شرق المتوسط.. هكذا أحبطت تركيا خطط اليونان عبر قوة البارود

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفتان تركيتان الضوء على المناورات الأخيرة في البحر الأبيض المتوسط، التي أجرتها عدة دول بمفردها مؤخرا أو بالاشتراك مع أنقرة، ما يظهر وجود تغير في توازنات القوى بالمنطقة.

وذكرت الكاتبة ديدام أوزيل تومر في مقال لها بصحيفة ميلييت أن التدريبات والمناورات البحرية الأخيرة خيبت آمال أثينا لعدم وجود موقف عسكري صارم تجاه أنقرة، في حين قال الكاتب بصحيفة صباح برهان الدين توران: إن تركيا تعمل على تغيير التوازنات في البحر المتوسط عبر خطوات إستراتيجية ثقيلة. 

وقالت الكاتبة تومر: إن "إجراء القوات التركية مناورات في البحر المتوسط بالتعاون مع القوات الإيطالية وقبلها مع البحرية الأمريكية، يعد خيبة أمل لليونان".

ولفتت إلى أن التدريبات كانت بالتعاون بين الفرقاطة الإيطالية، ITS ZEFFIRO وسفن التنقيب التركية العاملة في سواحل البحر الأبيض المتوسط في مسعى تركيا لإرسال رسائل بكل الطرق وبكافة الاتجاهات.

ورأت تومر أن هذه التدريبات أصابت أثينا بصدمة، "فبينما كان من المتوقع أن تحمي الفرقاطة الإيطالية مصالح اليونان في شرق المتوسط، أجرت تدريبات ومناورات واسعة مع الطواقم البحرية التركية ضمن نطاق عملية درع المتوسط، وهذا الوضع لن يكون مختلفا في المستقبل" بحسب تقديرات إعلامية يونانية نقلتها الكاتبة.

رسائل المناورات

وذكرت تومر أن المناورات مع إيطاليا جرت في قاعدة "اكاظ" التابعة للبحرية التركية على الساحل الجنوبي الشرقي لبحر إيجة في منطقة مرمريس- موغلا.

وبالإضافة إلى المباني العسكرية، فإن القاعدة تضم ثكنات تشبه الشقق والمرافق الاجتماعية تمتد على أكثر من 8000 فدان من الأرض. كما أنه وفي النصف الأول من شهر يناير/كانون الأول، سيتم استضافة مجموعة طائرات شارل ديغول الفرنسية في ميناء مرسين جنوبي تركيا. 

منذ فترة طويلة، توفر القوات البحرية التركية الدعم اللوجستي للمتحالفين معها عبر سفنها المشاركة في عملية درع البحر المتوسط.

ومع ذلك فإن دول حلف الناتو تراقب عن كثب أنشطة أنقرة المتصاعدة في البحر، بواسطة جيرانها المنخرطين بذات الحلف؛ في إشارة لليونان.

ففي شهر ديسمبر/كانون الأول احتلت التدريبات الأمريكية والإيطالية التي أجريت في البحر مساحة واسعة في الإعلام اليوناني، حيث علقت مصادر عسكرية أن التدريب المتتالي كان مخيبا للآمال بشدة للرأي العام في أثينا.

وأضافت تومر أن وسائل الإعلام اليونانية قالت عن حاملة "طائرات هاري ترومان" التي أجرت تدريبا في 11 ديسمبر/كانون الأول إنه "ليس نشاطا عشوائيا" وأن "الأتراك أعطوا رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لن تتدخل بهذه الطريقة"، أي أنه لن يكون لواشنطن موقف عسكري إزاء ما يحدث سواء تجاه الموقف التركي أو غيره.

وتطرقت تومر إلى ردود الفعل اليونانية بعيد توقيع تركيا مذكرة تفاهم بحرية مع ليبيا، حيث تدور أنباء عن قرب توقيع اتفاق يوناني مع كل من قبرص الرومية وإسرائيل لبناء خط غاز إلى أوروبا عبر هذه الأطراف الثلاث.

ويوقع رئيسا وزراء اليونان وإسرائيل والرئيس القبرصي، في يناير/كانون الثاني 2020، اتفاقا في أثينا لمد خط الأنابيب "إيست ميد"، بجانب روما أيضا. ومن المتوقع أن يبدأ هذا الخط من حوض لفينت في إسرائيل وصولا إلى جزيرة كريت في اليونان ومن ثم إلى أوروبا عبر إيطاليا. 

وبين الكاتب أن هذا الاتفاق تقريبا شبه منتهي، حيث جرى توقيع بعض الاتفاقيات الممهدة له، غير أن عدم انضمام إيطاليا إلى الاجتماع المقرر في 2 من شهر يناير/كانون الأول يثير الانتباه.

قوة البارود

ويعارض رئيس الوزراء الإيطالي بالفعل هذه الاتفاقية، غير أن اليونان ترى أن الملاحظات الإيطالية فنية ليس أكثر.

ورأت مواقع إعلامية يونانية أن "الأتراك أبطلوا هذه الاتفاقية بقوة البارود في عرض البحر المتوسط"، مضيفة أن "المساعدة المتوقعة من أوروبا لم تأت، وما لم يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات قاسية على تركيا، فلن تتمكن اليونان من الوقوف في وجه أنقرة".

واستدركت هذه المواقع اليونانية أن إيطاليا، وبعد خروجها من الحرب العالمية الثانية، باتت تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، حتى لو كان ذلك على حساب اليونان، وهي - أي روما - لن تمتنع عن التوقيع على اتفاقيات مع أنقرة إذا كان ذلك يصب في مصلحتها.

