على طريقة "هاوس أوف كاردز".. ما هي دلالة توقيت اغتيال سليماني؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

  • الزوج (رئيس الولايات المتحدة الأمريكية): سوف نخلق الفوضى.
  • الزوجة: بل أكثر من الفوضى.
  • الزوج: الحرب.
  • الزوجة: الخوف.
  • الزوج: الخوف، الوحشية المطلقة.
  • الزوجة: سئمت من محاولة كسب قلوب الناس بالحب.
  • الزوج: فلنهاجم قلوبهم.

ما سبق هو جزء من حوار مثير يدور بين البطل "فرانك أندروود"، وزوجته "كلير أندروود"، في مشهد درامي بالحلقة 52 من الجزء الرابع في سلسلة "هاوس أوف كاردز" التي أنتجتها شركة "نتفليكس".

مكامن الرعب التي جاءت في العمل الدرامي، ربما كان الواقع أكثر منها صرامة مثلما حدث في 3 يناير/ كانون الأول الجاري، عندما استيقظ العالم على بيان البنتاغون: "اتخذ الجيش الأمريكي قرارا دفاعيا حاسما بقتل قاسم سليماني بتوجيه من الرئيس لحماية الأفراد الأمريكيين في الخارج".

عمليات التصفية والاغتيال تلعب، دورا كبيرا في خطط وحملات رؤساء الولايات المتحدة الانتخابية، بداية من جورج بوش (الابن)، ثم باراك أوباما، وأخيرا دونالد ترامب.

بات معروفا للجميع لماذا قرر ترامب الجمهوري تنفيذ عملية اغتيال سليماني في هذا التوقيت تحديدا، وقبل أشهر قليلة من خوضه الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 رافعا شعار "حافظوا على أمريكا عظيمة".

حسب خبراء، فإن لمسألة استهداف وتصفية الأشخاص المعادين للسياسة الأمريكية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وقادة التنظيمات المتطرفة، وأخيرا إيران، دورا هاما في رسم معالم الخارطة الانتخابية.

هذة النقطة عبر عنها المسلسل السياسي الأمريكي "هاوس أوف كاردز"، الذي دارت أحداثه داخل العاصمة واشنطن، بطولة كيفين سبيسي صاحب شخصية "فرانك أندروود"، البطل الرئيسي الذي وصل لكرسي الرئاسة بعد أن كان عضوا بالكونجرس.

المسلسل جسد عملية وصول فرانك أندروود إلى البيت الأبيض، عبر مسالك مفزعة من الانتقام والشر والقسوة، كاشفا دهاليز السياسة الخفية، ومدى ما يمكن أن يصل له المرء من الانغماس في بحر من الأكاذيب، والدماء ليصل إلى الكرسي، ويصبح رئيس أقوى دولة في العالم. 

آخر من طالتهم الاغتيالات الأمريكية، كان قاسم سليماني (63 عاما)، وهو أحد أبرز القادة العسكريين الإيرانيين، حيث كان قائدا لـ "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري، وتحول سليماني خلال السنوات الماضية، إلى ذراع إيران النافذة، وامتدت أصابعه إلى جبهات عدة بهدف العمل على تعزيز نفوذ طهران في دول عربية مأزومة، شملت العراق وسوريا واليمن ولبنان. 

ويمثل فيلق القدس الذي قاده سليماني، هيئة خاصة في الحرس الثوري الإيراني، ويضطلع بمسؤولية تنفيذ العمليات العسكرية والاستخباراتية خارج الأراضي الإيرانية.

وصفته وكالة رويترز بأنه "أقوى شخصية في الجمهورية الإسلامية، بعد المرشد الأعلى الإيراني". قائلة: "بصفته قائد جيشه في الخارج، المعروف باسم (فيلق القدس)، كان سليماني العقل المدبر لأنشطة إيران في الشرق الأوسط، ووزير خارجيتها الفعلي، فيما يتعلق بشؤون الحرب والسلام". 

وأكدت "اعتُبر سليماني، على نطاق واسع، مهندس حرب الرئيس بشار الأسد، ضد الثوار في سوريا. والمسؤول عن صعود القوات شبه العسكرية الموالية لإيران في العراق، فضلا عن القتال ضد تنظيم الدولة، وغيرها من المعارك".

حالة عداء

في تقرير أوردته بعنوان "الجنرال قاسم سليماني: رأس حربة إيران في المنطقة"، قالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": "قد تكون إيران والولايات المتحدة في حالة عداء مستحكمة على المستوى الأيديولوجي، لكن العمليات العسكرية الموسعة لتنظيم الدولة في العراق خلال السنوات الماضية دفعتهما إلى التعاون غير المباشر".

