بعضها ظاهر والآخر خفي.. كيف تهدد ممارسات حفتر أمن تونس القومي؟

زياد المزغني | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في العام 2014، حين كان اللواء المتقاعد خليفة حفتر يحشد قواته لإطلاق عملية "الكرامة" ضد ثوار بنغازي صرح مخوّفا من "الأعداء المحتملين" لليبيا، واصفا دولا عربیة من بینها تونس والجزائر بـ "العدوة".

حينها ظهر حفتر في مؤتمر صحفي، متهما تلك الدول بمحاولة السيطرة على الثروات اللیبیة، قائلا: "کلهم فقراء جدا وکلهم يطمعون في هذه الثروات، کلهم بصراحة".

لا يخفى على أحد اصطفاف حفتر، ضمن  المحور الإماراتي السعودي المعادي لثورات الربيع العربي وجميع محاولات الانتقال الديمقراطي في المنطقة بالإضافة إلى الدعم الذي يتلقاه اللواء المتقاعد من قبل النظام الانقلابي في مصر.

هذا المحور تورط أكثر من مرة في إحداث أزمات بتونس، مراهنا على قوى الثورة المضادة من أجل العودة إلى وضع مشابه لما كانت عليه الأمور قبل 14 يناير/ كانون الثاني 2011.

لا يأبه حفتر بتاتا بإقامة علاقات حسن جوار مع تونس، بل بدت من تصريحاته في أكثر من مناسبة استعداده القيام بممارسات قد تضر بالأمن القومي التونسي.

اتهامات خطيرة

مساء يوم 23 ديسمبر/كانون الأول 2019، اتهم المتحدث باسم ميليشيا "الجيش الوطني الليبي" أحمد المسماري المخابرات التركية، بنقل عناصر تنظيمي "الدولة " و"النصرة" من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة التونسي.

ونقلت وسائل إعلامية عن المسماري تأكيده نقل عناصر من "تنظيم الدولة" و"جبهة النصرة" من سوريا بواسطة المخابرات التركية والكثير من المقاتلين، حسب زعمه.

مضيفا "هذا الموضوع خطير جدا، لأن هناك استخداما لأحد مطارات تونس في هذا الجانب، وهو مطار جربة، حيث يتم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، ويتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطارات مصراتة وزوارة ومعيتيقة".

تصريح المتحدث باسم حفتر يعد هو الأخطر منذ اندلاع الصراع في ليبيا، كونه يتهم تونس بشكل مباشر بالتعامل مع تنظيمات مصنّفة إرهابية سواء في تونس أو على نطاق دولي.

لم يصدر عن قصر قرطاج أي تعليق على اتهامات المتحدث باسم حفتر، التي تزامنت مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس، تباحث خلالها مع الرئيس قيس سعيّد الوضع في ليبيا وضرورة مشاركة البلدين في إيجاد حل للأزمة الليبية.

اتهامات المسماري ضد تونس لم تكن الأولى من نوعها، ففي عام 2017 أطلق اتهامات خطيرة بحق دولتي قطر وتونس، حين اتهم عقيدا قطريا قال: إنه "الملحق العسكري لقطر في شمال إفريقيا" بأنه "يملك الكثير من الحسابات المصرفية في تونس، يشتري بها ذمم العديد من الضباط التونسيين والليبيين".  

كما اتهم المسماري كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية حماس الفلسطينية بالتعاون مع نفس الضابط القطري من أجل تدريب عناصر "إرهابية" في ليبيا.

تنظيم الدولة 

في 26 يوليو/تموز 2017، وخلال حواره مع قناة فرانس 24، اتهم حفتر تونس بتصدير عناصر تنظيم الدولة إلى ليبيا ما أثار تساؤلات عدة حول الدور الذي يلعبه الجنرال الليبي في إثارة الفوضى بالمنطقة.

حفتر اعترف أيضا أن قواته تعتقل عناصر من تنظيم الدولة ثم تطلق سراحها على الحدود الليبية التونسية، دون تسليمهم إلى السلطات التونسية، وهو ما أثار غرابة شديدة وقتها. قائلا: "تونس تصدر الارهاب وبأعداد كبيرة أغلبهم انتحاريون، ضبطنا العديد منهم، أوصلناهم إلى الحدود وقلنا لهم روحوا".

خبراء ربطوا بين تصريح حفتر ووقوع أحداث إرهابية في تونس، خاصة تلك التي استهدفت مدنا هامة على غرار عملية مدينة سوسة التي سقط ضحيتها عشرات السياح الأجانب بين قتيل وجريح، والعملية الإرهابية التي استهدفت متحف باردو قرب البرلمان.

