رفض شعبي وحزبي.. هل ينجح دياب بتشكيل حكومة تكنوقراط بلبنان؟

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي يبحث فيه اللبنانيون عن حل للأزمة التي تزداد حدتها يوما بعد يوم بسبب الفراغ السياسي الذي تعيشه البلاد، يعلق البعض الآمال على تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة حسان دياب، بينما يرفضه آخرون.

وكلف رئيس الجمهورية ميشال عون في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، دياب بتشكيل حكومة جديدة، إلا أن هناك انقساما واضحا بين الفرقاء السياسيين وفي الشارع اللبناني حول شخصيته، رغم أنه يصف نفسه بالتكنوقراط.

وحكومة التكنوقراط، إحدى المطالب الرئيسة التي يرغب بها الشارع ويقول إنها يجب أن تتكون من سياسيين واختصاصيين، علاوة على استعادة الأموال المنهوبة، ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطبقة الحاكمة، التي يتهمونها بالفساد والافتقار للكفاءة.

انقسام كبير

وعقب الإعلان عن تكليفه وحتى اليوم، يستمر المتظاهرون اللبنانيون في الاحتجاج أمام منزل دياب في بيروت للمطالبة بإسقاطه، على الرغم من أنه لم يبدأ بممارسة مهامه بعد أو يعلن عن أي من الأسماء المرشحة للحقائب الوزارية.

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر/تشرين أول الماضي احتجاجات شعبية أجبرت حكومة سعد الحريري، في 29 من الشهر نفسه، على تقديم استقالتها. ويعاني لبنان من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.

الرفض الذي يواجهه دياب ليس مطلقا، فهناك انقسام حوله بين السياسيين وفي الشارع، حيث يرى فريق آخر أنه يجب أن يحظى بالفرصة للإعلان عن خطته أو وزرائه قبل الحكم عليه. 

ولم يحظ حسان دياب صاحب التجربة السياسية القصيرة بدعم من الكتل السنية التي ينتمي إليها، بل سانده نواب حزب الله الشيعي وحلفائه في البرلمان اللبناني، وفق وسائل إعلام لبنانية.

وكان موقف سعد الحريري الذي انسحب في اللحظات الأخيرة من سباق تشكيل الحكومة، من تسمية حسان دياب لرئاسة الحكومة واضحا.

وقال الحريري للصحفيين من مقر إقامته في 24 ديسمبر/ كانون الأول الجاري: "بالنسبة لموقفي من الحكومة العتيدة، أعود وأكرر لا تسمية ولا تغطية ولا مساءلة ولا ثقة إذا تطلب الأمر".

ويرى الحريري أن الحكومة التي يجري تشكيلها ستكون "حكومة جبران باسيل"، وهو رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية السابق الذي يتبنى مواقف مثيرة للجدل، أبرزها معاداته لللاجئين الفلسطينيين والسوريين على الأراضي اللبنانية، مروراً بتصريحات تمس دول الجوار، وليس انتهاء بعلاقة الود التي تجمعه بـ"حزب الله". 

وخلال الاستشارات النيابية الملزمة التي أفضت إلى تسمية دياب لتشكيل الحكومة، خلفا لحكومة الحريري التي استقالت في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، امتنعت كتلة "المستقبل" بزعامة الحريري والتي تشكل 19 نائبا في البرلمان اللبناني من أصل 128 عن التصويت، وهو ما يعني الرفض الواضح والصريح لحسان دياب. 

وفي سلسلة تغريدات على صفحته الرسمية في موقع تويتر، قال الحريري إنه استمع إلى صوت الشارع من اللحظة الأولى وأنه أول من رشح نواف سلام لكنه فوجئ بموقف حزب القوات الرافض لترشيحه، مبديا عدم ارتياحه من تشكيل الحكومة.  

مغازلة الشارع

أمام الرفض الذي يواجهه، حرص حسان دياب على مغازلة الشارع اللبناني في أول تصريحاته بقوله: "انتفاضتكم تمثلني كما تمثل كل الذين يرغبون في قيام دولة حقيقية".