وأضافت: "هو الطريق الذي سار فيه الجنرال قاسم سليماني من قبل. ففي عام 2001، قدمت إيران معلومات استخباراتية إلى الولايات المتحدة لدعم عملياتها للإطاحة بحركة طالبان في أفغانستان، وفي عام 2007 أرسلت واشنطن وطهران مندوبين إلى بغداد لإجراء محادثات مباشرة بشأن تدهور الوضع الأمني هناك".

وفي مقابلة مع بي بي سي عام 2013، دعا السفير الأمريكي لدى العراق، ريان كروكر، إلى الاستعانة مجددا بالدور غير المباشر الذي لعبه الجنرال سليماني في محادثات بغداد. وشعر كروكر كذلك بتأثير الجنرال سليماني عندما خدم سفيرا للولايات المتحدة لدى أفغانستان.

وقال لـ"بي بي سي": "أوضح مندوبو إيران الذين اجتمعوا معي أنه مع إبلاغ وزارة الخارجية بمجريات المحادثات، يظل القرار النهائي في النهاية للجنرال سليماني".

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، أصبح دور الجنرال سليماني في شؤون إيران الخارجية أكثر علنية، ولم يعد الرجل الخفي الذي يتحدث على الطرف الآخر من المحادثة الهاتفية. وبات سليماني مدعاة للفخر في إيران، والرجل الذي يلجأ إليه وقت الأزمات.

وفي عام 2013، صرح ضابط الاستخبارات الأمريكية، جون ماغواير، لصحيفة نيويوركر بأن سليماني هو "أقوى شخص في الشرق الأوسط".

دلالة التوقيت 

تشهد واشنطن انقساما حادا غير مسبوق بين الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي، حيث لم تغير طبيعة التطورات الأخيرة على الساحة العراقية بين واشنطن وطهران من شراسة هذه الخلافات، بل زادتها اتساعا.

وعبّر كبار المرشحين الديمقراطيين الساعين لنيل بطاقة الحزب لمواجهة الرئيس ترامب، عن رفضهم للخطوة التي أقدم عليها ترامب الذي ينتظر محاكمة أمام مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.

في حين وصلت نسبة الرضا عن سياسات الرئيس بين الأمريكيين إلى 43% مقابل نسبة رفض بلغت 53% طبقا لاستطلاع أجرته "سي.إن.إن" قبل نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

ومنذ تأكيد أنباء مقتل سليماني، يتداول أنصار الحزب الديمقراطي تغريدة سابقة لترامب قبل الانتخابات الرئاسية عام 2012، حذر فيها من أن "الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، سيشن حربا ضد إيران، من أجل أن يُعاد انتخابه".

وهو الأمر الذي فعله ترامب حاليا، وربط أولئك الذين تداولوا تغريدته، وتطورات الساعات الأخيرة، بانتخابات 2020 في أمريكا.

ورقة البغدادي

لم يكن سليماني هو رقم واحد في قائمة اغتيالات ترامب، فقد سبقه زعيم تنظيم الدولة أبوبكر البغدادي، الذي أعلن الرئيس الأمريكي مقتله يوم27 أكتوبر/تشرين الأول 2019، خلال غارة قادتها القوات الأمريكية خلال الليل في سوريا.

وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن البغدادي ومسؤولين إرهابيين آخرين كانوا تحت المراقبة الأمريكية منذ مدة طويلة، لكن مع الانسحاب الأمريكي من سوريا، أصبح هناك خشية من فقدانه، نظرا لقلة القوات الموجودة على الأرض، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ القرار بتصفيته، في ذلك التوقيت الحرج. 

وقال الرئيس الأمريكى في مؤتمر صحفي: إن "زعيم تنظيم الدولة كان مطاردا من قبل إدارتي، لكن بعد انتخابي أمرت بملاحقته والتخلص منه، وجعله أولوية".

وعن تفاصيل مقتله قال ترامب: "قتل بعد أن كان محشورا في نفق، وسحب 3 من أطفاله الصغار معه في نفق، وقام كلابنا بمطاردته. العملية استمرت ساعتين وحصلنا على معلومات ووثائق مهمة عن موقعه"، مضيفا "قتلنا حمزة بن لادن مؤخرا، وكان وريث تنظيم القاعدة".

مضيفا "شاهدت عملية قتل زعيم التنظيم عبر الفيديو، مع نائبي مايك بنس، ووزير الدفاع مارك إسبر، وقادة الأركان، ومسؤولين آخرين. كنت أتابع العملية كأنه فيلم رائع".

