بعد أن أوقدت نار الحرب.. السعودية تتنصل من حقوق اليمنيين

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ شن تحالف "الرياض ـ أبو ظبي" غاراته في اليمن، والأوضاع الاقتصادية تزداد تدهورا، فالحرب التي كان قد شنها التحالف في مارس/آذار 2015، ووعد بحسمها خلال شهرين، دخلت عامها الرابع، وبات تحقيق الهدف الذي أعلن عنه، بإعادة الشرعية اليمنية والقضاء على الانقلاب، وبالتالي انتهاء الأزمة الاقتصادية، أمرا بعيد المنال، بعد أن سعت السعودية لتنفيذ أجندة خاصة بها.

يقول فريق الخبراء الأممي في تقريره الذي رفعه لمجلس الأمن في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن استمرار انعدام وجود مصالح مشتركة داخل التحالف ضد الحوثيين يفاقم تقسيم البلد، ويجعل من استعادة سلطة الحكومة على جميع أرجاء اليمن بعيد المنال.

ويضيف الخبراء أن التناقض في تلك المصالح المشتركة داخل التحالف العربي أدى إلى تآكل سلطة الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف، إلى درجة أن استعادة الحكومة لسلطتها في جميع أنحاء اليمن غدا أمرا بعيد التحقق، رغم التقدم على الأرض ضد الحوثيين.

وإلى جانب تدهور الأوضاع الاقتصادية، تتفاقم الأوضاع الإنسانية وتزداد سوءا؛ نتيجة القيود التي فرضها التحالف، في الموانئ والمطارات. منظمة هيومن رايتس ووتش كانت قد أصدرت تقريرا في ديسمبر/ كانون الأول 2017، قالت فيه إن القيود التي فرضها التحالف، بقيادة السعودية، على المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية؛ أدى إلى تدهور الوضع الإنساني في البلاد بشكل كارثي.

الضيافة على الطريقة السعودية

لم تقتصر معاناة المواطنين على الداخل اليمني، بل امتدت لتشمل اليمنيين المقيمين في السعودية، وصلت إلى حد أن مليون و300 ألف يمني مقيمون بالسعودية، بحسب تقرير صحفي، أصبحوا يعانون، وتتنوع معاناتهم بين الترحيل والتضييق في دفع الرسوم الشهرية والحرمان من الوظائف التي امتهنوها منذ عقود.

وفي حين تتحدث مصادر سعودية رسمية عن استقبال مليون لاجئ يمني، ويتم معاملتهم كضيوف، تتحدث مصادر أخرى عن ترحيل عشرات الآلاف من اليمنيين بسبب مخالفات في الإقامات وأنظمة العمل.

وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، كان قد صرّح في البرلمان الأوروبي بأن بلاده استقبلت مليون يمني منذ اندلاع الحرب، ووفرت لهم الوظائف ويتم معاملتهم كضيوف، لا كلاجئين، في حين أن مسؤولا يمنيا رفيع المستوى قد صرح للمصدر أونلاين أن السعودية قامت بترحيل 40 ألف يمني خلال 3 أشهر، وأضاف أن الجهود الحكومية منذ تشكيل لجنة لمتابعة ومعالجة هذا الموضوع، لم تحقق أي نتائج.

وكانت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة قد قالت إن "السعودية طردت 17 ألف مهاجر يمني في عام 2018، وهناك مخاوف من أنها قد ترحِّل ما يصل إلى 700 ألف إلى مناطق الحرب والبؤس في بلادهم".

بطالة مقننة

إلى جانب الترحيل قامت السعودية بتوطين الوظائف وسعوَدة المهن، وبالتالي خسر مئات الآلاف من اليمنيين أعمالهم، يقول وليد عامر، في تصريح خاص للاستقلال: أعمل في مجال الحواسيب وتقنية المعلومات منذ 10 سنوات، لكني خسرت عملي بعد فرض قانون السعودة، ووجدت نفسي عاطلا عن العمل، وغير قادر على العيش، أود الرجوع لليمن، لكن الحرب في اليمن والأزمة الخانقة، حالت دون عودتي، أشعر بأني وُضعت بين فكّي كماشة، ولم أدر ما أفعل!

ليس قانون "السعودة" هو ما تسبب بفقدان مئات الآلاف من اليمنيين لوظائفهم وأعمالهم، بل إن رسوم "المرافقين" التي فرضتها الحكومة السعودية على المقيمين، ضاعف من معاناتهم أيضا.

يقول شكري أبو زكريا، وهو مواطن يمني غادر السعودية بشكل نهائي قبل عدة أشهر، في تصريح خاص للاستقلال: "سافرت للسعودية منذ كنت شابا لا أتجاوز العشرين عاما، عملت في السعودية أكثر من 45 سنة في مجال المقاولات والبناء، أعطيتها شبابي، شاركت بتعميرها، ومنحتها أهم مراحل عمري.

مضيفا: "لكن السعودية تنكرت لكل ما بذلته لها، وقامت بترحيلي بعد عجزي عن دفع الرسوم الشهرية الباهظة التي فرضتها علي ّ وعلى كل أفراد عائلتي المولودين في السعودية. هناك مئات الأسر تعيش نفس وضعي، وحالتهم مثل حالتي".

