الصدام الأمريكي الإيراني.. ما تأثيره على الاحتجاجات في العراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

صرف الصراع المتصاعد بين واشنطن وطهران داخل العراق، الأنظار إلى حد ما عن الحراك الشعبي، خاصة بعد اقتحام السفارة الأمريكية، ومقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وانفتاح البلد على سيناريوهات عدة، تثير تساؤلات حول مستقبل المظاهرات ومطالبها.

منذ 27 ديسمبر/ كانون الأول 2019، اشتد الصراع بين أمريكا وإيران، بعدما وجهت واشنطن ضربة جوية عنيفة على مقرات لمليشيا "كتائب حزب الله" في العراق، أدت إلى مقتل 28 وإصابة 43 آخرين، وذلك ردا على قصف قاعدة عسكرية في كركوك (شمالا) أودت بحياة مقاول أمريكي.

عقب ذلك خرجت فصائل الحشد الشعبي بتظاهرة أمام سفارة واشنطن في بغداد، وصلت إلى حد اقتحامها وإضرام النيران فيها، فيما حمّل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران المسؤولية، وتعهد بأن "تدفع الثمن غاليا"، حسب تغريدة على تويتر.

لم تمض سوى 48 ساعة حتى جاء الرد الأمريكي، بقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس- الذي شارك المحتجين بالتظاهر أمام سفارة واشنطن-، في محيط مطار بغداد بغارة جوية نفذتها طائرة مسيرة في 3 يناير/ كانون الثاني الجاري.

موقف المتظاهرين

في ساحة التحرير وسط بغداد، عبر المتظاهرون عن فرحتهم بمقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، معتبرين أنهما كانا وراء قتل المتحتجين السلميين.

ونشر ناشطون على مواقع التواصل مقاطع مصورة لمحتجين يرقصون فرحا وسط ساحة التحرير ببغداد، ابتهاجا بمقتل سليماني والمهندس، معربين عن أملهم في أن تكون هذه الخطوة نهاية الأحزاب الموالية لإيران التي تدير الحكم بالعراق منذ 17 عاما.

ورغم سطوة المليشيات الشيعية في الشارع، إلا أن أهالي محافظة كربلاء أنزلوا صور قاسم سليماني التي علقت في شوارع المدينة تعبيرا عن رفضهم التعاطف مع رجل إيران الأول الذي هتف المتظاهرون ضده واتهموه بقتلهم.

في المقابل، وصفت سناء الموسوي النائبة في البرلمان عن تحالف "الفتح" الذي يمثل أغلب فصائل الحشد الشعبي، من قام بإنزال صور سليماني بـ"الذيول التابعين لأمريكا".

لم يكن المتظاهرون في بغداد وكربلاء وحدهم من رفض التعاطف مع سليماني، وإنما في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، اندلعت اشتباكات بين المحتجين و"كتائب حزب الله"، إثر منعهم من الدخول إلى ساحة الحبوبي، معقل المتظاهرين المناوئين للحكومة، خلال تشييع رمزي نظمته المليشيا لجثمان الجنرال سليماني، وأبو مهدي المهندس.

لكن عددا من مسلحي الحشد أطلقوا النار على المتظاهرين فقتلوا واحدا وأصابوا 4 آخرين، ما دفع المحتجين إلى إضرام النيران في مقر للحشد بمدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي البلاد.

وفي 5 يناير/ كانون الثاني 2020، خرج متظاهرون في مدن عدة يهتفون "لا للاحتلالين الأمريكي والإيراني"، مطالبين بإبعاد بلدهم عن الصراع في ظل التوتر الذي بلغ أوجه بين طهران وواشنطن.

وعلى مدى الأسابيع الماضية، ندد المحتجون بنفوذ إيران المتصاعد في العراق ورعايتها للأحزاب المتهمة بالفساد والتي تحكم البلاد منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

ودخل الحراك الشعبي في العراق شهره الرابع، إذ انطلق في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، مطالبا بتحسين الخدمات والقضاء على الفساد، وتوفير فرص عمل، وإنهاء نفوذ إيران، ثم تحولت مطالب المتظاهرين بعد قمعهم من الأجهزة الأمنية ومليشيات موالية لإيران بإشراف مباشر من قاسم سليماني- حسب تقارير- إلى دعوات لإقالة الحكومة وإنهاء حكم الأحزاب التي تدير البلد من 17 عاما.

وبلغ عدد قتلى المتظاهرين بنيران قوات الأمن والمليشيات الموالية لإيران من بدء الاحتجاجات إلى 520 متظاهرا، ونحو 20 ألف مصاب، فيما لا تزال عمليات الاغتيال والاختطاف والاعتقالات تطال الكثير من الناشطين، حسبما أفادت مفوضية حقوق الإنسان العراقية.

مستقبل الحراك

إثر تطور الصراع بين واشنطن وإيران، واتخاذ العراق ساحة لتصفية الحسابات، رأى مراقبون أن ذلك سيزيد من احتقان الوضع في بلد يعيش أصلا أزمة سياسية وغليانا شعبيا متواصلا منذ شهور.

ونقل موقع "دويتشه فيله" الألماني عن المحلل السياسي العراقي واثق الهاشمي، قوله: "الهجوم الأمريكي يعني أن العراق تحول فعليا إلى ساحة معلنة ومكشوفة للحرب بين طهران وواشنطن".

