اغتيال سليماني.. ما احتمالات بدء حرب شاملة بين أمريكا وإيران؟

12

طباعة

مشاركة

بعد هجمات استمرت شهرين من قبل كتائب حزب الله العراقي، انتهى الجيش الأمريكي بقصف مواقعها لاستعادة الردع ضد المليشيا المدعومة من إيران، ليدور الحديث عن نذر حرب بين واشنطن وطهران لكن على الأرض العراقية.

ويرى محللون أن هذه الحرب أصبحت محققة بعد مقتل كل من قاسم سليماني قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي (قوات شيعية) في قصف صاروخي أمريكي استهدف سيارتهما على طريق مطار بغداد.

وأفادت وسائل إعلام أيضا بمقتل نائب الأمين العام في حزب الله اللبناني، نعيم قاسم، وكذلك محمد كوثراني القيادي بحزب الله ومسؤول ملف العراق فيه. ولم يجر الإعلان عن ذلك بشكل رسمي.

وسقطت ثلاثة صواريخ كاتيوشا على مطار بغداد الدولي فجر الجمعة، وأصابت عددا من المواطنين، حسبما قالت خلية الإعلام الأمني في العراق.

وتناولت صحف أجنبية الغارات التي استهدفت كتائب حزب الله العراقي، وما تبعها من اقتحام للسفارة الأمريكية في بغداد وإرسال واشنطن نحو 750 جنديا من قواتها الخاصة للشرق الأوسط لحماية منشآتها.

وأعلن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الحداد ثلاثة أيام، مهددا الولايات المتحدة بأن انتقام ايران سيكون "ساحقا". وتوعد خامنئي بانتقام يطال "المجرمين" الذين لطخت أيديهم بدمائه (سليماني) ودماء الشهداء الآخرين".

تغيير في اللعبة

وقالت صحيفة واشنطن بوست: إنه "على الرغم من فترة طويلة من التوتر المتزايد بين إيران وإدارة ترامب التي تعهدت بموقف أكثر تشددا من دعم طهران للجماعات بالوكالة، فإن الهجوم على شخصية لا تضاهى في المؤسسة الأمنية الإيرانية كان بمثابة مفاجأة لكثير من المحللين، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه كان ينظر إلى أنه من المحتمل أن يشعل ردا إيرانيا كبيرا".

ووصف إيلان جولدنبرج، الذي عمل على قضايا الشرق الأوسط خلال إدارة أوباما، الخطوة بأنها "تغيير كبير في اللعبة" في المنطقة.

وقال غولدنبرغ، وهو باحث الآن في مركز الأمن الأمريكي الجديد: إن "إيران ستسعى للانتقام، وقد يتصاعد التوتر في العراق أو لبنان أو الخليج أو أي مكان آخر، في الوقت الذي قد تحاول استهداف كبار المسؤولين الأمريكيين". وأضاف  "لسوء الحظ، أشك بشدة في أن إدارة ترامب قد فكرت في الخطوة التالية أو تعرف ما يجب فعله الآن لتجنب حرب إقليمية".

ويثير الهجوم أسئلة جديدة حول مقاربة ترامب للشرق الأوسط، خاصة وأنه كان يستخدم خطابا مخادعا وأذن بالعديد من الضربات ضد النظام السوري حليف طهران، إلا أنه أعرب مرارا وتكرارا عن رغبته في إخراج الولايات المتحدة من الحروب الباهظة الثمن في المنطقة.

يبدو للمراقبين، بحسب الصحيفة، أن الهجوم يهدف إلى شل قوة كانت طليعة الجهود الإيرانية المستمرة منذ عقود لتشكيل الأحداث في الشرق الأوسط لصالحها.

فقد وسع فيلق القدس تحت قيادة سليماني، دعمه للجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك في العراق، حيث ألقى المسؤولون الأمريكيون باللوم على المليشيات التي تدعمها إيران في قتل 600 جندي أمريكي على الأقل بعد الغزو الأمريكي عام 2003.

ومن جانبه، انقسم الكونجرس الأمريكي على نفسه حيال عملية الاغتيال، مع استثناءات قليلة، حيث أيد الجمهوريون البارزون قرار ترامب لتقديره العدالة بشكل حاسم ضد إيران، بينما حذر كبار الديمقراطيين من أن الحادث سينتج عنه عواقب ربما تكون وخيمة، وسيؤدي إلى تصعيد لا مفر منه.

وفي حين يبدو أن ترامب يحاول إقناع نفسه بأنه قد انتقم لقتل إيران للأمريكيين، إلا أنه من المحتمل أن يكون فتح بابا للتوترات المسلحة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والتي لن تكتفي فقط بالرد في الساحة العراقية، بل إنه من المحتمل أن توسع ميدان التوتر ليشمل اليمن و الخليج العربي وربما يخرج نطاق التوتر من منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا أو الولايات المتحدة نفسها، وفق واشنطن بوست.

