روسيا في سوريا.. لماذا اتسعت الفجوة بين الإمكانات والطموح؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ تدخل روسيا في سوريا خريف 2015، وهي تحمل آمالا كبيرة بتحقيق أعلى قدر من المصالح الإستراتيجية التي تعيدها إلى المشهد الدولي كقوة عظمى وطرف فاعل قادر على إعادة ترتيب المشهد وفق رؤيتها.

ورغم سقف طموحها المرتفع إلا أن موسكو واجهت عوائق كبيرة حالت دون تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط، وفي سوريا على وجه الخصوص.

تقول دراسة لمركز راند الإستراتيجي، بعنوان "الإستراتيجية الروسية المحدودة في الشرق الأوسط": بأن روسيا استطاعت أن تبرز كقوة فاعلة في سوريا، ومنعت انهيار نظام الأسد، وسعت إلى الاستفادة من الفرص المتاحة لترميم صورتها كقوة عظمى، إلا أنها لم تتمكن من تحمل تكاليف الحفاظ على نفوذها.

مضيفة: "لم تستطع تحويل مكاسبها العسكرية في سوريا إلى نجاحات سياسية تحافظ على مصالحها، كما لم تتمكن من دفع الأسد للقبول بتسوية سياسية تضمن بقاء المصالح الروسية، الأمر الذي تسبب بفجوة كبيرة بين إمكاناتها و طموحها كدولة عظمى".

انتصار زائف

حسب الدراسة، فإن بقاء الأسد ما يزال، حتى اليوم، مرهونا ببقاء روسيا عسكريا، الأمر الذي خلق صعوبة لموسكو فيما إذا قررت الخروج، وجعلها مدفوعة في البقاء عسكريا لاستمرار الحفاظ على مصالحها.

وإلى جانب عدم قدرتها على إيجاد تسوية سياسية تبقي على مصالحها في سوريا، لم يتمكن بوتين من بناء علاقة طويل الأمد مع الشركاء الفاعلين في سوريا، أو إبرام تحالفات إستراتيجية، أو قلب ديناميكية المنطقة لصالحه، بل عمد إلى البحث عن شراكات مؤقتة، وتحقيق مكاسب اقتصادية قصيرة الأجل، دون أن يتمكن من حل الصراعات المستحكمة على المدى البعيد، حسب متابعين.

إلى جانب ذلك، سعت سوريا للبحث عن الفرص المتاحة، ولم تسع إلى صنع الفرص والأحدث، الأمر الذي جعلها طرفا مع شركاء آخرين، تتفاعل مع سياساتهم، وغير قادرة على قيادة أجندة إقليمية أو ممارسة دور دبلوماسي يضمن عدم بقاء مصالحها رهن مصالح الدول الأخرى، وفق مراقبين.

خبراء أكدوا أنه مع نجاحها في تحجيم الدور الأمريكي في المنطقة، إلا أن روسيا أيضا لم تملك القدرة على تحقيق سياسات مستدامة، يمكن أن تؤهلها للحلول محل الولايات المتحدة، ما يتعارض مع الحديث المبالغ عن انتصارات روسيا الجيوسياسية وتضخيم سردية تأثيرها المتزايد في الشرق الأوسط.

يبدو أن الروس يبالغون في تقدير قوتهم ووضعهم في سوريا، متماهين مع الآلة الإعلامية الواسعة التي عملوا عليها، و التي تتحدث عن انتصار روسي واسع في سوريا، وتتجاهل فكرة إنهم في واقع الأمر، عالقون في سوريا، رغم الكثير من الآمال في الثروات التي سوف يحصلون عليها، وحلمهم بكسر التنظيمات التي تمثل مشكلة إستراتيجية لهم.

في حقيقة الأمر، فإن الروس يستغلون التسهيلات الإقليمية والدولية التي منحت لهم، للتمدد في سوريا، ولم تصل بعد إلى مرحلة الصدام المباشر مع إيران، التي تستطيع أذيتهم بشكل كبير هناك.

متابعون للمشهد لم يستبعدوا أن يحدث للروس وضع مشابه لما كانوا عليه في أفغانستان عام 1988، حيث تم استنزافهم لحد كبير بسبب المواجهة العسكرية مع التشكيلات المسلحة غير النظامية، والتي تسببت بخسائر كبيرة وأدت إلى خروجهم من أفغانستان في نهاية الأمر.

تراجع وتنافس

مع أنه لم يحصل صدام مباشر مع إيران لحد الآن، إلا أن المنافسة وتضارب المصالح، تتنافى مع الحديث عن تمكن موسكو من الهيمنة في سوريا، بشكل يتواءم مع قوتها ويتناسب مع طموحها.

صحيفة "الموندو" الإسبانية نشرت تقريرا تحدثت فيه عن تضارب مصالح كل من روسيا وإيران في سوريا، أشارت خلاله إلى أن "كل طرف منهما يسعى إلى تعزيز وجوده وحماية مصالحه على حساب الطرف الآخر". 

ورأى التقرير أن العلاقة بين إيران وروسيا تأزمت بعد احتفال بشار الأسد بالانتصارات التي حققها في الحرب التي دامت لأكثر من 8 سنوات".

