ترسم علاقاتها الخارجية.. أربعة ملفات ثقيلة تواجه تركيا في 2020

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "حرييت" التركية، مقالا للكاتب سيدات إرجين، سلط فيه الضوء على الملفات السياسية الثقيلة التي تواجه تركيا في العام الجديد 2020، والتي تتركز في علاقاتها الخارجية، مشيرا إلى خيارات أنقرة في التعامل معها خلال المرحلة المقبلة.

وقال الكاتب: إن عام 2020 قدم وفي جعبة تركيا عدد من الملفات السياسية ثقيلة التركيبة، وأن على تركيا النظر فيها من جديد وترميم ما يتوجب ترميمه وإصلاحه وإعادة النظر فيما يمكن أن يحسن من وضع تركيا الخارجي، لافتا في ذات الوقت أن تركيا اضطرت مؤخرا لتفعيل "دبلوماسية البوارج" حين تعذر استخدام "دبلوماسية الكلمة".

4 ملفات ثقيلة

وأوضح أنه ومع بدء العام الجديد، رحَّلت 4 ملفات سياسية ثقيلة الوزن في علاقات تركيا الخارجية، وهي على الترتيب العلاقات مع كل من الولايات المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي، والعلاقات مع روسيا وأخيرا تطورات القضية الليبية ومسألة إرسال الجنود الأتراك إلى هناك.

وقال الكاتب: إنه "بادئ ذي بدء، ينبغي أن نشير إلى أن الاتجاه الذي لاحظناه في السنوات الأخيرة قد تعزز تدريجيا؛ حيث تركيا تمر بمرحلة تتوسع فيها حصة الأدوات والأساليب العسكرية في إدارة السياسة الخارجية، كما أنه وفي خلال النقاشات تتشابك مفاهيم السياسة الخارجية والمصطلحات العسكرية بشكل متزايد".

وأضاف: "بالطبع، إذا كان أحدكم محاطا بالأزمات والحروب ويواجه أيضا تحديات كبيرة فيما يتعلق بحقوقه ومصالحه الأساسية للغاية، لا يمكنه التمتع بترف قبول ما يجري بنهج ساذج والوصول إلى هذه النقطة والاكتفاء بها وكأن شيئا لم يكن".

والمسألة الأساسية هنا بحسب الكاتب: "هي مدى استغلال فرص الدبلوماسية عند تطبيق الوسائل العسكرية، حيث يمكننا طرح السؤال نفسه: إلى أي مدى يتم فتح المجال للدبلوماسية لحل القضايا دون الحاجة إلى أساليب عسكرية، وإلى أي مدى يتم توجيه الطريق الصحيح إلى السياسة الخارجية؟".

ورأى الكاتب أن "هناك ثقة في السياسية الخارجية لتركيا نابعة من المواطن التركي، لكن ومع ذلك، لا يمكن القول إن السياسة الخارجية لأنقرة تسير كما ينبغي وأن كل شيء على ما يرام".

وحاول إرجين شرح وجهة نظره بقوله: إنه مع نهاية العام الماضي 2019، تركت تركيا علاقات سيئة وأرضية تواصل قد تكون مفقودة سواء في علاقاتها مع واشنطن أو تلك العلاقات التي كانت جيدة مع الاتحاد الأوروبي، والأمثلة على ذلك كثيرة ولعل أبرزها، الاعتراف بما يعرف "بالإبادة الجماعية للأرمن" من الكونجرس الأمريكي بأغلبية غير مسبوقة.

وأردف: هذا يعني أن تركيا وعلاقاتها مع الغرب بشكل عام ليست على ما يرام مؤخرا، بل حتى المسافة بين الطرفين آخذه في الاتساع، ومن المتوقع أن تستمر العلاقة على هذا النحو سواء مع أوروبا أو مع أمريكا خلال العام الجاري 2020.

وبحسب الكاتب، فإن من نافلة القول التأكيد أن "هناك مشاكل حقيقية في تركيا مثل حرية التعبير، وكذلك استقلال القضاء، وغياب محاولات حقيقية للإصلاح، وكذلك دوران تركيا في حلقة مفرغة، ومناخ غير مقنع بأي حال، يجعل من ذلك كله عوامل إضافية تسهم في زيادة الهوة مع الغرب كل يوم عن الذي سبقه، ما أدى إلى حدوث تقارب واضح الملامح بين تركيا وروسيا على حساب العلاقات مع الغرب".

وأردف: "إلا أن هذه العلاقات أيضا تعيش نوعا من الاضطراب فعلى سبيل المثال، كما هناك تعاون بين موسكو وأنقرة في سوريا هناك نوع من الاشتباك والاختلاف في مسألة إدلب وهي المدينة السورية أيضا".

