"التايمز" ترصد مراحل الربيع العربي.. هذه خطورة فشل موجته الثانية

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "التايمز" البريطانية، الضوء على ثورات الربيع العربي التي بدأت منذ عام 2010، محذرة من أن فشل موجته الثانية الذي تشهده البلدان حاليا سيتكون خطورته أوسع من تلك التي تسبب فيها فشل الموجة الأولى، متسائلة عن شكل العالم العربي في 2020.

وقالت الصحيفة في تقرير لمراسلها بالشرق الأوسط ريتشارد سبنسر: إن ثورات الربيع العربي و الاحتجاجات في شوارع العالم العربي دارت دائرة كاملة.

تزداد غضبا

وأضاف التقرير أنه بعد عقد من الاضطرابات، تزداد الاحتجاجات  الشابة في العالم العربي بصوت أعلى وأكثر غضبا من الأنظمة السياسية التي لا تزال في مركز القوة باسطة يديها على مقدرات الشعوب العربية ترتع في بحيرات من القمع والفساد و الاستبداد.

وأوضح أن المؤرخين دائما ما يقولون أن حدثا واحدا لا يمكنه تغيير العالم، وإنما تحدث التغييرات المفصلية الكبرى في العالم نتيجة تفاعل القوى العنيدة وتصادمها، متسائلة: كيف سيكون شكل عام 2020 في العالم العربي وتأثيره في الاحتجاجات المستمرة على مدار عقد من الزمان من الشباب العربي الذي فقد الأمل في الحرية و العدالة و الكرامة التي نادى بها بداية منذ 2010؟

وانطلقت شرارة الربيع العربي من تونس، حين  دخل  مفتش البلدية في مدينة سيدي بوزيد التونسية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، في جدال مع بائع خضروات يدعى محمد بوعزيزي، 26 عاما، بزعم أنه لم يكن لديه تصريح. في حين ادعى أصدقاؤه أنه صفعه - وهو اتهام نفاه دوما مفتش البلدية - قبل مصادرة عربته وموازينه، بينما ذهب، احتجاجا إلى مكتب الحاكم المحلي، وسكب البنزين فوق نفسه مشعلا النار في نفسه احتجاجا على ما لقاه من إهانة وتعنت.

وتابع التقرير: بحلول الوقت الذي توفي فيه بوعزيزي بعد أسبوعين، كانت قضيته، التي أعادت إلى الأذهان العقبات التي يضعها العالم العربي في طريق الشباب الراغبين في كسب عيش لأنفسهم، قد أشعلت هذه الحادثة الاحتجاجات في جميع أنحاء تونس.

وخلص الكاتب إلى أنه بعد عقد من الزمان على هذه الحادثة التي أدت إلى اندلاع الحروب في سوريا والعراق واليمن، فإن الشباب العربي لا يزال ثائرا في الشوارع مطالبا بذات المطالب التي خرج من أجلها بداية من 2010، لأنها لم تتحقق بعد كل هذه الخسائر التي مني بها الشباب العربي في أغلب الدول العربية.

وفي العراق اقتحم الآلاف من الشباب العراقي البائس والعاطل الشوارع والمصالح الحكومية محتجين ضد فساد الحكومة وطائفيتها، أما في لبنان، فقد كان قرار الحكومة بفرض ضرائب على استخدام تطبيق "واتساب" الشهير، كان القشة التي قصمت ظهر البعير حين أدى هذا القرار إلى تدفق عشرات الآلاف من اللبنانيين، أغلبهم من الشباب إلى شوارع بيروت وصيدا وجميع المدن اللبنانية، مطالبين برحيل الحكومة، الفاشلة من وجهة نظرهم والتي يتم تشكيلها فقط وفقا لمحاصصة طائفية قسمت اللبنانيين إلى طوائف، دون العمل على انتشالهم من آبار الفساد والفقر والبطالة.

وبحسب التقرير، فلم يخرج اللبنانيون في شوارع بيروت، المدينة الأكثر لطفا ورقة في العالم العربي، للاحتجاج ضد مارك زوكربيرج، مالك "فيسبوك" و"واتساب"، وإنما ثاروا ضد نظام حكم قد شاخ بعد جلوس نفس الأشخاص على مقاعد الحكم لعشرات السنوات، بينما سوس الطائفية والفقر والبطالة تنخر في أجساد اللبنانيين ولا تفرق بين سني أو شيعي أو درزي أو ماروني، بينما تخرج أموال الشعب المنهوبة من البلاد على مرأى ومسمع من الجميع.

