تباينت ردود أفعال المعارضة المصرية، حول الوثيقة التي أطلقها المقاول المصري محمد علي، تحت عنوان "التوافق المصري"، ففي الوقت الذي أعلنت فيه "جماعة الإخوان المسلمين" ترحيبها بالوثيقة، أكد رئيس حزب "غد الثورة" دعمه لها، بينما نظر إليها آخرون بشيء من الترقب، في حين انتقدها فريق ثالث، واعتبرها أنها لم تقدم جديدا، ولن تكون سببا في اختراق الحالة المصرية، وأنها مثل المبادرات السابقة التي أطلقها معارضون في الداخل والخارج.
إلا أن جديد وثيقة محمد علي، في كونها الأولى التي لم تصدر عن جهة أو رموز سياسية محسوبة على مربعي 25 يناير 2011، أو 30 يونيو 2013، كما أنها جاءت بعد حلحلة واضحة في المشهد، كانت إحدى نتائج الحراك الذي انطلق بدعوته للتظاهر في 20 سبتمبر/ أيلول 2019.
ورغم أن الوثيقة قدمت رؤية للحكم لما بعد السيسي، إلا أنها لم تحدد جدولا زمنيا لتنفيذ ما جاء فيها من خطوات، كما أنها لم تكشف عن الجهات الداعمة لها، أو التي وافقت على بعض أجزائها، كما أشار محمد علي في الفيديو الذي أعلن من خلاله بنود الوثيقة.
حسب ما جاء في بيان الوثيقة، فإن المشاركين في صياغتها، قسموها لقسمين، الأول يضم المبادئ الحاكمة، والثاني كان متعلقا بأوليات العمل، وفيما يتعلق بالمبادئ الحاكمة، كانت بنودها كالآتي:
ووفقا لما جاء في الوثيقة، فقد حدد المشاركون فيها 11 بندا اعتبروها، تمثل الأولوية في المرحلة الحالية، وهي:
يعد "الإخوان المسلمين" من أبرز المؤيدين للوثيقة، وجاء تأييد الجماعة من خلال ثلاثة مسارات متزامنة، الأول بتصريحات أطلقها نائب المرشد العام للجماعة إبراهيم منير من خلال عدد من المنابر الإعلامية القريبة من الجماعة أبرزهم قناة "وطن"، ثم من خلال تصريحات لعضو مجلس شورى الجماعة مدحت الحداد، الذي أعلن من خلال الموقع الرسمي للجماعة ترحيبهم بالمبادرة، وأخيرا البيان الرسمي الذي وقعه المتحدث باسم الجماعة في مصر، طلعت فهمي.
وحسب ما أشار إليه إبراهيم منير، فإن الوثيقة حملت الكثير من النقاط التي يمكن التوافق حولها، وهي خرجت من شخصية ليس لها علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، ما يتطلب من جميع القوى السياسية المعارضة الاقتراب منها، والعمل تنفيذها على أرض الواقع.
ووصف منير بنود الوثيقة بأنها مناسبة لجميع الأطراف الوطنية، وتمثل الرؤية المبدئية "التي نأمل أن تلتف حولها كل مكونات الجماعة الوطنية المصرية على اختلاف أطيافها"، متوقعا استجابة مكونات الجماعة الوطنية المصرية، التي شارك معظمها بشكل ما أو بآخر في صياغة الوثيقة التي سيكون لها ما بعدها، وتمثل نقطة هامة وفارقة في مسار الاصطفاف الوطني المنشود.
واعترض منير وصف الوثيقة بأنها "وثيقة الإخوان"، مؤكدا أنها خرجت من طرف ليس من الممكن أن يقال إنه من "جماعة الإخوان" أو التيار الإسلامي، بل هو شخص لا علاقة له بـ"الإخوان" لا من قريب أو بعيد، بل إنه كان ابنا للنظام حتى وقت قريب، وبالتالي لا يمكن لعاقل أن يقبل وصفها بـ"وثيقة الإخوان".
وأكد نائب المرشد العام للإخوان، أن جماعته مثل باقي القوى السياسية الأخرى، أرسلت إلى محمد علي خلال الأيام الماضية وثيقة ومقترحات تعبر عن رؤيتها لمشروع الاصطفاف، وقد قام علي بالتوفيق والجمع بين كل الوثائق المختلفة إلى أن خرجت وثيقته بشكلها الأخير.
وفي موقف مماثل لموقف جماعة الإخوان، أعلن السياسي المصري ورئيس حزب "غد الثورة"، أيمن نور ترحيبه بالوثيقة، مؤكدا أنها كانت نتاج لمشاركات من قوي المعارضة المختلفة.
وقال نور من خلال حسابه على "تويتر": إن "الوثيقة الوطنية التي عرضها محمد علي، تعبر بشكل واسع عن قضايا توافقت عليها الجماعة الوطنية المصرية خلال السنوات الماضية، ويمكن البناء عليها في المرحلة المقبلة"، وأضاف نور قائلا: "أؤيد ما ورد في الوثيقة من نقاط وقضايا تعبر عن مستقبل مصر بعد رحيل السيسي ونظامه.
#الوثيقة_الوطنية التي عرضها #محمد_علي تعبر بشكل واسع عن قضايا توافقت عليها الجماعه الوطنيه المصريه خلال
— Ayman Nour (@AymanNour) ٢٧ ديسمبر ٢٠١٩
السنوات الماضية.ويمكن البناء عليها في المرحله القادمه.