ورأى الكاتب أن "القضية الأكثر حساسية تظهر هنا، لأنه وبسبب تقارب تركيا من روسيا تحت تأثير المواجهة المستمرة مع الغرب لا يمكن تجاهل إمكانية إنشاء وضع غير متشابهة في هيكل العلاقات مع روسيا مقارنة بالعلاقات مع تركيا، وهذا يعني أنه من الضروري حين تكون علاقات مع روسيا ألا يكون فيها نوع من "انعدام العدالة" كما كان يحدث مع الاتحاد الأوروبي، بحيث تكون العلاقات دولة مقابل دولة.

وزاد قائلا: "في العلاقات تكون هناك نوع من العلاقات والتوازنات ويصبح هناك طرف رابح وطرف أقل ربحا وهو ما إن كان مقبولا مع أوروبا لا يمكن أن يكون مقبولا في العلاقات مع الروس".

وتابع: تركيا يجب أن تعي ما الذي يمكن أن تفعله روسيا في إدلب وتستعد لكل السيناريوهات المتوقعة، وتكون واعية لكل ذلك بما يكفي، مع اشتراط أن تتصرف وفق تنمية العلاقات بين الطرفين، وأن تفعل ما بوسعها لتجاوز المخاطر والنقاط الحرجة مع موسكو؛ وطريقة القيام بذلك هي من خلال تنويع مراكز ثقل السياسة الخارجية عبر تنويعها.

وشدد الكاتب على أن هذا التنويع هو بالعودة إلى المسار الأوروبي وتقوية العلاقات مع الغرب، مؤكدا أن تركيا بحاجة للعودة إلى المسار الأوروبي والتقارب مع الغرب لأسباب عديدة، وليس فقط، من أجل احتياجات أنقرة الأمنية، ولا المصالح الاقتصادية، ولا مسألة التطور التكنولوجي فقط، بل أيضا من أجل مفاهيم مثل الديمقراطية، وقيم حقوقية رصينة، كمسألة سيادة القانون وترسيخ ذلك في البلاد.

واستدرك إرجين قائلا: إن العلاقات مع موسكوا يجب أن تستمر، بل وأن تتوسع أكثر وفي كافة الجوانب غير أنه وجب التأكيد على أن العلاقات مع تركيا لا يمكن أن تصب في صالح منظور وقيم كالديمقراطية وحقوق الإنسان، وما تجني تركيا من علاقاتها مع الروس هو مصالح سياسية واقتصادية بحتة.

"دبلوماسية البوارج"

ونوه إلى أن القضية الأخرى، هي مسألة الوجود التركي في الشرق الأوسط، وفعاليته الملحوظة في كافة الاتجاهات، ونظر كثير من الدول العربية بعين الريبة والشك لما يحدث؛ لتصبح المنطقة تعاني من الاستقطاب بشكل فج، ومن أبرز من هم على هذه الجبهة كل من دولة مصر والسعودية والإمارات.

وأردف الكاتب: لعل القضية الأبرز هنا هو التدخل التركي بمشاركة قطر في ليبيا، حيث يحاول الطرفان إنهاء الحرب الأهلية في ليبيا عبر دعم حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، وفي تغير جذري لبوصلة السياسية الخارجية التركية، إذ كانت تكتفي بالسابق بالمناداة والدعوات ومحاولة البناء ورأب الصدع، لكن الظروف الآن تغيرت وبات الآن طرفا إن جاز التعبير.

ويمكن للأمر ما يبرره، بحسب الكاتب، إذ تعمل تركيا للوقوف في وجه من يريد أن يستأثر بثروات البحر المتوسط من غاز طبيعي ونفط وحده، أو أن يعقد الاتفاقيات خفية كإسرائيل واليونان وقبرص الرومية، كما تعمل مصر على إنجاح ذلك مع الأسف، وفي الوقت الذي تشهد العلاقات التركية مع الغرب متمثلة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تراجعا، يعمل هذان الطرفان على دعم الجبهة المناوئة لتركيا في المتوسط.

وخلص الكاتب إلى أن العلاقات التركية مع كل من ومصر وإسرائيل وصلت إلى الحضيض، وبالتالي فإن قدرات تركيا على المناورة ومحاولة الخروج بمكاسب حقيقية في البحر المتوسط بدون الدخول في أتون المعارك أمر محدود وفرصته تكاد تكون معدومة، وعند الوصول إلى هذه النقطة، بحيث لا يكون للدبلوماسية أي دور، فإنه ولسد الفجوة هذه، مضطرة تركيا أن تحرك "دبلوماسية البوارج" مع لغة العسكر والبارود.

وختم إرجين مقاله، باقلول: حين النظر للسنوات المقبلة بدءا من العام الجاري، فإنه من الضروري لتركيا أن تعيد ترميم علاقاتها مع بعض الأطراف وتعزيز علاقاتها مع أطراف أخرى، ومع ضرورة أن تكون هذ العلاقات متنوعة ومتوازنة، يجب ألا يغيب عن بالنا أن الاتجاه الأساسي لتركيا هو الغرب.