التمدد في إفريقيا.. كيف أحيا مقتل البغدادي حلم تنظيم الدولة؟

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد مقتل زعيم تنظيم الدولة في العراق والشام أبو بكر البغدادي نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2019، في إحدى قرى إدلب السورية، وشن عدة عمليات عسكرية تعرض التنظيم لخسارة كبيرة، حيث تم القضاء على عدد من قيادات التنظيم بغارات جوية، وتم تضييق الخناق على التنظيم والحد من تحركاته.

كان التفكير بالبحث عن أرض تتسم بالهشاشة الأمنية واردا في ذهن تنظيم الدولة، وكانت القارة الإفريقية من أبرز الخيارات المطروحة، حيث تتسم بالهشاشة الأمنية والصراعات المسلحة، وفق متابعين.

لا يعني ذلك بأن تنظيم الدولة في العراق والشام أصبح ضعيفا إلى المستوى الذي يجعله يبحث عن أرض بديلة، فحسب خبراء، مازال التنظيم يحظى بالقوة التي تؤهله للبقاء متنقلا بين العراق وسوريا.

إلا أنه، حسب مراقبين، بدأ بالتفكير في تعزيز وجوده وتوسيع مساحة تحركاته، والبحث عن محاضن أخرى ومسارح جديدة، خصوصا بعد أن تم تقييد تحركاته مؤخرا، ويبدو أن إفريقيا كانت خيارا يوفر للتنظيم أرضا واعدة وبيئة حاضنة لتفريخ عناصره، وذلك لوجود العديد من الصراعات والجماعات التي أعلنت ولاءها للتنظيم.

يأتي ذلك في وقت، تعالت دعوات من تنظيم الدولة في نيجيريا تطالب بهجرة أعضاء التنظيم في العراق والشام إلى نيجيريا، ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصدر فرع التنظيم في غرب إفريقيا بيانا يطالب فيه المسلمين بالهجرة إلى المنطقة والانضمام إليه، وأعلن استعداده لاستقبالهم، واستقبال مجندين جدد.

وكانت من مؤشرات احتمال القيام بالهجرة، فرار عدد من مقاتلي التنظيم من سجون قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الذي يقدر عددهم بنحو 12 ألف مقاتل.

دعوات الهجرة تزامنت مع مخاوف لدى أجهزة الاستخبارات الغربية من تمكن عدد من مقاتلي تنظيم الدولة من الفرار من سجون قوات سوريا الديمقراطية، وعودتهم إلى أوروبا.

خارطة الجماعات

قبل مقتل أبو بكر البغدادي، تصدر مشهد الحركات المسلحة في نيجيريا عدة جماعات، أهمها "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد (بوكو حرام)، و"تنظيم الدولة في غرب إفريقيا"، بالإضافة إلى جماعة "أنصارو"، وفصائل أخرى تابعة لتنظيم القاعدة في المغرب العربي.

برزت جماعتا "بوكو حرام" و"أنصارو" نتيجة للانشقاقات التي طالت التنظيم، حيث انشقت جماعة "أنصارو" عن "بوكو حرام"، وكانت "بوكو حرام" قد بايعت زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، ثم انشقت عنه بسبب عزل البغدادي لأبوبكر شيكاو.

جماعة "أنصارو"

بعد غياب عن المشهد دام نحو 4 سنوات، عاد من جديد نشاط جماعة "أنصارو" الإسلامية المسلحة في نيجيريا، فبعد أقل من 24 ساعة من مقتل البغدادي، استعادت الجماعة نشاطها الإعلامي، وقامت بخطوات إستراتيجية أخرى مع جماعة "بوكو حرام"، المناوئة لتنظيم الدولة في غرب إفريقيا، بغية التحالف معها وإيجاد صيغة مشتركة لتزعم المشهد وسحب البساط من تحت أقدام تنظيم الدولة فيما يسمى "ولاية نيجيريا".

حسب تقارير صحفية، فإن الجماعة رأت أن هناك مساحة توفرت بعد رحيل البغدادي، وأن الفرصة مواتية لتصدر المشهد، خصوصا أن تلك الجماعات خاضت جولات من النزاع على الإمارة قبل مقتل البغدادي.

ما تتسم به تلك الجماعات أنها غير متماسكة من الناحية التنظيمية، فعادة ما تكون عرضة للتشظي بسبب الخلاف على الزعامة وإستراتيجية التمدد والنفوذ في القارة، وبسبب حالات العزل التي تطال أمراء تلك الجماعات من قبل قيادات التنظيم، أو من الجماعة نفسها. 

"بوكو حرام"

تأسست جماعة "بوكو حرام" عام 2002، على يد محمد يوسف، بعدد قوامه 200 شاب وشابة، وركزت في البداية على رفض أسلوب التعليم الغربي والثقافة الغربية، وهي الكلمة التي تعنيها عبارة "بوكو حرام" أي "التعليم الغربي حرام".