وللخروج من أزمة رفض الشارع للشخصيات المحسوبة على الكتل السياسية الحالية، أوضح قائلا: "أنا مستقل.. وشخص اختصاصي، وبالتالي حكومة الاختصاصيين هي الأولوية، لكن يجب أن تعطوني فرصة لأستشير الجميع". 

لكن تصريحاته التي سعى من خلالها لتهدئة الحراك الشعبي لم تشفع له أمام الكثير من المحتجين الذين ما زالوا يخرجون في احتجاجات يومية في بيروت تطالب بإسقاط الكتل السياسية الموجودة.

وعلى الرغم من أن دياب ينتمي للكتلة السنية إلا أن الشارع يرفضه لقربه من كتلة حزب الله وحلفائه في البرلمان، وفي المقابل يصر دياب أنه ليس محسوبا على أي من الطوائف السياسية الحالية ويشدد على أنه "تكنوقراط".

ومع استمرار المظاهرات يرى الكثيرون أن الحالة اللبنانية باتت من الصعب على رئيس الوزراء المكلف أن يهدئها وهو ما توافق معها المحلل السياسي خطار أبو دياب الذي قال في تصريحات صحفية إن الحراك في لبنان أصبح رقما صعبا لا يمكن الالتفاف عليه إلا في حالة حدوث مفاجأة إيجابية. 

كما يرى أبو دياب أن الأمور حتى الآن ما زالت تبدو بعيدة عن هذه المفاجأة، مشيرا إلى أن الوصفة التي جرى تقديمها من خلال رئيس الوزراء المكلف من قبل الرئيس غير كافية. 

يسعى دياب لتشكيل حكومة مصغرة يتراوح عدد وزرائها بين 18 و20 وزيرا وفق ما أعلن بعد عقد لقاءات مع غالبية الكتل البرلمانية، الأمر الذي يعني أنه سيدمج عدد من الوزارات الحالية. 

وعبر دياب عن أمله في تشكيل الحكومة في وقت لا يزيد عن ستة أسابيع، حيث أكد أن كل الأطراف تتماشى معه في ما يخص حكومة مستقلين واختصاصيين.

ويرى البعض أن تمسك دياب بتشكيل حكومة تكنوقراط نابع في الأساس من داعميه وبالتحديد حزب الله اللبناني، حيث سبق وأن شددت الجماعة في أكثر من موقف أن لبنان يحتاج إلى حكومة من الاختصاصيين لا تستثني أحدا من القوى السياسية. 

وفي السياق قالت النائبة بولا يعقوبيان بعد لقاء جمعها بدياب إنه ينوي تشكيل حكومة مصغرة من حوالي 18 وزيرا من المستقلين بنسبة 100% بعيدا عن أحزاب السلطة، وأنه من سيؤلفها ولن يأخذ أسماء وضعت من الأطراف السياسية أو الأحزاب وفق ما أوردته وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية. 

ونقلت يعقوبيان عن دياب أنه سيشكل حكومة تلبي طموحات الشارع اللبناني والمتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع، مشيرة إلى أنها طالبته بتقصير مدة تشكيل الحكومة وأن يتم ذلك في أسرع وقت ممكن، حيث أكد لها أنه سيلتقي بممثلين في الحراك للتعرف على مطالبهم. 

عقبات الحكومة

تتمثل العقدة الأولى في تمثيل الطوائف الدينية والسياسية المختلفة بالإضافة إلى إنهاء هيمنة جبران باسيل، بالإضافة إلى وجود تأزم سياسي بين رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري. 

ونقلت صحيفة الشرق الأوسط في 1 يناير/كانون الثاني الجاري عن مصادر سياسية مواكبة لتشكيل الحكومة أنها ستتألف من 18 وزيرا وتنقسم إلى 9 وزراء مسيحيين هم 4 موارنة (يتبعون للكنيسة المارونية) و2 أرثوذوكس ووزير كاثوليكي وآخر أرمني وآخر من الأقليات، أما حصة المسلمين فتتألف من 4 وزراء سنة، و4 شيعة ووزير درزي. 