كتائب حزب الله

ومن جهتها قالت مجلة "لوبوان" الفرنسية: إنه مع انتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة، ظهر صراع دموي آخر في العراق، حيث قصفت الولايات المتحدة خمس منشآت عسكرية - ثلاثة في غرب العراق واثنتان في شرق سوريا - تابعة لكتائب حزب الله.

وأضافت: "هذه الغارات الجوية وقعت بالقرب من القائم، وهي بلدة عراقية على الحدود مع سوريا، مما أسفر عن مقتل 25 شخصا على الأقل بين مقاتلي الكتائب".

وأشارت إلى أنها المرة الأولى التي يهاجم فيها الجيش الأمريكي هذه المليشيا الشيعية، التي قاتلت الاحتلال الأمريكي في العقد الأول من القرن العشرين. 

وأكدت أن كتائب حزب الله العراقي العضو في "وحدات الحشد الشعبي"، الذي تم إنشاؤه في عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة، منفصلة عن حركة حزب الله اللبنانية، لكنها موالية كالأخيرة لجمهورية إيران الإسلامية، التي توفر لهم الأسلحة والتدريب والمال. 

وبمساعدة من فيلق القدس، الفرع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، شاركوا في القتال ضد تنظيم الدولة، كما فعل الجيش العراقي وكذلك التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

وأوضحت أنه في ذلك الوقت، وجدت طهران وواشنطن نفسيهما كحلفاء على الأرض ضد التهديد الذي يمثله التطرف، وعندما أعلن النصر على تنظيم الدولة في ديسمبر/ كانون أول 2017، وجرى دمج الميليشيا الشيعية في الجيش العراقي، بقيت من حيث المبدأ، تحت سلطة رئيس الوزراء، لكنها لم تقطع علاقاتها مع طهران التي تحتفظ بسلطتها على الحركة التي نشأت عام 2003.

الضعف الأمريكي

واعتبرت مجلة "لوبوان" الفرنسية أنه بعد مماطلة لمدة عام تقريبا، وهو الوقت الذي فشلت فيه أوروبا في إيجاد مخرج للأزمة النووية الإيرانية، أظهرت طهران أخيرا أنيابها. 

ومباشرة أو من خلال مجموعات تابعة لها في الشرق الأوسط، يشتبه بشدة في أن الجمهورية الإسلامية كانت وراء العديد من الهجمات ضد حلفاء الولايات المتحدة في الخليج منذ مايو/أيار 2019 (هجمات على ناقلات سعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة) دون رد فعل من قبل واشنطن. 

وقال حمزة صفوي، أستاذ العلوم السياسية وعضو المجلس العلمي بجامعة طهران: "الموقف في المنطقة يرجع إلى سياسة الضغط القصوى الأمريكية التي تزيد بشكل كبير من التوترات المباشرة وغير المباشرة بين طهران وواشنطن".

وباغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس، يمكن القول: إن سياسة دونالد ترامب المعروفة بـ"أقصى ضغط"، قد انتقلت إلى مرحلة الحرب والانفجار، حيث تهدد طهران وقوى وفصائل عراقية بانتقام مؤلم ورد حاسم على أمريكا.

ووفقا للمجلة، كان الرئيس ترامب يرفض قبل ذلك الانخراط في أي عمل عسكري – وهو وعد قطعه على نفسه خلال الحملة الانتخابية - إلى حد التخلي عن الضربات العقابية في اللحظة الأخيرة بعد أن أسقط الحرس الثوري الإيراني طائرة أمريكية بدون طيار في 20 يونيو/ حزيران 2019. 

وفي طهران، جرى تفسير ضبط النفس الأمريكي هذا كعلامة ضعف، وهو ما أدى إلى ضرب قلب المجمع النفطي السعودي في بقيق 14 سبتمبر/ أيلول 2019، وألقي على الجمهورية الإسلامية بالوقوف وراءه.

وأكدت أنه حتى هذا التاريخ، كانت إيران حريصة على عدم استهداف - بشكل مباشر أو غير مباشر - الأهداف الأمريكية في المنطقة، والتي من شأنها أن تثير "ردا أمريكيا حازما"، على حد تعبير وزير الخارجية مايك بومبيو. 

الرد الحاسم

ومع ذلك، فمنذ 28 أكتوبر / تشرين الأول، يبدو أن الجمهورية الإسلامية وحلفاءها انتقلوا إلى مستوى عال، ففي أقل من شهرين، استهدف 11 هجوما قواعد لإيواء الجنود والدبلوماسيين الأمريكيين في العراق، نسب إلى كتائب حزب الله المرتبطة بطهران.

