إسرائيل تتأهب لهجوم إيراني.. ما علاقتها باغتيال قاسم سليماني؟

خالد كريزم | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ اللحظة الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في العراق، تأهبت "إسرائيل" لمواجهة ما أسمته "ردود فعل محتملة"، فهي الدولة الوحيدة التي باركت عملية الاغتيال الأمريكية وبالغت في الإشادة بها.

لم يتوقف الأمر عند مدح إدارة دونالد ترامب، بل رجحت محافل في تل أبيب أن يكون لإسرائيل دور في تصفية سليماني، وقيادات من "الحشد الشعبي" العراقي.

وقتل سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، و8 أشخاص آخرين كانوا برفقتهما، في قصف صاروخي أمريكي استهدف سيارتين كانوا يستقلونهما على طريق مطار بغداد، فجر 3 يناير/كانون الثاني الجاري.

وأصبح اغتيال سليماني حديث العالم بين ترحيب وحذر إسرائيلي وإدانات دولية ومطالب عربية بخفض التصعيد، وتهديد إيراني، وترقب من أمريكا التي تعتزم تحريك لواء تدخل سريع للشرق الأوسط.

دور إسرائيل

لم تستبعد صحيفة "هآرتس"، أن تصدر في الولايات المتحدة، خلال الأيام القليلة المقبلة، تقارير تدلل على أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قدمت إسهامات ساعدت في تصفية سليماني، مشيرة إلى أن التعاون الأمني والإستراتيجي بين تل أبيب وواشنطن عميق وواسع.

وحذرت الصحيفة في 4 يناير/كانون الثاني الجاري، من أنه في حال أدت الردود الإيرانية على تصفية سليماني، للمس بمصالح الولايات المتحدة بشكل خطير فإن الرأي العام الأمريكي سيطالب بجباية الثمن من إسرائيل بسبب دورها في عملية التصفية.

وقال ضابط بالجيش الإسرائيلي على دراية بالتقييمات العسكرية الإسرائيلية، لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز": إن "الهجوم على سليماني لم يكن مفاجأة". فيما انتقد كبار المعلقين العسكريين إقدام القيادات السياسية على خطوات تربط إسرائيل باغتيال سليماني.

وأوضح المعلق العسكري في قناة التلفزة "13"، ألون بن دافيد، أنه لم يكن هناك مبرر لعقد وزير الجيش نفتالي بينيت اجتماعا أمنيا يضم قادة الجيش والموساد للتباحث في تداعيات اغتيال سليماني، مشيرا إلى أن هذه الخطوة بدت وكأنها مؤشر على أن لإسرائيل علاقة بهذا التطور.

ونقلت قناة "كان" الإسرائيلية عن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية قوله: إنه "جرى إبلاغ إسرائيل قبيل الاغتيال"، كما قال باراك رافيد الصحفي والمعلق ذو المصادر العميقة في المؤسسة الأمنية للقناة 13: "تقييمنا هو أن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل بعملية العراق قبل بضعة أيام".

وما قد يدلل على ذلك، إجراء وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو 3 اتصالات برئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الأسبوع الذي سبق العملية. وتركز الحديث بحسب البيانات الرسمية على اقتحام السفارة الأمريكية والتوتر في العراق. ولذلك لم تتفاجأ إسرائيل بالتصفية الدراماتيكية لسليماني.

وبعد ساعات من الإعلان عن اغتيال سليماني، قطع نتنياهو زيارته لليونان، وأشاد أثناء مغادرته بتصفية القيادي العسكري الإيراني البارز قائلا: "ترامب تصرف بسرعة وقوة وحزم بإصداره أمرا بتنفيذ العملية التي وقعت بعد أيام من الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد"، واتهمت واشنطن طهران بتدبيره.

وأضاف نتنياهو أن سليماني يتحمل مسؤولية مقتل أمريكيين وأبرياء كثيرين، وأنه خطط لتنفيذ أعمال هجومية أخرى، مضيفا أنه "مثلما يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها يحق للولايات المتحدة أيضا الدفاع عن نفسها".