وأشارت الصحيفة إلى أن العقدة الدرزية برزت من جديد على خلفية انتقاد جنبلاط ومسؤولين آخرين لتمثيلهم بحقيبة غير وازنة وهي البيئة، بالإضافة إلى تمسك جبران باسيل بأن يكون الوزير الدرزي. 

أما العقدة الثانية التي تحدثت عنها الصحيفة فتتمثل في التمثيل السني، حيث لم تسفر الأسماء المقترحة حتى الآن عن تمثيل لبيروت في الحكومة سوى عن اسم رئيس الحكومة حسان دياب، وهو ما يُنظر إليه على أنه تمثيل ضعيف.

يضاف إلى ذلك العقدة المتمثلة في حقيبة الداخلية التي لا تزال قيد البحث في ضوء تراجع حظوظ اسمين جرى طرحهما أخيراً هما الضابط المتقاعد باسم خالد المنحدر من منطقة عكار وكان المساعد الثاني لمدير المخابرات في الجيش اللبناني قبل تقاعده، والضابط المتقاعد حسني ضاهر الذي لم يلقَ طرح اسمه استجابة لدى الرئيس عون، بحسب ما قالت المصادر.

وأشارت إلى أن الاسم المطروح جدياً الآن هو العميد المتقاعد محمد فهمي الذي شغل أثناء الخدمة قبل أكثر من 12 عاماً موقع رئيس فرع الأمن العسكري في مديرية المخابرات في الجيش. أما لتولي حقيبة الدفاع فتُطرح أسماء ضباط متقاعدين أيضاً، بعد استبعاد اسم شادي مسعد كلياً.

كما أفرزت اجتماعات رئيس الحكومة المكلف بالكتل النيابية استمرار إصرار الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) على استبعاد الوجوه السابقة كليا.

وأظهرت الاجتماعات أنه في حال بقي الوزير باسيل مصرا على إعادة تعيين وزيرة الطاقة ندى البستاني ووزير الاقتصاد منصور بطيش في نفس مناصبهم، فإن الثنائي الشيعي سيتمسك بإعادة تعيين الوزيرين جميل جبق وحسن اللقيس.

ووفق الصحيفة فإن الثنائي الشيعي أكدا عزمهما تسهيل تشكيل الحكومة شرط إنهاء هيمنة باسيل عليها.

ووفق ما ورد في تقرير صحيفة الشرق الأوسط فإن الأزمة اللبنانية مازالت قائمة وأن سببها الأساسي هي الكتل السياسية التي تصر على المحاصصة في الوقت الذي ينادي فيه الشارع بتشكيل حكومة اختصاصيين بعيدة تماما عن الكتل السياسية المتناحرة.

على الجانب الآخر عبرت مجموعة الدعم الدولية للبنان عن دهشتها من التقارير التي قدمها سفراءها والتي تفيد بأن  العقبات قد وضعت أمام حسن دياب لتشكيل حكومة جديدة من قبل الأحزاب السياسية ذاتها التي دعمت ترشيحه.

وأشارت مجموعة الدعم إلى أن هؤلاء السياسيون يسعون إلى عرقلة مهمة دياب من خلال تقديم مطالب تتعارض مع أمله في تشكيل حكومة ترضي الاحتجاجات الشعبية وتخفف من أزمة الثقة بينها وبين الطبقة السياسية. 

فرص النجاح

يرى محللون أن نسب نجاح حسان دياب في حل مشاكل لبنان ضئيلة وذلك بسبب افتقاره إلى الدعم السياسي من الطائفة السنية وكتلة تيار المستقبل التي يترأسها سعد الحريري في البرلمان، ولذلك فإنه قد لا يكون رئيس وزراء قوي مقابل الرئيس عون وتحالف حزب الله - أمل. 