واعتبرت "لوبوان" أنه إذا لم تسفر الضربات العشر الأولى عن ضحايا بين أفراد القوات الأمريكية، فإن آخر ضربة كانت نقطة تحول: فمساء الجمعة 27 ديسمبر/ كانون أول، سقط ستة وثلاثون صاروخا على قاعدة عراقية في كركوك، شمال البلاد، ولأول مرة تقتل مدنيا أمريكيا وتجرح أربعة جنود. 

وقال بومبيو: "ما فعلناه هو الرد بشكل حاسم لتوضيح ما كان يقوله الرئيس ترامب منذ شهور، لن نقبل أن تتخذ جمهورية إيران الإسلامية إجراءات تعرض حياة الأمريكيين للخطر".

من جهتها، قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون): إن الجيش قتل سليماني بناء على توجيهات الرئيس دونالد ترامب، "كإجراء دفاعي حاسم لحماية الموظفين الأمريكيين بالخارج". وأضافت أن "سليماني وفيلق القدس التابع له مسؤولان عن مقتل مئات من القوات الأمريكية وقوات التحالف".

في غضون ذلك، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على حسابه بموقع تويتر صورة للعلم الأمريكي دون تعليق.

وأوضح بيان البنتاغون أن سليماني كان "يخطط لمهاجمة الدبلوماسيين الأمريكيين وأفراد الخدمة العسكرية في العراق وفي أنحاء المنطقة"، وأن العملية تمت بهدف "ردع" إيران عن التخطيط لهجمات جديدة، مؤكدا أن الولايات المتحدة ستتخد كل ما يلزم "لحماية الأمريكيين والمصالح الأمريكية في أي مكان حول العالم".

بينما قال وزير الدفاع الإيراني الجنرال أمير حاتمي: إن الهجوم سيقابل برد ساحق، بينما وصف وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الإضراب بأنه عمل إرهابي دولي، وقال في تغريدة على موقع تويتر: إن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية جميع عواقب مغامرتها المارقة.

حرب الاستنزاف

وبحسب المجلة الفرنسية، في واشنطن، يبدو أن الهدف المنشود قد تحقق في الوقت الحالي: استعادة الردع الذي بدأته الولايات المتحدة ضد إيران، إذ حذر وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبير من أنه "سنتخذ إجراءات إضافية إذا لزم الأمر للعمل من أجل دفاعنا عن النفس وردع المليشيات أو إيران". 

وكان وعد أبو مهدي المهندس، قائد كتائب حزب الله الذي اغتيل مع سليماني، بأن "دماء الشهداء لن تضيع هباء، وأن ردهم سيكون صعبا جدا على القوات الأمريكية في العراق". فيما اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن "أمريكا يجب أن تتحمل عواقب أعمالها غير القانونية".

وشددت "لوبوان" على أنه في الوقت الحالي، يبدو أن رد إيران وأتباعها في العراق محدود للغاية، لكن إذا لم يظهر خطر المواجهة المباشرة بين إيران والولايات المتحدة إلى الآن، فإن خطر الاستنزاف الكامنة في العراق تبدو بالفعل موضوعية.

من جهتها وتحت عنوان "العراق ساحة معركة بين واشنطن وطهران" قالت صحيفة لاكروا الفرنسية: إن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر حذر من الصراع بين الولايات المتحدة وإيران على الأراضي العراقية، وأن الضربات التي شنتها واشنطن ضد ميليشيا موالية لإيران أعاد إطلاق حملة ضد الوجود العسكري الأمريكي في البلاد.

وأضافت الصحيفة أن الحرب المستترة على الأراضي العراقية بين الولايات المتحدة وإيران، تحولت إلى صراع ظاهر، إذ شكلت الضربات الأمريكية ضد قواعد ومخزونات أسلحة كتائب حزب الله، أقوى مليشيات عراقية مؤيدة لإيران، جزءا من تصعيد دام شهرين بين واشنطن وطهران.

وخلصت إلى أن القادة العراقيين الذين لا حول لهم ولا قوة أصبحوا يرون تحقيق ما كانوا يخشونه منذ فترة طويلة: استخدام بلادهم كساحة قتال من قبل حلفائهما الأمريكيين والإيرانيين.

من جهتها، قالت صحيفة "ذا سبيكتاتور": إن اغتيال سليماني هو الأكثر أهمية في الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين، مبينة أنه أكثر أهمية حتى من مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في عام 2011.

وبينت الصحيفة البريطانية أن سليماني كان يمثل رمزا لقوة إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ومحرك القوة التنفيذية النشطة لها في عدة بلدان عربية مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن. 

وتتوقع أن تستخدم إيران شبكتها المتطورة والكبيرة من الوكلاء في جميع أنحاء المنطقة، للرد على أمريكا كما تفعل دائما في خضم حرب غير متكافئة.