وعلى مستوى الأزمة الحكومية "سيصعب الهجوم بشكل أكبر إمكانية التوصل إلى توافق حول شكل الحكومة الجديدة ومن يترأسها"، حسب الخبير العراقي: "من كان مَرِنا قبل التصعيد الأخير سيصبح متزمتا الآن أكثر"، والمقصود بذلك السياسيون العراقيون المحسوبون على كل من إيران والولايات المتحدة.

وفي هذه الحالة يبقى السيناريو الأقرب إلى الواقع، حسب الهاشمي، هو أن يبقى عادل عبدالمهدي على رأس حكومة لتصريف الأعمال في ظل صعوبة التوصل إلى توافق، لكن بقاءه سيُواجَه برفض كبير من المرجعية الشيعية والشارع العازم على مواصلة الحراك، كما يقول الخبير الهاشمي.

من جهته، قال حسن نواف، أحد نشطاء الاحتجاج: "الحراك سيتواصل ولن يقبل المتظاهرون بالعودة إلى نقطة الصفر بعد كل الشهداء الذين قدمهم الحراك. ما يحدث بين أمريكا وإيران لا يعنينا. نحن نطالب بحكومة تمثلنا وبإصلاحات وبمحاربة الفساد"، حسبما نقل الموقع الألماني.

وبخصوص المخاوف التي قد تشيع في الشارع العراقي في حال انتشار محتمل لقوات الفصائل الموالية لإيران بعد مقتل سليماني والمهندس القيادي البارز في الحشد، يقول الناشط العراقي: "عرفت المظاهرات الكثير من الاغتيالات وواصلنا الخروج، لذا لن يتغير شيء وسنزداد صمودا وإصرارا إلى أن تتحقق المطالب".

"حدث جلل"

وفي السياق ذاته، رأى الكاتب الفلسطيني عزام التميمي في مقال صحفي أن "هدف قاسم سليماني، ومن ورائه النظام الحاكم في طهران ومن يوالونه في العراق، كان إحداث تصعيد محدود في المواجهة مع الولايات المتحدة ما يلبث أن يتم احتواؤه بعد أن تكون الساحة العراقية قد شُغلت بما هو أهم وأخطر من الحراك الجماهيري الذي كان يصب جام غضبه على الوجود والتدخل الإيراني في العراق".

وأضاف: "لم يكن ليخفى على المتابع لتطورات ذلك الحراك الجماهيري في العراق أن من أهم مميزاته أنه كان متجاوزا للطائفية، هويته عراقية بحتة، ومطالبه واضحة ومباشرة ومبررة، وأن الإيرانيين كانوا يشعرون إزاء ذلك بقلق بالغ".

وتابع: "كانت النخبة الحاكمة الموالية لهم تتعرى شيئا فشيئا أمام مطالبات الجمهور بإسقاط المنظومة الحاكمة المتهمة بالفساد والولاء للأجنبي، مما جعل الإيرانيين وأولياءهم في بغداد يتهمون جهات خارجية بالوقوف وراء الحراك الشعبي المناهض للاستبداد والفساد".

وبرأي التميمي، فإنه كان لا بد من "حدث جلل يغير اتجاه البوصلة. وفعلا، ما لبثت شعلة الحراك الشعبي أن خبت خلال الأيام التي سبقت عملية الاغتيال، حيث تركزت الأنظار على صراع يتصاعد ببطء بين الأمريكان والأجنحة الموالية لإيران داخل المنظومة الحاكمة في بغداد، والتي يعبر عنها تنظيم الحشد الشعبي بكافة مكوناته".

التميمي قال: "لكن مما لا يمكن إنكاره أن التصعيد المتعمد من قبل أنصار إيران في العراق ضد الولايات المتحدة بهدف سحب البساط من تحت أقدام المحتجين في مدن العراق على فساد المنظومة الحاكمة في بغداد، تصادف مع مرور البيت الأبيض في واشنطن بمأزق شديد الوطأة نجم عن مضي الكونغرس قدما في إجراءات سحب الثقة من الرئيس دونالد ترامب بتهم تتعلق بإساءة استخدام صلاحياته".

وحسب الكاتب، فإنه "لاشك أن ما أقدم عليه ترامب من قرار باغتيال سليماني يحقق له توجيه الانتباه إلى قضية أكثر إلحاحا وأشد مصيرية، وهو تكتيك سبقه إليه بيل كلينتون عندما كان يمر بمأزق نجم عن علاقته غير الشرعية بالمتدربة مونيكا لوينسكي".

ولفت إلى أن "كلا الطرفين، الإيراني والأمريكي، وكل لأسبابه الخاصة، كان بحاجة إلى تصعيد ما، محدود الأثر والزمن، إلا أنه لم يكن يخطر ببال الإيرانيين أن يكون ثمن هذا التصعيد التضحية بواحد من أهم الشخصيات لديهم، سليماني، كما لم يكن يخطر ببال المليشيات العراقية التي استخدمت أداة من قبل الإيرانيين في التصعيد أن يكون ثمنه هو التضحية بواحد من أهم الشخصيات لديهم، المهندس".

واستنتج التميمي في مقاله أن "التصعيد الذي خطط له كل من سليماني والمهندس لم يكن في حقيقة الأمر عملا نضاليا ضد الوجود الأمريكي في المنطقة، وهو الوجود الذي جنى منه هؤلاء ومن يمثلون أكبر الثمار، وإنما كان سعيا لتقويض الحراك الجماهيري في العراق، وهو الحراك الذي أوشك على إسقاط المنظومة التي أوجدها الأمريكان واخترقها الإيرانيون حتى النخاع، ووفرت لهم جسرا عبروا من خلاله إلى سوريا وصولا إلى مياه البحر المتوسط".