بأسمى شخصيآ وحزبيآ أؤيد ما ورد في الوثيقه من نقاط وقضايا
تعبر عن مستقبل مصر بعد رحيل #السيسى ونظامه#السيسي_لازم_يرحل
وفي مقابل المؤيدين للوثيقة، تحفظ آخرون على الترحيب بها، أو الإعلان عن موافقتهم عليها، وكان من أبرز الذين عارضوها واعتبروها ماتت قبل أن تولد، عضو "جبهة الضمير الوطني"، عمرو عبدالهادي، والكاتب الصحفي وائل قنديل، وأعضاء "المجلس الثوري المصري"، وعدد من قيادات "الإخوان المسلمين" أنفسهم من بينهم عزة الجرف عضو البرلمان المصري السابق، بينما أكد الصحفي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، قطب العربي، أن الأهم ليس في التوافق في النصوص، وإنما في النفوس، في إشارة إلى أن الأزمة التي يعيشها مكونات المعارضة المصرية في الخارج.
وفي مقال مطول لها، أكدت مها عزام رئيس "المجلس الثوري المصري"، أن هناك مبادئ أساسية يجب أن تكون حاضرة، لأي اتفاق وطني بهدف تأسيس دولة ديمقراطية، من بينها رفض الاعتراف بالانقلابات العسكرية، وهو ما جاء خلال وثيقة محمد علي.
ووفق عزام فإن رفض الانقلابات العسكرية وتجريمها والإقرار بأن ما حدث في ٣ يوليو هو انقلاب عسكري متكامل الأركان على الرئيس الشرعي والحكومة الشرعية التي استمدت شرعيتها من سيادة الشعب، متمثلة في أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ مصر الحديث في ٢٠١٢، وعلى ذلك، فإن الانقلاب العسكري يمثل جريمة ضد الشعب المصري بجميع فئاته واختلاف عقائده لأنه تعدى على سيادة الشعب المصري.
على جانب آخر، لم تتفاعل وسائل الإعلام الدولية مع مبادرة محمد علي، بنفس القدر الذي تفاعلت به مع دعواته السابقة بالتظاهر ضد السيسي، وعلقت شبكة "سي إن إن"، على الوثيقة بتقرير مطول قالت: إن "المقاول محمد علي الذي فشل في حشد مليونية ضد السيسي"، يصدر وثيقة باسم "التوافق المصري" مجددا هجومه على السيسي".
ونقلت "سي إن إن" عن عمرو عبدالهادي، تأكيده على اعتراف الوثيقة بدستور 2012، وإسقاط دستور 2014، مع الحفاظ على هوية مصر الإسلامية.
وحسب الشبكة الأمريكية، فإنه لم يتفاعل مع الوثيقة أي حزب سياسي أو جماعة سياسية من داخل مصر، كما تجاهلها الإعلام المصري المحسوب على نظام السيسي.
آخرون نظروا للوثيقة من منظور مختلف، حيث اعتبروها واحدة من وسائل تحريك المياه الراكدة في المشهد المصري، والذي بدأه محمد علي بسلسلة فيديوهاته التي انتقد فيها السيسي، ودعا للتظاهر ضده، وهو ما كان سببا في تغييرات سياسية وأمنية واقتصادية قام بها السيسي، لتخفيف حدة الغضب الجماهيري.
وحسب تقرير مفصل لصحيفة "نيويورك تايمز" فإن محمد علي، كسر حاجز الخوف، عندما خرج بسلسلة الفيديوهات التي كشفت فساد السيسي ونظامه، ودعا المواطنين للتعبير عن رفضهم لهذه السياسات من خلال التظاهر يوم 20 سبتمبر/ أيلول 2019، وهو ما مثَّل وقتها علامة تحول بارزة في عدم استقرار نظام السيسي، الذي فرض حصارا أمنيا على السياسيين والإعلاميين المخالفين له في الرأي.
وعلقت مدير الأبحاث في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط "إيمي هوثورن" للصحيفة، على ظاهرة محمد علي قائلة : "إنه أمر غريب .. من هو هذا الشخص، الذي يرتبط به، ما الذي دفعه إلى الخروج بهذه المزاعم الآن؟ من الواضح أنه مرتبط جيدا، لكن من هي بالضبط روابطه؟.
وقال محللون أخرون: إن ما ميز محمد علي، أنه لا يتكلم مثل أي ناشط ديمقراطي أو سياسي، ولكن كان واحدا من عموم الشعب المصري، ولذلك انتشر حديثه بين قطاعات واسعة من المصريين بشكل لم يفعله أحد قبله، كما جاء في تعليق رباب المهدي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
وفي مقال آخر للكاتب السياسي باتريك وينتور، في صحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن المقاول المصري الذي ظهر على سطح الأحداث قبل ثلاثة أشهر فقط، أطلق "خريطة طريق شاملة للإصلاح لإنقاذ مصر".
وحسب "الجارديان" فإن محمد علي، أخبرها قبل أسابيع أنه يسعى لإعادة توحيد معارضة مصرية متباينة وراء برنامج مشترك لإنقاذ اقتصاد البلاد ومؤسساتها.