مجلة أمريكية ترصد خيارات إيران للرد على مقتل سليماني

12

طباعة

مشاركة

تساءلت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية عما إذا كان رد إيران المتوقع على غارات الولايات المتحدة التي أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، سيقود المنطقة إلى حرب مدمرة، لافتة إلى أن واشنطن باغتياله اتخذت أكبر خطوات تصعيدية.

وفي مقال للكاتب إيلان جولدنبرج مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد، نشرته المجلة، قال: إن "قاسم سليماني لم يكن فقط قائد فيلق القدس، ولكنه كان رجل إيران القوي، والأكثر شعبية ونفوذا فيها، وأحد ألد أعداء الولايات المتحدة، إضافة لكونه مهندس العمليات العسكرية الإيرانية في المنطقة".

رجل إيران

وأشار الكاتب إلى أنه قاد الحملة الإيرانية لتسليح وتدريب المليشيات الشيعية العراقية، وأصبح بعد ذلك الممول الرئيسي للنفوذ السياسي الإيراني بالعراق، وعلى الأخص من خلال جهوده لمحاربة تنظيم الدولة، كما أنه قاد سياسات إيران لتسليح ودعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، بما في ذلك عن طريق نشر ما يقدر بنحو 50 ألفا من مقاتلي المليشيات الشيعية في سوريا.

وبحسب قوله: فإن "سليماني كان الرجل المهم في علاقة إيران بحزب الله اللبناني، حيث ساعد في تزويد المجموعة بالصواريخ لتهديد إسرائيل، أيضا قاد إستراتيجية إيران لتسليح الحوثيين في اليمن، لكل هذه الأسباب وأكثر من ذلك، كان سليماني بطلا في إيران وفي جميع أنحاء المنطقة".

ورأى الكاتب أن "الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت أكبر الخطوات التصعيدية بقيامها باغتيال أحد أهم وأقوى الرجال في الشرق الأوسط".

وأوضح أن "وجهة نظر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترتكز على أن سليماني كان إرهابيا، وأن اغتياله كان عملا دفاعيا أوقف هجوما وشيكا على القوات والشخصيات الأمريكية في الشرق الأوسط، قد يكون هذان التأكيدان صحيحين أو غير صحيحين، لكن الولايات المتحدة لن تشعر أبدا بأنها مضطرة للعمل ضد الجنرال الإيراني إن لم يكن بسبب السياسة الطائشة التي اتبعتها الإدارة منذ توليها الحكم".

ولفت الكاتب إلى أن ترامب انسحب من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/ أيار 2018، واعتمد سياسة الضغط الأقصى للعقوبات الاقتصادية على إيران، وعلى مدار عام، ردت إيران بضبط النفس في محاولة لعزل الولايات المتحدة دبلوماسيا وكسب تنازلات اقتصادية من أطراف أخرى في الاتفاق النووي.

وتابع: إيران أدركت بعد عام من ضبط النفس أن هذه السياسة لن تحقق لها مصالحها، لذا لجأت في مايو/أيار 2019 إلى إستراتيجية المواجهة التصعيدية في الشرق الأوسط، ففي البداية قامت بهجمات على مسار الشحن الدولي في الخليج العربي، تلتها إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار، مما أدى إلى نشوء صراع مفتوح مع الولايات المتحدة.

كما قامت في سبتمبر/أيلول الماضي بهجوم صاروخي على منشآت النفط السعودية - التي يمكن القول إنها أهم جزء من البنية التحتية النفطية في العالم- ثم ما لبثت أن بدأت مجموعات المليشيات الشيعية بإطلاق الصواريخ على القواعد الأمريكية بالعراق، مما أدى إلى مقتل مقاول أمريكي في 27 ديسمبر/كانون الأول 2019، وذلك حفز واشنطن للرد بغارة جوية انتقامية أدت إلى مقتل قاسم سليماني.

"حافة الهاوية"

السؤال الأكثر أهمية الآن، بحسب الكاتب، هو كيف سترد إيران؟، إذ يشير سلوك إيران خلال الأشهر القليلة الماضية وعلى مدار تاريخها الطويل إلى أنها قد لا تتسرع في الانتقام، بدلا من ذلك، ستختار بعناية وبصبر مقاربة تراها فعالة، وستحاول على الأرجح تجنب حرب شاملة مع الولايات المتحدة، ومع ذلك فإن أحداث الأيام القليلة الماضية تثبت أن خطر سوء التقدير مرتفع بشكل لا يصدق.