كما أن دياب لا يحظى بتأييد من المتظاهرين الذين يشكون في قدرته على تلبية مطالبهم في محاربة الفساد أو إدارة المشاكل الاقتصادية والسياسية التي تواجهها البلاد في ظل الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي تجعل نجاحه السياسي غير مرجح. 

يقول عماد حرب وهو مدير البحث والتحليل في المركز العربي بواشنطن إن دياب الذي لم يرشح نفسه قط لشغل مناصب عامة أو بنى قاعدة سياسية خاصة به، هو تحت رحمة تحالف "حزب الله - التيار الوطني الحر" دون دعم مجتمعي ملحوظ.

ويوضح في مقال بموقع الجزيرة الانجليزي أن دياب بذلك يبدأ فترة تعثره، حيث يطالب المتظاهرون في الشارع بتعيين زعيم قوي يمثل قاعدة شعبية ومن هو قادر على محاربة الفساد والمحسوبية.

 

وأشار حرب في مقاله إلى أن التأثير الفوري للضعف المؤسسي لدياب سيظهر في عجزه المتوقع عن كبح قوة حزب الله ونفوذه في مؤسسات الدولة، مثل الحريري وآخرين من قبله، وأضاف: "سيفشل دياب أيضًا في التحقق من وضع الحزب كميليشيا مسلحة ذات صنع قرار مستقل ودولة داخل الدولة". 

ويرى حرب أيضا أنه "ربما يكون جرى اختيار دياب لأنه لا يمثل أي تهديد للرئيس الحالي وأنه لن يحاول تقييد نفوذ حزب الله في مؤسسات الدولة".

ومن المحتمل بحسب حرب أن يلازم دياب سوء الحظ في رئاسة الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي النهائي للبنان في الوقت الذي سيكون قادرا فيه على إيجاد أغلبية في البرلمان يمكن أن تساعده في رعاية برنامج إصلاح محدود وهي نفسها الأغلبية التي ساعدته في الحصول على المنصب، إلا أنه لن يكون قادرا على تهدئة الجمهور اللبناني الذي لا يرى أي أمل في النظام السياسي الحالي. 

وعن ارتباط رئيس الحكومة المكلف بحزب الله يقول حرب إنه من غير المرجح أن يثير ارتباطه بالحزب اهتمام المجتمعات الإقليمية والدولية بمساعدة حكومته في تنفيذ البرنامج الاقتصادي الجذري الذي تحتاجه البلاد لتصحيح طريقها إلى الأمام.

وحكم حرب على فترة ولاية دياب بأنها مهما طالت ستكون حلقة جديدة من نوع الحكم الفاشل الذي يحتج عليه الشعب اللبناني منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول. 

لكن الكاتب الصحفي جوني منير كان أكثر تفاؤلا على اعتبار أن حزب الله اتخذ قرارا بتسهيل عملية تشكيل الحكومة، وقال في تصريحات صحفية إن هذا لا يعني أن الحكومة ستكون سريعة التأليف، وذلك بسبب وجود عدة معوقات تتعلق بالأسماء التي ستتولي الحقائب الوزارية ووجود نية لوجود أسماء حزبية في تشكيل الحكومة.  

وأوضح منير، أن أحد أهم المعوقات التي تواجه تشكيل الحكومة هو الرفض السني الواسع والذي انضم إليه البعد الإقليمي، بالإضافة إلي قدرة الحكومة من عدمه على تأمين مساعدات مالية ملحة للبنان التي غالبا ما تأتي من البلدان الخليجية، مستبعدا حصول انتخابات نيابية مبكرة.

وقالت الباحثة والمتخصصة في الشأن اللبناني جيلان جبر "إن هناك حالة من عدم الثقة بين الشعب والسلطة السياسية، الأمر الذي يتطلب من حسان دياب السرعة في اتخاذ قرارات تعيد الثقة بين الشعب والحكومة، وكذلك عليه أن يتخذ إجراءات تعيد الثقة للمنظمات الدولية بالمؤسسات اللبنانية من أجل إعطاء دفعة مالية لإنقاذ لبنان.