وأشارت تومر إلى أن الأمور يبدو أنها تسير في هذا الاتجاه بالفعل، إذ أن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، التقى بنظيره الإيطالي لويجي دي مايو ثلاث مرات خلال أسبوع، دون أن يفصح عن ماهية ولا فحوى هذه اللقاءات.

بدوره رأى الكاتب برهان الدين توران أن الرئيس رجب طيب أردوغان أكد بشكل واضح على أن إرسال جنود أتراك إلى ليبيا هو أمر لا جدال فيه، مبينا أنه سيطرح الأمر على البرلمان فور بدء عمله الشهر المقبل وأن الهدف هو "ضمان الاستقرار" و"وقف إطلاق النار" هناك.

وبين الكاتب أن "ليبيا جارتنا عن طريق البحر ونحن نلبي الدعوة إذا ما دعينا، تركيا دولة تقف مع الحكومة الشرعية في ليبيا، وسندعم طرابلس بكل أنواع الدعم في وقت تقدم فيه بعض الدول العربية، دعما غير محدود للانقلابي خليفة حفتر".

وذكر الكاتب أن الدعم التركي المنتظر في ليبيا سيكون على شكل قاعدة عسكرية في عرض البحر والهدف ليس الاشتباك، بل مساعدة الحكومة الشرعية، عن طريق تخفيف آثار الإرهابيين، وليس القصد الوقوف ضد فرنسا ومصر والسعودية والإمارات وروسيا الذين يدعمون الانقلابي حفتر، مشددا على أن الخطوة التركية لا يجب أن تقرأ على أنها "صراع إقليمي".

وأضاف توران: "على العكس تماما، تريد أنقرة عرقلة المسار الذي من شأنه زعزعة استقرار جيران ليبيا وتوسيع العلاقات الإنسانية بين الطرفين، ومن خلال دعم الحكومة الشرعية، تهدف أولا إلى تحقيق التوازن بين الجانبين ثم التوصل إلى حل سياسي".

وهذا يعني أن الحل لن يكون عسكريا، لكنه يساعد في الوصول إلى حل سياسي حيث يدعم ذلك في استئناف جهود الأمم المتحدة من حيث توقفت. ويبين الكاتب أن التطورات في الميدان تدفع بالقوى إلى الجلوس على الطاولة وبدء الحوار إذ لا يتبقى وسيلة أخرى لتحقيق الأهداف سوى ذلك.

مواقف الجيران

وشدد توران على أن أنقرة ليست وحيدة في هذه الجهود، حيث طالب الرئيس أردوغان بأن يكون هناك لبعض الدول العربية كقطر وتونس والجزائر دور في قمة برلين المتعلقة بليبيا.

فمن الواضح أن سقوط طرابلس سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في تونس، التي تأثرت بالفعل بالإرهاب واللاجئين من الحرب الأهلية الليبية، حيث أن تونس تستضيف وفي الوقت الراهن نحو 500 ألف إلى مليون لاجئ. 

وتطرق الكاتب إلى الموقف التونسي مؤخرا بزعامة الرئيس قيس سعيّد والذي أكد أن مواقف بلاده منبعها المصلحة التونسية العليا وهي لن تكون في طرف على حساب آخر.

ويرى أن الرئيس الجديد لتونس يتمتع بقيادة سياسة خارجية مستقلة تعتمد على مصلحته الوطنية وهو يقف ضد الطموحات المغامرة لمصر والخليج التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في شمال إفريقيا؛ أضف إلى ذلك أنه يدعم الحل السياسي في ليبيا، والقبائل الليبية هناك تدعمه في هذا الموقف.

ويعتقد الكاتب أن الجزائر تشعر بعدم الارتياح أيضا بوقوف نظام عبد الفتاح السيسي وراء حفتر، وتريد أن تتخلص طرابلس من الحرب المستعرة على أرضها.

كما أن قطر هي الأخرى أعربت عن عدم ارتياحها من الموقف السعودي والإماراتي مما يحدث في ليبيا وشددت على أنها تدعم الحراك التركي والذي ينشد وقفا لإطلاق النار، وفق للكاتب. 

وفي الواقع فإن الموقف الرسمي الليبي في طرابلس يرى أن "الجزائر، تونس، وتركيا" يمكن أن تحقق دعما في بلاده.

وتطرق توران إلى قرار أنقرة إرسال جنودها لطرابلس، مشددا على أن هناك الكثير من الأطراف عارضت ذلك وعلى رأسها الموقف الروسي، حيث قال المتحدث باسم الكرملين: إن تدخل دولة أخرى في ليبيا لا يسهم في علاج الأزمة بل يعمل على تفاقمها.

هذا على الرغم من أن تركيا قادمة إلى ليبيا بدعوة رسمية من الحكومة المعترف بها دوليا. وفي الحقيقة فإن الوجود المصري والإماراتي بل والدعم الروسي العسكري عبر مرتزقة على صلة وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي من تعيق التوصل إلى سلام في ليبيا.

ورأى الكاتب توران أن تركيا فعلت ما يجب لتغيير التوازن في الخطوط الثلاث وهي "أوروبا شمالا" و"إفريقيا شرقا" و"خط الخليج والبحر المتوسط" عن طريق التفاهمات مع ليبيا وإرسال الجنود والتعاون في خطط جديدة مع طرابلس والحكومة الشرعية.