوماسي السابق عبدالعزيز جراد، ويأتي الوزير الأول (رئيس الحكومة) إلى هذا المنصب بعد حياة مهنية أكاديمية طويلة، عمل فيها أستاذا جامعيا ودرس في عدد من الجامعات في الجزائرية وخارجها.

لجأ تبّون إلى تعيين جراد، بعد رفض وزير الاتصال السابق ومنسق مؤتمر المعارضة عبدالعزيز رحابي، القبول بالمنصب واشتراطه أن تتم قبل تعيينه مشاورات مع القوى السياسية المعارضة، وأن يكون اقتراح اسمه من قبلها، إضافة إلى اشتراطه وضع ملف الحريات كأولوية سياسية.

ويأتي تعيين جراد كذلك، بعد استبعاد اسم وزير العمل الحالي الشاب حسان تيجاني هدام، خوفا من أن يعطي ذلك مؤشرا سلبيا على استمرار نفس الوجوه التي عيّنها بوتفليقة قبل رحيله.

كما شغل جراد عددا من المناصب الحكومية، من بينها أمانة رئاسة الجمهورية وأمانة وزارة الخارجية، وكان قد حصل على شهادة ليسانس في العلوم السياسية من معهد العلوم السياسية بالجزائر عام 1976.

ولجراد مؤلفات بالعربية والفرنسية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، منها "الجيوسياسية.. مفاهيم، معالم ورهانات"، و"العالم العربي بين ثقل الخطاب وصدمة الواقع".

ونشط جراد في السنوات الأخيرة كمحلل سياسي استعانت به وسائل إعلام محلية، بينها قنوات وإذاعات جزائرية حكومية وخاصة وصحف ومواقع إخبارية، وكثيرا ما تحدث عن تجارب المراحل الانتقالية في العالم.

وكان جراد خلال المرات العديدة التي ظهر فيها على وسائل الإعلام الجزائري مؤيدا للحراك ومطالبا بوتفليقة والمحيطين به بالرحيل عن السلطة من أجل تحقيق مطالب الحراك الشعبي.

رسائل للحراك  

في العام 2004، واجه جراد غضبا شديدا من جانب بوتفيلقة، الذي أقاله من منصب أمين عام وزارة الخارجية، بسبب انخراطه في صف علي بن فليس، أمين عام جبهة التحرير سابقا، الذي أعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة في ربيع نفس العام لمنافسة بوتفليقة.

ويبدو هذا السبب هو أهم الأسباب التي دفعت تبّون لتعيين جراد حتى يبعث برسالة إيجابية للحراك، بالإضافة إلى تعيين عدد من الوزراء يعتبرون أقرب إلى الحراك منهم إلى النظام خلال المرحلة السابقة.

مجلة لوبوان الفرنسية أشارت في تقرير لها أن هناك 3 أسماء في الحكومة الجديدة تجذب الانتباه وهم: فرحات آيت علي وزير الصناعة، عمار بلحيمر وزير الاتصال الناطق الرسمي للحكومة، ووزيرة الثقافة مليكة بندودة.

وأكدت المجلة الفرنسية أن "الأول، يرث تركة يحاكم فيها وزيران، وهو رجل أعمال ومتحدث عنيف ضد الإدارة الاقتصادية للبلاد على وسائل الإعلام المعارضة، ويدافع عن إستراتيجيات جريئة من حيث الضرائب والاقتصاد.

أما الثاني، أستاذ القانون فهو أحد مؤسسي حركة الصحفيين الجزائريين أواخر الثمانينيات، وهو مصلح ويحظى باحترام كبير من تيار اليسار، وعضو في لجنة الحوار صيف 2019.

ورأت المجلة أن مليكة بندودة مثقفة ومعارضة، شغلت منصب أستاذة فلسفة في جامعة الجزائر، لتشغل بعدها منصب أستاذة بجامعة تيبازة في التخصص نفسه، كما أنها مقدمة البرنامج الفلسفي "Philo Talk" الذي يبث بإحدى القنوات الجزائرية الخاصة، لها مؤلفات في الفلسفة والتنظير السياسي ومن الداعمين للحراك علنا.

الشو السياسي

خطف الوزير الجديد في الحكومة الجزائرية، ياسين مازد وليد، الأضواء بصغر سنه (26 عاما)، حيث يتولى وزارة جديدة تعنى ببعث المؤسسات الناشئة، وهي حقيبة وزارية مستحدثة غازل بها الرئيس المنتخب شباب الجزائر، حسب مراقبين.

كما عينت القيادية في جبهة المستقبل والنائب في البرلمان بسمة عزوار وزيرة للعلاقات مع البرلمان، وهي بذلك أول وزيرة محجبة تدخل الحكومة في تاريخ الجزائر.

وبرزت عزوار النائب عن ولاية باتنة، خلال مداخلة تحت قبة البرلمان شهر فبراير/شباط  2019 مع انطلاق الحراك، ردا على تأكيد أحمد أويحيى الوزير الأول الأسبق أن الشعب سعيد بترشح بوتفليقة لعهدة خامسة.

ساعتها قالت عزوار: "سيدي الوزير الأول، الشعب غير سعيد لأن معدلات البطالة ارتفعت، لأن الرواتب لا تكفي لقضاء الحاجات الأساسية، الشعب غير سعيد لأن الصحة مريضة، والشعب غير سعيد لأن وزيرة التربية منعت التلاميذ من الصلاة في المدارس، الشعب غير سعيد لأن سعر الدينار يتدهور كل يوم، الشعب غير سعيد، لكنه لازال يحلم في دولة قوية، ويحلم بصحافة حرة ولاتخاف".

أما الفنان الشاب يوسف سحايري الذي اشتهر بدور "زينو" في مسلسل أولاد الحلال أنجح مسلسل في رمضان الماضي، فتم تعيينه وزيرا منتدبا للصناعة السينمائية، وكان سحايري حاضرا في الحراك بمنشورات قوية وحادة ضد السلطة، وضد الانتخابات، وضد تبّون نفسه.

مواقف الأحزاب

المواقف من الحكومة الجديدة تباينت بين متحفظ ومؤيد، إلا أن عددا من الأحزاب أبدت مواقف إيجابية تجاه تركيبة الحكومة الجديدة، فرحبت جبهة التحرير الوطني صاحبة الأغلبية البرلمانية، بتشكيل هذه الحكومة مؤكدة دعمها لها.

كما اعتبر أكبر الأحزاب المعارضة، حركة مجتمع السلم "حمس" أن تشكيلة الحكومة الجديدة، هي "صفعة رائعة للانتهازيين والجبناء والرافضين لإمكانية معارضة النظام السياسي، ورد على محتكري شعار (نوفمبرية باديسية)، في الوقت ذاته".

وقال رئيس الحركة عبدالرزاق مقري، في مقال بعنوان "التشكيل الحكومي: حقائق أزالت الأوهام"، إن الحركة لديها "بعض التحفظات في التشكيل الحكومي ولكن قلنا نترك الجماعة يشتغلون ونعطيهم الفرصة – خدمة للجزائر لا غير – وأثناء ذلك نراقبهم على أساس دستوري".

وعبّر رئيس حمس عما وصفه "إعجابه بتعيين شخصيات كانت متطرفة في معارضة النظام، ومعارضة الانتخابات"، مبرزا أن "هناك شيئا لافتا استغربت له وهو تعيين شخصيات يرفضها، بل يحاربها، التيار الذي دافع عن الانتخابات وخوّن المقاطعين لها وقسّم الجزائريين على أساس العرق والانتماء للثورة والعروبة والإسلام".