رئيس محايد.. كيف تتعامل تونس مع أزمات المنطقة في مجلس الأمن؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يقف الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد، أمام اختبار على صعيد السياسية الخارجية متعددة الأطراف، وهو الأول من نوعه منذ قدومه إلى قصر قرطاج حاكما بموجب انتخابات قال فيها الشعب كلمته.

قضايا عربية ودولية وإسلامية سيحملها سعيد عبر مندوبه إلى مجلس الأمن، تنفيذا لوعود بلاده المتعلقة بالمواقف المتخذة بشأن المسائل العربية والإفريقية في مجلس الأمن الدولي.

فمع مطلع العام الجديد 2020 سيقف مندوب تونس للمرة الرابعة في تاريخها أمام مجلس الأمن ممثلا عن بلاده، التي فازت في 7 يونيو/حزيران 2019، بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي بدءا من سنة 2020، ولمدة سنتين.

هي المرة الرابعة، لكنها الأولى التي تأتي بعد ثورة شعبية جاءت بخلف مستقل منتم للشعب وتطلعاته، بعد أن أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين الذي حكم البلاد بين 1987 و2011.

تونس فازت بالمقعد بعد أن حلصت على 191 صوتا، إلى جانب إستونيا والنيجر وفيتنام وسانت فنسنت وغرينادين كأعضاء غير دائمين، ليحلوا محل غينيا الاستوائية، وساحل العاج، والكويت، وبولندا، وكذلك البيرو.

استغلال المقعد

يأتي انتخاب تونس في وقت يعاني فيه المجلس جمودا دبلوماسيا، إثر فشله في الاتفاق على كيفية التعامل مع أزمات عدة في ملفات سوريا واليمن والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وغيرها من القضايا العربية.

تلك القضايا تتطلب من تونس بأن تلعب دورا في إحداث فرق واضح فيها، من دون أن تتأثر بالحسابات والتحالفات الدولية، وهو ما يوكده، وزير الخارجية الأسبق والقيادي بحركة "النهضة"، رفيق عبد السلام، في حديثه لـ "الاستقلال".

ستحافظ تونس، برأي عبد السلام، على ثوابتها في مجال السياسة الخارجية بالدفاع عن قضايا الأمة العربية بعيدا عن التدخلات، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، مع تجنب السقوط في سياسات المحاور الدولية والصراعات العربية-العربية .

ويقول أيضا: "ستكون تونس أكثر التزاما الحرية والتحرر في العالم العربي من دون أن تتورط في لعبة الصراعات الدولية، وستعمل -ما أمكن- على تشكيل موقف مغاربي وعربي مشترك في القضايا ذات الأولوية".

ويرى أن بلاده "تدرك جيدا معطيات الجيوستراتيجية، وما يعنيه ذلك من الحاجة للتعاون مع القوى الفاعلة في الساحة الدولية، مع مزيد الانفتاح على القوى الجديدة والصاعدة".

ويعرب "عبد السلام" عن اعتقاده بأن ذلك يساعد على تشكل نظام دولي أكثر عدلا وتوازنا، يستجيب للمتغيرات الحاصلة في الساحة الدولية خلال العشرين عاما الأخيرين خصوصا.

ويستطرد: "نحن نعيش اليوم في نظام دولي متعدد الأقطاب وقد باتت هذه حقيقة ثابتة وملموسة، ولكن الهياكل والنظم الدولية ما زالت محكومة بمخلفات الحرب العالمية الثانية وما ولدته من توازنات دولية".

الوصول إلى العالم

الأكاديمي والمحلل التونسي، الزبير خلف الله، يعتقد أن مقعد تونس في مجلس الأمن يجعلها لاعبا مهما على الساحة العربية والإسلامية، مما يساهم في تحركها على صعيد السياسية الداخلية والخارجية، ويفتح الباب أمامها لتصبح ذات دور إقليمي.

ويقول "خلف الله" في حديث لـ "الاستقلال": إن هذه فرصة لتونس من أجل العمل على تغيير سياتها وإستراتيجيتها، لكي تصبح طرفا أساسيا يساهم في إخراج الشرق الأوسط من حالة الاضطراب التي يعيشها.

لكنه يرى أن "تونس ما زالت بحاجة إلى وعي ونضج في مسألة السياسات الخارجية، خاصة أنها مرتبطة حتى الآن بالجانب الأوروبي الذي يسيطر على قرارها السياسي، وخاصة فرنسا".

ويعتقد أن بإمكان بلاده  -بعد ما مرت به من ثورة ومسار ديمقراطي- اتخاذ قرارت صائبة في مجلس الأمن، وهو ما يدعم استقلاليتها وسيادتها لأن تكون شريكا ونصرا فعالا في حل المشاكل العربية.

"هذه فرصة مهمة جدا لتونس، يجب أن تستغلها استغلالا جيدا"، يقول "عبد السلام" قبل أن ينوّه إلى ضرورة ألا تنخرط بلاده في المشاكل القريبة، كالتي تحدث في ليبيا والبحر المتوسط؛ لأن ذلك سيؤثر علهيا بشكل كبير.

تصريحات "عبد السلام" استند فيها إلى تفسيرات قرار الرئيس التونسي بأن بلاده "لن تنتمي لأي محور من المحاور"، وربما يأتي ذلك انطلاقا من نهج تونس المزمع في مجلس الأمن.

وجود "سعيد"

وزير الخارجية الأسبق، يقول في هذا الإطار: إن "سعيد سيكون أكثر التزاما بنبض الثورة التونسية، والأسس التي قامت عليها السياسة الخارجية التونسية".