ورغم تأسيسها في 2002 إلا أنها لم تقم بمزاولة أي نشاط عسكري إلا في 2009، ومنذ بداية نشاطها العسكري، تم مواجهتها من قبل السلطات النيجيرية، ففي يوليو/تموز 2009 ألقت الشرطة النيجيرية القبض على عدد من قيادات الجماعة بعد التحري عنها ورصد أنشطة عسكرية تقوم بها.

واعتقل أمير الجماعة محمد يوسف، ضمن تلك الحملات، ومات في المعتقل، نتيجة التعذيب، في وقت تروي السلطات أنه توفي نتيجة حالته الصحية المتدهورة، الأمر الذي تسبب بموجات عنف أسفرت عن سقوط نحو 20 ألف قتيل، إضافة إلى نزوح 2.6 مليون شخص في منطقة بحيرة تشاد.

بعد وفاة مؤسس الجماعة وأميرها محمد يوسف، تولى أبوبكر شيكاو قيادة الجماعة، غير أن الجماعة تعرضت بعد ذلك لإخفاقات وخسائر على أيدي السلطات، فقام شيكاو في مارس/آذار 2015 بمبايعة أبو بكر البغدادي وغير اسم جماعته من "أهل السنة للدعوة والجهاد (بوكو حرام) إلى "تنظيم الدولة في غرب إفريقيا"، في إشارة لاسم تنظيم الدولة في العراق والشام، وهي خطوة أثارت تساؤلات عن كيفية استجابة "شيكاو" المعروف بخشونته وآرائه الصارمة لمطالب البغدادي. 

لم تدم زعامة أبوبكر شيكاو طويلا، إذ تم عزله بعد نحو سنة (مطلع أغسطس/آب 2016) من مبايعته للبغدادي، وذلك لتجاهله أوامر أمير التنظيم، إضافة إلى اتهامه بالبذخ بالأموال وعيش حياة ترف مع زوجاته، وإهماله توفير الغذاء والأسلحة للمقاتلين.

غير أن ذلك العزل الذي طال شيكاو دفعه للانشقاق مع فصيل من جماعته عن تنظيم الدولة، ليتزعم "بوكو حرام"، ويقوم بإحيائها من جديد.

انقلاب أبيض

بعد عزل أبو بكر شيكاو، تم تعيين أبي مصعب البرناوي، نجل مؤسس الجماعة محمد يوسف أميرا لتنظيم الدولة في غرب إفريقيا، ويشير لقب "البرناوي" إلى منطقة بورنو شمال شرقي نيجيريا.

قاد البرناوي التنظيم حتى مارس/آذار 2019، حيث تم عزله واعتقاله في انقلاب أبيض قادته "بوكو حرام"، المنشقة عن التنظيم، والتي عادت للنشاط شمال شرقي نيجيريا، وتم تنصيب أمير جديد هو أبو عبدالله عمر البرناوي، الملقب "با إدريس" من قبل "بوكو حرام".

"القوات المشتركة لمحاربة بوكو حرام"، التي تضم قوات من تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا، قالت في بيان صحفي: إن أزمات  داخلية في الجماعة أدت إلى تغيير في القيادة"، وأضاف البيان: "أن التنظيم أعلن إقالة القائد السابق أبي مصعب البرناوي، وقام بتعيين أبو عبد الله بن عمر البرناوي المعروف باسم با إدريس".

ورأى محللون أن تعيين البرناوي مثل نجاحا لفصيل "أنصارو" داخل جماعة بوكو حرام، الذي كان ينتقد شيكاو لاستهدافه المدنيين، ويفضل شن هجمات ضد الأهداف الحكومية.

أطماع العودة

نشأت جماعة "أنصارو" عام 2011، نتيجة انشقاقها عن "بوكو حرام" بدعم من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وتنشط في نيجيريا ومالي، وكانت الجماعة قد انشقت بعد خلافات مع بوكو حرام حول استهداف المدنيين المسلمين، إذ كانت تصر جماعة "أنصارو" على حصر الاستهداف بالمواطنين الغربيين والأهداف الغربية فقط.

إلا أن نشاطها تراجع في 2012 و2013 بعد أن تمكن شيكاو أمير "بوكو حرام"، من اعتقال عدد كبير منهم، بسبب الانشقاق، وقتل عدد من قادتهم، بمن فيهم قائد الفيصل خالد البرناوي، ورغم إعلان "بوكو حرام" ولاءها للبغدادي، إلا أن "أنصارو" لم تبايعه.

وغاب نشاط الجماعة بشكل كلي منذ 2015، إلا أنها عادت للنشاط الإعلامي بعد مقتل البغدادي، وقامت بعقد لقاءات مع "بوكو حرام" المنشقة عن تنظيم الدولة، بغية توحيد الجهود والقدرة على منافسة تنظيم الدولة في تصدر المشهد وتقديم نفسها كجماعة قوية قادرة على التمدد والنفوذ.