وكالعادة تعامل ترامب وإدارته، مع العقلية الأمريكية، المهتمة بصناعة النصر الإعلامي على التنظيمات المتشددة. وجاء مقتل البغدادي، حسب تقرير إعلام أمريكية، معززا من حظوظ ترامب، خاصة بعد بدء إجراءات عزله وإقرار القاضية بيرل هويل بقانونية هذه الإجراءات.

زعيم القاعدة

اغتيال سليماني والبغدادي، جاء على نسق سلسلة اغتيالات سابقة بقرارات رؤساء أمريكيين، ففي 2 مايو/ آيار 2011، أعلن الرئيس السابق باراك أوباما، أن "زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن قتل في اشتباك مع القوات الأمريكية في باكستان، وأنه تم انتشال جثته".

خلال عملية قتل ابن لادن، أظهرت صورة نشرها البيت الأبيض للرئيس أوباما داخل غرفة المؤتمرات ومركز إدارة الاستخبارات جالسا على مقعده وكأنه في دور سينما، مشاهدا خطوات المهمة العصيبة التي استغرقت 40 دقيقة.

وأحاط بأوباما كبار أعضاء فريقه الأمني، وظهرت وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها هيلاري كلينتون، وهي تضع يدها على فمها، وربما بدت غير مصدقة لما يحدث.

حينذاك قال أوباما في تصريح لقناة "سي بي إس" الأمريكية: "العملية العسكرية كانت أطول 40 دقيقة في حياتي.. لقد كان موقفا عصيبا ومثيرا للتوتر".

كان مقتل ابن لادن في ظل إدارة أوباما بمنزلة نقطة إنقاذ في توقيت حرج للرئيس الأمريكي، حيث جاء الحدث إثر  الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي.

بعد أيام من إعلانه مقتل زعيم تنظيم القاعدة، تقدم أوباما بنقاط عديدة على الجمهوريين الذين نافسوه في انتخابات 2012، وكانت بداية انطلاق حملة دعائية جديدة لأوباما استعدادا لفترة الرئاسة الثانية.

ظهر أوباما بعدها في فيلم تلفزيوني عن مقتل ابن لادن من خلال خدع سينمائية، حيث عرض فيلم "فرقة سيل السادسة.. الغارة على أسامة بن لادن"، على قناة "ناشونال جيوغرافيك"، قبل يومين من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، التي فاز فيها أوباما على منافسه الجمهوري ميت رومني.

حيلة كلينتون

الحقوقية المصرية آية حجازي، علقت في صفحتها بفيسبوك على اغتيال قاسم سليماني، بأمر من الرئيس الأمريكي قائلة: "بيقولوا لك كلينتون.. برضه ضرب البلقان لما كان الكونجرس بيحاكمه.. عادي يعني، لعبة يفردوا بيها عضلاتهم.. وطبعا سليماني واللي عمله بشعبه والشعب العربي مالوش نهاية.. لكن في الآخر هي لعبة الأقوياء، ولا الشعب الإيراني ولا العربي ولاالعراقي له أي دور فيها أو اعتبار غير إنه يتقتل.. والشعب العراقي بالذات، أرضه ملعب الخناقة".

في عام 1998، أقر مجلس النواب الأمريكي تهمتين ضد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون هما: الحنث باليمين أمام هيئة محلفين كبرى، وعرقلة الدعاوى القضائية. وبدأت إجراءات عزله في الكونجرس عام 1998، بعد أن تم توجيه اتهام له بوجود علاقة جنسية مع المتدربة في البيت الأبيض آنذاك مونيكا لوينسكي.

لم يستطع الجمهوريون وقتها حشد الأغلبية في مجلس الشيوخ لإدانة كلينتون، وكان عدد من صوتوا ضده أقل بكثير من ثلثي العدد المطلوب للإدانة، وبالتالي لم يتم عزله.

ساعتها أعلن كلينتون، أن الولايات المتحدة، وحلف الناتو، بصدد توجيه ضربات عسكرية للصرب بعد إعلان فشل الدبلوماسية في حل أزمة كوسوفو، وبدأت طبول الحرب تدق بقوة في البلقان.

تم توجيه ضربات عسكرية لأهداف صربية، ويوغسلافية، وفي 12 يونيو/ حزيران 1999، دخلت قوات الناتو، بريشتينا، عاصمة كوسوفو البوسنية، وأكبر مدنها، وهو ما اعتبر تبييضا لوجه إدارة كلينتون، التي حققت انتصارها في تلك الحرب.