إلا أن العملية الأبرز والأكبر لتنظيم الدولة، فهي محاولة سيطرته على مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا في مارس/آذار 2016، حين هاجم العشرات من عناصر التنظيم مقار أمنية وثكنات عسكرية في المدينة، قبل أن تنجح السلطات التونسية في القضاء عليهم في نفس اليوم.

سبق أيضا لحفتر أن سمح لمقاتلين من "تنظيم الدولة" بالهروب سرا من مدينة بنغازي إلى مدينة بني وليد، حيث نفذ التنظيم في 2 مايو/أيار 2018 عملية انغماسية في مقر مفوضية الانتخابات الليبية قتل على إثرها قرابة 20 مدنيا وأصيب آخرون، ثم كشف أن منسق العملية هو الليبي عبدالحكيم شفتر، ما يؤكد التعاون والتنسيق القائم بين حفتر وتنظيم الدولة.

الربيع العربي 

منذ انطلاقة الربيع العربي في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، من مدينة سيدي بوزيد التونسية، انخرط حفتر في محور العداء للثورات العربية والانتقال الديمقراطي في المنطقة.

ونشر موقع المونيتور الأمريكي تقريرا بعنوان "مخطط حفتر لزعزعة الاستقرار في تونس قبل الانتخابات والدور الإماراتي فيه"، حيث اعتبر التقرير أن عددا من الأحداث تقدم الدلائل على كيفية تأثير العنف المتصاعد في ليبيا على تونس، حيث أن تونس ولاشك مستهدفة من الحرب التي أعلنها أمير الحرب خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس.

وأضاف التقرير أن "التصريحات الرسمية التونسية حول ليبيا تبقى حذرة وهادئة، إذ اعتبر المحلل السياسي ماكس غاليان المختص في الشأن المغاربي بأن هذه الإستراتيجية الاتصالية معقولة ومفهومة بالنظر إلى حساسية الوضع في ليبيا التي تمثل العمق الإستراتيجي لتونس.

كما أن تونس هي الديمقراطية العربية الوحيدة لن تكون في مأمن من الاضطرابات الإقليمية وتآمر بعض الإمبريالات الصاعدة عليها على غرار الإمارات العربية التي تحاول التضييق على حركة النهضة "الإسلامية" أكبر قوة سياسية مهيكلة في تونس.

وقال المحلل السياسي يوسف الشريف للمونيتور، الذي كتب بشكل مكثف عن ليبيا وتونس: "إذا فاز حفتر، فسيواجه تمردا طويل الأمد في ليبيا، وفي الوقت نفسه، سيكون حفتر متوجسا من تونس إذا بقيت ديمقراطية، لأن العديد من أعدائه سيلجأون إليها وسيمثلون خطرا عليه".

 وقال الشريف: حفتر "سيحاول زعزعة استقرار تونس وإضعافها خاصة إذا ما فازت حركة النهضة في الانتخابات المقبلة (جرت في أكتوبر/تشرين الأول 2019)".

عبء جديد

كما أشارت آمي هاوثورن، مديرة الأبحاث في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، (مؤسسة فكرية مقرها واشنطن)، إلى قلق كبير آخر "أن يتحول الليبيون النازحون بسبب حملة حفتر نحو الحدود إلى عبء جديد على الدولة التونسية، التي استضافت بالفعل ما بين 600 ألف ومليون لاجئ ليبي منذ عام 2011".

 واعتبر التقرير أن الخطر الأكبر، هو أن "الإرهابيين سيستغلون الوضع ويضعون موطئ قدمهم في تونس".

سفير الاتحاد الأوروبي السابق في تونس وباحث في جامعة كارنيغي أوروبا مارك بيريني قال للمونيتور: "إذا كان النجاح العسكري لحفتر قد جاء بثمن عنف هائل، فقد يؤدي أيضا إلى موجة من اللاجئين نحو تونس، وكما رأينا في سوريا، فإنه من السهل على الإرهابيين الإندساس بينهم. وسيشمل ذلك العديد من التونسيين الذين انضموا إلى تنظيم الدولة".

واستشهد التقرير بتصريح حفتر الذي وصفته بـ"الغريب" حينما صرح لقناة فرانس 24 أنه قام بإطلاق سراح إرهابيين وأجبرهم على اجتياز الحدود نحو تونس.

كما أكد التقرير بأن حفتر يعتمد في جبهاته الأمامية العسكرية على كتائب سلفية "شرسة" منضوية ضمن قوات شرق ليبيا، في إشارة لعناصر جماعة "السلفيين المداخلة" التي توصف بأنها مصدر الأيديولوجية السلفية وراعيتها وتتبع أفكار الفقيه السلفي ربيع المدخلي الذي يعيش في السعودية.