وتستدل الصحفية على الغضب الإيراني بتصريحات للأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، قال فيه: "إيران ستلعب دورا مهما في سوريا لحماية مصالحها الوطنية من جهة، والمساعدة على تحقيق الأمن في سوريا من جهة أخرى". مضيفا أن "إيران تدخلت في سوريا بناء على طلب رسمي من دمشق". 

وأكدت الصحيفة أن "ردود الأفعال المتشنجة تدل بشكل واضح على تصادم مصالح الدول التي ساهمت في إشعال فتيل الصراع السوري، وأدت إلى سفك دماء مئات الآلاف من السوريين، وتسببت في أزمة اللاجئين التي لم يسبق لها مثيل".

وصل التنافس مع إيران لحد التنافس الديني، حيث افتتح وفد من رجال الدين مسيحيون ومسلمون، من مجمع الأديان الروسي مدرسة "الشهيد عدنان كولكي" في برزة بدمشق، وذلك بعد إعادة ترميمها جراء المعارك التي جرت في السنوات الأخيرة.

وقالت وكالة سبوتنيك الروسية: إن "صندوق الجمعيات الدينية في روسيا الاتحادية قام بترميم مدرسة الشهيد محمد عدنان كولكي للتعليم الأساسي بدمشق،  بحضور السفير الروسي، وأظهرت رجال دين مسيحيين ومسلمين من روسيا وهم يتوسطون الطلاب السوريين.

ما حدث كان سابقة تعد الأولى من نوعها في سوريا التي تسيطر فيها الحكومة بشكل كامل على عملية التعليم في القطاعين العام والخاص. ومن اللافت تجاهل وسائل الإعلام الرسمية نبأ افتتاح المدرسة بحضور رجال الدين الروس الذين قاموا بتمويل ترميم المدرسة. 

ونجحت روسيا في دفع النظام السوري إلى إدخال اللغة الروسية إلى المناهج المدرسية كلغة ثانية، ومن المتوقع أن يزيد دخول مجمع الأديان إلى مجال دعم التعليم في سوريا حمى التنافس.

وسبق وأعلن وزير التعليم الروسي ستانيسلاف غابونينكو، أثناء الاجتماع المشترك بين لجان التنسيق الروسية والسورية لعودة اللاجئين، قرار وزارته بطرح مناقصة للهيئات والشركات الراغبة في إنشاء وتطوير سلسلة مراكز للتعليم المفتوح، ولتعليم اللغة الروسية في سوريا.

طريق الفشل

بنفس درجة فشل الولايات المتحدة في العراق، فإنه يبدو أن روسيا في طريقها إلى الفشل في سوريا، فضلا عن تسببها بتفتيت البلد وإبقائه في حالة صراع داخلي لسنوات وربما عقود، وتبرر روسيا تدخلها في سوريا بمحاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة وغيره من الفصائل، والبحث عن حل لجميع السوريين، في الوقت الذي تقف فيه مع طرف واحد ضد بقية الأطراف السورية.

منذ قرارها المشاركة في سوريا في خريف 2015، سعت روسيا، وفق مراقبين، إلى تعزيز قاعدتها البحرية في طرطوس، وذلك بالحصول على عقد إيجار طويل الأمد، بالإضافة إلى إنشائها ما لا يقل عن 3 قواعد عسكرية إضافية للبلاد، وعززت وجودها البحري في شرق البحر المتوسط، محاولة استعادة دورها كطرف وسيط وفاعل في القضايا الإقليمية.

في تقرير للأوبزرفر أعده الكاتب مارتن شولوف قال فيه: "بوتين تحديدا يعلم الآن أن سوريا في شكلها الحالي غير قابلة للحكم، فإعلانه النصر في ديسمبر/كانون الأول 2017 في قاعدة عسكرية روسية في سوريا، تبعته سلسلة من الأحداث المثيرة، التي دفعت روسيا أكثر في مستنقع الحرب، وكشفت التطورات عن اعتماد الأسد المطلق على الدعم الخارجي -الجماعات الوكيلة- للحفاظ على مناطقه، وتحقيق مكاسب جديدة". 

ويضيف التقرير إن "تصريحات بوتين نهاية عام 2017 تحمل علامات البيان المتعجل الذي قدمه الرئيس جورج دبليو بوش بعد غزو العراق كلها، حيث ظهر في عام 2003 على متن بارجة أبرام لينكولن وخلفه لافتة (المهمة أنجزت)، وكشف الرئيس السابق، الذي حاول إظهار القوة العسكرية الأمريكية، عن حدود السلطة الدبلوماسية". 

وفق خبراء، فإن الأسد رغم أنه لم يعد في خطر، ولا يواجه منظور الانهيار، فإن البلاد لم تعد أبدا البلاد ذاتها التي اعتاد أن يحكمها، فالسلطة المركزية التي تتحكم في دولة بوليسية لم تعد بالقوة والسيطرة ذاتهما، لعدة أسباب أولها: المعارضة المسلحة.

وثانيها: اللاعبون الإقليميون الذين أصبح لهم نفوذ كبير داخل البلاد، ويسعون لاستثمار الفرصة والدفاع عن مصالحهم في حقبة ما بعد الحرب، ومع أي تغيرات اقتصادية، أو بروز قوة جديدة في الصراع السوري، قد يشكل تراجعا أكثر في الدور الروسي.