الحوالات المالية

بسبب انقطاع الرواتب في اليمن منذ أكثر من عامين، وانعدام فرص العمل؛ فإن آلاف الأُسر اليمنية تعتمد على التحويلات المالية التي يقوم بإرسالها العاملون في الخليج، والسعودية على وجه الخصوص، كمصدر رزق أساسي ووحيد، لهذا فقد سبب خسارة الموظفين بالسعودية لأعمالهم ووظائفهم بانقطاع التحويلات المالية، وبالتالي خسارة المواطنين في الداخل اليمني.

يقول الناشط و الراصد الحقوقي موسى النمراني في تصريح خاص بـ"الاستقلال": أصبح المقيم اليمني في السعودية يحتاج لمعونة بعد أن كان يرسل المصاريف الشهرية لأقاربه في اليمن. ويضيف: "القرارات السعودية الأخيرة تجاه اليمنيين قصمت ظهور اليمنيين في الداخل والخارج".

رفض الاستثناء

في ظل الإجراءات التي اتخذتها السلطات السعودية تجاه المقيمين الأجانب، والتي شملت المقيمين اليمنيين وتسببت بمعاناتهم، صرح مصدر حكومي يمني أن السعودية رفضت مرارا طلبا من الرئيس هادي باستثناء اليمنيين من قرارات السعودة لدواع إنسانية.

وكانت وزارة العمل السعودية قد أصدرت بيانا، إثر التماس تقدمت به الحكومة اليمنية المقيمة في الرياض بـ"استثناء" اليمنيين من الرسوم المفروضة والترحيل القسري، قالت فيها : لا استثناءات لأي عمالة وافدة من قرار توطين الوظائف والأعمال في السعودية".

كما أن نائب الرئيس اليمني الجنرال علي محسن الأحمر تقدم بطلب لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بضرورة تخفيف القيود على اليمنيين في هذه الفترة، لكن الأمر قوبل بالتجاهل.

في تصرف يدلل على أن السعودية غير عابئة بمعاناة اليمنيين الذين هربوا من جحيم الحرب، وتجاهلها لمطالب الحكومة الشرعية بتخفيف القيود عنهم.  

يقول الناشط الحقوقي موسى النمراني:  للسعودية كامل الحق في اتخاذ الإجراءات الاقتصادية التي تراها مناسبة، بما في ذلك قانون "السعودة" الذي يهدف إلى تشغيل الشباب السعودي، لكن عليها أن تدرك أنها تسببت بإطالة أمد الحرب في اليمن وخلقت أزمة اقتصادية وإنسانية هي الأسوأ في العالم، وبالتالي ينبغي عليها استثناء اليمنيين من هذه القرارات، ولو لفترة مؤقتة حتى انتهاء الأزمة والحرب في اليمن.

لماذا يتم التضييق على اليمنيين؟

يقول المحلل السياسي ياسين التميمي، في تصريح للاستقلال: الهدف السياسي من التضييق على اليمنيين المقيمين في السعودية، هو إضعاف موقفهم على كافة المستويات دولة وحكومة وشعبا، خصوصا في الداخل، و الحد من خياراتهم؛ لجعلهم جاهزين للقبول بأي حلول و إملاءات تفرضها عليهم في المستقبل.

يضيف التميمي: "ما لا يمكن فهمه هو أن السعودية تحارب في اليمن، وتفرض حصارا جويا وبحريا، وتدعي أنها تساند الشرعية، ومع ذلك فإنها تضيق حتى على المسؤولين في السلطة الشرعية، وتفرض عليهم رسوما وتجديد إقامات، وتضيق على مواطني البلد الذي تدعي أنها تدعمه، وتدفعهم للمغادرة بشكل قسري، وهذا يدل على سوء نوايا السلطة السعودية التي لا تلقي بالا  لا للجوار ولا الأخوة".

أما الكاتب والصحفي اليمني أحمد المقولي فيقول، في تصريح للاستقلال:  السعودية تتجاهل معاناة اليمنيين، مع أنها هي التي ضاعفت من معاناتهم، يضيف المقولي: للسعودية أجندة في اليمن؛ لهذا فهي  تتعمد أن تجعل اليمنيين عند مستوى الحاجة، لكي تضمن فاعلية شراء ولاءاتهم عند تنفيذ تلك الأجندة.

"ستدرك السعودية، ولكن في وقت متأخر، أنها خسرت الظهر الذي كان يحميها، فبعد أن سلمت بوابتها الشرقية في العراق لإيران، تعمل بكل غباء على تسليم البوابة الجنوبية لإيران أيضا، ولن تستيقظ السعودية إلا بعد أن يكون السهم قد خرج من القوس" بحسب المقولي.

لم يسجل التاريخ أي امتيازات حصلت عليها اليمن من السعودية، بحكم الجوار والتاريخ المشترك، بل على العكس من ذلك امتلأت كتب التاريخ بالمواقف السعودية التي عملت على إعاقة مساعي التنمية في اليمن، منذ تأسيس الجمهورية وحتى الوقت الحاضر.