ونوه إلى أنه من الواضح أن سليماني لم يعتقد أن الولايات المتحدة سوف تصعد انتقامها بهذا الشكل أو أنه لن يترك نفسه ضعيفا، على مرمى حجر من القوات العسكرية الأمريكية في العراق. من جانبه، كان ترامب مصمما على عدم اهتمامه ببدء حرب جديدة في الشرق الأوسط، ومع ذلك، نحن هنا على حافة الهاوية.

ورأى الكاتب أنه أصبح من المؤكد أن تجد الولايات المتحدة نفسها في صراع مع المليشيات الشيعية بالعراق والتي ستستهدف القوات الأمريكية والدبلوماسيين والمدنيين، إذ أن العراق هو المسرح الذي وقعت فيه الضربة الأمريكية، وبالتالي المكان الأكثر عقلانية لإيران للرد الفوري.

وأردف: علاوة على ذلك، صعدت المليشيات أنشطتها بالفعل خلال الأشهر الستة الماضية، حيث تعتبر هذه المليشيات من بين وكلاء إيران الأكثر استجابة وسوف يكون لديهم دافع كبير، بالنظر إلى أن أبو مهدي المهندس، أحد كبار قادتهم ، قد قُتل في الغارة مع سليماني.

وتساءل الكاتب عما إذا كان الوجود الأمريكي في العراق لا يزال ممكنا أو حتى يبقى مسألة مفتوحة، لأن الوضع الأمني، الذي أصبح أكثر تعقيدا، ليس هو المشكلة الوحيدة هنا، فقد مثل الاغتيال انتهاكا شديدا للسيادة العراقية - يتم من جانب واحد دون موافقة الحكومة العراقية- بحيث يتعرض المسؤولون العراقيون لضغوط سياسية هائلة لإخراج القوات الأمريكية.

وأشار إلى أن الشعور بالكراهية والرفض للوجود الأمريكي في العراق يتزايد لدى العراقيين، فكل ما يأملوه ويعملون من أجله هو إعادة بلادهم لأنفسهم ويخشون أن يوضعوا في وسط المواجهة الأمريكية الإيرانية، ونتيجة للتوترات المتصاعدة بين واشنطن وطهران يمكن أن يتحول الوضع الحالي إلى سيناريو أسوأ حالة لهؤلاء المواطنين.

الانسحاب الأمريكي

من جهة أخرى، رأى الكاتب أنه "يمكن للانسحاب الأمريكي الفوضوي تحت النار والضغوط الشعبية العراقية أن يشكل مخاطر حقيقية، حيث لا تزال مهمة مواجهة تنظيم الدولة مصدر قلق دائم، وإذا اضطرت الولايات المتحدة إلى مغادرة العراق، فقد يتعرض هذا الجهد لضربة خطيرة، حيث يحتفظ التنظيم بوجود تحت الأرض ويمكنه الاستفادة من فوضى الانسحاب الأمريكي أو الصراع الأمريكي الإيراني لتحسين موقعه في العراق".

وعلى صعيد آخر، يشير الكاتب إلى أن تداعيات الاغتيال لن تقتصر بالضرورة على العراق، فحزب الله اللبناني، الذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع إيران ومن المرجح أن يستجيب للطلبات الإيرانية، يمكنه مهاجمة أهداف أمريكية في لبنان، حتى إذا قررت إيران تجنب حدوث تصعيد كبير في لبنان، فإن عملاء "حزب الله" منتشرين في جميع أنحاء الشرق الأوسط ويمكنهم مهاجمة أمريكا في أماكن أخرى من المنطقة.

واستطرد: بدلا من ذلك، قد يختار "حزب الله" شن هجمات صاروخية على الأراضي الإسرائيلية، رغم أن هذا الرد أقل احتمالا، لأن "حزب الله" يتجنب حربا شاملة مع إسرائيل من شأنها أن تدمر لبنان، وقد أدركت إدارة ترامب علنا أنها قتلت سليماني، مما زاد من احتمال توجيه ضربة انتقامية إلى الولايات المتحدة مباشرة.