ومع ذلك، رفض نتنياهو الإجابة عن سؤال عما إذا كان على علم مسبق بالضربة، فيما بدا أنها محاولة متجددة لضمان إبقاء إسرائيل بعيدة عن المواجهة الأمريكية - الإيرانية المحتملة. 

محاولات وتحذيرات

في أغسطس/آب الماضي وجه نتنياهو تحذيرا لكل من سليماني والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله من الرد على هجوم إسرائيلي بطائرتين مسيرتين انفجرت إحداهما في ضاحية بيروت الجنوبية.

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن وزير الخارجية "يسرائيل كاتس" قوله في ذلك الوقت: إن بلاده تعمل على القضاء على سليماني.

وسبق أن اتهمت تل أبيب قائد فيلق القدس بالتخطيط لهجمات ضدها انطلاقا من سوريا التي يتمركز فيها الفيلق دعما لقوات رئيس النظام السوري بشار الأسد.

ونشر موقع إنتلجنس أونلاين في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019، تقريرا قال فيه: إن الموساد و"أمان" (شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية)، شنّا على مدار 3 سنوات حملة إعلامية لـ"تقويض" مكانة سليماني داخل إيران، واتهامه بالعمل منفردا.

لكن العملية فشلت جزئيا "لأن الشعب الإيراني لم يقتنع بأن سليماني يعمل بناء لرأيه، بل واصل الاعتقاد بأنه يتلقى الأوامر من المرشد الأعلى علي خامنئي، وازدادت ثقة الإيرانيين به عندما نشر أن حياته في خطر بسبب تهديدات إسرائيل"، وفق الموقع.

وذكر التقرير أن سليماني أقنع خامنئي بالسماح له بإدارة الإستراتيجية الإيرانية في سوريا والعراق، ونجح في الدفع نحو تزايد "العدوانية الإيرانية في مواجهة إسرائيل".

ووفق المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، رون بن يشاي، فإن "لإسرائيل حساب طويل مع سليماني، الذي كان ضالعا في عملية تفجير مبنى الجالية اليهودية في بوينس آيريس عام 1994، وعملية حافلة السواح في بورغاس عام 2012، وفي 3 حالات على الأقل جرى محاولة إطلاق صواريخ ودرونات (طائرات مسيرة) من الأراضي السورية (تجاه إسرائيل)".

لكنه يقول: إن خطر سليماني الأساسي كان يتمثل في جهوده لبناء جبهة شيعية أخرى ضد إسرائيل في سوريا، منذ العام 2017، وأنه كان على رأس مشروع تحسين دقة الصواريخ التي بحوزة "حزب الله".

وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول 2019، قال رئيس المخابرات في الحرس الثوري الإيراني، حسين طائب: إن بلاده أحبطت ما وصفته بأنها مؤامرة "إسرائيلية عربية" لاغتيال سليماني، مبينا أنه جرى اعتقال 3 أشخاص على صلة بالخطة.

وفي السياق، قال كبير المعلقين في قناة "12"، أمنون أبراموفيتش: إن "إسرائيل" كان بإمكانها تصفية سليماني لكنها تراجعت عن ذلك تارة بسبب رفض المستوى السياسي في تل أبيب، وتارة أخرى بسبب تدخل جهات أجنبية.

وأشار إلى أنه رغم ضغوط المؤسسة العسكرية لاغتيال سليماني إلا أن المستوى السياسي رفض ذلك لاعتبارات سياسية، مشيرا إلى أن "إسرائيل" كان بإمكانها تصفيته في فبراير/شباط 2008، عندما اغتالت عماد مغنية القائد العسكري لـ"حزب الله" في دمشق.

ووسط تغلغل سليماني في المنطقة وتردد "تل أبيب" في اغتياله، يرى مراقبون أنها نجحت في دفع الولايات المتحدة، في نهاية المطاف، إلى مواجهة إيران بشكل مباشر، أو ساهمت في حملها - إلى جانب عوامل أخرى - على اتخاذ موقف عدائي تجاوز قواعد الاشتباك في العراق والإقليم.

إلا أن الحسابات باتت اليوم متعلقة بما سيلي الرد الإيراني الذي تُقدر إسرائيل أنه آت لا محالة، وفق ما يتسرب عنها منذ العملية.