ويضيف عبد السلام لـ "الاستقلال" أن هذا يعني مزيدا من الالتزام بالقضايا العربية والإفريقية، ورفض التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة، والتأكيد على أهمية التضامن العربي والإسلامي، والتعاون بين دول العالم الثالث.

ويؤكد أن السياسة الخارجية التونسية مبنية على أسس وتوجهات تصنعها الدولة عامة، وليست انعكاسا لفرد أو حزب، مستدركا: "لكن وجود سعيد في موقعه يمكن أن تكون له مساهمة فاعلة في تنشيط السياسة الخارجية التونسية".

كما أنه سيساهم في تفعيل حضور بلاده على الصعيدين الإقليمي والدولي، خاصة في ظل الأزمات التي تعصف ببعض دول الجوار، بما يعكس توجهات الثورة، وبالتأكيد سينعكس كل ذلك في خطاب مندوب تونس لدى الامم المتحدة، وفق قوله.

تحت المجهر

برأي الأكاديمي "خلف الله"، فإن الرئيس التونسي الجديد أكاديمي وجامعي، لكنه ما زال تحت المجهر والتجربة "لكي نستطيع التعرف على مدى عمقه ورؤيته السياسية وما إذا كان قادرا على إدارة سياسة الدولة".

ويشير "خلف الله" إلى أنه لا توجد حتى الآن خطوات ملموسة تساعد على قراءة شخصيته، "لكنه من وجهة نظري صاحب رؤية، ويملك أفكارا بإمكانها إحداث تغيير".

ويزيد في استدراكه: "أكثر ما يميز الرجل أنه شخص محايد لا ينتمي إلى أي حزب، وفي حال حافظ على استقلاليته فإن بامكانه إحداث توازن كبير على صعيد المشهد التونسي الداخلي".

أما خارجيا فهو يحظى بشعبية كبيرة قد تعطيه الفرصة للعب دور مهم في قضايا خارجية، مثل: قضية اتحاد المغرب العربي، وتحقيق مصالحة في الملف الليبي، وحل الخلافات العربية، وهو ما سيعود بالنفع على تونس بالطبع.

مسألة كونه مستقلا محايدا ستجعله يؤسس لرؤية سياسية جديدة، خاصة فيما يتعلق بمعقد بلاده في مجلس الأمن، إذ أنه ذلك سيساعد على جعل تونس من الدول المتقدمة، برأي المحلل السياسي.

حقيبة القضايا

في هذا الإطار، يقول الوزير التونسي الأسبق: إن أولى القضايا التي سيحملها ممثل تونس، تتمثل في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتمدد الاستيطان وتهويد القدس، مؤكدا أن هذه القضية ذات بعد عربي وإسلامي مشترك.

قضية أخرى في حقيبة ممثل تونس، تتمحور حول الدفع باتجاه حل سياسي في ليبيا، والدعوة لإسكات لغة السلاح، مع العمل على إعلاء صوت العقل، "ولكن  في إطار احترام حكومة طرابلس المعترف بها دوليا"، وفق "عبد السلام".

ويلفت النظر إلى أن بلاده "ليست جزءا من الصراع في ليبيا الشقيقة، ولكننا معنيون بصورة مباشرة بما يجري هناك بحكم علاقات الجوار، ومتانة الروابط الاجتماعية والثقافية، ثم عمق المصالح  المتبادلة بين البلدين".

جدار دولي

يرى الوزير التونسي هنا، أن تونس يمكن أن تصطدم بجدار الاستقطاب الدولي في قضايا وملفات شائكة في الساحة الدولية، ومن ذلك الصراعات التجارية بين القوى الكبرى، وخصوصا على الساحة العربية.

ويضيف "عبد السلام": "كما أن صعود موجة الاٍرهاب في المنطقة، وعودة التدخلات الخارجية بذريعة مقاومة المجموعات الإرهابية، على نحو ما يجري في سوريا والعراق وليبيا وجنوب الصحراء الإفريقية،  ستمثل معضلة تونسية وعربية ومشتركة".

ويزيد في سرد المعيقات التي قد تواجه تونس في مجلس الأمن: "انعكاس الصراعات البينية العربية وعودة سياسة المحاور على الملفات العربية، بما يساهم في غياب رؤية عربية مشتركة في مختلف القضايا الإقليمية والدولية".

ويستدرك في ختام قوله: "لكن تونس ستبقى ملتزمة بتوجهاتها القومية والإسلامية، وبالدعوة للتخفيف من حدة الصراعات والحروب الأهلية التي باتت تعصف ببعض الأقطار العربية، من خلال الدعوة للحوار والتوافق".

رسم الخطابات

وفي معرض رده على سؤال حول أي دور متوقع لسعيد في رسم خطابات ممثل تونس، يعود "خلف الله" للإشارة إلى ضرورة أن تكون الخطابات في الأمم المتحدة بعيدة عن الأدب والإنشاء، وتتضمن أفكارا وأطروحات.

ويضيف المحلل السياسي التونسي: "يجب أن يتمتع سعيد بعمق المقاربات السياسية، وفهم طبيعة الصراعات الخارجية الدولية، وأن يكون صاحب رؤية وأفق في تنويع العلاقات".

نصيحة "خلف الله" جاءت انطلاقا من رأيه بأن خطاب الرئيس فيه نوع من "الانفعالية"، لكنه مع الوقت سيكتسب تجربة وسيستفيد أكثر من أجل تكوين قاموس سياسي جديد على الصعيد الداخلي والخارجي.

ويؤكد أن "الخطاب يجب أن يتمتع بأسلوب ولغة، وأن يحتوي مضامين مميزة، وأن يكون مقنعا لباقي الدول، فالعلاقات الدولية مبينة على المصالح والإقناع والتفاهم"، مشيرا إلى أنه سيؤثر على موقع تونس في المحافل الدولية.