فروقات جوهرية

وأشار الكاتب إلى أن هناك فروقا جوهرية بين الاحتجاجات الجارية الآن في بعض البلدان العربية، وبين الاحتجاجات التي انطلقت في بداية العقد في كل من سوريا و مصر، هذا الفرق يحول دون قدرة الصحفيين على الكتابة عن هذه الاحتجاجات السياسية بشكل واضح.

ونوه إلى أن الشارع في بيروت وبغداد غير واضح بشأن هدفه السياسي، بخلاف المطالبة بتغيير غير محدد، و يفتقر إلى أي إجماع سياسي واضح، ولكن حاول الكثير من المعلقين الخارجيين إجباره على فرض قيود إيديولوجية أو أخرى، إلا أن المشترك بين الاحتجاجات الحالية هي أنها غير طائفية، بل إننا نستطيع القول بأن هذه الاحتجاجات هي في الأساس موجهة ضد الطائفية، فلا يخفى على أعين المراقبين أن الاحتجاجات في بيروت وبغداد قد نالت من جميع القوى السياسية مجتمعة.

وتابع التقرير: كما أنها نالت ليس فقط من نفوذ إيران في الدولتين، بل امتد تأثيرها السلبي إلى نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية التي ينظر إليها الشباب العربي على أنها الشيطان، سواء كان أخرسا أو كان بسببه حدثت كل هذه الجرائم في الوطن العربي. ومن مفارقات السخرية في العالم العربي أن الشباب الذين يطالبون حكامهم بالرحيل ، قد عهدوا إليهم تقرير من سيخلفهم في الحكم، كيف يمكن للعقل أن يتصور ذلك؟

لكن من وجهة أخرى، يضيف التقرير، فإن هناك بعض المنطق في هذا الطرح في ضوء الانتفاضات الشعبية التي بدأت في بداية العقد الحالي، فعلى سبيل المثال في القاهرة تم تصوير من بدأوا شرارة الاحتجاجات الشعبية في 25 يناير/كانون الثاني 2011 على أنهم من النخبة الليبرالية التي تبتعد، بل وتتناقض مع أغلبية المصريين المتدينين، حتى عندما لحق بهم الإخوان المسلمين تم تصنيف الثورة على أنها ثورة متطرفين.

وأشار إلى أن "هذا النهج التصويري استمر في الثورة السورية، بل زاد عليه نجاح حلفاء بعض الفصائل الخارجيين في عسكرة الثورة السورية، وهذا ما جعلها حقيقية".

أما في لبنان والعراق، وهما دولتان عاشتا حروبا شبيهة بسوريا، أصبح الناس أذكياء للغاية بحيث لا يرتكبون الأخطاء نفسها، فيما شهدت الجزائر والسودان أيضا، انتفاضات في العام الماضي، وكلاهما نجح في ذلك، على النقيض من سوريا، فقد تمكنا من طرد القادة القدامى المهزومين، بحسب التقرير.

ورأى الكاتب أنه "مع ذلك، في كلتا الحالتين، أوضح الداعمون العسكريون للنظام القديم أنهم لن يتخلوا عن السلطة الحقيقية - كما هو الحال في مصر، أصبح من الواضح أن الجيش خفف من خروج الرئيس مبارك للحفاظ على سلطته الخاصة، وليس لإضعافها".

وتابع: لقد أدرك المحتجون في لبنان والعراق، سواء بشكل واضح أو شبه واع، أن محاولة تقديم أنفسهم كحكومة بديلة ضد دولة مسلحة ومستعدة لاستخدام القوة هي لعبة حمقاء. في كلا البلدين، هاجمت المليشيات الموالية للحكومة المدعومة من إيران معسكرات الاحتجاج، في حالة العراق بقوة مميتة، لكن من خلال رفض اقتراح حكومة بديلة، أضعف المحتجون تأثير هذه الهجمات - لأنه حتى لو شوهت المليشيات وقتلت المتظاهرين، لا يمكن للقوة أن تحل المشكلات التي تواجهها البلدان.