جبهة جديدة

اتخذت "تل أبيب" احتياطاتها سريعا، وأعلنت وزارة الخارجية وأجهزة الأمن الإسرائيلية رفع حالة التأهب الأمنية خاصة على الحدود مع لبنان وفي هضبة الجولان المحتلة، وتعزيز الحراسة في سفاراتها والممثليات كافة حول العالم، خشية أعمال انتقامية إثر مقتل سليماني.

ولم تشر "تل أبيب" إلى تهديدات محددة، لكنها ألمحت بعد عمليات اغتيال مشابهة إلى إمكانية شن هجمات مصدرها لبنان وسوريا من قبل حزب الله ومجموعات إيرانية.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان: إنه "إثر تقييم الوضع، تقرر عدم فتح موقع جبل الشيخ (على الحدود مع لبنان) للزوار اليوم (يوم الاغتيال). لا توجد تعليمات أخرى لسكان الجولان والمنطقة، والوضع العادي مستمر".

وأفادت وكالة فرانس برس بحدوث تحرك للدبابات والجنود الإسرائيليين وسد الطريق والانتشار على سفح جبل الشيخ في الجولان المحتل، مبينة أن تل أبيب نصبت صواريخ "القبة الحديدية" المضادة للصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية.

كما أغلقت سلطات الاحتلال منتجعا للتزلج بالقرب من الحدود السورية، خشية حدوث هجوم صاروخي، وفق ما ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل.

ويقول الخبير في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي: إنه "بات واضحا تحمس قيادة الجيش الإسرائيلي اللافت لفكرة التهدئة مع غزة مؤخرا، وأن دعم قائده كوخافي فكرة التسهيلات الاقتصادية جاء للتفرغ للجبهة الشمالية بعد اغتيال قاسم سليماني".

وتوقع النعامي في تغريدة له على تويتر، أن جيش الاحتلال "كان على علم مسبق بالاغتيال، على اعتبار أن هذه الجبهة (الشمالية) مرشحة للانفجار، على الأقل حسب التقدير الصهيوني".

وعن تلك الجبهة، قال زعيم حزب "العمل" الإسرائيلي عمير بيرتس، بعد عملية الاغتيال: إن سليماني "كان هو المحرك الرئيسي في المنطقة، ومهندس المواقع الأمامية المعادية على حدودنا الشمالية، والراعي الرئيسي لحماس وحزب الله"، وفق ما نشرته القناة "13" العبرية.

وقدم بيرس شكره للولايات المتحدة والرئيس الأمريكي ترامب على العملية، محذرا من أن "إيران ومبعوثيها يرون في إسرائيل عنوانا قريبا يمكن الوصول إليه من أجل الانتقام".

أما زعيم تحالف "أزرق أبيض" الجنرال بيني غانتس، فتمنى على "جميع المسؤولين في إسرائيل تجنب التلميحات التي تعرض الأمن القومي للخطر، وإذا كان هناك شخص يواجه صعوبة في التقييد، فيجب عليه الاستقالة من منصبه في أقرب وقت ممكن".

بدوره، حذر عضو "الكنيست" عوفر كاسيف، من أن "هناك من لا يفهم أن قتل سليماني يمكن أن يؤدي إلى هجوم ضد إسرائيل"، بينما قال موقع "i24" الإسرائيلي، في تقرير له: إن العملية الأمريكية "تفتح الباب على مرحلة تتسم بعدم اليقين بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة".

وفي تلميحه إلى احتمالية وجود دور لإسرائيل في الاغتيال وإمكانية أن يطالها الرد، أضاف الموقع أن "هذا النمط من اغتيال العسكريين الأجانب، يشبه أسلوب الجيش الإسرائيلي أكثر من الطريقة التي يتبعها نظيره الأمريكي".

ولذلك، كشفت القناة العبرية "13"، أن نتنياهو أصدر تعليماته لأعضاء "الكابينت" بعدم الحديث أو إجراء أي مقابلات صحفية حول اغتيال سليماني.

السيناريو المرجح

يقول عريب الرنتاوي في "الدستور" الأردنية: إن "التكهن بنوعية الانتقام الذي توعدت به طهران الولايات المتحدة، يبدو نوعا من الضرب في الرمل". ومع أن المنطقة دخلت في مزاج حرب مفتوحة، إلا أن الكاتب يرى أن قواعد الاشتباك بين إيران وأمريكا "ما زالت على حالها، وكلاهما لا يريدان الحرب الشاملة ويسعيان لتفاديها".