خيارات إيران

وعلى صعيد الخيارات الإيرانية للتصعيد في مواجهة الولايات المتحدة، قال الكاتب: إنه يمكن لإيران أن تشن ضربات صاروخية ضد القواعد الأمريكية في السعودية والإمارات أو ضد المنشآت النفطية في الخليج، حيث كانت دقة الضربات الصاروخية الإيرانية على منشأة بقيق النفطية في سبتمبر/أيلول 2019، قد فاجأت الولايات المتحدة وبقية العالم، رغم أن إيران حاولت عن قصد إبقاء الهجوم محدودا ورمزيا. في المناخ الحالي، يمكن لإيران أن تصبح أكثر عدوانية".

ورأى إيلان جولدنبرج أنه على صعيد برنامج إيران النووي، يجب أن نتوقع أيضا من إيران تسريع برنامجها النووي بشكل كبير، فمنذ أن انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/ أيار 2018، كانت إيران مقيدة تماما في ردها النووي، بعد عام من البقاء في الاتفاق.

ولفت الكاتب إلى أنه في مايو/أيار 2019، بدأت إيران في انتهاك الاتفاقية بشكل تدريجي من خلال اتخاذ خطوات صغيرة كل 60 يوما، تنتهي مهلة الـ60 يوما المقبلة الأسبوع المقبل، ومن الصعب تخيل ضبط النفس في أعقاب مقتل سليماني، على الأقل، ستستأنف إيران تخصيب اليورانيوم إلى 19.75 في المئة، وهي خطوة مهمة نحو اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة.

ونوه إلى أن إيران هددت مؤخرا بالذهاب أبعد من ذلك عن طريق الخروج من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أو طرد المفتشين، ستكون هذه خطوات خطيرة للغاية، وحتى هذا الأسبوع يعتقد معظم المحللين أن طهران من غير المرجح أن تقوم بهذا بالفعل، الآن قد يكونون أقرب إلى التصعيد في برنامجها النووي.

وبيّن الكاتب: ربما يكون أكثر ما يمكن أن تفعله إيران استفزازا هو شن هجوم على الأراضي الأمريكية أو محاولة قتل مسؤول أمريكي رفيع من مكانة سليماني، سيكون هذا أكثر صعوبة بالنسبة لإيران في الانسحاب من الهجوم على المصالح الأمريكية أو الأفراد في الخارج، لكن قد تعتبره إيران مناسبا.

وأوضح أنه آخر مرة حاولت إيران القيام بهجوم في الولايات المتحدة كانت في عام 2011، عندما أحبطت أجهزة إنفاذ القانون والمخابرات الأمريكية مؤامرة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن بتفجير مطعم، حيث تم كشف الخطة الإيرانية مبكرا وإجهاضها نتيجة لرداءة التخطيط والأدوات المستخدمة في العملية.

وتابع الكاتب: أن هذا الحادث يشير إلى أن إيران أقل قدرة خارج الشرق الأوسط من داخلها، وهو تقييم تدعمه محاولات القصف الإيرانية الفاشلة في الدنمارك وفرنسا هذا العام، لذلك، في حين أن إيران قد تحاول شن هجوم داخل الولايات المتحدة، إلا أنها ستحتاج إلى الحظ حتى تنجح.

وخلص إيلان جولدنبرج في مقاله بالقول: إنه إذا كانت إدارة ترامب ذكية، فستفعل كل ما في وسعها لتشديد حماية المنشآت الأمريكية وحماية الأمريكيين مع استيعاب بعض الضربات الحتمية القادمة، كما يجب عليها التواصل مع إيران من خلال شركاء واشنطن الذين تربطهم علاقات جيدة مع الدولة، مثل عُمان، لمحاولة التراجع مع تحديد خطوط حمراء واضحة على انفراد لتجنب سوء تقدير إيراني.

واختتم مقاله بالقول: "أخيرا، يجب أن يكون ترامب مقتنعا بإعلان النصر والتفاخر بأنه كان له اليد العليا على إيران بقتل سليماني - وليس القيام بمزيد من الأعمال العسكرية- لكن يبدو أن هذا النوع من ضبط النفس يتعارض مع طبيعة ترامب ذاتها، وحتى لو أظهر ضبط النفس غير المعتاد في الأسابيع المقبلة، فإن الرغبة في الانتقام في إيران، والزخم السياسي الذي بدأت الرغبة في توليده بالفعل، قد تدفع الولايات المتحدة وإيران إلى صراع كبير".

الكلمات المفتاحية