ولفت التقرير إلى أنه عندما فر الرئيس زين العابدين بن علي بعد عشرة أيام من وفاة البوعزيزي في تونس، التي أطاح بها حشد غاضب سار في اتجاه قصره، بدا وكأنه ينطلق في اتجاه بدا أنه لا يمكن وقفه.

ونوه إلى أن "ابن علي كان بطبيعته شخصية مثيرة للسخرية، يدور في فلك الزوجة الشابة الممسكة بزمام الأمور في البلاد، واستهزأ بانتظام حتى في البرقيات الدبلوماسية من حلفائه الأمريكيين لفشلهم في السيطرة على فساد عائلته، لكنه لم يكن بأي حال من الأحوال أكثر طغاة أو قسوة ديكتاتوريات الشرق الأوسط".

وبيّن أنه في الوقت الذي سيطرت فيه عائلة ابن على مقاليد الأمور تعيث فسادا في تونس، سمح للمؤسسات البديلة بالازدهار، مثل الصحافة الحيوية إلى حد ما، والمجموعات النسائية وحركة نقابية قوية، وسرعان ما انضم إليهم حزب إسلامي كان سعيدا بالتعامل مع هذه النماذج السياسية البديلة في التفاوض حول كيفية استبدال ابن علي.

وأكد التقرير أنه ليس من قبيل الصدفة أن يبدو أن تونس وحدها هي التي أوفت بوعد الربيع العربي. ولم يُسمح لبلدان أخرى بتطوير هذه القوة المؤسسية.

موجة ثانية

وتطرقت "التايمز" إلى الموجة الثانية من الربيع العربي التي قالت إن الأساليب تُظهر أن إرادة التغيير لم تختف، لكن مؤيديها يقبلون حدود ما يمكنهم تحقيقه مع الأنظمة المستعدة لاستخدام القوة لإفنائهم. عاد الشارع العربي، "الوحش" الذي بشر به كثيرا والذي أثبت نفسه منذ فترة طويلة على أنه "نمر ورقي" ضد النفوذ الغربي في بلدان مثل مصر، وهذه المرة كحارس رقابي ضد الحكام، قد لا تنجح في تولي السلطة في بلادها، ولكن ربما هذا ليس هو الهدف منها.

وفي تقرير آخر للصحيفة البريطانية، حذرت أن فشل الموجة الثانية من الربيع العربي يشكل خطورة على نطاق أوسع من تلك التي تسبب فيها فشل الموجة الأولى. وتابع: "أن العالم العربي يعاني من زلزال الشباب".

وأوضح أن حوالي 60 في المئة من سكان الشرق الأوسط الآن أقل من 30  عاما، وهم ممتلئون بالإحباط من الحكم الفاسد، والتدخل الأجنبي الخبيث، وتأثير الجيش المتعجرف في الحياة اليومية.

ولفت التقرير إلى أنه "قبل حوالي 10 سنوات، دفعت نفس العوامل بمئات الآلاف إلى الشوارع فيما أصبح يعرف بالربيع العربي". وأردف: "الآن عاد المحتجون مرة أخرى، ولكن بشكل أكثر حكمة ولكن أكثر غضبا".

وزاد: "تجري المظاهرات في جميع أنحاء المنطقة في البلدان التي كانت على هامش الموجة الأولى من التمرد. في الموجة الأولى كانت تونس ومصر وسوريا وليبيا والمغرب والبحرين. وفي الموجة الثانية الآن العراق والجزائر والسودان ولبنان".

وأكد التقرير أن "احتجاجات العراق ولبنان على وجه الخصوص تشكل خطرا، خاصة مع عدم اكتمالهما، لأن التمرد يتحدى مباشرة تأثير إيران في مؤسسات البلدين السياسية".

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإنه لا يمكن لطهران، التي بدأت تشعر بالذعر من موجة من الاضطرابات في مدنها، أن تتحمل مزيدا من تهاوي نفوذها الإقليمي.

وأضاف تقرير "التايمز" أن "الرهان هو أن إيران ستبدأ في التحول لتكون أكثر شرا في العام المقبل نحو الدول التي تعتبرها دولا عميلة، وهذا بدوره سيدق طبول الحرب إلى الشرق الأوسط".