ولذلك فإنه يرجح أن يتجه الطرفان نحو حروب الوكالة، "بما هي عمليات تعرض وتحرش واغتيال، فهي ما زالت الوسيلة المفضلة لتسوية الحسابات، مع أن وصول التوتر والتصعيد إلى هذه الذروة، يبقي الباب مفتوحا أمام شتى السيناريوهات وأشدها خطورة".

بدوره، يرى موفق ملكاوي الكاتب في "الغد" الأردنية أن "طهران تمتلك طريقين للرد، الأول من خلالها مباشرة، وذلك باستهداف قوات أو مصالح أمريكية، تستطيع من خلاله إيلام الولايات المتحدة، خصوصا استهداف الجيوش الأمريكية المنتشرة في دول المنطقة".

غير أن ذلك يمثل مجازفة كبيرة بوضع نفسها هدفا مباشرا للانتقام الأمريكي، ويقول الكاتب: "لعل الطريقة الأكثر سلامة، هو الرد من خلال الوكلاء المنتشرين في لبنان وسوريا واليمن، والعراق خصوصا الذي يبدو أنه الساحة المفضلة للعمل الإيراني". 

وإذا اعتمدت إيران الطريقة الثانية، فإن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن حزب الله لديه قرابة 130 ألف صاروخ يمكن أن تصل إلى جميع أنحاء إسرائيل، وفي الوقت نفسه لدى حركة حماس آلاف الصواريخ التي يمكن أن تغطي جنوب ووسط إسرائيل بما في ذلك منطقة تل أبيب، وفق المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس.

وقال موريس في أغسطس/آب 2019: إنه "إذا اندلعت الحرب، فإن إسرائيل على الأرجح ستجد نفسها تقاتل على جبهتين، وربما تكون مرتفعات الجولان الجبهة الثالثة حيث ستواجه قوة إيرانية شكلها الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الخاضعة لسيطرة إيران".

لكن حماس والفصائل الفلسطينية، ورغم أنها قدمت التعزية لإيران في اغتيال سليماني، لكنها تتجنب الخوض في معارك الآخرين، كما تؤكد عند كل مواجهة محتملة بين الأطراف الداعمة لها وبين إسرائيل، ولذلك استثناها أغلب المحللين من هذه المواجهة.

وكتب حبيب راشدين في "الشروق" الجزائرية أن "أقصى ما هو متاح لإيران، أن تحرك أذرعها في العراق ولبنان لقتال بالوكالة تسخِّر له فصائل الحشد الشعبي وحزب الله".

وهو ما أكد عليه نزار مقني في "الصباح" التونسية بالقول: إن "الرد الإيراني لن يكون إستراتيجيا بأكثر ما سيكون تكتيكيا، وبأدوات حرب الوكالة التي تعودت عليها إيران، أي أنها من الممكن أن تشن سلسلة هجمات من خلال أذرعها المنتشرة في الشرق الأوسط دون أن تكون لها علاقة مباشرة بها، على شاكلة الهجوم على مصافي النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية".

وبالعودة إلى المؤرخ الإسرائيلي، فإذا اندلعت الحرب، ستسقط آلاف الصواريخ، على المراكز الإسرائيلية والأصول الإستراتيجية، بما في ذلك مجمع خليج حيفا الصناعي ومحطات الطاقة على ساحل البحر المتوسط، إضافة إلى خزانات الأمونيا والمطارات، ناهيك عن القواعد العسكرية وخاصة الجوية.

ومن شأن هذا الوابل من الصواريخ أن يعطل بشكل خطير عمليات القوات الجوية وربما يقوض أيضا نقاط التعبئة والأعمدة المدرعة.

وبين المؤرخ أن قدرات إسرائيل المضادة للصواريخ، التي تشمل العديد من بطاريات القبة الحديدية وإمدادات كبيرة من صواريخ "آرو"، ليست كافية للدفاع عن مدن ومصانع البلاد ضد مثل هذا الهجوم.