تهديد واسع

وأشار إلى الموجة الثانية من الربيع العربي تمثل تهديدا واسعا آخر، مضيفا "إذا أدت الاحتجاجات إلى القمع وإلى جيل شاب معزول بالكامل ومتعلم بشكل جيد، فسوف ينزلون إلى القوارب ويعبرون المياه إلى أوروبا".

وأوضح التقرير أن هذا ليس توقعا خياليا، فإنه عندما قرر بشار الأسد أن الطريقة الملائمة للتعامل مع الاحتجاجات الديمقراطية هي إطلاق النار عليهم في عام2011 ، لتدخل سوريا في حرب أهلية و9 سنوات من الفظائع وسوء المعاملة.

ولفت إلى أن "السوريين  النازحين من ديارهم على أيدي قوات النظام المتفجر، شكلوا قمة موجة الهجرة إلى أوروبا"، مضيفا "كما تعرض المصريون أيضا للضرب والسجن بالآلاف من حكومة الجنرال عبدالفتاح السيسي.  وانزلق الليبيون واليمنيون إلى الحرب وانضم الشباب من جميع هذه البلدان إلى الهجرة الجماعية".

وأردف التقرير: "لقد اعتقدوا أن الإطاحة بالزعماء سوف تضع حدا للفساد وظروف المعيشة المهينة. وبدلا من ذلك، تم إعادة تشكيل النخب الحاكمة، ونمت سلطة الشرطة، وغازلت المحاكم السادة الجدد".

ومضى تقرير الصحيفة البريطانية، بالقول: "لا توجد أسباب كثيرة للاعتقاد بأن الموجة الثانية من الربيع العربي ستنتهي بشكل مختلف، لكن الغرب لا يستطيع التخلي عن الأمل في عملية الإصلاح".

وأوضح أن "ذلك ليس فقط من باب المصلحة الذاتية (لأن الاضطرابات في شمال إفريقيا تزعزع استقرار جنوب أوروبا بشكل مزمن) ولكن أيضا لوقف اتجاه تآكل الديمقراطية بشكل عام في السنوات الخمس الماضية". وتابع "في العراق ولبنان، بدأ المتظاهرون الذين بدأوا يشكون من ضرائب البنزين وأسعار المكالمات الهاتفية لتطبيق واتساب، يريدون الآن تغييرا في النظام".

وأشار التقرير إلى أنهم يريدون أكثر من استقالة رؤساء الوزراء، فهم يريدون وضع حد للتقسيم الطائفي والديني للسلطة الذي يمنح الوزارات والوظائف البيروقراطية المحورية والعقود المربحة على أساس المحسوبية.

وبحسب التقرير، فقد كانت هناك بعض قصص النجاح من أول الربيع العربي، بما في ذلك تونس، البلد الذي بدأ كل شيء. وأوضح أن هذه الجولة تشهد قيام السودان بالإنجاز الأكبر، لافتا إلى أن السودانيين الذين صمموا على إسقاط عمر البشير منذ 7 أشهر، قد يكونون قادرين على إيجاد طريقة للخروج من الوضع المريع الذي ورثه لهم، عبر تحقيق التوازن بين الحكم المدني والعسكري.

وبيّن: "المهم الآن هو أن الشباب والشابات في الشرق الأوسط يكتسبون شعورا بأنهم مواطنون تحترمهم الحكومة،  وأن الحكومات لا تتورط في تكتيكات الدولة البوليسية القاسية لتقييد المساحة العامة والنقاش المفتوح؛ وأن الدول تحقق ذاتها من خلال الشروع في الإصلاح بدلا من إجبارها عليه".

واختتمت الصحيفة البريطانية تقريرها، بالقول: "لقد بذل الغرب قصارى جهده لمساعدة أوروبا الوسطى بعد انهيار الحكم الشيوعي في التسعينيات. وساعد صندوق المعرفة البريطانية للمهنيين الشباب في تأسيس طبقة وسطى جديدة. هناك حجة قوية لإطلاق جهود مماثلة لشباب الشرق الأوسط. يجب ألا تقع منطقة حيوية من الناحية الإستراتيجية في دائرة الاحتجاج والقمع".